خريطة المذكرات!
لقد أظلمَت الدنيا فجأة. صرخ «فورميو»: هل فعلت شيئًا؟
أجاب «أحمد» بسرعة: لا يا سيدي.
قال «فورميو»: هناك هجوم على القصر. ويبدو أننا أمام عملية خطرة.
ثم صرخ «بيتر»: ماذا هناك؟
كان الظلام يلفُّ كلَّ شيء، ولم يكن يلمع إلَّا بعض الأسماك الصغيرة في قاع المحيط، كانت تتلألأ، فتبدو كلعبةٍ جميلة. صرخ «فورميو» من جديد: هناك خيانة يا «بيتر».
قال «أحمد» بسرعة: دعني أتصرف يا سيدي.
وفي الظلام تحسَّس جيبَه، حتى وضع يده على جهاز الإرسال، ثم أرسل رسالة شفرية إلى الشياطين، في نفس الوقت كان يسأل: ألَا توجد أجهزة احتياطية يا سيدي؟
ردَّ «فورميو»: نعم. هناك أجهزة احتياطية، ولكن مَن يقوم بتشغيلها؟ … يبدو أنهم عطلوا كلَّ شيء، ومَن تسبَّب في عطلها يعمل في القصر.
سأل «أحمد»: هل يمكن شرح مكانها؟
أخذ «فورميو» يشرح كيفيةَ الوصول إليها، وكيف يتم تشغيلها يدويًّا إذا كانت قد تعطلَت. كان «أحمد» يُترجم كلماتِ «فورميو» إلى الحروف الشفرية، ثم يُرسلها إلى الشياطين، ومن حسن الحظ، أنها لم تكن بعيدةً عنهم. وعندما انتهى أخرج «أحمد» كرة صغيرة، عندما مرَّرها سريعًا فوق ملابسه أصدرَت ضوءًا وقع على وجه «بيتر» الذي كان يبتسم في الظلام، لكن الضوء كشفه. في نفس اللحظة قال «فورميو» في دهشة: أنت يا «بيتر»!
فجأة أضاءَت الغرفة من جديد. كان «بيتر» لا يزال يقف وقد استرجع ابتسامتَه، لكن آثارها لم تكن تخفى على «فورميو». وفي لمحة سريعة كان «بيتر» قد انزلق إلى أعماق الماء. فقد ضغط «فورميو» زرًّا في الأرض بقدمه، فاختفى «بيتر» داخل الضوء الذي أضاء الماء حول الغرفة. كان «بيتر» فريسةً للوحوش البحرية. نظر «فورميو» إلى «أحمد»، وقال: لقد أنقذتَني يا عزيزي «جوبال».
ثم ضغط زرًّا آخر، فبدأت الغرفة ترتفع، حتى استقرَّت في مكانها داخل القصر. لم يغادر «فورميو» المكتب. لقد استغرق في التفكير، لكن «أحمد» قطع تفكيرَه قائلًا: ليس هذا هو الوقت المناسب للتفكير يا سيدي. إن علينا أن نتصرَّفَ بسرعة!
نظر له «فورميو» لحظة، ثم ابتسم، وقال: دعك مني الآن. المهم المذكرات.
ابتسم «أحمد»، وقال: وأنت أيضًا يا سيدي.
ابتسم «فورميو» ابتسامةً ساخرة، وهزَّ رأسه وهو يقول: لا أظن.
ثم أضاف بعد لحظة: أظن أن هذه هي النهاية.
ابتسم «أحمد»، وقال: بل البداية يا سيدي؛ فأنت لا تعرفنا جيدًا.
ابتسم «فورميو» قائلًا: بدأتُ أعرفكم منذ عاد النور من جديد. أعرف أن زملاءَك قد حققوا شيئًا، لكن الصراع أكبر من ذلك. إنه صراعُ عصابات لا تعرف الرحمة يا صديقي الصغير.
قال «أحمد» مبتسمًا: دعنا نرى.
هزَّ «فورميو» رأسَه، وقال: هيَّا بنا.
ثم بدأ يقف في إجهاد، لكنه عاد إلى الجلوس مرة أخرى، ثم فتح درج المكتب، وأخرج علبة صغيرة لا تلفت النظر. قال: في هذه العلبة توجد الخريطة التي تُوصل إلى حيث المذكرات، مدَّ يدَه بها إلى «أحمد»، وقال: احتفظ بها؛ فلا أدري إن كان سوف يمتدُّ بي العمر أم لا. على الأقل، تكون قد حققتَ شيئًا. فقط دَعْني أسترح، وأخبرني لأيِّ عصابة تنتمي؟
فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم قال: إنني لا أنتمي لعصابة. أنتمي إلى منظمة تبحث عن السلام.
لمعَت عينَا «فورميو»، وكاد ينطق وقد امتلأ وجهُه بعلامات الارتياح. لكن الكلمات لم تخرج من فمه؛ فقد كانت طلقةً صامتة قد استقرَّت في قلبه.
دُهش «أحمد» للحظة سريعة ثم قفز يحتمي بحائط الغرفة. انتظر، فقد يظهر أحد، لكن أحدًا لم يظهر، كانت العلبة الهامة ما زالت في يده، دسَّها في ثيابه، فكَّر بسرعة: إنه لا يرى أحدًا، في نفس الوقت لا يستطيع الظهور، فمن الضروري أن هناك أحدًا، وإلَّا، فمن أين جاءت هذه الطلقة الصامتة؟ كان «فورميو» قد انزلق في كرسيه، ثم سقط على الأرض. فكر، إنهم من الممكن أن ينسفوا الغرفة، فأضيع، ويضيع معي كلُّ شيء. بسرعة أخرج جهاز الإرسال، وأرسل رسالة سريعة إلى الشياطين. انتظر قليلًا، فجاءه الرد. عندما قرأه هزَّ رأسه، وتمتم: هذه مسألة طبيعية. ثم قال لنفسه: لا بد أن أُغادرَ هذه الغرفة فورًا. زحف من مكانه في طريقه إلى الباب، ثم توقَّف. قال في نفسه: إن الضوء يمكن أن يكشفَني. من الضروري أن تُظلَم الغرفة. بحث بعينَيه عن مفتاح الإضاءة الذي لم يكن بعيدًا عنه. وقبل أن يتحرك من مكانه، كان صوت طلقة مكتوم يمرُّ بجانبه، جعله يتسمَّرُ حيث كان. فكر لحظة، ثم أخرج مسدسه الكاتم للصوت، صوَّب فوهة المسدس إلى مصدر الضوء، ثم ضغط الزناد. أصابَت الطلقةُ مصدرَ الضوء، فغرقت الغرفة في الظلام. انتظر قليلًا. فجأة، جاء صوت يقول: هل «فورميو» لا يزال حيًّا؟
رد صوت آخر: ربما الشخص الآخر الذي كان معه هو الذي أطفأ النور.
قال الصوت الأول بعد لحظة: ينبغي أن يخرجَ أو نضطرَّه للخروج.
مرَّت فترةُ صمت. كان «أحمد» يسمع كلماتِهم ويفكر في طريقة للخروج من الغرفة. مرة أخرى جاء صوت أحدهم يقول: يمكن أن ننسف الغرفة.
لكن الآخر ردَّ بقوله: أظن أن المذكرات داخل هذا المكتب، ولو نسفنا الغرفة، نكون قد نسفنا المذكرات أيضًا.
قال الثاني: نحن في النهاية سوف نتخلص منها، وهذا هو المهم.
قال الأول: سوف نخسر الجائزة. إن هناك مليون دولار سوف يدفعها الزعيم لمن يعثر على هذه المذكرات. ففيها كلُّ أسرار العصابات الأخرى.
وجاء الحل الذي كان «أحمد» يحاول أن يَصِل إليه. ففجأة تردَّدَت طلقات الرصاص بلا توقُّف … استمع يحدِّد أماكن الطلقات، ثم ابتسم. لقد فَهِم أن هناك جانبًا آخر قد دخل الصراع؛ فعصابات المافيا كلها تريد أن تَصِل إلى مذكرات «فورميو»، وهذه فرصته الحقيقية، أن يخرج بينما الآخرون يتبادلون الطلقات. زحف في اتجاه الباب، ثم توقَّف. كانت الطلقات لا تزال مستمرة … استمر في الزحف حتى أصبح عند الباب. كان الضوء الخافت حوله يعطيه فرصةً أن يرى بعضَ تفاصيل الأشياء، وساعده على ذلك ضوء الطلقات التي يتبادلها الجانبان.
فكَّر لحظة. كانت فكرة ما قد بدأت تتكوَّن في خاطره، لكنها لم تكتمل بعد. استمر في الزحف، فجأة توقف. لقد كان شيء ما يتحرك تحت جسمه. فكر، هل يكون ذلك بابًا يؤدي إلى مكان سِري؟ وإذا كان ذلك صحيحًا، فكيف يفتحه؟ … مدَّ يدَيه يتحسَّس الأرض. فجأة، توقَّفَت يدُه عند دائرة صغيرة دافئة الملمس، أدرك أن الباب يُفتح بتأثير حرارة الجسم، ظل يضغط بيده فوق الدائرة. فجأة، اتسعَت الدائرة، وصدر ضوءٌ قويٌّ منها. أغلقها بسرعة؛ فقد خشيَ أن ينكشف المكان.
فكر لحظة، هل يُرسل رسالة إلى الشياطين يُخبرهم أنه في حاجة إليهم الآن؟ لكي يفسروا الخريطة، ويتجهوا إلى مكان المذكرات. لكن هل يستطيع الشياطين أن يصلوا في الموعد الذي يحدده؟ أو أنهم مشتبكون الآن، مع واحدة من العصابات التي ازدحم بها المكان؟ لكن جهاز الاستقبال أنقذه من حيرته؛ حيث كانت هناك رسالة من الشياطين استقبلها، وظهر الارتياح على وجهه. إنهم الآن … يراقبون فقط، بعد أن أنهَوا اشتباكهم. أخبرهم في رسالة أن يكون اللقاء في النقطة «ق» للأهمية، ثم ضغط على الدائرة، فانفتح بابٌ صغير انزلق منه بسرعة، ثم أغلقه من جديد.
كان الباب يرتفع عن صالة صغيرة بحوالي المتر ونصف المتر؛ ولذلك سقط في الصالة الصغيرة. لم يكن هناك شيء، فقط مجرد حوائط ملساء … صامتة. قال في نفسه: هل هذا فخٌّ وقعتُ فيه؟ كان ضوء الصالة قويًّا، ولم يكن يظهر له مصدر الضوء. ظل يتأمل الجدران الأربعة حوله، ثم قال في نفسه: من الضروري أن يكون هناك مخرجٌ من هذا السجن الصغير. اقترب من أحد الجدران، وظل واقفًا، لكن لم يحدث شيء.
فكر: هل تعمل هذه الجدران بنفس نظرية حرارة الجسم؟ انتقل إلى جدار آخر، فلم يتحرك. اتجه إلى جدار ثالث ووقف أمامه قليلًا. فجأة، انفتح بابٌ في الجدار. ظهرَت طرقةٌ طويلة بيضاء اللون كالثلج. كانت الصالة ممتدة دون نهاية. قال في نفسه: لعله سرداب يؤدي إلى مكان ما، لكنه مع ذلك لم يتقدم. كان يفكر: تُرى هل توجد خدعة في هذا السرداب، تؤدي إلى المحيط وسط وحوش الماء؟ فكر بسرعة ثم أخرج من جيبه جهاز الكشف الدقيق، ثم ضغط زرًّا فيه … انطلقَت أشعةٌ غير مرئية لتقطع الممرَّ كلَّه، ثم ارتدَّت دون أن تسجل شيئًا … قال في نفسه: إذن لا يوجد ما يعوق مسيرتي … ثم تقدَّم بسرعة … لكنه لم يكن يدري إلى أين سوف يَصِل، ولكن من الضروري أن يَصِل إلى النقطة «ق» حيث يلتقي مع الشياطين. قطع حوالي نصف الطرقة الطويلة … فجأة شعر بثقل هائل يهبط فوق كتفه الأيمن … وعندما التفت، كان هناك عملاق ضخم يقف خلفه … وقد تطاير الشررُ من عينَيه … رفع العملاق يده ثم هبط بها مرة أخرى فوق رأس «أحمد» الذي كان قد استعدَّ لها … فانبطح على الأرض … في نفس اللحظة التي ضرب فيها العملاق ضربة قوية … لكن العملاق لم يهتزَّ لضربته، وفي سرعة خاطفة كان «أحمد» ينزع إبرةً مخدرة من حقيبته، ثم يغرزها في ساق العملاق الذي انحنى يبحث عنه … لكنه لم يَعُد إلى استقامته مرة أخرى … فقد كان المخدر قد سرَى بسرعة في جسمه، وسقط على الأرض.
فكر «أحمد» وهو يشعر بألم خفيف في كتفه: إذن هناك معاركُ جديدةٌ سوف تظهر قبل أن أَصِل إلى النقطة «ق»، وبالرغم من ذلك لم يُضِع وقتًا؛ فقد انطلق من جديد … لكن بعد خطوات قليلة كانت هناك مفاجأة جديدة …