اغتيال عن طريق البريد
ربما كانت الأيام القليلة التي تلت ذلك هي أتعس الأيام التي شهدتُها في حياتي حتى ذلك الحين. فقد كانت حياتي، منذ غادرتُ المستشفى، سلسلةً من خيبات الأمل والكثير من الحرمان. وقد اجتمعت الطموحات والرغبات التي لم تتحقَّق مع النفور من الأعمال اليومية الشاقَّة التي كانت من نصيبي لتزيد مرارة فقري وتجعلني أنظر إلى المُستقبل غير الواعد بكآبةٍ وارتياب. لكن لا يمكن مقارنة أي حزنٍ شعرت به حتى الآن مع الأسى الذي كنتُ أشعر به حين أتأمَّل الدمار الذي لا يمكن إصلاحه والذي لحق بما عرفتُ أنه الشغف الأكبر في حياتي. فرجل مِثلي، قليل الأصدقاء عميق المودة، يمكن لاضطرابٍ عاطفي كبير أن يستنفد إمكانياته الطبيعية؛ فلا يبقى لدَيه إلا أصداء واهنة وغير فعَّالة لمشاعره السابقة. إن صرحًا للحُب يُبنى على أنقاض عاطفةٍ عظيمة لا يمكن أن يُقارَن أبدًا بالصرح الأصلي الذي كان ينتصِب قبله.
كنتُ قد اختلقتُ ذريعةً للكتابة لجولييت وتلقيتُ ردًّا مباشرًا وودودًا للغاية، ومن خلال ردِّها علمتُ أنها لم تضع عليَّ لائمة الثوران المؤقت لمشاعرنا — كما كانت بعض النساء ستفعل. ومع ذلك كان هناك اختلاف طفيف عن أسلوبها السابق في الكتابة، الأمر الذي أكَّد على أن انفصالنا كان حاسمًا ونهائيًّا.
وأظنُّ أن ثورندايك أدرك أن شيئًا ما قد انتهى بإخفاق، رغم أنني كنتُ أبذل جهدًا كبيرًا في الحفاظ على مظهرٍ بشوش وكنت أُبقي نفسي منشغلًا، وعلى الأرجح أنه خمَّن بحكمةٍ وحصافة طبيعة المسألة؛ لكنه لم يقُل شيئًا، ولم أُقَدِّر أنه لاحظ تغيرًا في سلوكي إلا من حقيقة أن لُطفه الهادئ والمعتاد كان ممزوجًا بنبرةٍ طفيفة من التعاطُف والمودة.
وبعد عدة أيامٍ من آخر لقاءٍ لي بجولييت، وقع أمر خفَّف من التوتر وساعدَني على إلهاء نفسي، وإن كان بطريقةٍ غير مقبولة إلى حدٍّ بعيد.
كان ذلك وقت الساعة الهادئة والبهيجة بعد العشاء التي اعتدنا أنا وثورندايك أن نقضيها جالسَين في كرسِيَّينا الوثيرَين، نُدخِّن الغليون ونتناقش في بعض المواضيع الكثيرة التي بيننا فيها اهتمام مشترك. وكان رجل البريد قد أفرغ في صندوق الرسائل الكبير والواسع كومةً من الخطابات والدوريات، وحيث جلستُ استعرِض سريعًا الخطاب الوحيد الذي كان من نصيبي، كنت أنظر من وقتٍ إلى آخر إلى ثورندايك ولاحظت، كما فعلت كثيرًا من قبل، بشيءٍ من الاندهاش، عادةً لدَيه مثيرةً للفضول، تتمثَّل في أنه يُقلِّب كل خطابٍ وطردٍ في يده فينظر فيه عن كثب ويُدقِّق فيه قبل أن يفتحه.
تجرَّأتُ الآن على أن أقول: «أُلاحظ يا ثورندايك أنك دائمًا ما تفحص الخطابات من الخارج قبل أن تنظر في داخلها. رأيتُ آخرين يفعلون مثلك، وأرى دائمًا أن هذا الإجراء سخيف سخافةً لا مَثيل لها. إذ لماذا أتكهَّن بشأن خطابٍ غير مفتوح في حين أن بإمكاني أن أُلقي نظرةً على محتوياته وأعرف كل ما أريد معرفته؟»
فأجابني ثورندايك: «أنت مُحق تمامًا، إذا كانت غاية المعاينة هي اكتشاف هُوية مُرسِل الخطاب. لكن هذه ليست غايتي. في حالتي، كنتُ أنا من طوَّرت هذه العادة عمدًا — وليس فيما يتعلق بالخطابات وحسب، بل على كل شيءٍ يقع في يدي — عادة ألَّا يمر عليَّ شيء من دون قدْر معيَّن من الانتباه الواعي. ففي واقع الأمر، الرجل القوي الملاحظة هو الرجل الواعي والمُنتبه، وما يُطلَق عليه قوة الملاحظة هو ببساطة القدرة على الانتباه باستمرار. وفي الحقيقة وجدتُ من خلال الممارسة العملية أن هذه العادة مُفيدة حتى فيما يتعلَّق بالخطابات؛ فقد رأيتُ بعض الإشارات أكثر من مرةٍ على الجانب الخارجي ووجدتُها قيِّمةً ومفيدة حين طبَّقتُها على محتويات الخطاب. إليك على سبيل المثال خطابًا فُتِح بعد لصقه؛ على الأرجح بمساعدة البخار. فظرف الخطاب ملطَّخ ومحكوك، وتفوح منه رائحة تبْغ فاسد طفيفة، ومن الجليِّ أنه حُمِلَ في جيبٍ إلى جانب غليونٍ يُستخدَم كثيرًا. فلماذا فُتِحَ هذا الخطاب؟ عند قراءتي له تبيَّن لي أنه كان ينبغي أن يصِلني قبل يومَين، وأن التاريخ عليه قد عُدِّل بمهارة، من الثالث عشر إلى الخامس عشر. واستنتاجي من هذا أن مُرسِل هذا الخطاب لديه كاتب غير جدير بالثقة إلى حدٍّ كبير.»
قلت معترضًا: «ولكن ربما يكون المُرسِل قد حمله في جيبه.»
فأجاب ثورندايك: «هذا مُستبعَد. فلم يكن سيُكلِّف نفسه عناء أن يفتح خطابه بالبخار ثم يُلصقه ثانية؛ كان سيقطع الظرف ويرسِل الخطاب في ظرفٍ جديد. وهذا ما لا يستطيع الكاتب فعله؛ لأن الخطاب كان خصوصيًّا ومكتوبًا بخطِّ يد رب العمل. ومن المؤكد أن رب العمل كان سيُذيِّله بحاشيةٍ أو ملاحظة؛ وعلاوةً على ذلك، هو لا يُدخِّن. غير أن كل هذا واضح جدًّا؛ لكن إليك شيئًا أكثر مكرًا كنت قد نحَّيته جانبًا من أجل مزيد من المعاينة والتدقيق. ماذا تستنتج منه؟»
أعطاني طردًا صغيرًا رُبِطَت فيه بسلسلةٍ بطاقةُ عنوان طُبِعَت على آلة كاتبة، وكان الجانب الخلفي منها يحمِل حروفًا مطبوعة نصُّها: «جيمس بارتليت وأولاده، صانعو سيجار، لندن وهافانا.»
قلت، بعد أن قلَّبت الطرد الصغير في يدي ودقَّقت في كل جزءٍ منه: «يؤسفني أن أُخيِّب ظنك بأن أقول إن هذا مصنوع بإتقان بالغ. فالشيء الوحيد الذي أُلاحظه هو أن موظَّف الآلة الكاتبة لم يُتقن كتابة العنوان بصورة كبيرة. خلافًا لذلك، يبدو لي هذا الطرد عاديًّا للغاية.»
فقال ثورندايك وهو يأخذ الطرد منِّي: «حسنًا، لقد لاحظتَ نقطةً مهمة، على أي حال. لكن دعنا نُعاين الطرد بطريقةٍ منهجية وندوِّن ما نرى. في المقام الأول، ستُلاحظ أن بطاقة العنوان عادية كالتي يمكن أن تشتريها من أي قرطاسية، وبها سلسلة مُتصلة بها. والآن، عادةً ما يستخدِم الصانعون طرازًا مختلفًا وأكثر متانة، يُربَط إلى الطرد بالسلسلة. لكن هذا أمر صغير. ما يلفت النظر أكثر هو العنوان المطبوع على البطاقة. العنوان مكتوب على الآلة الكاتبة، وكما قلت، مكتوب بطريقةٍ سيئة جدًّا. فهل تعرف أي شيءٍ عن الآلات الكاتبة؟»
«أقل القليل.»
«إذن لم تتعرَّف إلى الآلة؟ لقد كُتِبَ على هذه البطاقة بآلة بليكنسدرفير؛ إنها آلة ممتازة، لكنها ليست النوع الذي يُنتقى غالبًا من أجل إنجاز العملِ الشاقِّ في مكتب أحد المُصَنِّعين؛ لكن سندع هذا يمرُّ مرور الكرام. النقطة المهمة هي الآتي: شركة بليكنسدرفير تصنع عدة أشكال من الآلة، أصغرها وأخفُّها وزنًا هي آلة الأدباء، وهي مُصمَّمة خصوصًا ليستخدمها الصحفيون والأدباء. والآن كُتب على هذه البطاقة باستخدام النموذج الأدبي من آلة بليكنسدرفير، أو على الأقل، باستخدام عجلة الطباعة الأدبية؛ وهذه حالة جديرة بالملاحظة جدًّا.»
سألته: «كيف عرفت هذا؟»
«من علامة النجمة المطبوعة هذه، التي طُبِعَت بطريق الخطأ، حيث ضغط الموظف العديم الخبرة على رافعة هذا الحرف عوضًا عن رافعة كتابة الحروف الكبيرة. وعجلة الطباعة الأدبية هي الوحيدة التي بها علامة نجمة، وقد لاحظتُ هذا حين كنت أفكِّر في شراء واحدة. إذن نحن هنا أمام حقيقةٍ ساطعة جدًّا؛ لأنه حتى لو اختار المُصَنِّع أن يستخدم آلة بليكنسدرفير في مصنعِه، فلا يمكن تصوُّر أن يختار الشكل الأدبي من هذه الآلة ويفضِّله على الآلة «التجارية» المناسبة أكثر.»
قلت موافقًا: «أجل، هذا أمر غريب جدًا بحق.»
أردف ثورندايك: «والآن، لنحقِّق في الكتابة نفسها. لقد أنجزها شخصٌ مبتدئ للغاية. لقد أخفق في وضع مسافة في موضعَين، وكتب خطأً خمسة حروف، وكتب علامات عوضًا عن حروف كبيرة في حالتين.»
«أجل؛ لقد جعل الكتابة فوضوية. أتعجَّب أنه لم يتخلص من هذه البطاقة ويكتب غيرها.»
فقال ثورندايك: «بالضبط. وإن أردْنا أن نعرف سبب عدم فعله ذلك، ليس علينا سوى أن ننظر في الجانب الخلفي من البطاقة. تلاحظ أن اسم الشركة مطبوع على شريحة منفصلة من الورق لُصِقت على البطاقة، بدلًا من أن يكون مطبوعًا على البطاقة نفسها بالطريقة المعتادة؛ وهذا إجراء سخيف وأخرق وينمُّ عن عدم إتقان، كما أنه ينطوي على تضييع قدْر من الوقت. لكن إذا نظرنا عن كثب أكثر إلى شريحة الورق المطبوعة، نرى شيئًا جديرًا بالملاحظة؛ تلك الشريحة الورقية قُطِعَت لتلائم البطاقة، كما أنها قُطِعَت باستخدام مقص. فالحواف ليست مستقيمةً إلى حدٍّ كبير، وفي أحد المواضع، يمكن بسهولة ووضوح رؤية «التداخُل» الذي يميِّز استخدام المقص في القطع.»
أعطاني ثورندايك الطرد ومعه عدسة للقراءة، فاستطعتُ من خلالها أن أتبيَّن النِّقاط التي ذكرها.
ثم أردف: «والآن لستُ في حاجة لأن أقول إن الكاتب شذَّب هذه الشرائح الورقية بطبيعة الحال لتكون بالحجم المناسب لآلته، الأمر الذي سيُخلِّف في الشريحة الورقية حدًّا مسنونًا؛ كما أنني لستُ في حاجة لأن أقول إنه لا يوجَد رجل أعمال عاقل يمكن أن يستخدِم أداةً كهذه. لقد قُصَّت شريحة الورق بالمِقص لتلائم البطاقة، كما لُصِقَت على سطح البطاقة التي قُصَّت لتلائمها، في حين كان من الممكن توفير كل هذا الوقت والعناء — اللذَين يُترجَمان في الواقع إلى مالٍ — عن طريق طباعة الاسم على البطاقة نفسها.»
«أجل، هذه هي الحال حقًّا؛ لكنني ما زلتُ لا أرى سببًا يمنع هذا الرجل من التخلُّص من هذه البطاقة وطباعة أخرى.»
فقال ثورندايك: «انظر إلى الشريحة مرةً أخرى. لقد تغيَّر لونها بقدْرٍ طفيف لكن واضح، ويبدو لي أنها نُقِعَت في الماء. لنفترض صحَّة هذا في الوقت الراهن. قد يبدو من هذا أنها أُزيلت عن طردٍ آخر، الأمر الذي قد يُشير مرةً أخرى إلى أن هذا الشخص الذي يستخدِمها لم يكن لدَيه إلا شريحة ورقية واحدة، فنقَعَها في الماء ليُزيلها عن الطرد الأصلي، وجفَّفها، وقصَّها وألصقها على البطاقة التي أمامنا. وإن كان قد لصقها على الطرد قبل طباعة العنوان عليها — الأمر الذي من المُرجَّح أن يكون قد فعلَه — فربما كان غير راغبٍ في المجازفة بتدميرها عن طريق نقعِها مرةً ثانية.»
«هل تظن إذن أن هذا الطرد قد جرى العبث به؟»
فرد ثورندايك: «لسنا في حاجةٍ لأن نتسرَّع في الاستنتاج. إنما ضربت لك هذا المثال لأُبيِّن لك أن المعاينة الدقيقة لطردٍ أو خطاب من الخارج قد تقودنا لأن نُولي اهتمامًا إضافيًّا إلى المحتويات. والآن لنفتحه ونرى ما هي هذه المحتويات.»
بسكينٍ حادٍّ فصل ثورندايك الغلاف الخارجي، فكشف عن علبةٍ من الورق المقوَّى السميك مغلَّفة في عددٍ من أغلفة الإعلانات الورقية. وحين رُفِع غطاء العلبة، رأينا أنها تحتوي على سيجار واحد فقط — سيجار كبير من نوع شيروت — معبَّأ في قطن ناعم.
فهتفت: «سيجار هندي، يا للمفاجأة! إنه النوع الذي تُفضِّله بصفةٍ خاصة يا ثورندايك.»
«أجل؛ وثمة مفارقة أخرى كما ترى، كنا سنغفل عنها لو لم نكن يقظَين.»
فقلت: «في واقع الأمر أنا لا أرى شيئًا. ستحسبني أحمق للغاية، لكنني لا أرى أي غرابةٍ في أن يرسِل صانع سيجار أحد منتجاته عينةً.»
أجاب ثورندايك: «أظن أنك قرأت البطاقة، أليس كذلك؟ لكن دعنا ننظُر إلى أحد هذه المنشورات ونرى ما تقوله. آه! ها نحن ذا: «السادة بارتليت وأبناؤه الذين يملكون مزارع كبيرة في جزيرة كوبا، يصنعون سيجارهم حصريًّا من أوراقٍ مُنتقاة زرعوها بأنفسهم.» من المُستبعَد أن يصنعوا سيجارًا هنديًّا من نوع شيروت من أوراق التبغ المزروعة في الهند الغربية، إذن لدَينا هنا مفارقة بارزة تتمثَّل في سيجار منشؤه الهند الشرقية أرسله لنا زارع تبغ من الهند الغربية.»
«وماذا تستنتج من ذلك؟»
«أولًا أن هذا السيجار — الذي هو بالمناسبة عيِّنة نادرة للغاية، والذي ما كنت لأُدخِّنه لقاء عشرة آلاف جنيه — يقتضي معاينةً في غاية الدقة.» ثم أخرج من جيبه عدسةً مزدوجة قوية، وبمساعدتها فحص كل جزءٍ من أجزاء سطح السيجار، وأخيرًا فحص كلا طرفَيه.
قال، وهو يُعطيني السيجار والعدسة: «انظر إلى هذا الطرف الصغير، وأخبِرني إن لاحظتَ شيئًا.»
ركَّزتُ العدسة على الطرف المقطوع قطعًا مسطحًا بعد أن لُفَّت أوراقه بشكلٍ وثيق، ورحت أنظر في كل جزءٍ فيه بعناية.
وقلت: «يبدو لي أن الورق مفتوح فتحةً ضئيلة في المنتصف، وكأن سلكًا رقيقًا قد دُسَّ فيه.»
أجاب ثورندايك: «هذا ما بدا لي، وحيث إننا مُتفقان إلى هذا الحد، سنأخذ الخطوة التالية في التحقيق.»
وضع السيجار على الطاولة، وباستخدام مُدية جيب حامية ذات نصلٍ رفيع، فصل بدقة الأوراق بعضها عن بعض بالطول وشقَّها إلى نصفَين.
هتف ثورندايك، لمَّا انفصل الشقَّان أحدهما عن الآخر: «ها هو الدليل!» ثم وقفنا لحظاتٍ قليلةً نُطالع السيجار في صمت. وذلك لأننا وجدْنا رقعةً دائريةً صغيرة على مسافة نصف بوصة من الطرف الصغير، وهذه الرقعة تتكوَّن من مادة بيضاء كالطباشير، ومن خلال طريقة انتشارها المتساوية بين ورق التبغ، كان من الواضح أنها قد استُخرِجَت من محلول.
قال ثورندايك أخيرًا، وهو يأخذ أحد النصفَين ويفحص البقعة البيضاء بعدسته: «أظن أن هذا أيضًا من صنع صديقنا الحاذق. إنه رجل مُتروٍّ يا جيرفيس، ومبتكر أيضًا. أتمنَّى لو كان بإمكانه استخدام مواهبه في اتجاهٍ آخر. سيتعيَّن عليَّ أن أواجهه إن أصبح سببًا للإزعاج.»
فهتفتُ بحرارة: «هذا هو واجبك نحو المجتمع، يا ثورندايك، أن تجعل الشرطة تُلقي القبض على الفور على هذا النذل الوحشي. رجل كهذا يُمثِّل خطرًا دائمًا على المجتمع. أتعرِف حقًّا من أرسل هذا الشيء؟»
«يُمكنني أن أخمِّن تخمينًا بارعًا إلى حدٍّ كبير، غير أن هذا أمر مختلف نوعًا ما. لكن كما ترى، لم يكن الرجل ذكيًّا للغاية هذه المرة؛ لأنه ترك آثارًا يمكن تحديد هُويته من خلالها.»
«حقًّا! ما الآثار التي خلَّفها؟»
«آه! لدَينا الآن مشكلة صغيرة علينا النظر فيها.» ثم استقرَّ في جلسته في كرسيه الوثير وشرع يملأ غليونه بأسلوب رجلٍ على وشك أن يناقش مسألةً ليست ذات أهمية خاصة.
«لننظُر إلى المعلومات التي قدَّمها لنا هذا الرجل العبقري عن نفسه. في المقام الأول، من الجليِّ أن له مصلحةً في موتي العاجل. والآن، لماذا لدَيه هذه الرغبة المُلحَّة في موتي؟ هل هي مسألة ممتلكات؟ هذا مُستبعَد تمامًا؛ لأنني لست رجلًا ثريًّا، كما أن بنود وصيَّتي لا يعلمها أحد غيري. هل يمكن إذن أن تكون مسألة عداوة شخصية أو ثأر؟ لا أظنُّ هذا. حسب اعتقادي، ليس لديَّ عداوات شخصية من أي نوع. لا يبقى إذن إلا مهنتي باعتباري مُحققًا وباحثًا في المجالات القانونية والجنائية. إذن رغبته في موتي ترتبط حتمًا بأنشطتي المِهنية. والآن، أنا أُجري في الوقت الراهن استخراجًا لجثةٍ قد تؤدِّي إلى اتهامٍ بالقتل؛ لكن لو متُّ الليلة، سيجري التحقيق بالكفاءة نفسها على يد البروفيسور سبايسر أو أي اختصاصي سموم آخر. ولن تؤثِّر وفاتي على فُرَص المُتهم. وكذلك الحال في قضية أخرى أو قضيتَين أتولَّاهما؛ يمكن لشخصٍ آخر أن يعمل عليهما بالكفاءة نفسها. الاستنتاج إذن أن صديقنا ليس له صِلة بأيٍّ من هذه القضايا، بل هو يعتقد أنني أملك معلوماتٍ حصرية عنه؛ يعتقد أنني الشخص الوحيد في العالم الذي يشكُّ فيه ويمكنه إدانته. لنفترِض وجود هذا الرجل؛ رجل مذنب وأنا الوحيد الذي يملك دليلًا على ما ارتكب من جرم. والآن، وحيث إن هذا الشخص لا يعلم أنني أخبرتُ شخصًا آخر بما أعرفه، فمن المعقول أن يفترض أنه بالتخلُّص مني سيكون قد أمَّن نفسه.
هذه هي النقطة الأولى. من المُرجَّح أن من أرسل هذه الهدية هو شخص أملك معلومات حصريةً عنه.
لكن انظر الآن إلى النتيجة المنطقية المُثيرة للاهتمام التي تترتَّب على هذا. أنا وحدي من يشك في هذا الشخص؛ من ثمَّ لم أُطلِع أحدًا على شكوكي، وإلا فسيشكُّ فيه آخرون أيضًا. إذن لماذا يشكُّ في أني أشكُّ فيه، مع أنني لم أصرِّح لأحدٍ بالأمر؟ من الواضح أنه أيضًا يملك معلوماتٍ حصرية. بعبارة أخرى، شكوكي صحيحة؛ لأنها لو كانت خاطئة، لما أدرك الرجل وجودها.
النقطة التالية هي اختيار هذا النوع النادر من السيجار. لماذا يُرسِل سيجارًا هنديًّا عوضًا عن إرسال سيجار هافانا عادي كالذي تُصنِّعه شركة بارتليت؟ يبدو وكأنه على عِلم بتفضيلاتي، وبمراعاته لذوقي الشخصي، يكون قد أغلق الباب أمام أي فرصةٍ لأن أُعطي السيجار لشخصٍ آخر. من ثمَّ يُمكننا استنتاج أن صديقنا هذا لدَيه بعض المعرفة بعاداتي.
النقطة الثالثة هي، ما الوضع الاجتماعي لهذا الغريب اللطيف، الذي سنُشير إليه باسم فلان؟ إن شركة بارتليت لا ترسِل دعاياتها وعيِّناتها إلى توماس أو ريتشارد أو هنري. بل تُرسِلها في الأغلب إلى أرباب المِهن وإلى الأثرياء وذوي المكانة. صحيحٌ أن العلبة الأصلية قد استولى عليها موظفٌ ما أو ساعي مكتبٍ أو خادم منزل؛ لكن الاحتمالات تقول إن فلانًا نفسه هو من تلقَّى العلبة، وهذا تؤكِّده حقيقة أنه يستطيع الحصول على سمٍّ قلوي قوي، كهذا السمِّ الذي بين أيدينا.»
فقلت مقترحًا: «في هذه الحال، سيكون الرجل أحد العامِلين في المجال الطبي، أو ربما كان صيدلانيًّا.»
فأجاب ثورندايك: «ليس بالضرورة. فالقوانين المتعلِّقة بالسموم قد صيغت وتُنَفَّذ بطريقةٍ سيئة للغاية، لدرجة أن أي شخصٍ ميسور ويمتلك المعرفة الضرورية بإمكانه الحصول على أي سمٍّ يريده تقريبًا. لكن الوضع الاجتماعي عامل مُهم، من أجل ذلك، يُمكننا أن نخلص إلى أن فلانًا ينتمي إلى الطبقة المتوسطة على الأقل.
وأما النقطة الرابعة فهي ذات صِلة بالصفات الشخصية لفلان هذا. يتَّضح الآن من حادثة السيجار هذه وحدَها أنه رجل ذو ذكاء استثنائي، وذو حصيلةٍ كبيرة من المعلومات العامة، وأنه عبقري وواسع الحيلة. حيلة السيجار هذه ليست بارعةً ومُبتكرة فحسب، بل جرى تهيئتها طبقًا للظروف الخاصة تهيئةً مدروسة بعناية مُدهشة. لذا على ما يبدو وقع اختياره على سيجار شيروت لسببَين مُميزَين: الأول، أنه النوع الأرجح أن يُدخِّنه الشخص المنشود، والثاني، أن السيجار لا يتطلَّب قطع طرفه من أجل الشروع في تدخينه؛ الأمر الذي كان يمكن أن يؤدي إلى اكتشاف السم. أيضًا تُبيِّن الخطة التي اتبعها فلان أنه يملك معرفةً مُعينة بالكيمياء؛ إذ لم يكن الغرَض من السمِّ أن يذوب في رطوبة الفم. كانت الفكرة ولا شك أن البخار الناتج من احتراق أوراق التبغ عند الطرف البعيد سيتكثَّف في الأجزاء الأبرد من السيجار فتُذيب السم، ثم ينجذب المحلول بعد ذلك إلى الفم. إذن طبيعة السمِّ وبعض أوجه التشابُه في الإجراءات تربط بين فلان والدراج الذي استخدم الرصاصة المُبتكرة. فالسُّمُّ الذي بين أيدينا مادة صلبة بيضاء غير بلورية؛ والسمُّ الذي كان في الرصاصة كان محلولًا من مادة صلبة بيضاء غير بلورية، والذي أظهر تحليله أنه الأكثر سميةً بين كل السموم القلوية.
كانت الرصاصة في واقع الحال حقنةً تُحقَن تحت الجلد؛ والسم الذي في هذا السيجار وُضِع باستخدام حقنة تُستَخدَم في الحقن تحت الجلد، على هيئة محلول كحولي أو أثيري. إذن سيكون لدينا مبرِّر إذا افترضنا أن الرصاصة والسيجار مصدرهما الشخص نفسه؛ وإن كانت هذه هي الحال، يُمكننا القول إن فلانًا شخص يتمتع بمعرفةٍ واسعة وبراعة كبيرة ومهارة ميكانيكية دقيقة، كما تبيَّن لنا من صناعة الرصاصة.
هذه هي الحقائق الأساسية التي أمامنا — والتي يمكن أن نضيف لها تخميننا أنه اشترى حديثًا آلة بليكنسدرفير مُستعملةً من النوع الذي يستخدِمه الأدباء، أو أنها على الأقل آلة بليكنسدرفير مزوَّدة بعجلة طباعة من النوع الأدبي.»
فقلت بشيء من الاندهاش: «لا أدري كيف توصَّلت إلى ذلك.»
اعترضتُ قائلًا: «لكن ربما لم تكن الآلة ملكًا له من الأساس.»
ردَّ ثورندايك: «هذا مُحتمَل إلى حدٍّ كبير، رغم أن الاحتمالات تصبُّ في صالح أنه اشتراها، مع الأخذ بعين الاعتبار السرية التي هي ضرورية. لكن على أي حال، لدينا هنا وسيلة من وسائل التعرف إلى الآلة إن صادفناها يومًا.»
ثم أخذ البطاقة وأعطانيها ومعها عدسة جيبه.
قلت: «يمكنني رؤية هذا الانقطاع بوضوح، وسيكون هذا مؤشِّرًا قيِّمًا للغاية من أجل التعرُّف إلى الآلة.»
أجاب ثورندايك: «ينبغي أن يكون شِبه حاسم، خاصةً حين نُضيفه إلى وقائع أخرى ستظهر لدى البحث في مَقرِّه. والآن، لنُلخِّص الوقائع التي وضعها صديقنا فلان بين أيدينا.
- أولًا: فلان شخص أملك معلومات حصريةً عنه.
- ثانيًا: فلان لدَيه معرفة بعاداتي الشخصية.
- ثالثًا: فلان رجل يتمتع بنفوذ ومكانة اجتماعية.
- رابعًا: فلان رجل واسع المعرفة، وشديد البراعة، ويتمتع بمهارة ميكانيكية.
- خامسًا: من المُرجَّح أن فلانًا اشترى حديثًا آلة كاتبة مستعملة من ماركة بليكنسدرفير، مزوَّدة بعجلة طباعة أدبية.
- سادسًا: يمكن التعرُّف إلى تلك الآلة، سواء كانت مِلكَه أم مِلك شخصٍ آخر، من خلال علامة مُميزة على الحرف الصغير e.
إن دوَّنتَ هذه النقاط الست، وأضفتَ أنه من المرجَّح أن فلانًا خبير في ركوب الدراجات وماهر في الرماية، ربما تتمكَّن في وقتٍ قريب من معرفة هُويته.»
قلت: «يؤسفني أن أقول إنني لا أملك المعلومات اللازمة لذلك؛ لكني أظنُّ أنك تملكها، وإن كان الأمر على هذا النحو، فإني أُكرِّر عليك أن واجبك تجاه المجتمع — ناهيك عن عملائك الذين ستتعرَّض مصالحهم للضرَر جراء موتك — أن تجعل الشرطة تضع الأغلال في يدِ هذا الرجل قبل أن يرتكب أي مفسدة.»
«أجل؛ سيتعيَّن عليَّ أن أتدخَّل إن أصبح مثيرًا للمشاكل بحق، لكنني لديَّ أسبابي في تركه وشأنه في الوقت الراهن.»
«إذن، أحقًّا تعرف من يكون؟»
«في الواقع، أظنُّ أن بإمكاني إنجاز ما طلبتُ منك أن تنجزه فيما يتعلق بهُويته. فبحوزتي، كما أشرتَ، بعض المعلومات التي ليست بحوزتك. على سبيل المثال، ثمة رجل نبيل فطن أملك عنه معلومات أعتقد أنها حصرية، ومن خلال معرفتي به لا أستبعد أن يكون هو العقل المدبِّر وراء هذه الخطط الدقيقة والمُتقنة.»
قلت، وأنا أضع المُفكرة في جيبي، بعد أن دوَّنتُ النقاط التي أوصاني ثورندايك بأخذِها في الاعتبار: «أنا مندهش للغاية من قُدرتك على الملاحظة وإمكاناتك في الاستدلال بناءً على معلوماتٍ تبدو تافهة؛ لكنني ما زلتُ لا أرى حتى الآن لماذا أخذتَ تنظُر إلى هذا السيجار بارتيابٍ فوري وحاسم بهذا الشكل. فلم يكن هناك شيءٌ يُشير إلى وجود سمٍّ فيه، ومع ذلك، بدا وكأنك ارتبتَ فيه من فورك، وشرعتَ تبحث عنه وكأنك تتوقَّع أن تجده.»
أجاب ثورندايك: «صحيح، أنت مُحق إلى حدٍّ ما. ففكرة السيجار المُسمَّم ليست جديدةً علَي؛ وعندي في هذا الصدد قصة.»
ضحك ضحكةً هادئة وحدَّق في النار فتلألأت عيناه باستمتاع هادئ. ثم أضاف بعد أن سكت برهة: «لقد سمعتني أقول إنني لم يكن لديَّ شيءٌ أفعله لمَّا أخذت هذا المقر. وكنت قد ابتكرت نوعًا جديدًا من الممارسات الطبية الشرعية وتعيَّن عليَّ تطويرها بدرجاتٍ بطيئة، وكان من النتائج الطبيعية لهذا أنها لم تُسفِر ولوقتٍ طويل سوى عن ترفيهٍ واستمتاع غير محدودَين. لكنني لم أُضيِّع هذا الاستمتاع بأي شكلٍ لأنني وظَّفته في تأمُّل فئة القضايا التي مِن المرجَّح أن أتولَّاها، وفي وضع أمثلةٍ نظرية؛ ولمَّا رأيتُ أن الجرائم في حق الأشخاص دائمًا تقريبًا ما يكون لها اتجاه طبيٌّ قوي، فقد أوليتُها اهتمامًا خاصًّا. على سبيل المثال، خطَّطت سلسلةً من جرائم القتل، وانتقيتُ لها شخصيات من العائلة الملكية ووزراء كبارًا ليكونوا ضحاياها، وفي كل جريمة منها كنتُ أوظِّف كل ما لديَّ من معرفةٍ خاصة ومهارة وبراعة. كنتُ أُدقِّق في عادات ضحاياي المُفترَضين؛ وكنت أتثبَّت من معارفهم وأصدقائهم وأعدائهم وخَدَمهم؛ وكنت أنظر لعاداتهم الغذائية، ولأماكن سكناهم ولوسائل النقل التي يستعملونها ولمصادر ثيابهم، في الواقع، كنت أعرف كل ما ينبغي معرفته من أجل جعْل موتهم مؤكدًا وبطريقةٍ آمنة تمامًا للقاتل.»
فعلَّقت أقول: «كم كان سيَشعر هؤلاء بالامتنان والإطراء لو عرفوا كمَّ الاهتمام الذي كانوا يتلقَّونه!»
«أجل؛ أظن أن الأمر كان سيُصبح مُذهلًا بصورةٍ ما لرئيس الوزراء على سبيل المثال، أن يعرف أنه كان تحت المراقبة والدراسة من راصدٍ يقظ، وأن ترتيبات قتله قد تمَّت حتى أدق تفاصيلها. لكن، بطبيعة الحال، تطبيق هذه الطريقة على قضية بعينِها كان هو الغرَض الأساسي؛ لأن هذا التطبيق يُبرِز كل الصعوبات العارضة، التي تنطوي في مواجهتها على جميع التفاصيل المُثيرة للاهتمام والمُفيدة بحق. وقد دوَّنت كل تفاصيل هذه الجرائم بخطِّ يدي، في دفترٍ احتفظت به لأجل هذا الغرَض، ولستُ في حاجة لأن أقول إنني كنتُ أحفظه في خزينتي في الوقت الذي لم أكن أستخدِمه فيه. وبعد الانتهاء من كل قضية، اعتدت أن أُبدِّل المواقف وألعب اللعبة مرةً أخرى من على الجانب الآخر من الرقعة؛ أي إنني كنتُ أضيف ملحقًا إلى كل قضية، تحليلًا يضمُّ خطَّةً كاملة لكشف الجريمة. في الوقت الراهن، لديَّ في خزينتي ستة مجلدات من القضايا، مفهرسة بالكامل؛ وأؤكِّد لك أنها لا تُمثِّل مطالعةً عالية التثقيف والفائدة فحسب، بل لها أيضًا قيمة الأعمال المرجعية.»
أجبتُه، وأنا أضحك بحرارة على غرابة الأمر برمَّته: «يُمكنني تصديق هذا بسهولة، رغم أن هذه المجلدات كانت ستُدينك لو أنها خرجت من حيازتك.»
فرد ثورندايك: «لن يمكن لأي أحدٍ قراءتها. فخطُّ يدي يُمثِّل شفرةً يستعصي حلها، على ما أظن؛ وقد فعلتُ هذا عمدًا لأغراض السرية.»
«وهل تحقَّق أيٌّ من قضاياك النظرية في الواقع؟»
«تحقَّق العديد منها حقًّا، وإن كان التخطيط والتنفيذ الدقيقَين قد غابا عنها. والسيجار المُسمَّم هو أحد هذه القضايا، رغم أنني بالطبع ما كنت لأستخدِم أداةً واضحة كهذه وسيلةً للقتل بالسم؛ والحادثة السابقة التي تعرَّضتُ لها في تلك الليلة تمثِّل تعديلًا — إلى الأسوأ — على قضية أخرى. في واقع الأمر، معظم القضايا المُعقَّدة والمُبتكرة التي تعاملت معها مِهنيًّا كانت لها نماذج أولية مُكتملة ومفصَّلة في يومياتي.»
ظَلِلت صامتًا لبعض الوقت، أُفكِّر في هذه الشخصية الغريبة التي يتمتَّع بها صديقي الموهوب وكفاءته الفريدة في التعامُل مع الدور الذي اختار أن يلعبه في دراما الحياة الاجتماعية؛ لكن سرعان ما تحوَّلت أفكاري إلى الخطر الذي كان يُحْدِق به، فعدتُ مرةً أخرى لطرح سؤالي.
فقلت: «والآن يا ثورندايك، بعد أن كشفتَ دوافع هذا الخبيث وأمطْتَ اللثام عنه، ماذا ستفعل؟ هل سيُقبَض عليه ويُودَع في السجن، أم سيُترَك وشأنه ليُخطِّط مكيدةً أخرى، ربما أكثر نجاحًا، للقضاء عليك؟»
ردَّ ثورندايك: «في الوقت الراهن، سأضع هذه الأشياء في مكانٍ آمن. وغدًا ستأتي معي إلى المُستشفى وسنُعطي طرفَي هذا السيجار إلى الدكتور تشاندلر ليُجري تحليلًا ويُبلغنا بطبيعة السمِّ المُستخدَم. بعد ذلك سنتصرَّف بالطريقة التي نراها أنسب.»
ورغم أن هذه الخاتمة لم تكن مريحة، كنت أعرف أنه لا جدوى من إبداء المزيد من الاعتراضات، ومن ثمَّ، حين وضع ثورندايك السيجار مع الأوراق والأغلفة التي كانت معه في أحد الأدراج، صَرَفنا الموضوع، على الأقل عن حديثنا، ولكن ليس عن تفكيرنا.