عمالقة الأرض
قبل أن تظهر اللبونات التي تُرضع أطفالها، امتلأ العالم بالزواحف التي كانت تشبه في كثير من هياكلها التمساح والسحلية (= العظاية) والبرص (= سام أبرص) والورنة، ولكنها كانت تنمو إلى ما يزيد على ضعفي الفيل، أو ثلاثة أو أربعة أضعافه.
حيوانات ضخمة تسعى على اليابسة وتسبح في الماء بحرًا أو نهرًا، وتطير أو تثِب في الجو، وكانت تفترس الحيوان أو تأكل النبات، ولكنها كانت تبيض ولا تلد، وما زلنا نجد بيضها متحجرًا إلى الآن، وهو يشبه بيض الزواحف الحاضرة، من حيث إنه يستطيل ويشبه الرغيف الفرنسي.
ولكن هذه الحيوانات مع كل ضخامتها، ومع تعدد أنواعها، ومع أنها استولت على البحر والجو واليابسة، انقرضت ولم يبقَ منها غير الزواحف التي تعيش في عصرنا، وأكثرها من الضعف بحيث يعيش في السر؛ يختفي في النهار ويخرج في الليل؛ مثل الثعابين، ولكن حتى هذه الزواحف التي لا تزال حية قد احتاجت إلى تطورات مختلفة ساعدتها على البقاء؛ مثل انقراض الأيدي والأرجل للثعابين، ومثل الأنياب السامة، أو الأسلحة السرية، التي تدل على الضعف، في أفواهها، ومثل الحراشف للتمساح، ومثل الدَّرَق الذي تحتمي به السلحفاة واللجاة.
لماذا انقرضت هذه الزواحف التي كانت عمالقة الأرض؟
فهنا قاعدة هي أن العملقة في الحيوان تؤدي إلى قلة التناسل أو إلى العقم.
ولكن ما هو الأصل لهذه العملقة؟
يغلب على الظن أن الأصل هو وفرة الطعام، وهي الوفرة التي حملت هذه الزواحف على الركود والسكون، فأدى الركود والسكون إلى زيادة النمو ثم إلى العقم.
ولكننا «نفرض» العقم، وليس عندنا ما يدل عليه، وإنما هو ترجيح يحملنا عليه أننا نرى العمالقة في أيامنا، من الإنسان والحيوان، قليلة النسل أو عقيمة.
وقشر السمك، وحراشف التماسيح، ودرقات السلاحف، والشعر والريش، كلها تتفق كيماويًّا بحيث يمكن أن نتخيل تطور الشعر والريش من حراشف الزواحف.
•••
في يناير من ١٩٥٢، زرت متحف التاريخ الطبيعي في باريس، ووقفت مشدوهًا أمام الدينصور، وهو من الزواحف التي انقرضت منذ ثمانين مليون سنة قبل أن تحلم الأرض بظهور الإنسان، ولم يكن الدينصور الذي رأيته لحمًا ودمًا، وإنما كان عظمًا فقط، ولكن بدا لي من الفحص أن جميع أعضائه العظيمة كانت سليمة، وكان من الضخامة بحيث يزيد على أربعة من الفيلة الكبار، وكان مع هذه العظمة المرعبة لا يحمل سوى جمجمة صغيرة، بل صغيرة جدًّا، حتى يمكن أن يقال إن رأس الفار يزيد، بالمقارنة إلى الجسم، على رأسه نحو مائة مرة!