هذه المذكرات
كنت معتزمًا أن أخصِّص فصلًا من كتاب «في أعقاب الثورة المصرية» لتدوين خواطري ومذكراتي، أتحدث فيها بشيء من التفصيل عن نفسي، ومراحل حياتي؛ ثم وجدت أن هذا الفصل قد يطول، وليس من حقي وأنا أؤرخ الحركة القومية في مختلف عهودها الحديثة أن أُقحِم فيها حديثًا طويلًا عن نفسي. هذا حق لا ريب فيه، ولكن أليس لي — بعد أن ترجمت لمئات من الشخصيات في تلك الحقبة من الزمن التي أرَّختها والتي تزيد على مائة وخمسين عامًا من تاريخ مصر الحديث — أن أترجم لنفسي؟ لقد عمِل المتقدمون مثل ذلك؛ ففي «الخطط التوفيقية» فصلٌ كتبه المرحوم علي باشا مبارك عن تاريخ نفسه، ولم يوجَّه إليه لوم أو عتاب في هذا الصدد. حقًّا إن من أشق الأمور على الإنسان أن يترجم لنفسه؛ فقد يُحمَل هذا على محل المباهاة والأنانية. ولكني ما قصدت إلى شيء من ذلك قط، وإنما أقصد إلى أن مثل هذه المذكرات فيها من الحقائق والخواطر ما لا تتسع له كُتب التاريخ. وهي مع ذلك قد تفيد لمن يريد أن يتفهم العصر الذي عشت فيه وشاهدت حوادثه وحقائقه. ثم إني أرى أن نشرها قد يكون مساهمة مني في تكوين المواطن الصالح. ربما أكون مصيبًا في هذا الظن أو مخطئًا ولكن هذا هو الغرض الذي أَنشده.
لهذا القصد، وبهذه الروح، أنشر هذه المذكرات، وقد دوَّنت فصولها، بعضها في حينها وبعضها بعد وقوع حوادثها، وهي في مجموعها تشتمل على مشاهداتي وخواطري حتى نهاية العام الماضي (١٩٥١).
أما المستقبل فلا يعلمه إلا علَّام الغيوب، وخواطري ومشاهداتي عنه مرهونة بمشيئة الله.
أول فبراير سنة ١٩٥٢