رأي المستشرقين في أصل الإعراب
وللمستشرقين في أصل الإعراب آراء لا يجدر بنا أن نذكرها جميعًا، فإنما هي فروض لم تستقر، ولم يجز بها الدليل إلى ساحة العلم المؤيد؛ وإنما نذكر الفرض الذي يراه المستشرقون أنفسهم أقربها إلى الصواب وأولاها بالدرس.
وفي اللغة الهندية الغربية نرى لواحق الخفض مشتقة من لواحق دالة على الوصفية، ويساعد على هذا في العربية أن الصفة تجيء بعد الموصوف، فيقال: البيت الملكي، وباتحاد الموصوف بالصفة في المعنى واللفظ بهما مرة واحدة استُغنِي عن إعراب التالي، وخُفِّفت الياء فنشأ الخفض، وهو إعراب جديد.
نقد مذهبهم
وكل ما ذهب إليه المستشرقون في هذا الموضوع فروض، أساسها أن علامات الإعراب أثر لزوائد كانت تلحق الكلمات، ثم حُذِفَتْ وبقي منها أثرها دالًّا عليها، وهو الإِعراب.
- (أ)
فهم يفرقون بالحركة بين اسم الفاعل واسم المفعول في مثل: مُكْرِم ومُكْرَم، ومستخرِج ومستخرَج.
- (ب)
وبين فعل المعلوم وفعل المجهول؛ نحو: كَتَبَ، وكُتِبَ، واستفهمَ واستُفْهِمَ عنه.
- (جـ)
وبين الفعل والمصدر، في مثل: عَلِمَ وعِلْم، وتَعَلَّم وتَعَلُّم.
- (د)
وبين الوصف والمصدر، في مثل: فَرِحٌ وفَرَحٌ، وفَهِمٌ وفَهْمٌ، وحَسَنٌ وحُسْن.
- (هـ)
وبين المفرد والجمع، في مثل: أسَد، وأُسْد.
- (و)
وبين الفعل والفعل، مثل قَدِم وقدُم؛ لكلٍّ معنى ولا فارق إلا الحركة.
- (ز)
وبين الاسم والاسم، في مثل سُحُور وسَحُور، ووُضُوء ووَضُوء. وحِمْل وحَمْل.
وهذا من الشيوع والكثرة في اللغة العربية بحيث لا نستطيع جمعه، وبحيث نراه أصلًا من أصولها، ساريًا في كثير من تصرفاتها، ظاهرًا في سبيل الأداء وتصوير المعاني. ومن العناء الضائع، والتكلف المبعد عن الحق أن نتلمس لكل حركة من هذه الحركات أصلًا؛ لأنَّا نحاول أن نكلفها نظام غيرها من اللغات، وإنما هي صورة ألفها الباحثون في اللغات الأجنبية فغلبت عليهم حين يفكرون في فقه العربية.
وكما أن الفلسفة الكلامية قد خدعت النحاة عن فهم الإعراب، إذا مزجوها بالنحو مزجًا، حتى كأنهم إنما يدرسون فلسفة نظرية؛ كذلك المستشرقون غلبت عليهم مناهج بحثهم في لغتهم، أو الصور التي استخرجوها من درس كلامهم، فصرفتهم عن الحقيقة إلى شعاب من البحث متكلفة.