حياة الأورانج أوتان
الأورانج أوتان فصيلة من فصائل القردة العليا البتراء الأربع، وقد ألممنا بشيء من حياة هذه القردة على وجه التلخيص، ولكن يحسن بنا أن نفصِّل حياة أحد هذه القردة بعض التفصيل.
فالقردة العليا تمتاز كلها بالمسحة البشرية التي على وجوهها، ولو تأمَّلت وجهها وهي تلحظ ما حولها بعينيها دون أن تحرك رءوسها، أو لو نظرت إليها وهي تتنهَّد، أو تقطِّب حواجبها، أو تحك، أو تتأمل، أو تحاول استكشاف شيء، لشعرت بأنك أمام حيوان قد أوشك أن يكون إنسانًا.
والأورانج يعيش في سومطرا وبورنيو، وهو ضخم الجثة كبير البطن، ووجهه خلو من الشعر، عليه مسحة الكآبة، وللذكر دون الأنثى خدود كثيفة تجعل الوجه عريضًا كأنه إنسان صيني، ووجهه أسمر إلى سواد، ولكن بجبهته شيء من الحمرة الخفيفة، وشفتاه متحركتان، وهما تبرزان إلى الخارج عندما يأكل.
وليس للأورانج ذقن كما للإنسان، ولا فرق بين أذنه وأذن الإنسان، والذراعان طويلتان تبلغان عقبه، وأصابع يديه مشتبكة عند أصولها بغشاء، ولكن إبهامه قصيرة، وكثيرًا ما تخلو من المفصل الأخير، ظهر يده قليل الشعر، وإبهام القدم قصيرة جدًّا أيضًا، وكثيرًا ما تخلو هي وسائر الأصابع من الأظافر، وهو هنا قد سبقنا في التطور؛ لأن مصيرنا القريب إلى ذلك أيضًا.
وقلَّما يتشابه اثنان من الأورانج في حجم الرأس، ولكن رأس طفل الأورانج يشبه رأس الإنسان، ووجه طفله يشبه الوجه الصيني بين الناس.
ويعيش الأورانج منفردًا في أعالي الأشجار، ولا يعايش الأنثى إلا وقت التلاقح، وطريقة التلاقح هي الطريقة البشرية، البطن يلي البطن، وعضو التناسل عند الذكر قصير غليظ يشبه عضو التناسل عند الإنسان الصيني، وإذا سارت الأنثى صحبها على الدوام واحد أو اثنان من أولادها؛ أحدهما رضيع، والآخر طفل يمشي، وهي لا تتَّئِم وإنما تلد طفلًا واحدًا، ولا يبلغ الطفل ويكتمل نموه قبل الثالثة عشرة أو الخامسة عشرة.
أما على الأرض فيمشي مشيًا سيئًا، وهو يعتمد على يده كأنها عكازه، وإذا كانت الأرض مكشوفة فإن الإنسان يدركه في السباق، وهو في مشيته يشبه رجلًا مسنًّا قد توكأ على عكازته، ولكن قلَّما ينزل الأورانج من الأشجار إلا مضطرًّا.
وإذا أراد الأورانج أن يشرب ملأ كفه وشرب، فهو لا يضع فمه على المجرى مباشرة كما يفعل الحيوان.
وليس لعشه سقف، بل هو أشبه بمقعد منه بعش، وهو ينام عليه في الليل، فإذا كان النهار انسطح عليه وبسط ذراعيه على الغصون التي فوقه، وهو يأكل الجوز وبعض أوراق الشجر، ووجبته هي الغداء في الظهر.
وهو شرس متوحش إذا أُسِر وهو كبير، ولكنه وديع لطيف إذا استؤنس وهو صغير، ولكنه قلَّما يعيش إلى سن البلوغ في الأَسْر، وهو يفر من الإنسان، إلا أنه إذا وجد الطريق مسدودًا وتحقَّق من الوقوع دافع عن نفسه وحمل على من أغار عليه، وربما قتله، وهو يدافع عن نفسه بيده وأسنانه الحادة، وقد وُجد بين ما صيد منه في بورنيو عدد كبير قد فقد بعض أصابعه فيما دار بينه وبين خصومه من القتال.
وإذا قعد الأورانج اتخذ هيئة بوذا؛ أي الهيئة الصينية، فيقعد على أليتيه ويطوي ساقيه أمامه أفقيًّا، وخطوط كفه أيضًا تشبه خطوط كفوف المغول؛ كالصينين والتتار، وتختلف عن خطوط الكفوف عند الأوربيين والإفريقيين وقردي إفريقيا؛ الشمبنزي والغوريلا.