تطور بعض الأعضاء
- تطور الثدي: في جلود الأسماك غدد تفرز نوعًا من الدهن أو الزيت ينتشر على سطحها
فيجعلها ملساء زلقة فيسهل عليها بذلك اجتياز المياه، وهذه الغدد تتركَّز
أحيانًا في بعض مراكز، وتُنشئ أحيانًا مجاري، وأحيانًا أخرى تتفرق في جلد
السمكة.
وأكثر الضفادع وبعض الأسماك تفرز مادة زيتية كريهة على جلودها؛ حتى لا يفترسها مفترس، وهذا هو السبب في أن الكلب أو القط أو الثعلب يكره الضفادع ولا يأكلها مع كثرتها أمامها.
وللزواحف والطيور غدد تفرز مواد كريهة أحيانًا؛ لتكرِّه أعداءها فيها حتى لا تفترسها.على أن الحيوان اللبون (ذا الثدي) يمتاز على كل الحيوانات الأخرى بثلاثة أنواع من الغدد، وهي غدد اللبن؛ أي الأثداء، وغدد العرق، وغدد الشعر؛ أي الغدد الدهنية.
واللبن في تركيبه قريب من المادة التي تفرزها غدد الشعر، وتشتد مشابَهتُه لمفرزات الغدد الدهنية هذه كلما نزلنا في سلم التطور إلى الحيوان اللبون القريب من الزواحف؛ ففي استراليا — مثلًا — حيوان يسمى الأخدنة، وهو شائك كالقنفذ، ويعيش بأكل النمل، وهو أحط اللبونات الحاضرة؛ فإنه لا يزال كالزواحف يبيض ولا يلد، وليس له غير منفذ واحد للبول والتبرز، وليس له حاجز بين صدره وبطنه كالحيوان اللبون، وليس له ثدي بالمعنى المتعارف، بل تتورَّم جلدة بطنه وتحتقن عندما ينفقس بيض فراخه، وتتشقق ثم ترشح نوعًا من الدهن الذي يفرزه جسدنا للشعر، فتلحسه فراخه.
ومن ذلك نفهم أصل الأثداء، فإنها غدد دهنية تركزت في موضع من الجسد، وكان القصد منها في الأصل مجرد إيجاد الدهن للشعر.ويجب ألَّا ننسى أن الشعر، وهو يحتاج إلى غدد دهنية، من خواص الحيوان اللبون؛ ولذلك لم يظهر اللبن في غيرها.
وعدد حلمات الأثداء والضروع تكون عادة مناسبة لعدد ما يلده الحيوان في الدفعة الواحدة؛ ولذلك هي كثيرة في الفأر والخنزير، قليلة في الإنسان والقرد، ويظهر في جنين الإنسان خمسة أزواج من الحلمات، ثم تضمر وتزول، مما يدل على أن الإنسان قضى حينًا من الزمن وهو مثل الخنزير والفأر يلد عددًا من الأولاد في الولدة الواحدة.
ثم إن ألبان الحيوانات تختلف وتتماثل باختلاف هذه الحيوانات أو مماثلتها؛ فألبان الإنسان والقرد والنسناس تتماثل، وألبان الحيوانات المجترَّة تتماثل أيضًا، ولكنها تختلف عن ألبان الحيوانات الأخرى.
- تطور الأسنان: الأسنان ضرب من فلوس السمك التي تغطي جسمه، فهي مثلها كيماويًّا، ولا تزال أسنان القرش تُصنع وتتكوَّن وهو جنين بالطريقة نفسها التي يتكون بها قشره، وأكثر أجنَّة الحيوانات التي تعيش على اليابسة يكون جلدها مغطى بما يشبه فلوس السمك، وتنشأ الأسنان مثلها ومعها في وقت واحد، ثم تزول الفلوس التي على الجلد وتبقي الفلوس (الحراشف) التي في الفكين، وهي الأسنان.
- تطور الرئة: لأكثر الأسماك كيس يتصل بالمريء، ويكون دائمًا مملوءًا، والغرض منه تخفيف جسم السمكة عندما تريد الصعود في الماء وإثقاله بالإفراج عن الهواء الموجود فيه عندما تريد الغوص، وهذا الكيس هو أصل الرئة في الحيوانات الأرضية، وقد حُقِّق ذلك في السمندل — وهو حيوان يقضي طفولته أو شبابه في الماء ثم يهجره ويسكن اليابسة — فإن كيسه هذا، الذي كان يستعمله في العوم وقتما كان يسكن الماء يتنفس بالخياشيم كالسمك، يتحول إلى رئة عندما يسكن اليابسة، والرئة نشأت عن طريق المصادفة تقريبًا؛ لوجود هذا الكيس قبلًا في الأسماك، كما نشأ الثدي عن وجود غدد الشعر الدهنية.
- تطور الأجنحة: نشأت الطيور من الزواحف، بل هي لا تزال للآن زواحف طيارة، وغاية ما حدث
لها أن ساقيها الأماميتين صارتا جناحين، وأكثر الطيور تعيش مدة طفولتها وفي
طرف أجنحتها مخلب أو ظلف، وقد يبقى معها طيلة حياتها، مما يدل على أن
الجناح كان ساقًا يومًا ما.
وصغار الدجاج تستعمل أجنحتها للاعتماد عليها في المشي كما تستعمل الزواحف ساقيها الأماميتين، والطيور لا تزال تتعلم الطيران تعلمًا ولا تأتيه طبعًا وغريزةً، مما يدل على قرب عهدها به، ثم إن أجنة الزواحف والطيور تتماثل إلى قِرَب تفقس البيض تقريبًا، ثم إن حياة الزواحف والطيور الفسيولوجية متشابهة إلى حد يمكن أن يقال إنها واحدة فيهما.
- تطور الأذن: الجنين يمثِّل تاريخ النوع الذي ينتسب إليه، وفي حياتنا الجنينية تظهر
حزوز وشقوق في الوجه تمثل الخياشيم التي كنا نتنفس بها حينما كنا أسماكًا،
أو على الأقل من الحيوانات البحرية، والأذن في الأسماك الآن ليست أكثر من
خيشوم يصل إلى الدماغ وليس فيه طبلة أو تجويف طبلي؛ ولهذا السبب تتكون
الأذن في جنين الإنسان من أحد خياشيمه.
وتظهر الطبلة والتجويف الطبلي والقناة اليوستاخية الواصلة الأذن بالأنف أولًا في الحيوانات البرمائية (مثل الضفادع)، وتظهر صَدَفة الأذن في الليونات، والغرض منها جمع الصوت بتحريك هذه الصدفة إلى جهة الصوت، كما نرى في الحمار والفرس.
ولم يعد للصَّدَفة فائدة ما للإنسان أو القرد، ولذلك ضمرت عضلاتها وضعفت عن الحركة، إلا القليلين الذين يستطيعون تحريكها حركة ضعيفة؛ وذلك لأننا نعتمد في سلوكنا على العين أكثر مما نعتمد على الأذن أو الأنف.