اللوح الثاني عشر
[من المرجح أن تكون الصيغة الأصلية للملحمة قد تمت مع ختام اللوح الحادي عشر الذي تستعيد نهايته بداية اللوح الأول — قارن السطور من ١٦ إلى ١٩ في اللوح الأول مع السطور من ٣٠٣ إلى ٣٠٥ من اللوح الحادي عشر — وإذا صح هذا الفرض يكون اللوح الثاني عشر في صورته الحالية قد أضيف إلى الملحمة على هيئة «ملحق» لا يتصل بها اتصالًا عضويًّا، لا من حيث المبنى ولا من حيث المعنى، بل إن بدايته التي نفهم منها أن أنكيدو لا يزال حيًّا تتناقض مع اللوح السابع الذي عرفنا منه قصة مرضه وموته … ثم إن أنكيدو يموت في اللوح السابع الذي عرفنا منه قصة مرضه وموته … ثم إن أنكيدو يموت في اللوح السابع كما يموت سائر البشر، فتبلغ الملحمة ذروتها المأسوية بثورة جلجاميش على الموت ورعبه منه، وانطلاقه بحثًا عن الخلود المستحيل، أما في اللوح الثاني عشر فيحكم عليه بالبقاء في عالم الموتى السفلي بسبب خروجه على نظمه ومحرماته بعد أن نزل إليه حيًّا لإحضار أداتي سيده جلجاميش اللتين سقطتا فيه وهما البوكو والموكو؛ أي الطبلة والعصا أو المضرب الذي تدق به، ويؤكد ذلك الفرض أيضًا أن اللوح الثاني عشر لا يخرج عن كونه ترجمة أكدية شبه حرفية للقسم الأخير من إحدى القصص السومرية التي تُرْوَى عن مغامرات جلجاميش وأنكيدو كما عرضناها في «التمهيد»، وهي قصة جلجاميش وأنكيدو والعالم السفلي، فضلًا عن أن أنكيدو يقوم فيه بدور التابع والخادم لا بدور الصديق والأخ الوفي الذي شاهدناه على مدار الملحمة، مما حدا ببعض الترجمات الحديثة أن تستبعد هذا اللوح تمامًا! …
وربما يساعد على تأكيد الفرض أن ألواح الملحمة الإحدى عشر لم تُتَرْجَم عن أصول سومرية، وإنما هي خلق بابلي مستقل وأصيل؛ ولذلك يصعب حتى الآن أن نعثر على إجابة شافية عن هذين السؤالين: لماذا أضيف هذا اللوح إلى الملحمة ومتى أضيف؟ وهل يكفي أن يصور اللوح السابع أهوال العالم السفلي وأحوال الموتى فيه (انظر العمود الرابع من هذا اللوح) ليسوغ ذلك إضافة اللوح الثاني عشر للملحمة، وكأنه نوع من التوضيح لمصير أنكيدو بعد موته ونزوله إلى أرض اللاعودة (بالأكدية: ارصه – اشار – لاتارى)، أم أن قلق جلجاميش من الموت وانشغاله المهموم بمصيره يبرر الإسهاب في وصف العالم السفلي الذي سينتهي إليه، ومن ثم إضافة هذا اللوح؟! ويزيد الأمر تعقيدًا كما يزيدنا حيرة أن حذف القسم الأول من القصة السومرية التي ذكرناها قد ضاعف من صعوبة فهم هذا اللوح، وإن كان بعض العلماء (مثل شوت وفون سودين) لا يستبعدون أن تكون الأجزاء الناقصة أو المشوَّهة من الملحمة قد ذكرت نبأ «البوكو والموكو» المفقودين، بحيث كان المستمع البابلي الذي تُرْوَى عليه الملحمة على علم بالأجزاء الناقصة من النسخ والشذرات التي بين أيدينا اليوم، وفي هذه الحالة أيضًا لا ينسجم مضمون هذا اللوح المحير مع مضمون الملحمة وسياقها العام، ولا مع مضمون اللوح السابع بوجه خاص! وأيًّا كان الأمر فلا غنى عن تقديم هذا اللوح، والقارئ حر في أن يعدَّه جزءًا مكملًا للملحمة أو إضافة غير ضرورية إليها …]
-
(١) «ليتني تركت الطبلة (البوكو) في بيت النجار،
-
(٢) (إذن لكانت) زوجة النجار التي هي مثل أمي …
-
(٣) وابنة النجار التي هي مثل أختي الصغرى …
-
(٤) مَن يحضر لي الآن طبلتي من الأرض؟
-
(٥) مَن يحضر لي مضرب طبلتي (الموكو) من العالم السفلي؟»
-
(٦، ٧) قال له خادمه أنكيدو:
-
(٨) «سيدي، ماذا يبكيك، ولماذا يتوجع قلبك؟
-
(٩) اليوم سآتيك بطبلتك من الأرض،
-
(١٠) وسآتيك بمضرب طبلتك من العالم السفلي.»
-
(١١) قال له جلجاميش، قال لخادمه أنكيدو:١
-
(١٢) «إذا أردت أن تنزل إلى العالم السفلي،
-
(١٣) فعليك أن تأخذ بنصيحتي جيدًا:٢
-
(١٤) لا تلبس ثوبًا نظيفًا،
-
(١٥) وإلا عرفوا٣ أنك غريب (هناك).
-
(١٦) لا تضمخ (جسدك) بالزيت الطيب (من العلبة)،
-
(١٧) وإلا تجمعوا حولك بمجرد أن يشموا (رائحته).
-
(١٨) لا ترم العصا (الخشبية) على الأرض،
-
(١٩) وإلا تحلَّق حولك الذين ضربوا بها.
-
(٢٠) لا تحمل في يدك هراوة،
-
(٢١) وإلا ارتجفت الأرواح أمامك.
-
(٢٢) لا تضع نعلًا في قدميك.
-
(٢٣) لا تُحْدِث جلبة في العالم السفلي.
-
(٢٤) لا تقبِّل زوجتك التي أحببت،
-
(٢٥) ولا تضرب زوجتك التي كرهت.
-
(٢٦) لا تقبِّل طفلك الذي أحببته،
-
(٢٧) ولا تضرب طفلك الذي سخطت عليه،
-
(٢٨) حتى لا يطبق عليك عويل الأرض.٤
-
(٢٩) إن تلك التي تضطجع هناك، أم (الإله) نينازو التي تضطجع هناك،
-
(٣٠) لا يُغطي كتفيها الناصعين رداء،
-
(٣١) وثدياها عاريان مثل وعائين (مجوفين).»٥
-
(٣٢) لم يأخذ أنكيدو نصيحة سيده مأخذ الجد؛
-
(٣٣) ارتدى ثوبًا نظيفًا؛
-
(٣٤) فعرف (الموتى) أنه غريب هناك.
-
(٣٥) ضمخ نفسه بالزيت الطيب (من العلبة)؛
-
(٣٦) فتزاحموا حوله بمجرد أنْ شموا رائحته.
-
(٣٧أ) رمى العصا الخشبية على الأرض؛
-
(٣٨) فتجمع حوله الذين ضربوا (بهذه) العصا.
-
(٣٩) حمل هراوة في يده؛
-
(٣٧ب) فارتجفت الأرواح أمامه.
-
(٤٠) وضع نعلين في قدميه،
-
(٤١) وأحدث جلبة في العالم السفلي.
-
(٤٢) قبَّل زوجته التي أحبها،
-
(٤٣) وضرب زوجته التي كرهها،
-
(٤٤) قبَّل طفله الذي أحب،
-
(٤٥) وضرب طفله الذي سخط عليه؛
-
(٤٦) عندئذٍ أطبق عليه عويل الأرض،
-
(٤٧) تلك المضطجعة هناك، أم (الإله) نينازو، المضطجعة هناك،
-
(٤٨) التي لا يغطي كتفيها العاريتين٦ رداء.
-
(٤٩) وثدياها عاريان، مثل وعائين (مجوفين).
-
(٥٠) (في ذلك الزمن القديم) لم يرجع أنكيدو من الأرض (السفلى)،
-
(٥١) لم يمسك به نمتار، ولم يمسك بها أساكو،٧
(وإنما) أمسكت به الأرض.
-
(٥٢) لم يطبق عليه حارس نيرجال القاسي،٨
وإنما أطبقت عليه الأرض.
-
(٥٣) لم يسقط في ساحة المعركة كما يسقط الرجال،
وإنما أطبقت عليه الأرض.
-
(٥٤) (في ذلك الزمن القديم) انطلق ابن نينسون٩ (بعيدًا)،
وهو يبكي خادمه أنكيدو.
-
(٥٥) ذهب وحده إلى «الإيكور»، معبد إنليل، (وقال):١٠
-
(٥٦) «يا أبت إنليل اليوم سقطت (مني) الطبلة في الأرض،
-
(٥٧) وعصا الطبلة سقطت مني في الأرض.
-
(٥٨) أنكيدو الذي ذهب ليحضرها لي،
قد أطبقت عليه الأرض.
-
(٥٩) لم يطبق عليه نمتار، لم يطبق عليه أساكو،
بل أطبقت عليه الأرض.
-
(٦٠) لم يطبق عليه زبانية (رسل) نرجال القساة،
بل أطبقت عليه الأرض.
-
(٦١) لم يسقط في ساحة المعركة كما يسقط الرجال،
بل أطبقت عليه الأرض.»
-
(٦٢) لم يرد عليه إنليل بكلمة (واحدة)،
ذهب وحده إلى معبد (سين):١١ -
(٦٣) «يا أبتي سين! اليوم سقطت (مني) الطبلة في الأرض.
-
(٦٤) (و) عصا الطبلة سقطت مني في الأرض.
-
(٦٥) أنكيدو الذي ذهب ليحضرها لي،
قد أطبقت عليه الأرض.
-
(٦٦) لم يطبق عليه نمتار، لم يطبق عليه أساكو،
بل أطبقت عليه الأرض.
-
(٦٧) لم يطبق عليه زبانية نرجال القساة،
بل أطبقت عليه الأرض.
-
(٦٨) لم يسقط في ساحة المعركة كما يسقط الرجال،
بل أطبقت عليه الأرض.»
-
(٦٩) لم يرد عليه الأب «سين» بكلمة (واحدة).
-
(٧٠) ذهب وحيدًا إلى معبد «إيا»:١٢«يا أبتي «إيا»! اليوم سقطت مني الطبلة في الأرض،
-
(٧١) وعصا الطبلة سقطت مني في الأرض.
-
(٧٢) أنكيدو، الذي ذهب ليحضرها لي،
قد أطبقت عليه الأرض.
-
(٧٣) لم يطبق عليه «نمتار»، لم يطبق عليه «أساكو»،
بل أطبقت عليه الأرض.
-
(٧٤) لم يطبق عليه زبانية (رسل) نرجال القساة،
بل أطبقت عليه الأرض.
-
(٧٥) لم يسقط في ساحة المعركة كما يسقط الرجال،
بل أطبقت عليه الأرض.»
-
(٧٦) ما إن سمع الأب «إيا» هذا (الكلام)،
-
(٧٧) حتى خاطب نرجال البطل الفحل بقوله:
-
(٧٨) ««نرجال»، أيها البطل الفحل، استمع إليَّ:
-
(٧٩) أناشدك أن تفتح ثقبًا في الأرض،
-
(٨٠) كي تتسلل منه روح أنكيدو،
-
(٨١) وينبئ أخاه عن نظام الأرض.»
-
(٨٢) امتثل «نرجال» البطل الفحل لطلب «إيا»،
-
(٨٣) ولم يكد يفتح ثقبًا في الأرض،
-
(٨٤) حتى تسللت روح أنكيدو من الأرض كالريح.
-
(٨٥) تعانقا وجلسا معًا،
-
(٨٦) وأخذا يتشاوران ويعذبان نفسهما (بهذا الحديث؟):
-
(٨٧) «قل لي يا صديق، قل لي يا صديق.
-
(٨٨) خبِّرني عن نظام الأرض التي شاهدتها!»١٣
-
(٨٩) – «لن أخبرك بشيء عنها يا صديق،
لن أخبرك بشيء عنها!
-
(٩٠) فلو أخبرتك (بشيء) عن نظام الأرض التي شاهدتها؛
-
(٩١) لوجب عليك أن تجلس وتبكي.»
-
(٩٢) – «ها أنا ذا أجلس وأبكي!»
-
(٩٣) – «جسدي الذي كنت تلمسه وقلبك مبتهج يا صديق،
-
(٩٤) تلتهمه الحشرات كثوب بالٍ.
-
(٩٥) جسدي الذي كنت تلمسه وقلبك مبتهج،
-
(٩٦) شوَّهه التعفن (والفساد)، وملأه التراب!»
-
(٩٧) عندئذٍ قال جلجاميش، وهو مُقْعٍ١٤ في التراب،
-
(٩٨) عندئذٍ قال الملك جلجاميش، وهو مُقْعٍ في التراب:١٥
-
(٩٩) «هل رأيت الذي أنجب ولدًا واحدًا؟»١٦
– «نعم رأيته:
-
(١٠٠، ١٠١) يبكي عليه …»
-
(١٠٢) – «هل رأيت الذي أنجب ولدين؟»
– «نعم رأيته:
-
(١٠٣) يأكل الخبز.»
-
(١٠٤) – «هل رأيت الذي أنجب ثلاثة أولاد؟»
– «نعم رأيته:
-
(١٠٥) … يشرب الماء.»
-
(١٠٦) – «هل رأيت الذي أنجب أربعة أولاد؟»
– «نعم رأيته:
-
(١٠٧) إن قلبه فرح.»
-
(١٠٨) – «هل رأيت الذي أنجب خمسة أولاد؟»
– «نعم رأيته:
-
(١٠٩) مثل … طيب … جنبه عار،١٧
-
(١١٠) … يدخل القصر.»
-
(١١١) – «هل رأيت الذي أنجب ستة أولاد؟»
– «نعم رأيته:
…»
-
(١١٤) – «هل رأيت الذي أنجب سبعة أولاد؟»
– «نعم رأيته:
…»
-
(١١٧) – «… الذي … هل رأيته؟»
– «نعم رأيته:
-
(١١٨) كشعار إلهي جميل مفعم بالخير …»١٨
[فجوة من حوالي ستة وعشرين سطرًا.]
-
(١٤٥) – «هل رأيت الذي ضربته صارية سفينة؟»
– «نعم رأيته:
-
(١٤٦) وما إن هبط إلى العالم السفلي، عن طريق المنزوع …»١٩
-
(١٤٧) – «هل رأيت الذي مات ميتة …؟»٢٠
– «نعم رأيته:
-
(١٤٨) إنه يرقد في مضجعه الليلي ويشرب ماء «صافيًا».»
-
(١٤٩) – «هل رأيت الذي قتل في المعركة؟»
– «نعم رأيته:
-
(١٥٠) إن أباه وأمه يسندان رأسه،
وزوجته محنية عليه.»٢١ -
(١٥١) – «هل رأيت الذي رُمِيَت جثته في البرية؟»
– «نعم رأيته:
-
(١٥٢) إن روحه تهيم قلقة في الأرض.»
-
(١٥٣) – «هل رأيت الذي تركت روحه بلا راعٍ (يرعاها)؟»٢٢
– «نعم رأيته:
-
(١٥٤) لقد كُتِبَ عليه أن يأكل فضلات الصحون،
وكسرات الخبز الملقاة في الطريق.»