الأمير عمر طوسون
من أبرز أمراء الأسرة العَلوية وأنبههم شأنًا وأعرقهم وطنية، المغفور له الأمير عمر طوسون. كان رحمه الله كبير النفس عظيم الخُلق، عالِمًا واسع الاطلاع محبًّا للعلم والأدب، مؤرخًا محققًا، حجة في تاريخ مصر الحديث والقديم، وكان إلى جانب علمه وفضله شديد الوطنية، وتبدو وطنيته من خصومته المستمرة للاحتلال وسياسته، لا يبالي الجهر بها في كل مناسبة، وقد سجلها في مؤلفاته وبحوثه وأحاديثه ومقالاته. وكان الاحتلال وعماله وصنائعه يعرفون عنه هذه الميول، وهو من ناحيته يصارحهم بها ولا يكتم عنهم شيئًا منها، وقد استُهدف من أجل ذلك لغضبهم غير مرة، وخاصةً أثناء الحرب العالمية الأولى؛ إذ كان بأوروبا صيف سنة ١٩١٤، فلما أراد العودة إلى مصر بعد إعلان الحرب عارضت السلطة العسكرية البريطانية في عودته، وظل وقتًا طويلًا تحت الملاحظة في مرسيليا إلى أن توسط له السلطان حسين كامل لدى السلطات البريطانية فأذنت له بالعودة إلى مصر.
اتصلت به منذ عودته أثناء الحرب العالمية الأولى، وكنت ألقى منه تقديرًا كبيرًا، وحينما كان يزور تفتيشه في «دميرة» القريب من المنصورة كنت أنتهز هذه الفرصة فأذهب صحبة لفيف من إخواني لزيارته في قصره الريفي هناك، فكان يُسر كثيرًا لهذه الزيارات ويفيض في أحاديثه الوطنية التي زادتني تقديرًا له. وكانت زياراتي له في دميرة مما ضاعف صلتي به، وأعرب لي عن رغبته في أن أزوره بالإسكندرية كلما ذهبت إليها، وقد بررت بوعدي فكنت كلما ذهبت إليها أقابله في دائرته وألقى منه احترامًا وحُسن مقابلة يزيدانني تعلقًا به. وقد لاحظ مرة أني ذهبت إلى الإسكندرية دون أن أقابله، فأرسل لي من يعرب لي عن ملاحظته في ذلك، فشكرت له هذه الملاحظة واعتبرتها تقديرًا وتكريمًا لي، واعتذرت بأن الوقت الذي قضيته بالإسكندرية في هذا اليوم لم يسمح لي بهذه المقابلة، ومن يومئذٍ حرصت على أن أزوره كلما ذهبت إليها.
وكنت أحظى بإهدائه إياي كتبه القيِّمة كلها، وأقابل كل هدية بما تستحقه من الشكر والتكريم.
وكان رحمه الله دقيقًا في تقدير المؤلفات التي كانت تُهدى إليه، ولما بدأت في إخراج «تاريخ الحركة القومية» أهديته كل كتاب يصدر منها، وكان يرسل لي خطابات شكر، ولاحظت أن عبارات الخطابات بدأت وجيزة ثم أخذت تتطور وتطول مما يدل على ازدياد تقديره لي مع الزمن.
حضرة صاحب العزة عبد الرحمن الرافعي بك
نشكر حضرتكم على حضوركم شخصيًّا لإهدائنا الجزء الأول من كتابكم «تاريخ الحركة القومية». وقد قبلناه بمزيد الامتنان وسنقرؤه بإمعان النظر ونضعه في مكتبتنا تذكارًا لكم، وتقبَّلوا مزيد سلامنا.
ثم أهديته الجزء الثاني، فأرسل لي خطابًا بحثت عنه كثيرًا في محفوظاتي فلم أعثر عليه لكي أنشره هنا، ويظهر لي أنه لم يكن خطابًا ذا بال؛ لأنه لو كان كذلك لنشرته في الصحف كما نشرت خطابات الأمير عن الكتب التالية.
حضرة الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي بك
بعد أن أهديتم إلينا الجزء الأول والثاني من كتابكم البارع «تاريخ الحركة القومية» أصبحنا شغوفين ننتظر بفروغ صبر تتمة هذا المبحث الجليل، ونرقب بلهف بزوغ ثالث هذين الكوكبين، فإذا بيدكم البيضاء تُخرجه لنا من غير سوءٍ آية أخرى.
وإن الباعث الشريف الذي حدا بكم إلى تجشُّم هذه المشقة البعيدة الغاية التي صوبتم إليها سهمكم هو إدراك الغرض الذي وضعتموه نُصْب أعينكم، ولعلكم لا تجدون ثوابًا على هذا العمل الصالح أكبر من هذا الذي تجدونه في نفسكم من الارتياح لإتمام هذا الصنيع الخالد الذي خدمتم به تاريخ الحركة القومية لبلد شغفتم به حبًّا وعُرفتم بصدق الإخلاص له والتفاني في خدمته.
وإذا لم يكن للذين أسعدهم الحظ باقتناء مؤلفكم الثمين والانكباب على قراءته والاستفادة منه من وسيلة إلى جزائكم عليه إلا الشكر، فأنا أول الشاكرين. والسلام عليكم ورحمة الله.
حضرة صاحب العزة الأستاذ عبد الرحمن الرافعي بك
تفضلتم فأهديتم إلينا الجزأين الأول والثاني من كتاب «عصر إسماعيل» وهو الحلقة الثالثة من المؤلَّف الكبير الذي تعالجونه (سلسلة تاريخ الحركة القومية).
ولقد تصفحنا كثيرًا من مباحث هذين السِّفْرين الجديدين واستوعبنا بعض فصولهما وأبوابهما استيعابًا جعلنا نلم بهما إلمامًا ونحيط بهما إجمالًا فألفيناهما كثلاثة الأجزاء السابقة التي تفضلتم فأهديتموها إلينا من قبلُ مفرغين في نفس القالب البديع الذي أفرغتموها فيه متصلة حلقاتهما بتلك السلسلة الذهبية التي تصوغونها صياغة تأخذ بالأبصار.
وقد احتوى هذان السِّفْران على خلاصة ما حدث في عصر إسماعيل بعبارة سهلة جزلة مع العزو إلى المصادر والمراجع وذكر الوثائق والأسانيد فجاء بهذا الصنيع مرآة صافية صادقة جلوتموها للناظرين فتجلت فيها صورة هذا العصر الحافل بالحوادث على حقيقتها. ومن يعرف ما كان يغشى حقائق التاريخ في هذه الحقبة من الأطلية والبهرج تارةً، والتشويه والمسخ تارةً أخرى، يعرف قيمة صنيعكم ولا يسعه إلا أن يقدِّر عملكم حق قدره ويثني عليكم الثناء المستطاب، فامضوا قُدمًا في عملكم حتى تتموه على هذا النسق الجميل.
والسلام عليكم ورحمة الله.
ويبدو أن تقديره لكتاب «الثورة العرابية» بلغ حدًّا كبيرًا؛ إذ عده «أهم الموضوعات في سلسلة تاريخ الحركة القومية»، وبعث لي بصدده بخطابين متعاقبين:
الخطاب الأول
حضرة الأستاذ الكبير عبد الرحمن بك الرافعي
كان سرورنا عظيمًا بكتابكم الجديد «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي» الذي تفضلتم بإهدائه إلينا، وإننا نعد موضوع هذا الكتاب أهم موضوعات سلسلة تاريخ الحركة القومية؛ ولذلك كان سرورنا بظهوره معادلًا لاهتمامنا بموضوعه الخطير، وسيحدونا هذا الاهتمام بالطبع إلى قراءته بشغف عظيم.
ولا شك عندنا أنكم قد تجشمتم في تأليفه ما تجشمتم من التعب والنَّصب خدمة خالصة منكم للتاريخ والوطن، فجزاكم الله خيرًا ووفقكم إلى إتمام سلسلة تاريخ الحركة القومية على ما تبتغون من تحقيق واستقصاء وبحث مستفيض.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الخطاب الثاني
حضرة صاحب العزة الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي
بك
تفضلتم فأهديتم إلينا الجزء الأخير من كتابكم القيِّم «الحركة القومية»، وقد كتبنا إليكم شاكرين لكم هذه الهدية النفيسة ووعدناكم في كتابنا إليكم أننا سنقرأ هذا الجزء بشغف عظيم، والآن بعد أن قرأناه وأنعمنا فيه النظر فاحصين مدققين لا يسعنا إلا توجيه الثناء المستطاب إلى هذه الهمة الكبيرة التي أخرجت هذا الكتاب، فكان من خير الكتب التي أُخرجت للناس في موضوعه. فإن الثورة العرابية رغم ما كُتِب فيها منذ حدوثها إلى الآن لم تزل جوانب منها غامضة ومحتاجة أشد الاحتياج إلى الجلاء، فجئتم وسددتم هذا النقص، وقد رأينا من حسناتكم في هذا الكتاب أنكم أوردتم فيه كثيرًا مما يذكره المعاصرون الذين شهدوا هذه الثورة ولم يدونوا مشاهداتهم، وهذا فضل آخر لكم نذكره مغتبطين مبتهجين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حضرة صاحب العزة الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي بك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فقد شرفتمونا بزيارتكم وتسلَّمنا من يدكم الكريمة هديتكم النفيسة القيِّمة «مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال من سنة ١٨٨٢ إلى سنة ١٨٩٢»، وهي تقع في جزء لطيف متصل كل الاتصال بتاريخ مصر القومي الذي ألَّفتموه وأخرجتموه في أجزاء عدة وتفضلتم فأهديتموها إلينا وشفعتموها بعد بإهداء هذا الجزء الذي يبحث تاريخ هذه الحقبة القصيرة الهامة من تاريخ مصر في أوائل عهد الاحتلال مدة حكم المغفور له الخديو محمد توفيق باشا.
ولا شك عندنا — قياسًا على الأجزاء السابقة من هذا الكتاب — أنه سيكون محيطًا بجزئيات الحوادث التي وقعت في هذه الفترة ملمًّا بها كل الإلمام مشفوعًا بما يؤيدها من الأسانيد والوثائق، على غرار ما دوَّنتموه في أسفار الحركة القومية من التحقيق والتمحيص والبحث في الأسباب والنتائج، شأنكم فيما تخرجونه من قلمكم الفياض البارع.
فنشكركم على هذه الهدية أجزل الشكر ونُثني على همتكم أطيب الثناء، والأمل أن يُفسح الله في عمركم المبارك، وأن يتسع لكم الوقت لإتمام سلسلة هذه الحركة القومية حتى هذا العهد الأخير، فتكونوا بذلك قد أديتم إلى الوطن العزيز ما ينتظره منكم ويأمله فيكم من صادق الجهود وخالد الأعمال، واقبلوا مزيد سلامنا مع أطيب تمنياتنا.
حضرة صاحب العزة الأستاذ القدير عبد الرحمن الرافعي بك
تفضلتم فوصلتم هداياكم العلمية إلينا بهدية جديدة قيِّمة ألا وهي «مصطفى كامل»، ذلك السِّفْر الذي يضم بين دفتيه تاريخ هذا الزعيم الوطني الذي دوَّى صوته في الوادي حقبة طويلة فأيقظ مصر من سُبات طويل كانت تغطُّ فيه غطيطًا ولا يدري إلا الله متى تهبُّ من رقدتها الطويلة لولا أن قيَّض الله لها هذا الزعيم الفتيَّ الجريء.
وبعدُ؛ فإننا نشكركم على هذه الهدية الجليلة ونُثني أطيب الثناء على هذا الجهد المتواصل الذي خدمتم به التاريخ والبلاد خدمة يقدِّرها لكم حق قدرها العارفون بما ينال كل من نصَّب نفسه للتأليف من عنت ونصَب، فجزاكم الله عن مصر خيرًا ونفع بمؤلفاتكم هذه الأمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حضرة صاحب العزة الأستاذ الكبير والمؤرخ المحقق عبد الرحمن الرافعي بك
السلام عليكم ورحمة الله. وبعد، فقد أهديتم إلينا بشخصكم الكريم كتابكم الجديد الذي أخرجتموه آية للناس عن الزعيم الثاني المغفور له «محمد بك فريد»، فجاء بعد أن أخرجتم كتاب الزعيم الأول «مصطفى كامل باشا» متممًا للعِقد الفريد، وكان حريًّا بفريد بك، فهو المثل الأعلى في الثبات على المبدأ والتضحية بالنفس والمال، وخير من أخلص لمصر وجاهد في سبيلها حق الجهاد حتى النفس الأخير، رحمه الله وأكرم منزله في عليين.
ولما لم يتسع لنا الوقت لقراءة هذا الكتاب الضخم فقد تصفَّحنا بعض صفحاته، ونحن أعرف بفريد وأعمال فريد وتضحية فريد، ولكنا لم نكن نتوقع أن تُخرجوا كتابه هذا الإخراج البديع وأن تضمِّنوه هذا البيان الفذ الرائع وأن يكون تاريخه وهو ملء القلوب والأسماع ملء هذا السِّفْر الكبير الذي جمعتم فيه أطراف حياته من كل نواحيها، وأفرغتموه في هذه السلسلة لتصلوا به سلسلتكم الذهبية في تاريخ الحركة القومية، فما برح الناس منتظرين من قلمكم البارع أن تكملوا هذا العمل النافع وأن يوفقكم الله لخير هذا الوطن ونفع أبنائه؛ إذ ليس شيء أجدى على مصر من تاريخ حياة بنيها وما قدَّموه من عمل صالح كريم تحسُن الأسوة به والقدوة فيه، وآخر شائن ذميم يعافونه وينفرون منه، ليعرفوا أن الحياة ذكرى وأن أعمالهم محصية عليهم.
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
فنشكركم أجزل الشكر ونُثني عليكم ثناءً مستطابًا أنتم خير أهل له.
واقبلوا مزيد سلامنا واحترامنا.
ولم يُتَح لي أن أُهدي الأمير الجليل كتابي عن «ثورة سنة ١٩١٩» و«في أعقاب الثورة»؛ فلقد وافته المنيَّة يوم ٢٦ يناير سنة ١٩٤٤، وحزنت عليه حزنًا شديدًا، وكانت فجيعة البلاد بوفاته جسيمة وخسارتها فيه لا تعوض، أسكنه الله فسيح جناته وأثابه بما أحسن إلى البلاد وأخلص لها إخلاص المجاهدين الصادقين.