التطور في النبات
تطوُّر النبات ليس في وضوح تطور الحيوان؛ فإن طائفة كبيرة من حلقات الاتصال بين الأنواع الموجودة الآن قد فُقدت، أو قل إن العلميين لم يهتدوا إليها بعد، وربما كان عدم الاهتداء إليها ليس ناتجًا عن قلَّتها بل عن قلة المشتغلين بالنبات؛ فهذا العلم فيه شيء من الجفاف يصدُّ رجل العلم عن درسه؛ إذ ليست به تلك الجاذبية التي تغري العلماء بدرس الحيوان.
وقد أُحصيتْ أنواع النبات الموجودة الآن في العالم فوُجدتْ كما يلي:
النباتات المزهرة (أي ذات الجنسين) | ١٠٣٠٠٠ نوع |
النباتات المخروطية (كالصنوبر) | ٣٥٠٠ نوع |
النباتات الطحلبية | ٧٥٠٠ نوع |
النباتات السرخسية | ٣٥٠٠ نوع |
أنواع الأُشْنَة | ٥٥٠٠ نوع |
الفطر والكمأة والبكتريا | ٤٠٠٠ نوع |
الألجة وعشب البحر | ١٤٠٠٠ نوع |
ونرى وجهًا للمشابهة بين تطور النبات وتطور الحيوان من حيث إن الاثنين بدأت فيهما الحياة عن سبيل الخلية الواحدة البسيطة، ثم تطورت وتدرَّجت حتى وصلت في الحيوان إلى الفقريات، فانتشرت هذه الفقريات في البحر واليابسة والهواء، وتغلَّبت على جميع ما عداها من الحيوان، وصارت هي السائدة في هذا العالم.
وكذلك الحال في النبات؛ تطوَّر وتدرَّج حتى وصل إلى النباتات المزهرة، فتغلبت على جميع ما عداها من النبات حتى بلغ عدد أنواعها نحو أربعة أسباع عدد أنواع المملكة النباتية، وقد انتشرت في جميع أنحاء اليابسة؛ فنجدها في السهل، وفي الجبل، وفي القطب الشمالي، وفي خط الاستواء، وفي الماء، وفي اليابسة.
والخلية الأولى من النبات تشبه الخلية الأولى من الحيوان، بل هي تتحرك مثلها كما نرى ذلك في البكتيريا التي تعيش في دم الحيوان؛ فالبكتريا في النبات مثل الميكروب في الحيوان، والنبات يقترب من الحيوان بمقدار انخفاضه في مرتبة التطور، فإذا ارتفع كلاهما في سلم التطور انفصل كل منهما عن الآخر، وتميز بميزات عديدة.
بل إن هذه البكتيريا، وهي خلية مفردة كالنبات، بدلًا من أن تستغل ضوء الشمس بواسطة المادة الخضراء؛ أي الكلوروفيل كالنبات، تستغل مادة حية أخرى، وقد تطورت حتى ظهر منها الكمأة التي تنبت حيث الخموم والعفن، وتستغل الأحياء الميتة، وهذه الكمأة، لأنها لا تعيش عيشة النبات وإن كانت منه، قد فقدت لون النبات الأخضر، وصار طعمها طعم اللحم، وكذلك البكتيريا صارت تتحرك حركة الحيوان.
وأول نبات ظهر في العالم، بل ربما كان أول حي، هو الألجة؛ فليس له ورق ولا جذوع ولا جذور، وهو يعيش خلية واحدة، وقد يتصل فيتألف منه عشب البحر؛ فإن الخلايا المؤلَّف منها عشب البحر المنتشر في جميع أنحاء البحار تشبه خلية الألجة.
بل هذه الأُشْنَة — وهي حي مركب من الفطر والألجة — ليست في الحقيقة نباتًا واحدًا، وإنما نباتان ينتفع كل منهما من الآخر.
وإلى ظهور هذه الأنواع كان النبات لا يزال في الماء طري الجسم، إذا تعرض للشمس جف، ولم يكن له بعدُ خشب يحمل رطوبته ويحتفظ بها لمقاومة الجفاف، فلما نشأ الخشب تمكَّن النبات من الخروج من الماء إلى اليابسة.
ثم ظهرت النباتات الطحلبية وكانت تقدمًا بنوع ما؛ لأن النباتات السابقة لم يكن لها جذوع، أما هذه فقد حصلت على جذوع، ولكنها لم تحصل بعد على جذور، وهي لا بد منها للصعود إلى اليابسة.
ثم ظهرت النباتات المخروطية؛ أي التي ثمرها بهيئة المخروط مثل الصنوبر، وكان هذا المخروط أول تهيؤ لظهور الأزهار.
واختتم التطور بظهور النباتات المزهرة، والنباتات المخروطية تعتبر حلقة الصلة بين النباتات السرخسية والنباتات المزهرة.
وذوات الزهر هي الوحيدة بين أقسام النباتات التي يمكنها أن تقتنص الحشرات وتأكلها، وهي أيضًا تنمو في كل مكان؛ حارًا كان أم باردًا، ويابسة أم ماء، وأقل نجاحها في الماء الملح، ومع ذلك فإن النباتات السرخسية والمخروطية لم تنجح مطلقًا في الماء الملح، وهذا كله يدل على أن ذوات الزهر قد حصلت على عدة كفايات لم تحصل عليها سائر النباتات.
وذوات الزهر تنقسم إلى قسمين: أحدهما ما تكون بذرته ذات فلقة واحدة؛ كالذرة والقصب والقمح والنخل، والآخر ما تكون ذات فلقتين؛ كالفول والقطن واللوز والبرتقال.
والجذع في القسم الأول يكون على الدوام متساوي الثخانة من الأسفل والأعلى، كما نرى في جذع النخل والذرة، أما القسم الثاني فيكون ثخينًا من أسفل دقيقًا من أعلى.
والقسم الأول أحدث عهدًا من الثاني؛ بدليل أن النواة أو حبة الذرة عندما تنشأ يكون فيها، وهي بعدُ جنين، تلميح إلى تكوُّن الفلقتين، ثم تعود فتندغم الفلقتان وتصيران فلقة واحدة.