المُشتبَه به
قال المحامي: «من الأفضل أن أعطيك لمحةً عامةً عن القضية كما تراها العقلية القانونية، ثم بإمكان مُوكلي السيد روبين هورنبي أن يُمدَّك بالتفاصيل إن لزم الأمر، وأن يُجيب على أي تساؤلٍ لدَيك ترغب في طرحه عليه.»
وتابع قائلًا: «يشغل السيد روبين منصبًا يقوم على الثقة، في شركة عمِّه جون هورنبي، المُتخصِّصة في تنقية الذهب والفضة وتجارة المعادن الثمينة بصفةٍ عامة. وثمة مقدار مُعيَّن من أعمال الرزن والتحليل الخارجية التي تجري في الشركة، لكن العمل الرئيسي يتألف من اختبار وتنقية عينات من الذهب والتي تُرسَل من مناجم معروفة في جنوب أفريقيا.
وقبل نحو خمس سنوات، ترك السيد روبين وابن عمه والتر — وهو ابن أخٍ آخر للسيد جون هورنبي — الدراسة وأبرما اتفاقًا قانونيًا للعمل لدى عمِّهما حيث سيحصلان على تدريبٍ أثناء العمل، وكانت غايتهما من ذلك أن يُصبحا شريكَين له في الشركة؛ وقد ظلَّا معه منذ ذلك الحين، حيث يشغلان، كما ذكرتُ، منصبَين ينطوِيان على قدْر كبير من المسئولية.
والآن سأقول شيئًا عن الطريقة التي تجري بها الأعمال في شركة السيد هورنبي. تُسَلَّم عينات الذهب في الميناء لمُمثلٍ مفوَّضٍ من الشركة — عادةً ما يكون هذا المُمثِّل إما السيد روبين أو السيد والتر — والذي يُسلِّم بدورِه العينات إما إلى البنك وإما إلى المَشغَل وذلك حسب الظروف. بالطبع تُبذَل كل الجهود من أجل ألَّا يُترَك أي ذهب في الشركة، ودائمًا ما تُصرَف سبائك الذهب إلى البنك في أقربِ فرصةٍ مُمكنة؛ لكن لا مفرَّ أحيانًا من أن تظلَّ بعض العينات ذات القيمة الكبيرة في الشركة طوال الليل، ولهذا زُوِّدَ المشغل بخزينةٍ كبيرة وقوية أو قُل هي حُجيرة محصَّنة لاستقبال هذه العينات. تقع هذه الخزينة داخل المكتب الخاص تحت رقابة المسئول الأول، وكإجراءٍ احترازي إضافي، يشغل المُشرف الذي يضطلِع بعمل الحارس الليلي غرفةً تقع فوق المكتب مباشرة، ويطوف بالمبنى بين الحين والآخر أثناء الليل.
لقد وقع خطب غريب جدًّا فيما يتعلَّق بهذه الخزينة. يتصادف أنَّ أحد عملاء السيد هورنبي في جنوب أفريقيا مُهتم بأحد مناجم الألماس، ورغم أن التعامُل في الأحجار الثمينة لا يُشَكِّل أي جزءٍ من عمل الشركة، فقد كان يرسِل بين الحين والآخر طرودًا من الألماس الخام موجَّهةً إلى السيد هورنبي، إما لإيداعها في البنك وإما لتسليمها إلى سماسرة الألماس.
وقبل أسبوعَين نما إلى عِلم السيد هورنبي أن طردًا من الأحجار الكريمة قد أُرسِل على متن سفينة «إلمينا كاسل»، وتبيَّن أن الطرد كبير بصورة غير عادية، فكان يحتوي على أحجارٍ بأحجامٍ وقِيَم مادية استثنائية. وفي ظلِّ هذه الظروف أُرسِل السيد روبين إلى الميناء في ساعة مُبكرة أملًا في أن تصِل السفينة في الوقت المناسب من أجل إيداع الأحجار في البنك على الفور. لكن لسوء الحظ لم تجرِ الأمور على هذا النحو، فتعيَّن أن يُؤخَذ الألماس إلى المَشغَل وأن يُحتفَظ به في الخزينة.»
سأله ثورندايك: «من الذي وضعه في الخزينة؟»
«السيد هورنبي بنفسه، والذي كان السيد روبين قد سلَّمه الطرد لدى عودته من الميناء.»
فقال ثورندايك: «حسنًا، وماذا حدث بعد ذلك؟»
«في الصباح التالي، حين فُتِحَت الخزينة، كان الألماس قد اختفى.»
سأل ثورندايك: «هل وقع اقتحام للمكان؟»
«كلَّا. كان المكان موصدًا كالمعتاد، والمشرِف الذي كان قد أجرى جولاته المعهودة لم يسمع شيئًا، وكان شكل الخزينة على حاله دون تغيير. لا شكَّ في أنها فُتِحَت بمفتاحٍ وأُغلِقَت مرةً أخرى بعد أن أُخِذَت الأحجار الكريمة.»
سأل ثورندايك: «ومَن الذي كان بحوزته مفاتيح الخزينة؟»
«عادةً ما يحتفظ السيد هورنبي بالمفاتيح معه، لكن في بعض الأحيان، حينما كان يغيب عن الشركة، كان يُسلِّمها إلى أحد ابنَي أخوَيه؛ أيهما كان المسئول في ذلك الوقت. لكن هذه المرة، لم تخرج المفاتيح من حوزته منذ أوصد الخزينة بعد أن وضع فيها الألماس إلى أن فتحها مرةً أخرى في الصباح التالي.»
سأل ثورندايك: «وهل حدث أي شيءٍ كان من شأنه أن يُلقي بظلال الشكِّ على أحدٍ ما؟»
قال السيد لولي وقد رمق موكله بنظرةٍ تنمُّ عن الانزعاج: «أجل، لسوء الحظ حدث شيءٌ ما. كان يبدو أن الشخص الذي جرَّد الخزينة من الألماس قد جرح إبهامه أو أصابه بخدشٍ بطريقةٍ ما؛ فقد كانت هناك نقطتان من الدم في أرضية الخزينة ولطخة أو نحو ذلك من الدم على ورقة، إضافةً إلى بصمةٍ واضحةٍ للغاية لإصبع إبهام.»
تساءل ثورندايك: «هذه البصمة بالدم أيضًا؟»
«نعم. من الواضح أن الإبهام كان قد وُضِعَ على إحدى نقط الدم، ثُمَّ وبينما كان لا يزال مبلَّلًا بالدم، ضُغِطَ به على الورقة أثناء الإمساك بها أو ما شابه.»
«حسنًا، وماذا حدث بعد ذلك؟»
فقال المحامي وهو يتململ في كرسيه: «في الواقع، ولكي أختصر قصةً طويلة، تم التعرُّف إلى البصمة وتحديد أنها بصمة السيد روبين هورنبي.»
فصاح ثورندايك: «ها! الحبكة تزداد تعقيدًا إلى أقصى حد. من الأفضل أن أُدوِّن بضع ملاحظات قبل أن تأتي بالمزيد.»
أخرج ثورندايك من أحد الأدراج مُفكِّرةً صغيرة بغلافٍ ورقي، وكتب على الغلاف الورقي اسم «روبين هورنبي»، ثم بعد أن فتح المُفكرة ووضعها على لوحٍ لامتصاص الحبر كان قد وضعه على رُكبته، دوَّن بضع ملاحظات مقتضبة.
وقال، بعدما انتهى: «والآن، لنعُد إلى تلك البصمة. أظن أنه لا يوجَد شك بشأن تطابقها، أليس كذلك؟»
فأجابه السيد لولي: «لا يوجَد شك على الإطلاق. فقد استحوذ الضباط في سكوتلانديارد، بالطبع، على الورقة، التي سُلِّمَت إلى مدير قسم البصمات من أجل فحصِها ومقارنتها بمجموعة البصمات التي لدَيهم. يقول تقرير الخبراء إن البصمة لا تتوافق مع أيٍّ من بصمات المُجرمِين التي بحوزتهم؛ وإنها مميَّزة جدًّا؛ لأن هناك جرحًا عميقًا يتقاطع مع نمَط النتوءات على انتفاخ الإبهام — الذي يُمثِّل نمطًا مُميزًا بوضوح — الأمر الذي يجعل تحديد صاحب البصمة أمرًا سهلًا ولا خطأ فيه؛ كما يقول التقرير إن البصمة تتوافَق من جميع النواحي مع بصمة إبهام السيد روبين هورنبي، وإنها، في واقع الأمر، بصمته من دون أدنى شك.»
فسأل ثورندايك: «هل هناك أي احتمالٍ لأن يكون شخصٌ ما أيًّا كان قد وضع تلك الورقة التي تحمِل البصمة؟»
فأجابه المحامي: «كلَّا. هذا مُستحيل تقريبًا. فالورقة التي وُجِدَت عليها البصمة كانت إحدى أوراق مذكرات السيد هورنبي. وكان قد كتب عليها بعض التفاصيل التي تخصُّ الألماس، ووضعها على الطرد قبل أن يُوصِد الخزينة.»
سأل ثورندايك: «هل كان أي أحدٍ موجودًا حين فتح السيد هورنبي الخزينة في الصباح؟»
أجاب المحامي: «كلَّا، كان وحدَه. رأى على الفور أن الألماس مفقود، ثم لاحظ وجود الورقة التي عليها بصمة الإبهام، فأغلق الخزينة عليها وأرسل في استدعاء الشرطة.»
«أليس مِن الغريب أن السارق لم يلاحظ البصمة، حيث إنها كانت مميزةً وظاهرة للغاية؟»
أجابه السيد لولي: «كلَّا، لا أظن ذلك. كانت الورقة موضوعةً على وجهها في أرضية الخزينة، ولم يرَ السيد هورنبي بصمةَ الإبهام إلا حين رفعها وقلبها. من الواضح أن اللصَّ كان قد استولى على الطرد، وعليه الورقة، وبعدَها سقطت الورقة على وجهها الذي يحمِل البصمة، أغلب الظن حين نقل اللصُّ الطردَ من إحدى يدَيه إلى اليد الأخرى.»
قال ثورندايك: «ذكرتَ أن الخبراء في سكوتلانديارد قد حدَّدوا أن بصمة الإبهام تلك تعود للسيد روبين هورنبي. هل لي أن أسأل كيف أُتيحَت لهم فرصة إجراء المقارنة؟»
فقال السيد لولي: «آه! لهذا الأمر قصة تنطوي على مصادفةٍ في غاية الغرابة. بالطبع حين وجدت الشرطة أن هناك وسيلة إثبات بسيطةً للغاية مِثل بصمة الإبهام، أرادوا أن يأخذوا بصمات كلِّ العامِلين في المشغل؛ لكن السيد هورنبي رفض الموافقة على هذا — بشهامةٍ من جانبه كما يبدو لي — قائلًا إنه لن يسمح بأن يتعرَّض ابنَي أخوَيه لمذلَّةٍ كهذه. وفي الواقع كان ابنا أخويه هذان هما اللذَين كانت الشرطة مُهتمةً بهما؛ نظرًا لأنهما وحدَهما من كانا يملكان الوصول للمفاتيح؛ فمورِس ضغطٌ كبير على السيد هورنبي لأخذ بصمات ابنَي أخوَيه.
لكنه كان مُتصلِّب الرأي، رافضًا لأن تلحق أي شبهةٍ بالسيدَين ابنَي أخويه، اللذَين كان يضع فيهما ثقةً كاملةً وكان يعرفهما طوال حياتهما، وهكذا كان الأمر وما زال لُغزًا لولا واقعة في غاية الغرابة.»
استطرد قائلًا: «ربما رأيتَ في أكشاك الكتب وفي نوافذ المتاجر ما يُسمَّى «سجل بصمات الإبهام» أو نحو ذلك، وهو كُتيب صفحاته فارغة يجمع فيه المرء بصمات إبهام أصدقائه، ومعه لوح تحبير.»
فقال ثورندايك: «رأيتُ تلك الأشياء الجهنمية، وفي الواقع أملك أحدَها؛ إذ اشتريتُها من محطة تشارينج كروس.»
«يبدو أن السيدة هورنبي، وهي زوجة السيد جون هورنبي، اشترت واحدةً من تلك الألعاب …»
فقاطعه روبين: «في واقع الأمر، كان والتر ابن عمي هو من اشتراها وأعطاها لها.»
فقال السيد لولي: «حسنًا، هذا ليس دليلًا ماديًّا» (وإن كنتُ لاحظتُ أن ثورندايك دَوَّنَ ملاحظةً بذلك في مفكرته)؛ «على أي حال، أصبح بحوزة السيدة هورنبي إحدى تلك الأدوات وشرعت تملؤها ببصمات إبهام أصدقائها، ومن بينهم ابنَي أخوي زوجها. وحدث أنَّ المُحقِّق المسئول عن هذه القضية عَرَّجَ على منزل السيد هورنبي بينما كان غائبًا عن المنزل، واستغلَّ الفرصة لحث زوجته على إقناعه بالموافقة على أخذ بصمتَي إبهامَي ابنَي أخوَيه من أجل أن يفحصهما الخبراء في سكوتلانديارد. وأوضح لها أن هذا الإجراء مُهم وضروري للغاية، لا مِن أجل العدالة فقط، ولكن أيضًا من أجل مصلحة الشابَّين، اللذَين كانت الشرطة تنظر إليهما بعين الشك، الذي سيزول تمامًا إن تبيَّن من خلال المقارنة الفعلية أن البصمة لا تخصُّ أيًّا منهما. علاوةً على ذلك، بدا أن كِلا الشابَّين كانا قد عبَّرا عن استعدادهما للخضوع لهذا الاختبار، لكنَّ عمَّهما منعهما من ذلك. حينها واتت السيدةَ هورنبي فكرةٌ رائعة. تذكَّرَت فجأةً سِجلَّ بصمات الإبهام، وفكَّرت أن تضع حدًّا للمسألة بلا رجعة، فأحضرت الكُتيب وأرته للمُحقق. كان الكتيب يحتوي على بصمتَي إبهامَي السيد روبين (من بين بصمات أخرى)، وحيث إن المُحقق كان يملك صورةً فوتوغرافيةً للبصمة دليل الاتهام بالجريمة، فقد عقد المقارنة في الحال؛ ويمكنك أن تتخيَّل ذُعر السيدة هورنبي ودهشتها حين تبيَّن أن بصمة الإبهام اليُسرى لروبين ابن أخي زوجها توافقت بكلِّ تفاصيلها مع بصمة الإبهام التي وُجِدَت في الخزينة.»
وأردف قائلًا: «عندئذٍ وصل السيد هورنبي إلى المنزل، وبالطبع أُصيب بصدمةٍ شديدة من المُنعطف الذي اتخذته الأحداث. كان يرغب في أن يترك المسألة وكأنها لم تكن ويدفع تعويضًا عن فقد الألماس من جيبه الخاص، لكنه لم يكن أمامه أي خيارٍ سوى إقامة دعوى؛ لأن ذلك كان سيعني تغاضيه عن جناية. ونتيجةً لذلك، أُصدِرَت مُذكِّرة باعتقال السيد روبين، ونُفِّذَت صباح اليوم، فأُخِذ موكلي إلى المحكمة الابتدائية بشارع باو ووُجِّهت إليه تهمة السرقة.»
فطرح ثورندايك سؤالًا: «هل قُدِّمت أي أدلة؟»
«كلَّا. مجرد الإقرار بتوجيه الاتهام إليه. وقد أُطلِقَ سراحُه بضمانةٍ لمدة أسبوع، بعد أن قُبِلَت له كفالتان قيمة كلِّ واحدةٍ خمسمائة جنيه.»
صمت ثورندايك برهةً بعد أن انتهى السرد. ومِثلي، لم يكن معجَبًا بأسلوب المحامي، الذي بدا أنه يُسَلِّم بأن موكِّله مُذنب، وهو موقف له مبرِّراته بالنظر إلى ملابسات القضية.
ما لَبِثَ ثورندايك أنْ وجَّه إليه سؤالًا: «بماذا أشرتَ على موكِّلك؟»
«نصحتُه بأن يُقِر بأنه مذنب وأن يضع نفسه تحت رأفة المحكمة باعتبار أن هذه أول جنايةٍ يُتَّهَم بها. لا بد أنك ترى أنه لا يوجَد أي دفاع مُمكن.»
احمرَّ وجه الشاب، لكنه لم يعلِّق.
قال ثورندايك: «لكن، لنكن واضِحين بشأن موقفنا. هل ندافع عن رجلٍ بريء أم إننا نحاول الحصول على حُكم مخفَّف لرجل يُقر بأنه مذنب؟»
هزَّ السيد لولي كتفَيه.
وأجاب: «الأفضل أن يُجيب مُوكِّلنا عن هذا السؤال بنفسه.»
فوجَّه ثورندايك نظرة استفسار وتفحُّص إلى روبين هورنبي، وعلَّق قائلًا:
«نحن لا نطلُب منك بأيِّ شكلٍ أن تدين نفسك يا سيد هورنبي، لكن لا بد أن أعرف أي موقفٍ تريد أن تتَّخذ.»
هنا اقترحت مرةً أخرى أن أنسحب، لكن روبين قاطعني.
وقال: «ليس هناك حاجة لأن تغادر يا دكتور جيرفيس. موقفي أنني لم أرتكِب هذه السرقة وأنني لا أعرف أي شيءٍ عنها ولا عن بصمة الإبهام التي وُجِدت في الخزينة. بالطبع لا أتوقَّع منكم أن تُصدِّقوني مع وجود هذا الدليل القاطع ضدِّي، لكنني رغم ذلك أُعلِن وبكل جدِّية أمام الرب أنني بريء براءةً تامَّةً من هذه الجريمة، ولا أعرف شيئًا عنها على الإطلاق.»
فقال ثورندايك: «إذن أفهم من ذلك أنك لم تُقِرَّ بأنك «مذنب»؟»
فأجابه روبين بحرارة: «بالطبع لا؛ ولن أفعل أبدًا.»
فعلَّق السيد لولي قائلًا: «لن تكون أول رجلٍ بريء من بين كثيرين يُقدِم على هذا الدفع. لكنه في غالب الأحيان يكون النهج الأفضل، حين يكون الدفاع ضعيفًا بصورةٍ ميئوس منها.»
فعاوده روبين: «إنه نهج لن أتبعه أبدًا. قد أُدانُ وأتلقَّى حكمًا، وعلى الأرجح أن هذا ما سيحدُث، لكنني سأستمر في التمسُّك ببراءتي، مهما حدث.» ثم أضاف وهو يلتفِت إلى ثورندايك: «هل تظنُّ أن بمقدورك تولِّي مهمة الدفاع عني على أساس ذلك الافتراض؟»
فرد ثورندايك: «هذا هو الافتراض الوحيد الذي سأُوافق على تولِّي القضية على أساسه.»
فتابع روبين في حرص: «إن جاز لي طرح هذا السؤال، هل تجد أن من المُمكن أن تتصوَّر أنني قد أكون بريئًا فعلًا؟»
فأجابه ثورندايك: «بالطبع»، وهنا لاحظتُ حاجبَي السيد لولي يرتفعان على نحوٍ واضح. وتابع ثورندايك: «أنا رجل حقائق ووقائع، ولستُ مُحاميًا، ولو كنتُ أجد أن من المُستحيل أن أقبل بفرضية براءتك، فلن أكون مُستعدًّا لبذل الوقت والجهد بحثًا عن أدلةٍ تُثبتها.» ثم أردف وهو يرى بارقة الأمل تخبو على وجه الشاب البائس: «ومع ذلك، لا بد أن أؤكِّد عليك أن القضية تنطوي على صعوباتٍ جمَّة، وأن علينا الاستعداد لأن نجِدها مستعصيةً رغم كل ما سنبذله من جهد.»
فأجاب روبين بنبرةٍ عازمة وهادئة: «لا أتوقَّع شيئًا سوى الإدانة، وبإمكاني تقبُّل الأمر ومواجهته كالرجال فقط في حال لم تكن مُسَلِّمًا بأنني مُذنب، لكن امنحني فرصة، مهما كانت ضئيلة، للدفاع عني.»
فقال ثورندايك: «سأفعل كلَّ ما بوسعي ولن أدَّخِر جهدًا؛ هذا ما أعِدك به. وأرى أن الصعوبات التي تواجهنا تُشَكِّل في حدِّ ذاتها حافزًا لنا على بذل المزيد من الجهود. والآن اسمح لي أن أسألك، هل لديك أي جروحٍ أو خدوش على أصابعك؟»
فمدَّ روبين هورنبي كلتا يدَيه ليفحصهما زميلي، ولاحظتُ أن يدَيه كانتا قويتَين ومتناسقتَين وكأنهما يدا حِرفيٍّ ماهر، وإن كانتا بلا شائبة تشوبهما. وضع ثورندايك على الطاولة مُكثِّفًا كبيرًا كالذي يُستخدَم في العمل بالميكروسكوب، وبعد أن أخذ يد مُوكِّله، سلَّط بقعة الضوء البراقة على كل إصبع بالتتابع، وأخذ يفحص أنامِلَه والأجزاء حول الأظافر بمساعدة عدسةٍ صغيرة.
وقال وهو ينظر إلى يده باستحسانٍ وينتهي من فحصه: «هذه يد حسنة ومُقتدرة، لكنني لا أرى أي أثرٍ لجرح على اليُمنى أو اليُسرى. هلَّا تفحَّصتهما يا جيرفيس؟ لقد وقعت السرقة قبل أسبوعَين، ومِن ثَمَّ كان هناك وقت كافٍ لأن يُشفى جرح صغير ويختفي تمامًا. ومع ذلك، فإن الأمر جدير بالملاحظة.»
ثم أعطاني العدسةَ ورحتُ أتحقَّق من كل جزءٍ في كل يدٍ من يدَيه من دون أن أتمكَّن من تحديد ولو أثرٍ بسيط على وجود جرح حديث.
ثم قال ثورندايك وهو يضغط على زرِّ الجرس الكهربائي بالقُرب من كرسيه: «هناك أمر واحد فقط لا بد من التطرُّق إليه قبل أن تذهب. سآخُذ بصمةً أو اثنتَين للإبهام اليسرى من أجل معرفتي الخاصة.»
هنا أظهر بولتون استجابةً للاستدعاء من مكانٍ مجهول لي، لكن يُرجَّح أنه المُختبر، وبعد أن تلقَّى التعليمات، انسحب وسرعان ما عاد وهو يحمل صندوقًا وضعه على الطاولة. أخرج ثورندايك من الصندوق صحنًا نحاسيًّا لامعًا مركَّبًا على لوح من الخشب القوي، وبكرةً صغيرة تُستخدَم في الطباعة، وأنبوبًا يحتوي على حبر للبصمات، وعددًا من البطاقات لها سطح في غاية البياض ومصقول نوعًا ما.
وقال: «والآن يا سيد هورنبي، أرى أن يدَيك بمنأًى عن الانتقاد بشأن نظافتهما، لكننا رغم هذا سنمسح إبهامك مسحةً أخيرة.»
ثم، شرع في تنظيف مُنتفَخ الإبهام بفرشاة أظافر مُبلَّلة جيدًا مصنوعة من شعر الغرير، وبعد شطفه بالماء، جفَّفه بمنديلٍ حريري، وفركَه مرةً أخيرة على قطعة من جلد الشامواه. وبعد أن جهَّز الإبهام على هذا النحو، أخرج قطرةً من الحبر السميك على الصحن النحاسي وفرشها بالبكرة، وكان بين الحين والحين يختبِر حالة طبقة الحبر الرقيقة عن طريق لمسِها بأنملة إصبعه وتجربة بصمتها على إحدى البطاقات.
وحين أصبح الحبر بالكثافة المطلوبة، أخذ يد روبين وضغط بالإبهام ضغطًا خفيفًا لكن بثباتٍ على الصحن المَطلي بالحبر؛ ثم نقل الإبهام إلى إحدى البطاقات التي وجَّهني لأن أُمسكها بثباتٍ على الطاولة، وكرَّر ضغطه على الإبهام، فخلَّف بصمةً واضحةً ونقيَّةً لمُنتفَخ الإبهام، فكانت النتوءات الحُليمية ظاهرةً بوضوح مجهري، بل وظهرت حتى منافذُ الغُدَد العَرَقية، والتي بدت كصفٍّ من النقاط البيضاء الصغيرة على خطوط النتوءات السوداء. كرَّر ثورندايك هذه العملية اثنتي عشرة مرةً على اثنتَين من البطاقات، فكانت كل بطاقة تحمِل ستَّ بصمات. ثم أخذ ثورندايك بعد ذلك بصمةً أو اثنتَين من البصمات المبسوطة، وهي تلك التي نأخذها بإدارة الإصبع على اللوح المُحبَّر أولًا ثم بعد ذلك على البطاقة، وبهذه الطريقة نحصل على بصمةٍ لجزء أكبر حجمًا من سطح الإبهام في البصمة الواحدة.
وقال: «والآن، ولكي نكون مُستعدِّين بكل الوسائل اللازمة للمضاهاة، سنأخذ بصمةً بالدم.»
ثم نُظِّف الإبهام وجُفِّف تمامًا، ثم وَخَزَ ثورندايك إبهامَه بإبرة وعصرَه فأخرج منه قطرةَ دمٍ كبيرةً على البطاقة.
وقال بابتسامة، وهو يُفرِّش قطرة الدم بالإبرة ليجعلها في شكل بركةٍ ضحلة ضئيلة: «ليس كلُّ محامٍ مُستعدًّا لإراقة دمِه من أجل موكِّله.»
ثم شرع في أخذ دزينة من البصمات كما فعل في السابق على بطاقتَين اثنتَين، وكان يكتب رقمًا بقلمِه الرصاص مقابل كل بصمةٍ يأخذها.
ثم قال وهو يُنَظِّف إبهام موكِّله للمرة الأخيرة: «الآن نحن مُستعدون بما هو مطلوب من أجل تحقيق أوَّلي، وإن أعطيتني عنوانك يا سيد هورنبي، فيُمكننا أن نعتبر أننا قد انتهينا من العمل في الوقت الراهن. حريٌّ بي أن أعتذر منك يا سيد لولي؛ لأنني أخَّرتُك كثيرًا بسبب هذه الإجراءات.»
في واقع الأمر، كان المحامي قد أخذ يُعاين الإجراءات التي اضطلع بها ثورندايك بتملمُل يكاد لا يخفى، ونهض الآن وقد بدا عليه الارتياح بوضوح لأنهم قد انتهوا.
وقال كاذبًا: «كنتُ مُستمتعًا للغاية، وإن كنتُ أُقرُّ بأنني لا أفهم نواياك. وبالمناسبة، سأرغب في أن أتحدَّث معك قليلًا على انفرادٍ بشأن أمرٍ آخر، إن كان السيد روبين لا يُمانع أن ينتظرني في الميدان لبضع دقائق.»
فقال روبين، الذي رأيتُ أنه لم ينطلِ عليه تظاهر المحامي: «على الإطلاق. لا تعجل بسببي؛ أمامي الكثير من الوقت — في الوقت الحالي.» ثم مدَّ يدَه مصافحًا ثورندايك، الذي صافحه بدوره بكل ود.
وقال ثورندايك: «إلى اللقاء يا سيد هورنبي. لا تتفاءل أكثر من اللازم، ولكن في الوقت نفسه، لا تفقد الأمل. كُن حَذِرًا وأبلغني فورًا بأي شيءٍ يحدث لك قد يكون له تأثير على القضية.»
بعد ذلك غادر الشاب، ولمَّا أُغلِق الباب خلفه، التفت السيد لولي إلى ثورندايك.
وقال: «فكَّرت في أنَّ مِن الأفضل لو تحدَّثت معك على انفراد فقط لأسمع منك عن السبيل الذي ستسلُكه؛ لأنني أُقرُّ بأن موقفك يُحيِّرني تمامًا.»
فسأل ثورندايك: «ما السبيل الذي كنتَ لتقترح أن نسلكه؟»
فقال المحامي وهو يهزُّ كتفَيه: «في الواقع، يبدو لي الأمر كالتالي: سرق صاحبنا الشاب طردًا من الألماس وكُشِف أمره؛ أو على الأقل، هكذا يبدو لي الأمر.»
فقال ثورندايك بنبرة جافة: «لا يبدو لي الأمر هكذا. ربما يكون قد أخذ الألماس، وربما لم يفعل. لا أملك إصدار أي حكمٍ حتى أُمحِّص الأدلة وأحصل على بضع معلوماتٍ إضافية. هذا ما آمُل فعله في غضون اليوم أو اليومَين القادمَين، وأقترح أن نُؤجِّل التفكير في استراتيجيتنا حتى أتبيَّن أي خطِّ دفاعٍ يمكننا أن نتبعه.»
فردَّ المحامي وهو يعتمر قُبعته: «كما ترى، لكني أخشى أنك تُشجِّع الشاب المُحتال على التعلُّق بآمالٍ لن يطال من ورائها إلا سقوطًا أعنف، ناهيك عن ذِكر موقفنا نحن. فنحن، كما تعلم، لا نرغب في أن نجعل أنفسنا موضع سخريةٍ وازدراء.»
فقال ثورندايك موافقًا: «لا أريد ذلك بالطبع. ومع ذلك، سأدرس الأمر وأتواصل معك في غضون يومٍ أو اثنَين.»
وقف ثورندايك مُمسكًا بالباب بينما نزل المحامي على الدرج، وحين خفت وقع الأقدام بعد برهة، أغلق ثورندايك الباب بحدة والتفت نحوي وقد بدا عليه الانزعاج.
وعلَّق قائلًا: «يبدو لي أن اختيار «الشاب المُحتال» لمحاميه لم يكن موفقًا. بالمناسبة يا جيرفيس، فهمت أنك عاطل عن العمل في الوقت الراهن، صحيح؟»
فأجبته: «أجل، صحيح.»
«هل ترغب في مساعدتي — باعتبارها مهمة عمل بالطبع — في جمع الأدلة والتحضير لهذه القضية؟ فلديَّ حاليًّا الكثير من الأعمال الأخرى، وستكون مساعدتك قيِّمةً جدًّا بالنسبة إلي.»
فقلت بصِدقٍ كبير إن هذا سيكون من دواعي سروري.
قال ثورندايك: «إذن، تعالَ إلى الإفطار صباح الغد وسنتَّفق على الشروط، وبإمكانك البدء في عملك على الفور. والآن لنُشعِل غليونَينا ونُنْهِ حديثنا وكأننا لا نعرف بوجود موكِّلين مُنزعِجين ومُحامِين بلداء.»