أبحاث التسويق
يُعَد موضوع أبحاث التسويق واحدًا من أكثر الموضوعات إثارةً للاهتمام في هذا المجال؛ لأنَّ هذه الأبحاث تتيح فرصة للمنظمات لتقييم أدائها التسويقي والكشف عن سلوك الزبائن واكتشاف تفضيلاتهم. وتُعَد أبحاث التسويق الجيدة أساس استراتيجية التسويق، ويجب إجراؤها بدقة وانتظام شِبه دوري؛ وذلك بسبب التغير المستمر في حاجات الزبائن، الذي أحيانًا ما يكون سريعًا أو كبيرًا، وأحيانًا أخرى طفيفًا أو بسيطًا. تتعلق أبحاث السوق بدراسة الأسواق، وليس الزبائن، ولها نطاق أوسع من أبحاث التسويق؛ فهي معنية باستكشاف عدة مجالات كتغيرات بيئة الأعمال التجارية وبنية السوق والاتجاهات، وذلك من خلال إجراء تحليل السوق. ولا تقتصر الغاية من أبحاث التسويق وأبحاث السوق على مجرد بيع المزيد من المنتجات. بل تستعين الحكومات وقطاعات الصناعة بأبحاث السوق أو التسويق لمعرفة رغبات المجتمع وحاجاته وطلباته، ليتسنَّى لها كتابة البيانات الرسمية أو تمويل أنواع معيَّنة من أنشطة البحث والتطوير. سوف نركِّز على أبحاث التسويق، فمن أجل أن يحقِّق المسوِّق نجاحًا، يعتمد بشدة على معلومات مُحدَّثة، خصوصًا عن سلوك الزبائن والمنافسين واتجاهات السوق.
توصف أبحاث التسويق بأنها جمع البيانات وتسجيلها وتحليلها بطريقة منهجية، وتقدِّم جمعية التسويق الأمريكية التعريف الآتي الذي يوضِّح الهدف من أبحاث التسويق:
أبحاث التسويق هي الوظيفة التي تربط بين المستهلِك والزبون وعامة الناس من جهة والمسوِّق من جهة أخرى، من خلال المعلومات التي تُستخدم لتحديد الفرص التسويقية والمشكلات وتعريفها، وتوليد إجراءات تسويقية وتحسينها وتقييمها، ومراقبة الأداء التسويقي، وتحسين فهم عملية التسويق. تحدِّد أبحاث التسويق المعلومات المطلوبة لحل هذه المشكلات، وتصمِّم طريقة لجمع المعلومات، وتدير عملية جمع البيانات وتطبِّقها، وتحلِّل النتائج، وتُبيِّن ما توصَّلت إليه وتأثيراته.
تدرس أبحاث التسويق ما هو أبعد من السوق المستهدَف المباشر لتقديم معلومات عن التغيرات في المجتمع ككلٍّ، وكذلك اتجاهات الزبائن والتطورات لدى المنافسين من أجل تقديم إرشادات بخصوص وضع خُطط التسويق وتحديد الفرص والتهديدات المستقبلية في السوق. تجدُر الإشارة هنا إلى أنَّ نشاط التسويق يُمارَس على مستوى العالم، ووفقًا لتقرير منظمة إسومار، فإن تكلفة أبحاث التسويق العالمية وحدها بلغت ٤٧ مليار دولار أمريكي في ٢٠١٨.
هذا وتشمل أبحاث التسويق عددًا من الأنشطة التي قد تُعتبر إما أبحاثًا للتعرف على المشكلة وإما أبحاثًا لحل المشكلة. تهتم أبحاث التعرف على المشكلة بمعرفة سبب حدوث شيء ما أو إيجاد فرص جديدة. فعلى سبيل المثال، قد ترغب إحدى المنظمات في معرفة سبب حدوث تغيُّر في مواقف الزبائن تجاه علامتها التجارية، أو سبب تغيير مجموعة من الزبائن لسلوكهم الشرائي، أو ما إذا كانت توجد مجموعة جديدة من الزبائن المهتمين بالمنتَج الذي تقدِّمه المنظمة. فعلى سبيل المثال، تُباع الأحذية الرياضية الآن باعتبارها سلعًا غالية راقية، وتكتسب قاعدة زبائن جديدة كليًّا. أمَّا أبحاث حل المشكلات، فتساعد المنظمات على معرفة كيفية مواجهة المشكلات التي اكتشفتها في مرحلة التعرف على المشكلة. فإذا غيَّرت مجموعة من الزبائن سلوكها الشرائي نتيجةً لتغيُّر السعر، فستحتاج المنظمة إلى معرفة مستوى السعر الجديد الذي تستطيع عنده بيع المنتج. وهكذا فمن الصعب جدًّا تخطيط استراتيجية تسويق فعَّالة بدون إجراء أبحاث التسويق. ومن ثَم، يتوجب إجراء أبحاث تسويق على مستويات مختلفة للتعرف على اتجاهات الزبائن المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية حتى يتسنى للتخطيط التسويقي التنبؤ بالتغيرات التي تطرأ على حاجات الزبائن، والتي يصعُب التعرف عليها بأي طريقة أخرى.
أبحاث الدعاية والإعلان | تشمل اختبار نسخ النص الإعلاني، وقياس استجابة الزبائن، والوعي بالعلامة التجارية، ومعدل ظهور المنظمة في قنوات التسويق المرئية. |
الارتباط بالعلامة التجارية | تحديد نوعية الزبائن المرتبطين بأسماء علامات تجارية بعينها، وما قيم هذه العلامات التجارية من وجهة نظرهم. |
عملية اتخاذ القرار الخاصة بالمشتري | تحديد ما الذي يدفع الأفراد إلى الشراء، وما الذي تتضمنه هذه العملية، ومحفزاتها. |
اختبار المفاهيم | اختبار ردود فعل الزبائن تجاه مفهوم معين أو عرض منتج جديد. |
اكتشاف الاتجاهات | التعرف على التغيرات التي تطرأ على الاتجاهات الثقافية وكذلك الاتجاهات الجديدة في سلوكيات المشترين. |
رضا الزبائن | تحديد عوامل الإرضاء في نطاقٍ يضم مجموعات أو شرائح مختلفة من الزبائن والأسواق. |
التنبؤ بالطلبات | تقدير المستوى الإجمالي التقريبي للطلب على منتَج معيَّن أو مجموعة منتَجات معيَّنة. |
اتجاهات التوزيع | دراسة موقف تجار التجزئة والموزعين المرتبطين بالمنظمة تجاه علامات تجارية أو منتجات بعينها وكيفية توصيلها إلى السوق. |
تحريات استخباراتية عبر الإنترنت | البحث عن آراء الزبائن واتجاهاتهم من خلال غرف الدردشة ومواقع الإنترنت والمدونات، وما إلى ذلك، ومتابعة الأشخاص المؤثرين وصناع الآراء. |
تحليلات التسويق والفعالية | وضع نماذج لسيناريوهات مختلفة وقياس نتائج الإجراءات التسويقية النظرية. |
التسوق المُقنَّع | تجميع بيانات عن تفاعل الزبائن مع المنتَج أو التوزيع بالاستعانة بمتخصصين يتظاهرون بأنهم متسوقون عاديون دون الإفصاح عن هُويَّتهم الحقيقية. وعادةً ما يُستخدم ذلك لمراقبة الجودة. |
تحديد الوضع في السوق | تُستخدم الأبحاث المتعلقة بتحديد الوضع في السوق لتعرُّف مكانة العلامة التجارية أو المنتَج في السوق مقارنةً بالعروض الأخرى. |
المرونة السعرية | لتحديد درجة حساسية منتَج أو مجموعة منتَجات للتغيرات في الأسعار. |
التنبؤ بالمبيعات | يُجرى للتنبؤ بحجم المبيعات الممكنة على أساس تقديرات الطلب وتأثير عوامل أخرى من بينها الحملات الإعلانية. |
تعرُّف الشرائح | تحديد الخصائص الأساسية لمجموعات متنوعة من المشترين. |
لجان على الإنترنت | مجموعة من الأشخاص المكلَّفين بدراسة جوانب مختلفة من عرض المنظمة والأنشطة التسويقية. |
مراجعة حالة المتاجر | مراجعة مبيعات منتَجات معيَّنة أو مجموعات معيَّنة من المنتَجات لتحديد الحصة السوقية المحتمَلة أو معدَّل دوران المنتَج. |
التسويق الاختباري | إطلاق خط إنتاج جديد على نطاق ضيق لتقدير استجابة السوق أو الزبائن. |
مصادر البيانات والمعلومات
لا تكمُن صعوبة إجراء أبحاث التسويق في إيجاد بيانات لتحليلها، فالعالم مليء بالبيانات من آلاف المصادر المختلفة. بل يكمُن التحدي الحقيقي في إيجاد البيانات المناسبة من داخل المنظمة وخارجها؛ ومن ثَم إتاحة معلومات تسويقية ورؤًى ثاقبة عن الزبائن. تقوم نظم المعلومات الإدارية على تلبية احتياجات المديرين الخاصة باتخاذ القرارات؛ لأنها مصمَّمة لإتاحة معلومات حديثة عن عمليات المنظمة. تأتي البيانات الداخلية من سجلات المنظمة الخاصة بالمبيعات وأنشطة الزبائن والحسابات وأرقام الإنتاج وحسابات التكاليف. وهذه البيانات خاصة بالمنظمة؛ ولذا لا يُمكن أن تستنسخها شركات أخرى، ومن شأنها أن تتيح للمنظمة معلومات ثاقبة قيمة عن الزبائن. توفر نظم المعلومات الإدارية بيانات تُحدَّث بشكل مستمر وتلقائي من مصادر داخلية.
تُجرى الأبحاث «الثانوية» أو «المكتبية» من خلال استخلاص معلومات من مصادر خارجية موجودة بالفعل. ويمكن جمعُ البيانات الثانوية من مصادر عديدة مختلفة كتقارير التسويق، والإحصاءات الحكومية الخاصة بالتركيبة السكانية (التغير في الأرقام السكانية كالفئات العمرية والجنس ومستويات الدخل والعرق)، والأداء الاقتصادي، ومدى انتشار استخدام الإنترنت واستهلاكه في الأقاليم المختلفة. وتُستخدم البيانات المستمَدة من الأبحاث الثانوية لإتاحة معلومات عامة عن الخلفية التاريخية للسوق وأنشطة المنافسين ورؤًى ثاقبة عن الزبائن من وجهات نظر مختلفة. وتكمُن مزايا استخدام هذا النوع من البيانات في أنَّ جمعها عادةً ما يكون أقل تكلفة من جمع الأبحاث الأولية، وأنها متاحة بسهولة ومُحلَّلة سلفًا بالفعل. وهكذا يُصدِر محلِّلو الأسواق تقارير خاصة بالصناعات المختلفة وقطاعات السوق كما هو مطلوب، ويُقدِّمون تقارير عادةً ما يكون معظمها متاحًا.
أمَّا البيانات «الأوليَّة» أو «الميدانية»، فيجمعها الباحث من أجل مشروعات بحثية معيَّنة، وهي مُهمة لتمكين المنظمة من تحديد تغيرات معيَّنة في السوق. وتكمُن ميزة الأبحاث الأوليَّة في أنَّ المنظمة المعنية هي التي تُجريها (أو تُجرى نيابةً عنها). وهكذا تكون البيانات أصلية ومصمَّمة لإتاحة معلومات تجيب عن أسئلة المنظمة أو تحل مشكلات بعينها. لكنَّ عيبها الأساسي هو أنَّ المعلومات الخاصة بالسوق قد تكون متحيِّزة، وتؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة إذا لم تكن الخطة البحثية دقيقة. هذا فضلًا عن أنَّ إجراء البحوث الأوليَّة وتحليلها أمرٌ مكلِّف. وفي معظم الحالات، تُجرى أبحاث التسويق عبر مزيج من الأبحاث الثانوية والأبحاث الأولية، بحيث يمكن دعم النتائج المستمَدة من كل مصدر وتأكيدها بالإشارة إلى أجزاء مرجعية أخرى تضم تفاصيل إضافية عن المعلومات.
تُجمَع البيانات «الكمية» من الاستبيانات ومجموعات البيانات الكبيرة. وهي بيانات قائمة على الأرقام قد يمكن تحليلها إحصائيًّا، وتُعتبر قادرة على إتاحة معلومات يمكن التحقق منها (قابلة للتَّكرار). وتجدر الإشارة إلى أننا نعتمد على نتائج البحوث القائمة على بيانات كمية لنشكِّل فهمنا للعالم، ونُمدَّ المسوِّقين بمعلومات ذات صلة ودقيقة وموثوقة وصحيحة. فأغلب الحكومات تتيح معلومات كمية عن التركيبة السكانية لبُلدانها وعدد السكان وكيفية انقسامهم إلى قطاعات، حسب الفئة العمرية والعرق والتوزيع الجغرافي ومستويات الدخل والمجموعات الدينية، وعوامل أخرى. هذا وتجمع المنظمات البيانات الكمية لعدة أغراض، منها التعرف على اتجاهات السوق والمجموعات المستهدَفة ونقاط قوة المنتَجات ونقاط ضعفها وسهولة استخدام المواقع الإلكترونية وأنماط السلوك.
أمَّا البيانات «النوعية»، فهي مبنية على الآراء، وتُستخدم لتعزيز فهمنا لسبب حدوث الأشياء. وعلى وجه الخصوص، يجمع الباحثون البيانات النوعية لمعرفة سبب شراء الزبائن لمنتَجات معيَّنة، وسبب تفضيلهم علامة تجارية على أخرى، ورأيهم في المنتَجات التي يشترونها. تجدر الإشارة إلى أن النتائج المستمدة من البيانات النوعية يُمكن أن تكون قابلة لتفسير أوسع مُقارنةً بالبيانات الكمية؛ وذلك لأنها تركِّز على مشاعر وعواطف يُمكن أن تُعتبر شخصية. وصحيح أنَّ البيانات النوعية عادةً ما تُجمَع من عددٍ صغيرٍ من المشاركين، وقد لا تنطبق على جميع السكان، ولكنها تتيح رؤًى ثاقبة مفيدة للمنظمات في عمليات اتخاذ القرار. وهكذا فإنَّ هذَين النوعَين من البيانات يُتيحان نوعَين مختلفَين من معلومات التسويق، ويمكن وصفهما بأنهما يُجيبان على أسئلة «ماذا، ولماذا، وكيف» التسويقية.
مناهج البحث
يوجد العديد من الطرق لإجراء الأبحاث الأوليَّة. ومن أكثر الأساليب شيوعًا إجراء دراسة استقصائية. ويُعَد الاستقصاء طريقةً موحدةً لجمع البيانات من مجموعةٍ مختارةٍ من المجيبين (عينة)؛ ليتسنى الحصول على معلومات ورؤًى بشأن الموضوعات قيد الدراسة. ولأن الاستقصاءات تُجرى لأغراض متنوعة، يمكن استخدام أساليب مختلفة بناءً على موضوع البحث. صُمِّمت الاستقصاءات لجمع المعلومات عبر استبيان يملؤه مجيبون ذوو صلة بالموضوع، ولديهم الخبرة المطلوبة. وعليه، يجب توخِّي الحذر لضمان استهداف الأفراد المناسبين وطرح الأسئلة المناسبة لتجنُّب الانحياز أو الحصول على معلومات مضلِّلة. تُقدِّم الاستبيانات بيانات يُمكن اختبارها وقياسها. ولكن يوجد اتجاهٌ إلى إضافة بعض الأسئلة النوعية في الاستبيانات لإتاحةِ فهمٍ أعمق. يمكن إجراء الاستبيانات عن بعد، عن طريق البريد التقليدي أو البريد الإلكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي، أو بشكلٍ شخصي بدرجةٍ أكبر عبر الهاتف أو وجهًا لوجه.
ولجمع البيانات النوعية، يمكن الاستعانة بمجموعات التركيز والمقابلات الشخصية. تُعرف مجموعة التركيز بأنها مجموعة ممثِّلة تتضمن اختيار زبائن محتمَلين (يتراوح عددهم بين ستة واثنَي عشر شخصًا) لتمثيل الزبائن المستهدَفين. ثم يُقدَّم للمجموعة شيءٌ ما؛ منتَج أو مفهوم أو مشكلة. وتُطرَح عليهم أسئلة وتُسجَّل مناقشاتهم وردود فعلهم. تكمُن صعوبة الاعتماد على مجموعات التركيز في أن إجابات المشاركين قد تتأثر بمعرفتهم أنهم قيد الملاحظة، أو قد يَعرف المشاركون الغرض من مجموعة التركيز، فيتعمَّدون تغيير ردود فعلهم لإعطاء النتائج التي يظنون أن الباحث يرغب في سماعها، أو قد يحدُث الأمران. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك الاختبارات التي طرحتها شركة يونيليفر لتذوق منتَج «مارمايت»، الذي يُعَد أحد منتجاتها وأسمائها التجارية الأساسية. إذ جمعت الشركة مجموعتَين من الزبائن المستهدَفين من سوق جديدة، وهي الهند. وقدَّمت عينات من خلاصة خميرة «مارمايت» المفرودة على شريحةٍ من الخبز المحمص لإحدى المجموعتين، وسجَّلت إجابات المجموعة. كانت النتائج كلها سلبية؛ إذ كان المذاق أقوى مما ينبغي. أما المجموعة الثانية، فقد قُدِّم إليهم طبق كاري تقليدي مُنكَّه بالمارمايت. فلاقى هذا استحسانًا أكبر بكثير؛ لأنَّ المارمايت أضاف نكهةً لذيذة إلى الطبق، واعتبره المشاركون صحيًّا؛ فقد احتوى على فيتامين ب١٢ وفوائد أخرى لنظامهم الغذائي.
تُعَد المقابلات الشخصية تفاعلات مُخصَّصة لكل شخصٍ على حدةٍ مع الباحث، وقد تسترشد بمجموعة من الأسئلة شبه المنظمة، وهو ما يتيح معلومات أكثر تركيزًا عن الدوافع وردود الفعل. وتتيح المقابلات فرصة لاستكشاف الإجابات استكشافًا أعمق. فبطرح بعض أسئلة المتابعة الإضافية، يستطيع من يُجري المقابلة فهم آراء المجيبين بشكل واضح. ولكن لا يُمكن إجراء المقابلات إلا مع عدد محدود من الأفراد؛ لأنها تستهلك وقتًا طويلًا في إجرائها وتحليلها.
هذا وتُعَد التجارب والملاحظة نوعين آخرين من أبحاث التسويق. تُجرى عمليات الملاحظة (كالدراسات الإثنوجرافية) بدون تدخل من الباحث، وتحدُث بدون علم المشاركين بها (بقدر المستطاع)، مثل تسجيل السلوك الشرائي للزبائن، أو مراقبة معدلات مشاهدة التلفزيون، أو تتبع تحركات الزبائن في متاجر البيع بالتجزئة. غير أنَّ عمليات الملاحظة قد تثير مشكلات تتعلق باختراق الخصوصية، وقد يلزم الحصول على إذن لاستخدام البيانات المستمَدة من عملية الملاحظة. أمَّا ميزة هذه العمليات، فهي أنَّ تفاعلات الزبائن مع المنتج ليست خاضعة لتحكم ولا تأثير من الباحث أو البيئة. غير أنَّ كيفية إجراء الملاحظة عامل مهم جدًّا لتحقيق الموضوعية. فالراصدون الذين يجرون الملاحظة يجب أن يكونوا على دراية تامة بالغرض من إجرائها وما ينبغي لهم تسجيله وما ينبغي تجاهله. وإذا كان الوضع عشوائيًّا، فيجب على الملاحظ تدوين، أو تسجيل، كل ما يحدث داخل المنطقة محل الملاحظة؛ لأنَّ سلوك الزبائن قد يتأثر بعوامل كثيرة. وفي هذا الصدد، يُعد التسوق المقنَّع مثالًا لعملية الملاحظة، ويحدث حين ترسل المنظمات أحد الأشخاص ليشتري منتَجات، أو يجرِّب إحدى الخدمات، ويُسجل تجربته. الهدف هو أن يلاحظ مستوى خدمة العملاء ويطرح أسئلة، بل يُقدِّم شكاوى أيضًا. والفكرة أنَّ هُويَّته الحقيقة تكون مستترة، وأنه يخوض التجربة نفسها التي يخوضها كل المتسوقين. وعادةً ما يُستخدَم التسوُّق المقنَّع للحصول على معلوماتٍ عن آراء الزبائن بشأن المنتج في بيئات متاجر البيع بالتجزئة، ومن أجل مراقبة الجودة.
هذا وتُعَد التجارب في الأساس ملاحظات تُجرى تحت ظروف مضبوطة خاضعة للتحكم. وتقام إعدادات التجارب بحيث يمكن تغيير الظروف للتمكن من تسجيل نتائج وردود فعل معيَّنة. وفي هذه الحالة، يكون المشاركون على علم بأنهم يشاركون في بحث، وربما يُمنَحون فكرة عن سبب إجراء البحث. وقد يُطلب منك المشاركة في بحث تجريبي، كأن تُعرَض عليك بضع «قصص مختلفة عن علامات تجارية»، ويُطلب منك اختيار القصة التي تفضِّلها مع توضيح السبب. ويمكن أيضًا تخصيص بعض المشاركين للمشاركة في ظروف تجريبية مختلفة (أي أن يُخصَّص أشخاص مختلفون لكل ظرف، أو يجرِّب الشخص نفسه كل الظروف) ومقارنة ردود فعلهم وتسجيلها.
ومن أحدث أساليب البحث التسويقي التي تهدف إلى فهم وجهات نظر الزبائن في العلامات التجارية والإعلانات أسلوبُ التسويق العصبي. ففي التسويق العصبي، يسجِّل الباحث صور فحص الدماغ التي تقيس النشاط العصبي استجابةً للصور والمؤثرات المختلفة. ويُتيح تتبُّع حركة العينين واتساع حدقة العين وتعبيرات الوجه (بما في ذلك معدلات دقات القلب والتنفس) رؤًى قابلة للقياس بخصوص استجابة الزبون للتغيرات في تصميم المنتَج والتسويق. وتتضمن الفوائد المحتملة للتسويق العصبي تحسين فاعلية الحملات التسويقية، وتقليل إخفاقات المنتَجات أو الحملات الترويجية.
غير أنَّ الإعداد لأبحاث التسويق يستغرق وقتًا طويلًا، ويجب تسجيلها بعناية كي يتسنى للباحثين التالين إعادة العملية في المستقبل ومقارنة النتائج. ومن الأمثلة على عملية الملاحظة مشاهدة تدفُّق الزبائن في أحد متاجر البيع بالتجزئة وتسجيله؛ كي يُمكن تحسين طريقة عرض المنتَجات.
أخذُ عينات
يُستخدم نهجُ أخذِ العينات بكثرةٍ في البحوث الأولية. والغرض من أخذ العينات هو الاستغناء عن الحاجة إلى الطلب من كل عضو من أعضاء مجموعة الزبائن المستهدَفة (المجتمع الإحصائي) أن يجيب عن الاستقصاء. ويقوم أخذ العينات على اختيار مجموعةٍ صغيرةٍ من الأفراد من المجتمع كله (إطار أخذ العينات) لتمثيل المجموعة. ويهدف إلى التيقن من أنَّ الاستقصاء الخاص بالعينة يعبِّر بدقةٍ عن آراء تتماشى مع آراء المجتمع بأكمله. غير أنَّ اختيار العينة صعب؛ فمن الوارد بكل سهولة أن يحدث تحيُّز في الاختيار، وهذا ينشأ عندما يكون أحد أجزاء المجتمع ممثَّلًا بنسبة أقل من نسبته الحقيقية أو أعلى. ولتجنُّب تحيُّز الاختيار، قد يستخدم الباحث طريقة احتمالية لأخذ العينات (أي قائمة على نظرية الاحتمالات)، كطريقة أخذ العينات الطبقي التي تتضمن اختيار عينة تتماشى مع خصائص المجتمع. ومن ثَم، فإذا كان المجتمع كله يتكون من ٣٠ بالمائة ذكورًا و٧٠ بالمائة إناثًا، وكانت أعمار ٥ بالمائة من أفراده أقل من ٢٠ سنة، وأعمار ٤٠ بالمائة تتراوح بين ٢١ و٤٠ سنة، و٣٥ بالمائة تتراوح بين ٤١ و٦٠ سنة، و٢٠ بالمائة فوق ٦١ سنة، فإن العينة يجب أن تتضمن أفرادًا مُختارين بهذه النِّسب لتمثيل المجتمع بدقة. أو قد يختار الباحثون عينة عشوائية بسيطة بحيث يكون لكل فردٍ في المجتمع فرصةٌ مساويةٌ لتضمينه في العينة، لكنَّ المشاركين يُختارون بشكلٍ عشوائي تمامًا.
العينة الاحتمالية: تتساوى فرص جميع العناصر في الانضمام إلى العينة | |
العينة العشوائية البسيطة | لكل عنصر من عناصر المجتمع الإحصائي فرصة معروفة ومتساوية في أن يقع عليه الاختيار ضمن العينة. |
العينة العشوائية الطبقية | يُقسَّم المجتمع الإحصائي إلى مجموعات متنافية، وتُختار العينات عشوائيًّا من كل مجموعة. |
العينة العنقودية (أو المقسَّمة حسب المنطقة) | يُقسَّم المجتمع الإحصائي إلى مجموعات متنافية، ويختار الباحث عينة عشوائية من كل مجموعة متاحة أو أكثر. |
العينة غير الاحتمالية: تُختار العينة من عدد محدود من العناصر | |
عينة كرة الثلج | يختار الباحث مشاركًا مناسبًا، ويُجري معه مقابلة شخصية، ويطلب منه اقتراح مشاركين آخرين ممكنين من دائرته. |
العينة الحكمية أو الهادفة | يستخدم الباحث حكمه لاختيار أفراد من المجتمع يرى أن لديهم معلومات عن الموضوع قيد البحث. |
العينة الحصصية | يجد الباحث عددًا محددًا سلفًا من الأفراد في كل فئة من فئات متعددة، ويُجري مقابلات شخصية معهم، ولْيكُن مثلًا ٤٠٪ إناثًا و٦٠٪ ذكورًا. يتوقف الباحث عن إجراء مقابلات مع الإناث عندما ينتهي من مقابلة الحصة البالغة ٤٠٪، لكنه يواصل مقابلة الذكور حتى يبلغ حصة اﻟ ٦٠٪. |
خطوات الأبحاث التسويقية
يجب أن يكون للبحث أهداف واضحة، وأن يُخطَّط له بعناية. تبدأ كثير من المنظمات بإنشاء بيان عن البحث يُعرِّف المشكلة المحتملة ونطاق البحث. وبعد ذلك تدرس السياق الذي سيُجرى فيه البحث لتحديد الظروف البيئية التي قد تؤثر على البحث. ثم تأتي الخطوة الثالثة، وهي استكشاف طبيعة المشكلة، مثل معرفة ما إذا كانت المعلومات المطلوبة يجب أن تكون نوعية أم كَمِّية، وبعد ذلك تُجري المنظمة بحثًا لمعرفة من يستطيع إتاحة هذه المعلومات. وقد يكون من المفيد أيضًا تعريف العلاقات بين المتغيرات لتحديدِ أيٍّ من المتغيرات من المرجَّح أن يؤثر في الآخر وتحت أي ظروف. ثم تأتي الخطوة الأخيرة التي تتمثل في مناقشة تأثيرات مسارات العمل المختلفة وتكاليفها لتحديد كيفية إتمام البحث بشكل أكثر فعالية.
من الضروري التيقن من أنَّ استراتيجية التسويق مبنية على فهم واضح للزبائن والتعرف على إجراءات المنافسين. ومن المفترَض أن تتيح خطة أبحاث التسويق نهجًا منظَّمًا لتحديد احتياجات السوق واتجاهاته، وفهمًا عميقًا للزبائن، واستراتيجيات المنافسين. وبإتاحة هذه الأنواع من الرؤى العميقة الإضافية، ستساعد خطة أبحاث التسويق في تحديد كيفية وضع المنتَج في موضعه المناسب ليفوز في السوق، وهو أمرٌ محوري لنجاح العمل التجاري.
الرؤى الثاقبة عن الزبائن والبيانات الضخمة
لكي يتمكن المسوِّقون من خلق قيمة لزبائنهم، يحتاجون إلى الحصول على معلومات دقيقة عن هؤلاء الزبائن، وهذه عادةً ما تُسمى رؤًى ثاقبة عن الزبائن. فالرؤى المفصَّلة عن الزبائن تضمن للمنظمات المفردة في أي قطاع أن تستطيع خلق ميزة تنافسية. ويرى خبير الإدارة مايكل بورتر أنَّ الميزة التنافسية يُمكن أن تُخلق إمَّا بتمييز المنتَج (بحيث يكون عرضًا مميزًا في السوق) وإما بتوفير المنتَج بأقل سعر (ميزة السعر). ولأن غالبية المنظمات في أي صناعة لا تستطيع توفير المنتج بأدنى سعر (إذ لا يُمكن إلا لشركة واحدة فقط أن تشغل هذه المكانة في السوق)، فإن معظم المنظمات تتنافس من خلال شكل من أشكال التمييز، أو مزيج من التكلفة المنخفضة والتمييز. ويمكن القول إنَّ المنافسين الرئيسيين في سوق الهواتف المحمولة ميَّزوا أنفسهم بتقديم أشياء ارتأوا أنها قيِّمة للزبائن المستهدَفين بناءً على رؤيتهم الثاقبة عن الزبائن. فشركة أبل مثلًا تتيح «خدمة شاملة» تجمع بين الأجهزة والبرامج، بينما تقدِّم شركة «سامسونج» خصائص أكثر على هواتفها المتقدمة تقنيًّا. أمَّا شركة هواوي، فتنافس بتقديم أفضل قيمة مقابل المال (أي خصائص أكثر بسعر أقل)، فيما تنافس شركة سوني بالاعتماد على التصميم المبتكَر والبحث والتطوير. وهكذا فإنَّ كل عرض يلبِّي احتياجات أو رغبات قطاع مختلف من السوق، ويعتمد على الرؤى الثاقبة عن الزبائن لضمان إبراز الجوانب المناسبة من العرض لكل مجموعة مستهدَفة.
أدت القدرة على جمع معلومات عن الزبائن رقميًّا وعبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى ظهور تحليلات «البيانات الضخمة». فالبيانات الضخمة تُجمَع باستمرار أثناء تفاعُل الزبائن مع المنظمات، وتتيح مصدرًا جديدًا للرؤى الثاقبة عن الزبائن، وهو ما يُمكِّن المسوِّقين من تعديل استراتيجياتهم وتقديم اتصالات تسويقية أو عروض أكثر توافقًا مع كل شخص على حدة. فإذا كان التحليل الرقمي لبيانات الزبائن يشير مثلًا إلى أنَّ ٤٠ في المائة من الإناث اللواتي تتراوح أعمارهن بين ٣٥ و٤٥ عامًا يقُلن إنهن مهتمات ﺑ «القضايا البيئية»، أو أنَّ ٦٤ في المائة من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين ٢٥ و٣٥ يفضِّلون دفع ثمن «المنتَجات الغالية على أقساط»، فسيتمكن المسوِّقون من تعديل اتصالاتهم التسويقية لإبراز ضمانات «الاهتمام بالبيئة» أو توفير تسهيلات للدفع على أقساط. وكذلك يتيح تحليل مجموعات البيانات الضخمة مصادر داخلية للبيانات لم تكن متاحة للمسوقين؛ لأن مجموعات البيانات كانت أكبر وأشد تعقيدًا لدرجة تُصعِّب الوصول إليها.
تحليل البيانات
يجب تحليل البيانات فور جمعها لتحويلها إلى معلومات تسويقية قابلة للاستخدام لعلها تجيب عن الأسئلة الرئيسية بخصوص ما يحدث في السوق. بعبارة بسيطة، يتضمن تحليل البيانات فحصها للكشف عن الأنماط المتكررة، أو الاتجاهات، أو العلاقات، أو الاتساق، أو التكرار. فعند تحليل بيانات نوعية، يبحث المُحلِّل عن مدى تكرار كلمات أو أفعال معيَّنة، ويسعى إلى إثبات اتساق في السلوكيات المورَّدة (عندما تتكرر الاستجابات نفسها من مشاركين مختلفين). ويبحث الباحثون أيضًا عن فهم جديد يفسِّر السلوكيات والتغيرات في السوق. ولْنَضرب مثالًا هنا بشركات الهاتف المحمول التي تستخدم البيانات الكمية لتكتشف أنَّ العملاء يستخدمون هواتفهم المحمولة في أنشطة لا علاقة لها بإجراء المكالمات (كالبحث عن المعلومات والترفيه والتسوق عبر الإنترنت)، لكنها تحلِّل البيانات النوعية لتوضيح سبب ذلك وكيفية حدوثه.
وتتيح البيانات الكمية خيارات لأنواع مختلفة من التحليل. فعلى مستوًى بسيط، يمكن استخدام مخططات بيانية لوصف شكل البيانات الإجمالية وعرض الاتجاهات والكميات بصريًّا لإبراز النقاط الرئيسية. ويمكن تحليل العلاقات من خلال عدد من الاختبارات المختلفة، من بينها الارتباطات (التي تكشف العلاقات بين المتغيرات). فعلى سبيل المثال، قد يُستخدم أحد اختبارات الارتباط لمعرفة ما إذا كان عدد ساعات شروق الشمس مرتبطًا بكمية الأيس كريم المُباع.
عندما تأتي الأبحاث التسويقية بنتيجة عكسية
في الثمانينيات من القرن الماضي، أجرت شركة كوكاكولا بحثًا تسويقيًّا مكثَّفًا عن تفضيلات مُستهلكيها ومواقفهم تجاه الكولا التي يفضلونها بإجراء اختبارات تذوُّق للمستهلِكين، واستقصاءات، ومقابلات مع الزبائن في متاجر التجزئة. وخلصت إلى أنَّ منتج شركة بيبسي كان يتفوق على منتجها الحالي من حيث المذاق. فأجْرَت بحثًا لمعرفة ما يريده زبائنها من منتَج جديد محتمَل، ثم أطلقت منتَجها الجديد «نيو كوك». ابتكرت الشركة شكلًا جديدًا للعبوة، وأجْرَت واحدة من أبهظ حملات التسويق الأمريكية تكلفةً على الإطلاق. لكنَّ المنتَج فشِل فشلًا ذريعًا عند إطلاقه. ما لم تدركه أبحاث التسويق هو أن زبائن كوكاكولا كانوا متعلقين جدًّا بتراث المنتج القديم، الذي ظلت المنظمة تروِّج له طوال مائة عام تقريبًا، وشكله التقليدي. فببساطة، لم يكن تغيير مذاق «كوكاكولا» وشكلها مقبولًا لزبائنها القدامى الأصليين، بالرغم من المذاق «المُحسَّن» والحملة التسويقية الضخمة. صحيح أنَّ أبحاث التسويق لم تكن خاطئة، لكنَّ كيفية تفسير معلومات السوق أدت إلى سلسلة من قرارات التسويق الكارثية. ومن ثَم، تُعَد أبحاث التسويق عاملًا حيويًّا لتحسين قدرة المنظمات على تلبية احتياجات زبائنها، ولكن يجب إجراؤها بحذر، مع مراعاة المخاطر المحتملة.