شهرزاد
المنظر الأول
(طريق قَفْر، منزل منفرِد على بابه مِصباح
مضيء، موسيقى بعيدة يحمل أنغامَها النسيمُ في جوف هذا الليل
البهيم.)
الساحر
(يقود جارية إلى المنزل)
:
ماذا يقول لكِ هذا الغريب الأسود؟
الجارية
:
يسألني عن سر فرح المدينة، فأجبته: هو عيد تقيمه العذارى
للملكة شهرزاد.
الساحر
:
وما لفرائصك ترتعد؟
الجارية
(همسًا)
:
لست أدري.
الساحر
:
ألم أحذرك أن تقربي هذا العبد الهرم، فإن في عينيه نظرات
الفجرة؟
الجارية
(همسًا)
:
ليس هرمًا.
الساحر
:
بمَ تهمسين كمن به مس؟ هاتي يدك ولندخل. لعلك ارتعت من
قبح هذا الرجل.
الجارية
:
ليس قبيحًا.
(يدخلان المنزل. يظهر العبد يُتبع نظراته
الجارية.)
العبد
:
ما أجمل هذه العذراء! وما أصلح جسدها مأوًى!
صوت
(من خلفه)
:
مأوًى؟ للشيطان؟ أم للسيف؟
العبد
(يلتفت)
:
أهذا أنت؟
الجلاد
(يظهر)
:
عرفتني؟
العبد
:
أين سيفك أيها الجلاد؟
الجلاد
:
شريت بثمنه أحلامًا.
العبد
:
فهمت.
الجلاد
:
ماذا فهمت؟
العبد
:
سرَّ بَذخك في خان أبي ميسور. شهد دخان القنَّب العاطر
بما نالني من فضلك وجودك.
الجلاد
:
إنما هو حق الغرباء الأضياف.
العبد
:
وما عساك تصنع في حق مولاك؟
الجلاد
:
لم أعد بعدُ جلاد الملك.
العبد
:
فهمت.
الجلاد
:
ماذا فهمت؟
العبد
:
أليس اليوم عيد العذارى؟
الجلاد
:
لم تبقَ بالملك حاجة إلى جلاد.
العبد
(في إعجاب)
:
يا لجسد شهرزاد!
الجلاد
:
كلا. ليس حب شهرزاد هو الذي يصرف الملك الآن عن ذبح
العذارى.
العبد
(يرهف الأذن)
:
اسمع! ما أحسنه غناءً وما أغربه! لمن هذه الدار؟
الجلاد
(في صوت المُسر)
:
للساحر. وإلى هذه الدار يأتي الملك سرًّا كي يختلي
بالساحر.
العبد
:
الساحر؟ والد العذراء؟
الجلاد
:
يزعمون.
العبد
(يصغي إلى الغناء ويبتسم)
:
عصفور غرد سلم من مُديتك!
الجلاد
(يهم بالانصراف)
:
ما خرج من يدي دخل في حوزة الشيطان.
العبد
:
ابقَ هُنيهة! ما أحسب لك عملًا تسارع إليه.
الجلاد
:
بلى. إن وحيًا يحدثني بشيء أحمر.
العبد
(مازحًا)
:
بل هو أسود. وحيك أخطأ اللون.
(فجأةً تنبعث من نافذة الدار آهة أو أنَّة
مستطيلة غريبة.)
الجلاد
(هامسًا)
:
أسمعت؟
العبد
:
ماذا؟
الجلاد
:
صوت كنعيب البوم.
العبد
(يجيد النظر فيما حوله)
:
البوم! أين؟ لست أرى بومًا. لا تملأ الدنيا شؤمًا أيها
الجلاد العاطل!
الجلاد
(يهمُّ بالانصراف)
:
فلتهنأ بالصمم حتى لا تسمع!
العبد
:
إلى أين تذهب؟ قف برهةً أخرى. تعالَ وحدِّثني عن شهرزاد
الجميلة.
الجلاد
:
ماذا تريد أن تعلم عن شهرزاد أكثر مما علمت بالأمس؟ كأني
بك ما هبطت المدينة إلا من أجلها.
العبد
(يصيح بغتةً وهو يشير إلى جهة
بعيدة)
:
أيها الجلاد، انظر! ما هذا الضوء المتفجِّر هناك؟! كأنه
ينبوع من النور!
الجلاد
(ينظر إلى جهة الضوء)
:
تلك حجرة الملك.
العبد
:
والملكة؟
الجلاد
:
كلا. الملكة لها حجرتها في الجهة الأخرى من
القصر.
العبد
:
عجبًا! لم يعد الملك أيضًا في حاجة إلى الملكة تروي له
القصص حتى يدركها الصباح، فتسكت عن الكلام المباح؟
الجلاد
(في صوت المُسر)
:
الملك مصاب بخبل.
العبد
:
من حبها؟
الجلاد
:
بل بخبل حقيقي.
العبد
:
كيف علمت؟
الجلاد
:
يقولون، ثم … تعالَ وانظر!
العبد
:
ماذا؟
الجلاد
(يقود العبد بضع خُطًا)
:
حدَّق في الشرفة المظلمة هناك … ماذا ترى؟
العبد
:
لا شيء.
الجلاد
:
انظر إلى الركن الأيسر من الشرفة!
العبد
:
نعم، نعم. أرى شبحًا جامدًا كأنه عمود بناء.
الجلاد
:
ذلك هو.
العبد
(يتأمل ببصره)
:
وما باله يطيل النظر في السماء كعُبَّاد النجوم؟
الجلاد
:
ذلك شأنه في مثل هذا الوقت من كل ليلة، وأحيانًا يقضي
الليل كله ساهرًا جامدًا كما ترى.
العبد
:
عجبًا! وما سر ذلك؟
الجلاد
:
من يدري؟
العبد
:
لا أحد يدري؟
الجلاد
:
لا أحد يدري.
العبد
:
ومتى أصيب بهذا؟
الجلاد
:
لست أعلم. وما أحسبه أصيب بمثله قبل الآن حتى في أعصب
ساعاته.
فلقد فاجأ يومًا امرأته الأولى بين ذراعَي عبد خسيس فلم
يزد على أن قتلها وقتله، ثم أقسم أن تكون له في كل ليلة
عذراء، يستمتع بجسدها ما شاء، ثم يذبحها في الصباح.
العبد
:
وماذا كنت تريد أن يفعل أكثر مما فعل؟
الجلاد
:
لم يُصَب على الأقل بمسٍّ ولا خبال.
العبد
:
صدقت. إذَن ما السر في أمره هذا؟
الجلاد
:
انظر! لقد اختفى من الشرفة.
العبد
:
نعم، نعم، وأُطفئت الأنوار!
الجلاد
:
لعله آتٍ إلى الساحر.
العبد
:
آتٍ ها هنا؟ الساعة؟
(يتوارى العبد في سرعة البرق.)
الجلاد
(يبحث عنه)
:
أين ذهب؟
الساحر
(خارجًا من داره في حذر
فيُباغت)
:
من هو؟
الجلاد
:
العبد.
الساحر
(يطفئ المصباح المضيء بباب
داره)
:
قبحًا له! فلْيَنْءَ عنا هذا المتسول الفاجر!
الجلاد
:
لماذا تطفئ المصباح؟
الساحر
:
وأي شأن لك في هذا؟ وأنت ما يبقيك حتى الساعة في هذا
المكان؟
الجلاد
:
أصبت. ها أنا ذا أغادر هذا المكان.
(الجلاد ينصرف، والساحر يتبعه بأنظاره حتى
يستوثق من ذهابه، فيغلق باب داره ويختفي سريعًا في طريق غير
طريق الجلاد.)
العبد
(يظهر)
:
واهًا لمن حُكِم عليه بالسير في الظلام!
صوت
(الأنَّة المستطيلة تصدر عن نافذة
الدار)
:
آه!
العبد
(يجفل)
:
من هذا؟
الصوت
(من النافذة)
:
إنسان يراك ويرى بريق عينيك.
العبد
:
أوَيعرفني؟
الصوت
:
ويعرف أنك جئت قبل ميعادك شوقًا إلى ضوء الشمس.
العبد
:
أوَما آنَ لي أن أراها؟
الصوت
:
إن كنت تريد الحياة فاهرب في الظلام، واحذر أن يدركك
الصباح!
العبد
:
لماذا أيتها العذراء؟
الصوت
:
ما زال الرجل طفلًا، وما تعلم بعدُ إذا رأى أسود ألا
يقتله!
العبد
:
حياتي في خطر؟
العذراء
:
اذهب قبل أن تقع عليك عين الملك. ما زال الملك يذكر أنه
ذات يوم رأى عبدًا في أحضان امرأته. انجُ بنفسك! اختفِ
أيها العبد! عُد إلى الظلام!
العبد
:
كلمة أيتها العذراء؟
العذراء
:
أسرع!
العبد
:
أودُّ أن أراها.
العذراء
:
أجئت من أجلها؟
العبد
:
نعم، وأودُّ أن أعرف من هي!
العذراء
:
هي كل شيء، ولا يُعلم عنها شيء.
العبد
:
وأنت؟ ألا تعلمين؟
العذراء
:
لا أعلم. سألوني عنها كثيرًا وتوسَّلوا إليَّ أن أجيب،
لكني لست أعلم؛ فليسألوا رأسي المقطوع فقد يجيب.
اذهب.
العبد
:
كلمة أخرى؟
العذراء
:
بل اذهب … قلت لك اذهب.
العبد
:
أأنت وحدكِ في هذه الدار؟
العذراء
:
معي آدمي قد مكث أربعين يومًا في دنٍّ مملوء بدهن السمسم
لا يُطعمه الساحر بغير التين والجوز حتى ذهب لحمه، وما بقي
منه إلا العروق وشئون رأسه. والليلة يخرجه الساحر من دنِّ
الدهن ويدعه يجفُّ عليه الهواء.
العبد
:
ولماذا فعل به هذا؟
العذراء
:
كي يجيب بعدئذٍ عن كل ما يُسأل عنه.
العبد
:
يجيب من؟
العذراء
:
الملك.
العبد
:
وماذا يريد الملك أن يعلم؟
العذراء
:
اذهب أيها العبد! ابتعد عن هذا المكان. إنهم آتون لإطفاء
المصباح!
العبد
(في قلق وخوف)
:
المصباح؟ ألم يطفئه أبوكِ؟!
(يشير إلى مصباح الدار.)
العذراء
(تلفظ الآهة الغريبة)
:
آه!
العبد
(يجفل)
:
لماذا تردِّدين هذا الصوت النكير؟
العذراء
:
إن طاف بك في الظلام غمامٌ أخضر فاذكر زاهدة
المجنونة!
العبد
:
زاهدة؟ اسمك زاهدة؟
العذراء
:
اذهب.
العبد
(يتبين شبحًا قادمًا فيَهمس)
:
مَن المُقبِل؟
(يتوارى العبد سريعًا في فجوة. يظهر شبح
رجلين.)
الساحر
:
مولاي الليلةَ قلقُ النفس مضطرب البال. هدِّئ يا مولاي
روعك! سنظفر هذه المرة بما استعصى علينا من قبل.
الملك
:
أمَا لمحَنا أحد ونحن خارجان؟
الساحر
:
لست أخشى غير الوزير يا مولاي.
الملك
:
قمر؟ ألمحَنا قمر؟ أرآنا قمر؟
الساحر
(في خوف)
:
مولاي.
الملك
:
وأي بأس؟! ما ضرَّنا أن يعلم قمر ويخبرها. فليخبرها ما
شاء! من هي؟ علِمَت أو لم تعلم!
الساحر
:
فلْتَهدأ نفسُ مولاي!
الملك
:
أفسح لي طريقًا.
(يدخلان الدار، ويُغلَق عليهما الباب. يظهر
الجلاد من جهة، والعبد من جهة، ويتقابلان فجأةً في
الظلام.)
الجلاد
:
أفزعتني! هذا أنت!
العبد
:
لماذا رجعت؟
الجلاد
:
رجعت أبحث عنك، كي نذهب معًا إلى خان أبي ميسور. أتحسبني
في غنًى عن صحبتك؟ إني لأدعوك الليلة أيضًا.
العبد
:
وإذا سألك الملك عن سيفك؟
الجلاد
:
لن يسألني.
العبد
:
اسمع أيها الجلاد! لقد صدق وحيك.
الجلاد
:
أي وحي؟
العبد
:
ألم يُحدِّثك بشيء أحمر؟ الليلة يُطاح رأس.
الجلاد
:
رأس مَن؟
العبد
(في همس)
:
الوزير.
الجلاد
:
قمر؟ ليس في الدنيا رأس آمَنُ ولا أسلَمُ من رأس الوزير
قمر!
العبد
(في عجَب)
:
كيف ذلك؟!
الجلاد
:
الملك يجرؤ على كل شيء إلا مس وزيره بسوء.
العبد
:
عَجبًا!
الجلاد
:
هلمَّ ننعم برائحة الدخان العاطر! دعك من ذكر السيوف
والرءوس! أي جلاد آدمي يطيح رأسًا في الظلام!
صوت
(الأنَّة الغريبة خافتةٌ هائلة طويلة
كأنها تخرج من أعماق قبر)
:
آه!
العبد
(فزعًا)
:
أسمعت؟
الجلاد
:
ماذا؟
العبد
:
ألم تسمع؟
الجلاد
(في نبرة مرتجِفة)
:
هذا بلا ريب صوتُ نائم يُفيق من حلم، وهل خُلِق الظلام
إلا لرؤية الأحلام؟ هلمَّ بنا!
العبد
(يُحدِّق في الظلام)
:
بل انتظر.
الجلاد
(في وجل خفيف)
:
ماذا بك أيها العبد؟
العبد
(يومئ بإصبعه)
:
أرى شيئًا … آخر … في الظلام.
الجلاد
(في رجفة)
:
ماذا ترى؟!
العبد
(يشير هامسًا)
:
أرى … هناك … انظر.
الجلاد
(فزعًا)
:
ماذا؟!
العبد
(في خوف)
:
غمام أخضر … طائف … هناك.
الجلاد
(يهمس)
:
ربَّاه!
العبد
(في همس)
:
أرأيت؟!
الجلاد
(في رجفة)
:
فلْنَترك هذا المكان!
(ستار)
المنظر الثاني
(في القصر: قاعة الملكة، في وسطها حوض من
المرمر.)
الوزير
:
مولاتي! أنت لا تُصغين إلى حديثي.
شهرزاد
(تنظر إلى ماء الحوض)
:
بلى.
الوزير
:
كأني بك تقولين: حديث فارغ!
شهرزاد
(تبتسم)
:
كلَّا.
الوزير
:
هذي ابتسامة تُرجِّح ظني، لكنها ابتسامة غامضة لست أدري
أمعناها الاستهزاء أم الرثاء!
شهرزاد
(تنظر إليه)
:
أنت مخطئ.
الوزير
:
ثم هذه النظرة المبهَمة؟ مولاتي! لمَ لا تأذنين لي في أن
أُجَن أنا أيضًا؟
شهرزاد
(ضاحكةً)
:
لماذا؟
الوزير
(في ارتباك)
:
لأني …
شهرزاد
(مبتسمةً في إغراء)
:
أفهم ما تريد.
الوزير
(في اضطراب)
:
كلَّا … كلَّا، لست أريد … هذا.
شهرزاد
(في صوت سحري كالهمس)
:
بلى.
الوزير
:
أقسم لكِ يا مولاتي.
شهرزاد
:
ولماذا تضطرب؟
الوزير
:
لست أريد إلا أن أعرف من أنت!
شهرزاد
:
أنت أيضًا؟
الوزير
:
نعم.
شهرزاد
:
كنت أحسبك خيرًا من ذلك.
الوزير
:
إن عقلي يقصر عن إدراك ما تفعلين. لماذا تركتِ الملك
يذهب إلى منزل الساحر وأنت تعلمين أنه ذاهب لإزهاق روح؟!
أنسيتِ يا مولاتي أن اليوم عيد العذارى، وأنهن يُقمن هذا
العيد تقديسًا لسرِّك الذي حقن دماءهن وبعث هذا الرجل من
بين أشلائهن؟
شهرزاد
(تتمطى)
:
إن جسدي جميل. أليس لي جسد جميل؟!
الوزير
(يغضُّ طرفه في اضطراب)
:
كلَّا … كلَّا.
شهرزاد
:
ألا ترى أن لي جسدًا جميلًا؟
الوزير
:
بلى يا مولاتي، لكن … أتوسَّل إليك.
(يهمُّ الوزير بالانصراف)
شهرزاد
:
إلى أين تمضي؟
الوزير
:
إلى مضجعي إذا أذِنتِ، لقد انتصف الليل.
شهرزاد
(في دلال)
:
أوَتتركني وحدي؟
الوزير
(ناظرًا إلى الأرض)
:
أدعو الوصائف.
شهرزاد
:
أنت دائمًا لا تُعنى كثيرًا بأمري!
الوزير
(يتحرك دون أن ينظر إليها)
:
ليلة هانئة يا مولاتي!
شهرزاد
:
ابقَ لحظةً! يُخيَّل إليَّ أنك تكره أن يراك الملك هنا
عند عودته!
الوزير
:
إنك تعلمين أني أُعرِّض نفسي لغضبه أكثر مما
ينبغي.
شهرزاد
:
من أجلي؟
الوزير
:
ومن أجله أيضًا.
شهرزاد
:
أرأيت إلى أي حد تحبه؟!
الوزير
:
وأنت أيضًا يا مولاتي.
شهرزاد
:
وأنا أيضًا؟ أحقًّا تقول … وأنا أيضًا؟
الوزير
(في اضطراب)
:
أريد أنك أيضًا تحبينه!
شهرزاد
:
أتظن هذا؟
الوزير
(في لهجة الجازع)
:
نعم.
شهرزاد
:
وما يجعلك تظن أني أحب شهريار؟
الوزير
(في شبه مرارة خفية)
:
وهل يخفى الحب؟!
شهرزاد
:
عجبًا! وهل تعرف أنت الحب؟
الوزير
:
مولاتي …
شهرزاد
:
أجب!
الوزير
:
أستأذن مولاتي في الانصراف.
شهرزاد
:
لا بأس! فلْنَعد إلى حديثنا السالف. لماذا تظن أني أحب
شهريار؟ هل رأيتني يومًا أُقبِّله؟!
الوزير
(في قوةٍ تشوبها حدة)
:
إنك فعلتِ أكثر من هذا، إنك بعثتِه.
شهرزاد
(باسمةً)
:
أميتًا كان هو؟
الوزير
:
كان أكثر من ميت؛ كان جسدًا بلا قلب، ومادة بلا
روح.
شهرزاد
(باسمةً)
:
وماذا تراني صنعت به؟
الوزير
(في اقتناع)
:
خلقتِه من جديد.
شهرزاد
(مازحةً)
:
في سبعة أيام؟!
الوزير
(جادًّا)
:
في ألف ليلة وليلة.
شهرزاد
(مازحةً)
:
هذا كثير.
الوزير
:
أليست قصص شهرزاد قد فعلت بهذا الهمجي ما فعلته كتب
الأنبياء بالبشرية الأولى؟!
(شهرزاد تبتسم.)
الوزير
:
تبتسمين؟ تسخرين؟ لا بأس!
شهرزاد
(في مكر)
:
أراك يا قمر تُسرِف في إطرائي وتبخس قدر صديقك.
الوزير
:
لم أبخس قدره.
شهرزاد
(في مكر)
:
يُخيَّل إليَّ أنك نسيت ما بينكما من ودٍّ عجيب!
الوزير
(في حدة)
:
لم أنسَ شيئًا.
شهرزاد
(في خبث)
:
بلى!
الوزير
(في حدَّة عمياء)
:
إني لم أنسَ شيئًا، إنما أبيِّن لك لماذا أنت تحبينه
أسمى الحب، فلا تزعمي لي غير هذا مرةً أخرى. إني لست
أُخدَع، لست أُخدَع، لست أُخدَع!
شهرزاد
(هادئةً)
:
قمر! ماذا دهاك؟!
الوزير
(يثوب إلى رشده)
:
مولاتي! مغفرة … إني …
شهرزاد
:
إنك أحيانًا لا تملك نفسك.
الوزير
:
إني … أردت أن أقول إنك غيَّرتِه، وإنه انقلب إنسانًا
جديدًا منذ عرَفك.
شهرزاد
:
إنه لم يعرفني.
الوزير
:
لقد قلتُ لك قبل اليوم إن الملك بفضلك قد أمسى أيضًا
لغزًا مغلقًا أمامي، وكأنما كشف لبصيرته عن أفق آخر لا
نهاية له … فهو دائمًا يسير مفكِّرًا، باحثًا عن شيء،
منقبًا عن مجهول، هازئًا بي كلما أردت اعتراض سبيله
إشفاقًا على رأسه المكدود.
شهرزاد
:
أتُسمِّي هذا فضلًا يا قمر؟
الوزير
:
وأي فضل يا مولاتي؟! فضل من نقل الطفل من طور اللعب
بالأشياء إلى طور التفكير في الأشياء.
شهرزاد
:
كلماتٌ ما أبرعَكم في اصطناعها!
الوزير
:
ماذا تريدين يا مولاتي؟ إني أتمنى لو أفهم أحيانًا ما
تريدين!
شهرزاد
:
خير لك ألا تحاول هذا.
الوزير
:
لست أحاول شيئًا، إنما أردت أن أشيد بحبك للملك.
شهرزاد
:
أيضًا؟
الوزير
:
نعم.
شهرزاد
:
ألا تزال مُصرًّا على اتهامي بحبه؟
الوزير
:
لست أتهم.
شهرزاد
:
ما أبسطَ عقلَك يا قمر! أتحسبني فعلت ما فعلت حبًّا
للملك؟
الوزير
(في حدة هادئة)
:
لمن غيره إذَن؟
شهرزاد
(باسمةً)
:
لنفسي.
الوزير
:
لنفسك؟ ماذا تعنين؟
شهرزاد
:
أعني أني ما فعلت غير أنِ احتلت لأحيا.
الوزير
:
تعنين أنك ما صرفت عقل الملك عن العبث بالأرواح إلا
ليُبقي على روحك؟
شهرزاد
(مبتسمةً)
:
هو ذاك.
الوزير
(بعد تفكر)
:
لن أصدق. أكان هذا منكِ تدبيرًا؟! أكان كل هذا منكِ
حسابًا؟! كلا، ما أنتِ إلا قلب كبير!
شهرزاد
(باسمةً)
:
إنك تراني في مرآة نفسك!
الوزير
:
إني أرى الحقيقة.
شهرزاد
(في نبرة غامضة وبسمة غريبة)
:
الحقيقة!
الوزير
:
تبتسمين؟
شهرزاد
:
إذَن لماذا أدعه الليلة يذهب إلى دار الساحر كي يقطع رأس
زاهدة العذراء؟
الوزير
:
لست أدري. ومع ذلك لست أعتقد أنك لا تحفلين برأس هذه
المسكينة. إني أجهل حكمتك … ولا أدري أحيانًا ما تحوي من
مَعانٍ وأسرارٍ هاتان العينان الصافيتان صفاءَ هذا
الماء.
(شهرزاد تضحك.)
الوزير
:
ما يُضحِككِ؟
شهرزاد
:
مَعانٍ وأسرار! مرحى لشهريار! أراه قد علَّمك كثيرًا من
ألفاظه.
الوزير
:
نعم، سرقت ألفاظه وكثيرًا من أفكاره مما يخلو إليَّ
الأيام الطوال يُحدِّثني عنك.
شهرزاد
:
ماذا يقول عني يا قمر؟
الوزير
:
لست أفهم أكثر ما يقول.
شهرزاد
(تنهض)
:
رح أيها الثعلب الصغير!
الوزير
:
أذاهبةٌ مولاتي إلى مضجعها؟
شهرزاد
:
لن أرقد حتى يرجع شهريار.
الوزير
(في مرارة)
:
أرأيت كيف لا يغمض لك جَفْن حتى يعود؟! ليهنأ الملك بهذا
العطف الجميل!
شهرزاد
(في ابتسامة)
:
مسكين أنت يا قمر!
الوزير
(يُرهِف الأذن)
:
أسمع صرير مِفتاح.
شهرزاد
:
لعله باب سردابه. اذهب وجئني به. إياك أن تدعه يرقد قبل
أن أراه!
الوزير
:
لك هذا يا مولاتي.
(ينصرف الوزير على عجل.)
شهرزاد
(عند الباب)
:
اعزفن أيتها الجواري! عينَي شهريار أريد، فيهما أطالع
الخيبة والاندحار، الليلة يعود إليَّ شهريار، عاجزًا
مكدودًا يائسًا، شاعرًا بالفناء ككل قوة في
نهايتها.
(موسيقى خارج القاعة.)
شهريار
(يصيح من الخارج)
:
ويلي من هذا الصداع! من أذِن لكُنَّ الساعة بهذا الضجيج
أيتها الساقطات؟!
شهرزاد
(في سخرية خفيفة)
:
لا تدع الغضب يبلغ منك يا شهريار! إن الغضب علامة
العجز.
شهريار
(يظهر)
:
ما جئت كي تهزئي بي. ها أنا ذا … ماذا تريدين
مني؟
شهرزاد
:
أريد منك أن تهزأ أنت بي، أن تعلن إليَّ ظَفرك.
شهريار
:
أوَلا يمكن لأحدنا أن يلقى الآخر إلا ليهزأ به.
شهرزاد
(تضحك)
:
هذا كلام جديدٌ ما سمعته منك قبل الليلة. شهريار! أتدري
لماذا دعوتك؟ بي شوق إلى مطالعة عينيك. اقتربْ مني يا
شهريار!
شهريار
(يقترب)
:
ما الذي يُضحِككِ؟!
شهرزاد
:
خضوع وإذعان ما عهدتهما فيك.
شهريار
(يبتعد عنها)
:
خسئت! إني لن أخضع لامرأة.
شهرزاد
:
أيضًا!
شهريار
:
أنت ما خُلقت إلا لي. أنا كل شيء … وأنت لا شيء.
شهرزاد
:
كنت أحسبك قد جاوزت طور الطفولة.
شهريار
:
أنا في أوج العقل والمعرفة.
شهرزاد
:
أنت شهريار قبل ألف ليلة وليلة، لم تتقدم … ولم
تتغير.
شهريار
:
بل تغيرت.
شهرزاد
:
كنت في ذلك العهد تسفك الدماء، وها أنت ذا اليوم تفعل
أيضًا.
شهريار
:
كنت أقتل لألهو، واليوم أقتل لأعلم.
شهرزاد
:
سيان. ومع ذلك، ماذا علمتَ؟ ماذا أخبرك رأس زاهدة
المقطوع؟ وبمَ أفضى إليك ساكن دن الدهن؟ هل كشف لك السحر
والعلم عن سرٍّ واحد مما تتحرَّق لمعرفته من أسرار؟
شهريار
:
شهرزاد، اسكتي!
شهرزاد
:
إني أقسو عليك!
شهريار
(في صوت المتعَب)
:
أتوسَّل إليك أن تدعيني الساعة.
شهرزاد
:
أرأيت كيف تضل السبيل بالتجائك إلى السحرة
والكُهَّان؟!
شهريار
:
ماذا تريدين أن أصنع؟ لقد أيست منك.
شهرزاد
:
ألا تزال بك رغبة في أن أبوح لك؟
شهريار
:
شهرزاد …
شهرزاد
:
لماذا تنظر إليَّ هكذا؟
شهريار
:
لا تسخري مني!
شهرزاد
(هامسةً وهي تتأمله)
:
أنت لا تصلح للسخرية منك!
شهريار
:
ماذا تقولين؟
شهرزاد
:
تريد أن تعرف مني ماذا؟
شهريار
:
أنت لا تجهلين ما أريد.
شهرزاد
:
تريد أن تعرف من أنا؟
شهريار
:
نعم.
شهرزاد
(باسمةً)
:
أنا جسد جميل. هل أنا إلا جسد جميل؟!
شهريار
(يصيح)
:
سحقًا للجسد الجميل!
شهرزاد
:
أنا قلب كبير. هل أنا إلا قلب كبير؟!
شهريار
:
سحقًا للقلب الكبير!
شهرزاد
:
أتنكر أنك عشقت جسدي يومًا، وأنك أحببتني بقلبك
يومًا؟!
شهريار
:
مضى كل هذا، مضى. (كالمخاطب لنفسه): أنا اليوم إنسانٌ
شقي.
شهرزاد
(تدنو منه)
:
شهريار، لا تيئَس يا حبيبي!
شهريار
:
ابتعدي أيتها الكاذبة! أنت لا تحبين إلا نفسك.
شهرزاد
:
أتظن هذا؟
شهريار
:
امرأة خادعة!
شهرزاد
(باسمةً)
:
ولماذا تُبقي عليَّ إذَن؟
شهريار
(كالمخاطب لنفسه)
:
أي شيطان أتى بي هنا الآن؟!
شهرزاد
:
تُبقي عليَّ لأنك تجهلني.
شهريار
(مُتعَبًا يشيح بوجهه)
:
ما عدت أحفل بك ولا بشيء.
شهرزاد
:
تشيح بوجهك أيها الأعمى! لو كنت تبصر قليلًا!
شهريار
:
لقد أبصرت أكثر مما ينبغي.
شهرزاد
:
أنت غافل يا شهريار.
شهريار
(مُتعَبًا)
:
أنا أطلب شيئًا واحدًا.
شهرزاد
:
ما هو؟
شهريار
:
أن أموت.
شهرزاد
:
لماذا؟ ما الذي بك؟
شهريار
:
ليس في الحياة من جديد … استنفدت كل شيء.
شهرزاد
:
الطبيعة كلها ليس فيها لذة تُغريك بالبقاء؟
شهريار
:
الطبيعة كلها ليست سوى سجَّان صامت يُضيق عليَّ
الخناق.
شهرزاد
:
أقسم أنك جُننت! أجهدتَ عقلك حتى اضطرب. أي سر تبحث عنه
أيها الأبله؟ ألا تراك تضيع عمرك الباقي وراء حب اطلاع
خادع؟!
شهريار
:
ما قيمة عمري الباقي؟ لقد استمتعت بكل شيء، وزهدت في كل
شيء.
شهرزاد
:
وهل تحسب هذا هو السبيل إلى ما تطلب؟ بل مَن أدراك أن ما
تطلب موجود؟ أترى شيئًا في ماء هذا الحوض؟ أليست عيناي
أيضًا في صفاء هذا الماء؟ أتقرأ فيهما سرًّا من
الأسرار؟
شهريار
:
تبًّا للصفاء وكلِّ شيء صافٍ! لَشدَّ ما يخيفني هذا
الماء الصافي! ويلٌ لمن يغرق في ماء صافٍ!
شهرزاد
:
ويلٌ لك يا شهريار!
شهريار
:
الصفاء! الصفاء قناعها.
شهرزاد
:
قناع مَن؟
شهريار
:
قناعها هي، هي، هي.
شهرزاد
:
إني أخشى عليك يا شهريار!
شهريار
:
قناعها منسوج من هذا الصفاء؛ السماء الصافية، الأعين
الصافية، الماء الصافي، الفضاء، كل ما هو صافٍ! ما بعد
الصفاء؟! إن الحُجب الكثيفة لَأشَفُّ من الصفاء!
شهرزاد
:
كل البلاء يا شهريار، إنك ملك تعس، فقدَ آدميته، وفقدَ
قلبه.
شهريار
:
إني براء من الآدمية، براء من القلب، لا أريد أن أشعر،
أريد أن أعرف.
شهرزاد
:
تعرف ماذا؟ ليس ثَمة ما يستحق المعرفة.
شهريار
:
كذب ومكر. هاتي الجواب إذَن عما أسألك عنه. هذا غاية ما
أطلب في الحياة.
شهرزاد
:
سَلْ ما شئت.
شهريار
:
من أنت؟
شهرزاد
(باسمةً)
:
أنا شهرزاد.
شهريار
:
كُفِّي عن الخبِّ والدوران! أعرف أن اسمك شهرزاد، لكن من
تكون شهرزاد؟
شهرزاد
:
ابنة وزيرك السابق.
شهريار
:
أعرف كذلك أن وزيري السابق أنجب شهرزاد، كما أعرف أن
الله خلق الطبيعة؛ كي لا يقال إن شهرزاد بنت لقيط، وكي لا
يقال إن الطبيعة بنت المصادفة، لكنك تعلمين أني لست ممن
تقنعهم هذه الأنساب.
شهرزاد
:
لماذا؟ لمَ لا تريد أن ترى فيَّ امرأة ككل النساء ذات أب
وأم وماضٍ معروف؟
شهريار
:
أنت لست امرأة ككل النساء.
شهرزاد
:
أتمدحني أم تذمني؟
شهريار
:
لست أدري، بل قد لا تكونين امرأة.
شهرزاد
:
أرأيت إلى أي حدٍّ أصابك الخبل؟!
شهريار
:
قد لا تكون امرأة. مَن تكون؟ إني أسألك مَن تكون! هي
السجينة في خِدرها طول حياتها تعلم بكل ما في الأرض كأنها
الأرض! هي التي ما غادرت خميلتها قَط تعرف مصر والهند
والصين! هي البكر تعرف الرجال كامرأة عاشت ألف عام بين
الرجال، وتدرك طبائع الإنسان من سامية وسافلة، هي الصغيرة
لم يكفِها عِلم الأرض فصعدت إلى السماء تُحدِّث عن تدبيرها
وغيبها كأنها ربيبة الملائكة، وهبطت إلى أعماق الأرض تحكي
عن مَرَدتها وشياطينها وممالكهم السفلى العجيبة كأنها بنت
الجن. من تكون تلك التي لم تبلغ العشرين قضَتها كأترابها
في حجرة مُسدَلة السجف! ما سرُّها؟ أعمرها عشرون عامًا، أم
ليس لها عمر؟ أكانت محبوسة في مكان، أم وُجدَت في كل مكان؟
إن عقلي ليغلي في وعائه يريد أن يعرف … أهي امرأة تلك التي
تعلم ما في الطبيعة كأنها الطبيعة؟!
شهرزاد
:
شهريار! دع هذا. يداك ترتجفان ويبدو على وجهك تعبٌ
هائل!
شهريار
:
نعم أحس التعب. لن يهدأ عقلي حتى أعلم.
شهرزاد
:
قلتُ لك دع هذا ولا تفكر فيه.
شهريار
:
أنت امرأتي التي أُحبُّ … ألست امرأتي؟ هل تحسبينني أطيق
طويلًا هذا الحجاب المُسدَل بيني وبينك؟
شهرزاد
(كالمخاطبة لنفسها)
:
وهل تحسبك لو زال هذا الحجاب تطيق عِشرتي لحظةً؟
شهريار
:
ماذا تقولين؟
شهرزاد
:
لا شيء.
شهريار
:
أقسم لك أني في حاجة إلى أن أعرف عنك أكثر مما
أعرف.
شهرزاد
:
اذهب إلى فراشك الساعة. إنك في حاجة إلى الراحة.
شهريار
(صارخًا)
:
لن أذهب. أريد أن أعرف الآن. لقد صبرت طويلًا.
شهرزاد
:
لا تكن طفلًا يا شهريار! أنت تعلم أنك إن ألححت عشرين
قرنًا فلن تظفر مني بكلمة.
شهريار
:
لماذا؟
شهرزاد
:
لأني لست أملك ما تريد. أنت تطلب المحال. أنت رجل ذو رأس
مريض.
شهريار
:
أنت تعرفين، تعرفين كل شيء. أنت كائن عجيب، لا يفعل
شيئًا ولا يلفظ حرفًا إلا بتدبير، لا عن هوًى ومصادفة. أنت
تسيرين في كل شيء بمقتضى حساب، لا ينحرف قيد شعرة، كحساب
الشمس والقمر والنجوم. ما أنت إلا عقل عظيم!
شهرزاد
(باسمةً)
:
أنت يا شهريار تراني في مرآة نفسك.
شهريار
:
إني أرى الحقيقة.
شهرزاد
(ساخرةً غامضة)
:
دائمًا الحقيقة!
شهريار
:
ألن تقولي؟
شهرزاد
:
خير لك أن تذهب فتنام وتستريح، أو تعود إلى تفكيرك
المُضْني، أو إلى سحرتك وكُهَّانك.
شهريار
(ينظر إليها ويهمس)
:
لعنة الله!
شهرزاد
:
لماذا تنظر إليَّ هذه النظرة؟
شهريار
:
تعالي!
شهرزاد
(تدنو)
:
ماذا تريد؟
شهريار
:
أُقبِّلك.
(يتناول رأسها بين يديه ويرفع شعرها الأسود
ويستل خنجره من غمده.)
شهرزاد
(تصيح به)
:
ويحك، ماذا تفعل؟!
شهريار
(في صوت غريب)
:
أرى شعرة بيضاء، كأنها خيط الفجر في هذا الليل
الجميل!
شهرزاد
(تخلص من يده وتنظر إلى خيالها في
الحوض)
:
أين هي؟ (تنزع الشعرة البيضاء.)
شهريار
:
لماذا تنزعينها؟
شهرزاد
(تعود إليه)
:
كيف خطر لك أن تفعل هذا؟ لقد بتُّ أعتقد في خطر جنونك!
أوَكنت تحتمل فقدي يا شهريار؟
(تُصلح من شأنها، وتكشف عن محاسن
جسمها، فيتفرس فيها شهريار.)
لماذا تنظر إليَّ هذه النظرات؟ كأنك ما رأيتني قط إلا
الساعة!
شهريار
(يشيح بوجهه)
:
كلَّا، لست أريد أن أرى منك هذا.
شهرزاد
:
لماذا؟
شهريار
:
هي أيضًا تفعل هذا، تُبدي لنا من حسنها، وتحجب عنا
سرَّها.
شهرزاد
:
مَن هي؟
شهريار
(كالمخاطب نفسه)
:
الطبيعة.
شهرزاد
(في لهجة حنو)
:
أيها المسكين!
شهريار
:
أيتها الخادعة!
شهرزاد
(تتناول رأسه في يديها)
:
ويل لهذا الرأس المريض المكدود … ولهذا الجبين الشاحب،
ولهاتين الشفتين المتقلصتين!
شهريار
:
وجهي شاحب، كوجوه الموتى!
شهرزاد
:
لا تقل هذا.
شهريار
:
بلى يا شهرزاد! سأموت.
شهرزاد
:
أيفعل بك التعب واليأس كل هذا؟ لا يا شهريار،
ستعيش.
شهريار
:
لا أريد، لا أرغب بعدُ في شيء.
شهرزاد
:
اليوم تقول هذا. أمَّا في الغد يا شهريار …
شهريار
:
ليس يعنيني الغد.
شهرزاد
(تداعب شعره بأناملها)
:
إنك لست هرمًا يا شهريار … شعرك ما زال في لون
الليل.
شهريار
:
داعبي شعري كما تفعلين … أسْمعيني صوتك الحنون … ما كنت
أعلم أنك على هذا الجمال! أهذا ثغرك يا شهرزاد؟! إنه كأس
لؤلؤ! أهذا شعرك يا شهرزاد؟! إنه العناقيد!
شهرزاد
:
تعالَ، أرِحْ جسمك قليلًا.
شهريار
:
دعينى أتوسَّد حجرك، كأني طفلك أو زوجك. هل أنا حقًّا
زوجك؟ لستُ أصدق … قُولي إن هذا صحيح. ضعي ذراعَيك حول
عنقي. ذراعاك من فضة يا شهرزاد! أريد أن أعلم أن هذه
الكنوز هي لي. لمَ لا تحدثينني عن حبك لو أنك تحبينني
قليلًا؟ لكنك لا تحملين لي شيئًا من الحب.
شهرزاد
(في تهكُّم خفي)
:
أراك قد عدت إلى القلب والحب!
شهريار
(في صوت الناعس)
:
شهرزاد! أحس الآن كأني سعيد، لكن بي رغبة أن أعرف مكاني
من قلبك. يساورني أحيانًا قلق ويُخيَّل إليَّ أنكِ عظيمة …
عظيمة، ولا يمكن أن تنزلي إلى حبِّ مثلي.
شهرزاد
(في مكر)
:
ألم تعد بك رغبة أن تعرف من أنا؟
شهريار
:
بي رغبة أن ألثم جسدك الفضي الجميل!
شهرزاد
:
أراك تعود إلى الجسد!
شهريار
(يغالب النعاس)
:
أريد أن تنشديني شعرًا … شهرزاد! قُصِّي عليَّ قصة من
قصصك!
شهرزاد
(تلتفت إلى الباب)
:
اعزفن وانشدن أيتها الجواري!
(موسيقى هادئة وترنُّم خافت خارج
القاعة.)
شهريار
(ناعسًا)
:
غنيني أغنية.
شهرزاد
(في صوت كالهمس)
:
شهريار.
(شهريار نام.)
شهرزاد
(باسمةً هامسة)
:
تريد أغنية؟
شهريار
:
؟
شهرزاد
(كالمخاطبة لنفسها)
:
نم … نم … نم … أيها الطفل الذي أتعبه اللعب!
(ستار)
المنظر الثالث
(بهو الملك، موسيقى خافتة خارج المكان، شمس
الصباح تملأ الأرجاء.)
قمر
(يخاطب أحد العبيد)
:
أهُيِّئَت الإبل؟
الساحر
(يظهر)
:
الخبر إذَن صحيح؟
قمر
:
ما الذي جاء بك أيها الساحر؟ ألا تعلم أن الملك لا
يُسَرُّ الآن لمرآك؟
الساحر
:
عفا الله عن مولاي! جاء بي الخبر الشائع في المدينة أن
الملك ينوي السفر.
قمر
:
وما شأنك وهذا؟
الساحر
:
لعل الملك يحتاج إليَّ.
قمر
:
الملك لن يصحب أحدًا في رحلته.
الساحر
:
عجبًا! وما يحمله على ذلك؟
قمر
(ناظرًا إلى الباب … يهمس)
:
صه … الملك.
(شهريار يظهر في نشاط عجيب، يرى الساحر
فيصيح به: ما تصنع هنا يا هذا؟ لولا يقيني أن حياتك لا تساوي
درهمًا لأخذتها منك. اغرب … عد إلى أمثالك … أيتها الديدان
الكبيرة التي ما خُلقت إلا لتأكلها صغارها!)
الساحر
(يهمس وهو خارج)
:
وأنت كذلك أيها الملك … ألن تأكلك صغارك!
الملك
:
ماذا يقول هذا الرجل؟
قمر
:
لا شيء يا مولاي. إنه يسأل عفو الملك.
شهريار
(يصغي إلى الموسيقى خارج
المكان)
:
ما هذه الموسيقى؟ إنها تحبس نفسي في حدود ضيقة. أسكتها
يا قمر! أو اجعل أنغامها تنطلق، تنطلق … إلى حيث لا
حدود.
(قمر يومئ إلى أحد الخدم كي يُسكت
العزف.)
شهريار
:
أهيَّأتم حاجات السفر؟
قمر
:
نعم، لكن …
شهريار
:
لكن ماذا يا قمر؟
قمر
:
أستسافر حقًّا؟
شهريار
:
نعم. أوَما زلت تعارض رأيي؟
قمر
:
إني لا أرى ما يحملك على الرحيل.
شهريار
:
وما يحملني على البقاء؟
قمر
:
هل يحسب مولاي، لو جاب الدنيا طولًا وعرضًا، أنه يعلم
أكثر مما يعلم وهو في حجرته هذه؟
شهريار
:
دعك من الخيال يا قمر. ما جنى أحد شيئًا من الخيال
والتفكير. مضى ذلك العهد الساذج. اليوم نريد الحقائق يا
قمر، نريد الوقائع، نريد أن نرى بأعيننا وأن نسمع
بآذاننا.
قمر
:
لسنا نعيش لهذا يا مولاي.
شهريار
:
إن لم نعِش لنعلم، فلماذا نعيش إذَن يا قمر؟
قمر
:
لنعبد ما في الوجود من جمال.
شهريار
:
وما أجمل شيء في الوجود؟
قمر
:
عينا امرأة.
شهريار
:
أيها المسكين! عينا امرأة؟! أهذا كل ما في الوجود عندك؟!
أيها الفتى الجميل، ينبغي أن تكون لك في كل ليلة عذراء حتى
تبصر بعدُ عيناك!
قمر
:
لا تسخر! ثق بأن من ملك في حجرته امرأةً جميلة فقد ملك
الدنيا كلها في حجرته.
شهريار
(باسمًا)
:
ستمكث معها إذَن في قصر واحد.
قمر
:
مع مَن؟
شهريار
:
مع ذات الأعين الجميلة!
قمر
(مُتجهمًا)
:
ماذا تعني؟
شهريار
:
أنت وشهرزاد تقيمان ها هنا، تحرسها وتحرص عليها حتى أعود
من سفري الطويل.
قمر
(في احتجاج)
:
وهِمتَ!
شهريار
:
ماذا تقول؟
قمر
(في قوة وحِدَّة)
:
أقول إنك واهم.
شهريار
:
تعصي أمري؟
قمر
:
في هذا، نعم، وألف مرة نعم.
شهريار
:
لن أصطحبك.
قمر
:
فلْتُرافقك الملكة إذَن.
شهريار
:
هي؟ وفيمَ الرحيل إذَن؟
قمر
:
أتُراك تتعمد هجر امرأتك؟
شهريار
:
وهجرك أنت أيضًا.
قمر
:
المحبُّون لك تهرب منهم؟!
شهريار
:
ومن نفسي أيضًا.
قمر
:
يا رحمة الله!
شهريار
:
أودُّ أن أنسى هذا اللحم ذا الدود، وأنطلق …
أنطلق.
قمر
:
إلى أين؟
شهريار
:
إلى حيث لا حدود.
قمر
:
لست أفهم معنًى لما تقول.
شهريار
:
نعم، لن تفهم الآن معنى ما أقول.
قمر
:
إن نفسك ولا ريب في غير مستقر.
شهريار
:
وجسمي أيضًا عما قليل.
قمر
:
أوَتُطيق فراق الملكة؟
شهريار
:
بمثل ما تطيق هي فراقي.
قمر
:
وأنا؟
شهريار
:
أنت يا قمر، لا تزهو بغير الشمس، فابْقَ كي تستمد الحياة
من نورها.
قمر
:
مولاي!
شهريار
:
لا تضطرب يا قمر! إنك ببقائك ها هنا إنما تُسدي إليَّ
يدًا تضاف إلى أياديك الكثيرة.
قمر
:
وإذا أبَيت؟
شهريار
:
لن تفعل. إني لا آمن سواك على شهرزاد. ها هي ذي قادمة،
في ثوبٍ ما رأيتها قَط في مثله. انظر يا قمر! ما
أجملها!
(قمر مُطرِقًا.)
شهريار
:
ألا تنظر؟ ألست تعبد الجمال؟! هيه يا شهرزاد! جئت بلا
ريب تودِّعينني؟
شهرزاد
(تظهر)
:
نعم، جئت أراك قبل سفرك إلى … إلى أين تسافر يا
شهريار؟
شهرزاد
:
إلى أين أسافر؟
شهرزاد
:
نعم، إلى أين تسافر؟
شهريار
:
إلى بلاد واق الواق.
شهرزاد
:
أتمزح؟
شهريار
:
أتحسبين أن لا وجود لهذه البلاد إلا في مخيِّلتك أنتِ؟!
أيتها المبدِعة الجميلة.
شهرزاد
:
ومتى تنوي العودة؟
شهريار
:
من السفرة الأولى؟
شهرزاد
:
أوَهناك سفرات أُخَر؟!
شهريار
:
أنسيت السندباد يا شهرزاد؟ ألم يكن لسندبادك سبع سفرات
متلاحقات؟
شهرزاد
:
نعم مرض الرحيل.
شهريار
:
أصبتِ، هو مرض الرحيل! كما تقولين. من استطاع تحرير جسده
مرةً من عقال المكان، أصابه مرض الرحيل، فلن يقعد بعدئذٍ
عن جوب الأرض حتى يموت.
شهرزاد
:
قُضي الأمر، وصِرتَ سندبادًا.
شهريار
:
أتحزنين لفقدي؟
شهرزاد
:
لو كنتُ أعلَمُ أنك ستنطلق يومًا كالفكر الشارد لما
قصصتُ عليك تلك القصص.
شهريار
:
ليست تلك القصص هي التي تجعلني أنطلق.
شهرزاد
:
بلى.
شهريار
:
إنما هو الضيق. ذراعاك ضيَّقتا الخناق على عنقي.
شهرزاد
(باسمةً)
:
ذراعاي الفضيتان! واهًا لي! أتبغضني اليوم إلى هذا
الحد؟
شهريار
:
من ذا يبغض شهرزاد؟! أتصدِّقين ذلك؟ وهل ذنبي أن أحس في
نفسي الآدمية بزوال صفة المكانية؟!
شهرزاد
(تهمس)
:
نفس آدمية جديرة بالغفران!
شهريار
:
مع ذلك، فماذا يعني شهرزاد؟ إنها آخر من يحفل
بهذا.
شهرزاد
:
وأنت يا قمر، ما تقول في ذلك؟ أتُقرُّ صديقك
عليه؟
قمر
:
كان ينبغي أن نتوقع هذا يا مولاتي. ماذا ننتظر من رجل
كانت له في كل ليلة عذراء؟!
شهريار
:
تعني أنني زهدت في النساء؟
قمر
:
رجل بلا قلب.
شهريار
:
قمر غاضب عليَّ. الويل لي! وغضبة قمر لا تشتد إلا لأمر
واحد؛ إذ يبدو له أني لا أعبد شهرزاد كما ينبغي أن
أفعل.
شهرزاد
:
قمر رجل.
شهريار
:
قمر ما زال طفلًا.
شهرزاد
:
الطفل أنت يا شهريار.
شهريار
:
أنا كذلك عندك دائما. لا بأس! فليبقَ إذَن في خدمتك
الرجل، وليذهب الطفل فيجوب الأقطار كي يعود غلامًا
رشيدًا.
شهرزاد
:
لا تنفع الصغيرَ أسفاره، ما دام لا قلب له.
شهريار
(ساخرًا)
:
ما وظيفة القلب؟ الحب؟!
شهرزاد
:
من يدري؟!
شهريار
:
الحب! كيف تلفظ هذه الكلمة؟ لا ريب أنها كلمة أثرية من
بقايا العصور الأولى.
شهرزاد
:
بل من بقايا ليلة الأمس.
شهريار
:
ليلة الأمس فقط؟ أنت تُغالين! كيف نسيت إذَن مدلولها
بهذه السرعة؟ أصدقكِ القول، معناها عندي معنى تلك الموسيقى
الهادئة لغة العواطف، التي لا أفهمها الآن؛ لأني لست أفهم
الآن العواطف. أسكتْها يا قمر! ألم أقل لك أن أسكتْها، فهي
تحبس ذاتيتي في حدود المكانية.
شهرزاد
:
على الرغم من كل هذا، فإن بينك وبين الطفولة
خطوة.
شهريار
:
لا بأس. لن أعود إلى جسدك الجميل … لن يُسكرني ريقُ
ثغرك، ونفح شعرك، وضمات ذراعَيك. شبعت من الأجساد! شبعت من
الأجساد! شبعت من الأجساد!
شهرزاد
:
أصبحت لا تشعر.
شهريار
:
لا أريد أن أشعر، كنتُ قبلُ أشعر ولا أعي … اليوم أنا
أعي ولا أشعر كالروح.
شهرزاد
:
الروح؟! ما أبعدك عن الروح! تعالَ يا قمر! هذا المسكين
يحسب الكلام كل شيء.
شهريار
(فجأةً)
:
شهرزاد! أزِفَت ساعة السفر. ألا تسمعين؟ موسيقى هائلة
تدعوني إلى الرحيل!
شهرزاد
(تهمس لقمر)
:
ابقَ أنت يا قمر.
شهريار
:
ماذا تقولين له؟
شهرزاد
:
أقول له أن يبقى. أما أنت فسافرْ ما شئت أن
تسافر.
شهريار
:
ماذا تعنين؟
شهرزاد
:
يقال إن رجلًا بقلبه قد يصل إلى ما لا يصل إليه آخر
بعقله.
شهريار
(يبحث بعينيه عن قمر الذي انسلَّ إلى
الخارج)
:
أستبوحين له؟
شهرزاد
:
لست أدري.
شهريار
(في قلق)
:
شهرزاد …
شهرزاد
:
اذهب!
شهريار
:
كذب ومكر. إني أعلم بك من نفسك، مع ذلك فإن قمرًا لن
يخفي عني شيئًا. ما عاد قولك يُغْريني. وداعًا أيتها
الملكة! بل تعالَي، نسيت أن أُقبِّلك.
(يقبلها على عجل، لكنها تستبقيه وتُقبِّله
في حرارة، فيقف متأثرًا.)
(شهرزاد تتركه في صمت.)
شهريار
:
شهرزاد …
شهرزاد
(تلتفت إليه)
:
ما بك؟ إنك ترتجف.
شهريار
:
كلَّا، هذا …
شهرزاد
:
هذا من أثر الفراق يا شهريار.
شهريار
(يتحرك في عزم)
:
أين قمر؟ أين أنت يا قمر؟ السفر، السفر، السفر (يخرج على
عجل).
شهرزاد
(لنفسها)
:
مسكين هذا الإنسان … لو يعلم كم أرثي له!
(ستار)
المنظر الرابع
(بيداء، فضاء … ساعة الغروب … الشمس تغوص في
الرمال عند الأفق البعيد.)
قمر
(في سخرية المغيظ)
:
وما بعد هذا الصمت وهذه الكآبة؟ أتحسب هذا كله حزنًا على
غروب الشمس؟!
شهريار
:
وما شأنك بي؟
قمر
:
نحن هائمان في فضاء لا نهاية له، ضاربان في قفار لا
يصادفنا فيها حي، ولا نسمع في أرجائها غير صدى أصواتنا
الضائعة. أسعيد أنت بهذا؟ كم أنت مبتهج النفس فيما
أرى!
شهريار
:
من أذِن لك في مرافقتي؟
قمر
:
عجبًا! ألم تتنبه إلى وجودي غير الساعة؟!
شهريار
:
وجودك؟!
قمر
:
مولاي!
شهريار
(ضيِّق الصدر)
:
ماذا تريد مني؟ ماذا تريد مني؟
قمر
:
كم أنت رحب الصدر اليوم!
شهريار
:
هذا لا يعنيك، رحب صدري أو ضيقه. دعني وشأني أيها
الرجل!
قمر
(بعد لحظة)
:
أتقبل مني نصحًا؟
(شهريار لا يتحرك.)
قمر
:
هلمَّ بنا نقفل راجعين.
شهريار
(يرفع رأسه)
:
إلى أين؟
قمر
:
إلى حيث كنا.
شهريار
(يصيح)
:
إلى حيث شهرزاد؟ أيها المسكين! ظهر ضعفك ولما يمضِ على
رحيلنا يوم!
قمر
:
ضعفي أنا؟
شهريار
(ينهض في تجلد وقوة)
:
قم نستكشف المكان. هي ولا ريب وحشةُ الصحراء، وأنت لم
تعتَدْ بعدُ السفر، ولم تكن سافرت من قبلُ يا قمر.
قمر
:
ولا أنت.
شهريار
:
بلى، سافرت قبل الآن.
قمر
:
كثيرًا؟
شهريار
(كالمخاطب لنفسه)
:
لكن … لا كهذه المرة.
قمر
(في تشفٍّ)
:
ها أنت ذا قد اعترفت.
شهريار
:
اعترفت بماذا؟
قمر
:
بألمك.
شهريار
(يتصنع الهدوء)
:
أنت غِرٌّ يا قمر. لست أنا من يتألم لفراقها، بل رجل آخر
أنت أعرف به مني!
قمر
(في قلق وغضب)
:
ماذا تعني؟
شهريار
(في تشفٍّ)
:
لا شيء. لا تغضب ولا تُعِر هذه الألفاظ اهتمامًا أيها
الفتى!
(قمر يُطرِق وهو كظيم.)
شهريار
(ينظر فجأةً إلى الشمس وهي
تغيب)
:
انظر يا قمر! فراق الشمس مُحزِن حقًّا!
(قمر يرفع رأسه ويتأمل غروب الشمس
صامتًا.)
شهريار
(بعد لحظة تأمُّل)
:
شأن كل فراق.
قمر
:
؟
شهريار
:
لعلها حزينة هي الأخرى. ألا ترى ضعف أشعتها وشحوب لونها؟
لكنه حزن لحظة، لحظة الفراق فقط.
قمر
(في صوت خافت)
:
ها هي ذي قد غابت في الرمال.
شهريار
:
نعم، وذهب حزنها، ولئن أتيح لك رؤيتها الساعة في مكانها
الجديد لتعجبن لأشعتها النضرة الفتية.
قمر
:
بهذه السرعة؟
شهريار
:
وماذا تريد منها أكثر من هذا؟ إنها لا تعرف القلب
والخيال مثلك.
قمر
:
مثلي أنا؟!
شهريار
(يستطرد)
:
ما دام لها جسم فهي تتأثر طبعًا بالانفصال، لكن في لحظة
الانفصال فقط. أما ما زاد على ذلك فلغو ليس من
طبيعتها.
(قمر ينظر إلى الملك في صمت.)
شهريار
(يتحرك فجأةً في قوة وتحمس)
:
ونحن أيضًا مثلها. هلمَّ بنا يا قمر! فلنتابع السير،
السير، السير.
قمر
(ينظر إليه ويردد في مرارة)
:
السير، السير، السير!
شهريار
(يقف)
:
لماذا تنظر إليَّ هكذا؟
قمر
(ساخرًا كالمُغضَب)
:
إني أعجب بك!
شهريار
:
لماذا؟
قمر
:
لأنك تحسب أنك تفحم قلبك بلغو من الكلام!
(ستار)
المنظر الخامس
(في بهو الملك: ليل داجٍ ساجٍ، شهرزاد مستلقية
تفكر، العبد يتسلق النافذة.)
شهرزاد
(تجفل)
:
من هذا؟
العبد
(يتقدم هامسًا)
:
لا تخافي! هذا أنا.
شهرزاد
:
من أخبرك أني هنا؟
العبد
(يدنو منها)
:
نفحُك العبق، ثم هذه النافذة أنبأتني أن خلفها جسدًا
ينتظر الغرام.
شهرزاد
:
لا تلمسني! اذهب.
العبد
(يتأملها)
:
ما أجملك! ما أنت إلا جسد جميل!
شهرزاد
(باسمةً)
:
حتى أنت أيضًا تراني في مرآة نفسك!
العبد
:
إني أرى الحقيقة.
شهرزاد
:
دعوا الحقيقة في مكانها هادئةً. اذهب.
العبد
:
لمَ غادرت مخدعك هذا المساء وجئت ها هنا؟ ولمَ هذا الوجه
العابس الليلة؟ أتحزنين لفراقه؟
شهرزاد
:
لا أستطيع البقاء معك في هذا البهو.
العبد
:
مِمَّ تخشين؟
شهرزاد
:
لست أخشى على نفسي.
العبد
:
أنت تعلمين أنه الآن في طريقه إلى مصر أو إلى الهند. ومع
ذلك ما ترينه يفعل إذا هو دخل علينا الساعة؟
شهرزاد
:
لا تقل هذا.
العبد
:
أمَا علمته بعد إذا رأى أسود ألا يقتله؟
شهرزاد
:
كلَّا.
العبد
:
لأنك لا تريدين أيتها الخادعة.
شهرزاد
:
لا أريد أن يُبقي عليك إذا رآك معي؟ أتصدق ذلك يا
حبيبي؟
العبد
:
لست حبيبك أيتها الغادرة.
شهرزاد
:
من أنت إذَن؟
العبد
:
شَقيٌّ سوف تغدرين به.
شهرزاد
:
أيخطر لك ذلك على بال؟ لو أني أردت الغدر بك لما
دعوتك.
العبد
:
ضميري يحدثني بأنك تنصبين لي شَرَكًا.
شهرزاد
:
ضميرك كاذب.
العبد
:
أوَيمكن لمثلك أن يعشق عبدًا خسيسًا مثلي؟!
شهرزاد
:
ألم تفعل ذلك زوج شهريار الأولى؟
العبد
(يشير إلى جسمها وإلى جسمه)
:
هذا البياض وهذه الرقة … وهذا السواد وهذه
الغلظة!
شهرزاد
(باسمةً)
:
الزهرة البيضاء الرقيقة تنبت من الطين الأسود
الغليظ.
العبد
:
وقُبحي وأصلي الوضيع؟!
شهرزاد
:
ينبغي أن تكون أسود اللون، وضيع الأصل، قبيح الصورة …
تلك صفاتك الخالدة التي أحبها!
العبد
:
تلك صفات الشهوة.
شهرزاد
:
اقترب!
العبد
:
يُخيَّل إليَّ أنك امرأة لا ككل النساء. أنت لا يمكن أن
تعشقي أحدًا.
شهرزاد
:
لا شأن لك بقلبي.
العبد
:
أنت إنما تلعبين بي. إني أخافك.
شهرزاد
:
أنت واهم.
العبد
:
وزوجك؟
شهرزاد
:
ما شأنك به؟
العبد
:
لماذا جئت إلى هذا البهو الليلة؟ إنك تفكرين فيه!
شهرزاد
:
نعم، أريد أن يعود!
العبد
:
أرأيت؟
شهرزاد
:
بل أريد عودته حتى لا أشبع منك.
العبد
:
لست أفهم.
شهرزاد
:
إذا عاد شهريار فلن أراك إلا في الظلام والناس
نيام.
العبد
:
الظلام؟!
شهرزاد
:
نعم، إن أردت الحياة يا حبيبي فاسْعَ في الظلام
كالثعبان، احذر أن يدركك الصباح فتُقتَل!
العبد
:
إذا رآني الملك؟
شهرزاد
:
بل أنا … حبي لك لا يحيا إلا في الظلام.
العبد
:
فهمت. بئس غرامك أيتها المرأة! الجهر، العلانية تقتل فيك
الشهوة؛ كما يقتل ضوء الشمس بعض الجراثيم!
شهرزاد
(تدفعه إذ يهزُّها حانقًا)
:
لا تهزَّني هكذا!
العبد
:
إني أُحس قُرب أجلي وأنك قاتلتي.
شهرزاد
:
من أين تأتيك هذه الأوهام؟
العبد
:
ألستِ أنت التي ما قصت على زوجها قصة عبد دُهم في خِدر
امرأة إلا وقدرت للعبد أن يُقتل، كما يُقتل ثعبان وُجد في
حنايا جسد؟!
شهرزاد
:
نعم قدرت ذلك، لكن هل استطاع رجل حتى الآن أن يقتل
عبدًا؟
العبد
:
كيف ذلك؟
شهرزاد
:
أتعرف كيف يُقتل العبد؟
العبد
:
كيف؟
شهرزاد
:
بعتقه.
(العبد يضحك.)
شهرزاد
:
أتضحك؟
العبد
:
ما أشدَّ دهاءك!
شهرزاد
:
إني لا أمكر، ولا أسخر.
العبد
:
كنت إذن تقصدين هذا حقيقة!
شهرزاد
:
نعم، لكن الرجل طفل، لا يعرف بعدُ كيف يقتل عبدًا. أتدري
كيف يقتل الكُهان في الهند الثعابين … بتركها تسعى في
رحبات المعابد.
العبد
:
لمَ إذن لم تُعلِّمي الملك ذلك؟
شهرزاد
:
ما أحسبه الآن في حاجة إلى تعلُّمه.
العبد
:
أليس هو الذي ذبح في الفراش زوجه الأولى وعشيقها
الأسود؟
شهرزاد
:
ذاك شهريار الأول. أما شهريار الآن فإنسان آخر؛ رجل قضى
حياةً طويلة في قصر من اللحم والدم! تُقدَّم له في كل ليلة
عذراء، وتُذبَح له في كل صباح زوجة، آدمي استنفد كل ما في
كلمة «جسد» وكل ما في كلمة «مادة» من معنًى، قد استحال
الآن إلى إنسان يريد الهرب من كل ما هو مادة وجسد!
العبد
(في دهش)
:
يريد الهرب إلى أين؟
شهرزاد
:
لا يعرف إلى أين. وهذا سر عذاب هذا المسكين!
العبد
:
وأين هو الآن؟
شهرزاد
:
هجر الأرض، ولم يبلغ السماء؛ فهو مُعلَّق بين الأرض
والسماء.
(ستار)
المنظر السادس
(في خان أبي ميسور)
أبو ميسور
(يخاطب الجلاد المستلقي على فراش
وثير)
:
انهض أيها الجلاد المفلس! ليس هنا مكانك. بالباب تاجران
من تجار البصرة الموسرين. قم وأخلِ المكان!
الجلاد
(بلا حراك)
:
ومن قال لك إني هنا؟!
أبو ميسور
:
ألست هنا؟
الجلاد
:
كلَّا.
أبو ميسور
:
حسبت أنك هنا.
(ينصرف ثم يعود بالتاجرين … وهما
شهريار وقمر.)
أفسحوا طريقًا للسيدَين الكريمين!
قمر
(يهمس للملك)
:
أكان ينقصنا المجيء إلى هذه البؤرة بعد تلك الأسفار
الطويلة؟!
شهريار
:
اتبعني صامتًا!
قمر
:
أيليق بمثلنا الوجود في هذه الدار؟!
شهريار
:
ما أرغمتك يومًا على مرافقتي.
أبو ميسور
(يقودهما على حافة بساط)
:
امشيا رُوَيدًا … رُوَيدًا.
قمر
:
انظر يا مولاي إلى ما يفعل!
أبو ميسور
:
الزما الشاطئ في حذر، وإلا ابتل نعلاكما.
قمر
(همسًا)
:
عجبًا! يحسب البساط بحرًا!
شهريار
:
صه يا قمر وامتثل، فهو يرى أكثر مما ترى.
قمر
:
أتمزح؟
شهريار
:
أجلسنا يا صاحب الخان!
أبو ميسور
(يشير إلى الفراش الوثير)
:
تفضَّلا.
شهريار
(يلمح الجلاد)
:
من هذا الرجل الراقد ها هنا؟
أبو ميسور
:
رجل؟ أين؟!
شهريار
:
على الفراش، ألا تراه؟
أبو ميسور
:
رجل؟! كيف يصل إلى فراشنا رجل، وفراشنا أنظف
فراش؟!
شهريار
(يشير إلى نافذة في المكان)
:
لعله جاء مع الريح من هذه النافذة.
(أبو ميسور يخلع نعله)
شهريار
:
ما تصنع؟
أبو ميسور
:
أقتله بنعلي.
شهريار
:
بل التقطْه بإصبعَيك وألقِ به خارج المكان!
أبو ميسور
(يمد يده إلى الجلاد)
:
عجبًا!
شهريار
:
ماذا؟
أبو ميسور
:
له ساق كساق الرجل!
شهريار
:
شبه لك يا أبا ميسور! من أين يأتيكم الرجل؟!
أبو ميسور
(يفحص ساق الجلاد)
:
صدقت. إذَن ما هذه؟
الجلاد
(بغير حراك)
:
لا تلمسها وصاحبُها غائب.
قمر
(يهمس)
:
مولاي! هذا جلادك القديم!
شهريار
:
غائب أين؟ وكيف ترك ساقه ها هنا؟
الجلاد
:
تركها مزروعةً في الأرض. وهل خُلقت الساق لتسير؟!
شهريار
:
عجبًا! ولِمَ خلقت الساق إذَن؟!
الجلاد
:
لتبقى مزروعةً في الأرض، تحمل الجذع والأغصان
والأفنان.
أبو ميسور
:
وأين الآن صاحب هذه الشجرة التي لا ثمر فيها؟
الجلاد
:
قد عاد منذ لحظة؛ هناك في القاعة الأخرى. وها أنا ذا
أنهض للقائه.
(ينهض على قدميه وينصرف.)
أبو ميسور
(يشير إلى الفراش الخالي)
:
هيا اعتليا جناحَي هذا الطير!
(ينصرف هو الآخر.)
قمر
:
الطير؟ أي طير؟
شهريار
(وهو يجلس على الفراش)
:
طير الرُّخ.
قمر
:
أتمزح؟ إني ما إخالك إلا هازلًا بمجيئك إلى هذا المكان.
أوَيعجبك كلام أنصاف المجانين هؤلاء؟ انظر إلى القاعة
الأخرى! ما بالهم مسندين إلى حائط الدار هكذا؟ لا شيء
والله أشبه حقًّا بأعجاز النخل الخاوية من هؤلاء
الآدميين!
شهريار
:
نعماهم! الهاربون من أجسادهم!
قمر
:
أوَلهذا هربنا نحن من ديارنا، وهجرنا أهلنا، وطُفنا
ببلاد الأرض! كي تكون هنا خاتمة رحلتنا؟!
شهريار
:
رحلتنا؟ صه أيها الأبله! إنا ما تحرَّكنا بعد.
قمر
(ينظر إليه في خوف)
:
مولاي!
شهريار
:
لا تخَف يا قمر. أتحسبني مجنونًا؟ كلَّا، لست بمجنون.
(يشير إلى ساقَيه): كيف تقول إنا سافرنا وهذه الأوتاد
تربطنا إلى الأرض؟!
قمر
(ناهضًا)
:
بالله كف عن هذا الكلام.
شهريار
:
اجلس.
قمر
:
لا أستطيع المكث هنا لحظةً واحدة. لن أتبعك هذه المرة في
هذا الجنون.
شهريار
:
بل قل إنك تتحرق شوقًا إلى رؤيتها.
قمر
:
ماذا تقول؟
شهريار
:
وإنك لا تطيق صبرًا عن الذهاب إليها توًّا، وقد عدت
أخيرًا إلى حيث تكون.
قمر
:
أنا؟!
شهريار
:
ولمَ الإنكار أيها المسكين؟ الاضطراب يبين عليك. إني
أغبطك يا قمر! أمَا كان ينبغي لك أن تؤنِّبني أنا على
جمودي؟
قمر
:
نعم، ما أشدَّ موتَ قلبك!
شهريار
:
أهذا كل ما تُعنِّفني به؟
قمر
:
أصبت. هذا قليل لرجل يعلم أنه وامرأته في بلد واحد بعد
غيبة بعيدة وفراق طويل، ثم يأتي يتلكأ في هذا
المكان!
شهريار
(باسمًا)
:
ومع ذلك أحبها أكثر مما تحبها أنت.
(قمر يرتجف.)
شهريار
:
ما عساك تقول في نفسك؟
قمر
(يحاول الهدوء)
:
مولاي … هلمَّ بنا.
شهريار
:
قمر، ألم أسألك أن تبقى بجانبها؟ لمَ هربت وجريت كي تلحق
بي، وآثرت أن تتجشم معي أسفارًا وأخطارًا ما جُعلت
لها؟
قمر
:
لست أدري لماذا فعلت هذا!
شهريار
:
أتندم عليه الآن؟ أأدركت أن السفر لم ينتج الذي كنت
تريد؟
قمر
(في اضطراب)
:
ماذا كنت أريد؟
شهريار
:
مسكين يا قمر! ظلها كان يتبعك في كل أرض، وصورتها كنت
تتعرفها في كل مكان! ألا تذكر صيحتك التي دهت الجميع أمام
صورة إيزيس في …
قمر
:
إيزيس!
شهريار
:
أنسيت؟
قمر
:
إنك أنت الذي قال لي إن إيزيس تشبهها.
شهريار
:
لست أجحد هذا، لكن …
قمر
:
أوَتمنعني من إبداء عجبي لمشابهة خارقة للعقل؟
شهريار
:
وهل كان بيدبا أيضًا امرأة مثلها حتى تصيح صيحتك أمام
صورته في الهند؟
قمر
:
بيدبا؟ نعم، إن عينَي بيدبا هما عيناها في صفائهما
العجيب.
شهريار
:
أرأيت؟ كل شيء عندك شهرزاد، أيها المسكين!
قمر
(ثائرًا)
:
مولاي!
شهريار
:
أتُنكِر عليَّ صراحتي؟
قمر
:
مولاي!
شهريار
:
ما هذا الوجه الشاحب يا قمر … ترتجف كالمحموم؟!
قمر
(في ثوران)
:
احذر أن تخاطبني هكذا بعد الآن! احذر أن تقول لي ما قلت
بعد الآن! أنت لا تفهم … إنما أنا أنظر إلى الملكة كما
ينظر المجوس إلى ضوء النار.
شهريار
(هادئًا باسمًا)
:
أعلم ذلك. هدِّئ من روعك أيها الطفل. من قال لك إني عنيت
غير هذا … أرأيت؟ إنك في الحقيقة تحبها كما يحب رجل جميلٌ
امرأةً جميلة!
قمر
:
مولاي … مولاي!
شهريار
:
ليته كان ذاك أيها الأحمق!
قمر
:
أنت لا تعرف.
شهريار
:
أعرف هذا الفراش عابد النار، لا يريد أن يرى غير النار،
وما يزال متصلًا بها كقطعة منها، عاجزًا عن الهرب
والاستقلال عنها؛ حتى يفنى فيها.
قمر
:
قم لا تهزأ بي.
شهريار
:
لست أهزأ بك، بل أحبك. أتدري لماذا أحبك أبدًا يا
قمر؟
(قمر ينظر إليه مليًّا في صمت.)
شهريار
(يستطرد)
:
لأني لا أستطيع أن أحبك دون أن أقبلك.
قمر
:
أي إنسان أنت؟!
شهريار
(يشير إلى جسمه)
:
إنسان هرب من هذا.
قمر
:
هراء.
شهريار
:
أغتفر لك كل شيء؛ لأني لم أعد من فصيلتك.
قمر
:
هراء أيضًا.
شهريار
(وقد وقع بصره على الحائط)
:
لا بأس. انظر يا قمر إلى حائط المكان! ماذا ترى معلقًا
به؟ أليس هذا سيف جلادي؟
قمر
(يتأمل السيف)
:
لكأنه سيف القدر! كم مزقت به من أجساد! وكم سالت تحت
نصله من دماء!
أبو ميسور
(يظهر)
:
عجبًا! لست أرى دخانًا ولا مدخِّنين!
شهريار
:
وهل أحضرت لنا شيئًا؟
أبو ميسور
(يبحث ببصره)
:
قبحًا للجلاد المفلس! ذهب اللعين بأدوات
الموسرين.
شهريار
(يشير إلى السيف المعلق)
:
من أتى بهذا السيف هنا يا أبا ميسور؟
أبو ميسور
:
هذا السيف باعه لي الجلاد بدَينٍ عليه.
قمر
:
كم تأخذ فيه؟
شهريار
:
أوَتشتريه يا قمر؟ ما تصنع به؟!
(قمر يعطي أبا ميسور مالًا ويأخذ السيف في
صمت.)
شهريار
:
وبعدُ يا أبا ميسور! أتريد أن نرحل قبل أن تحضر لنا ما
طلبنا؟
أبو ميسور
(يصيح حانقًا)
:
أيها الجلاد! وحق روحك الضالة ما رأيت أصفق منك وجهًا!
أتدخن في أدوات الموسرين؟!
الجلاد
(من القاعة الأخرى)
:
وأي جناح ما دمتُ منهم؟!
أبو ميسور
:
من زعم هذا، وأنت أشد إفلاسًا من موتى الهنود؟!
الجلاد
:
ألك في أن تملأ دارك ذهبًا؟
أبو ميسور
:
متى؟
الجلاد
:
الليلة إذا شئت، أحضر ما عندك من آنية أملؤها لك تبرًا
أنقى من رماد أجساد موتى الهنود!
أبو ميسور
:
ومن أين جاءك هذا الثراء؟
الجلاد
:
صاحبي العبد.
أبو ميسور
:
صاحبك العبد! أهو حي بعد؟
الجلاد
:
وعما قليل يأتي.
أبو ميسور
:
وما لأخباره انقطعت من يوم أن سافر ملك المدينة؟!
الجلاد
:
كان في سرير من حرير يؤانس ملكة المدينة!
(قمر يهمُّ بالنهوض هائجًا ثائرًا.)
شهريار
(يحول بينه وبين ما يريد)
:
قمر، أفَقدتَ صوابك؟
أبو ميسور
(للجلاد)
:
عجبًا! أصاحبك العبد الذي كان يأتي هنا أحيانًا فتنفق
عليه؟
الجلاد
:
هو الآن عشيق شهرزاد المدلَّل.
قمر
(يثب غير محتمل ما يسمع)
:
أيتها الكلاب القذرة! أيتها البهائم!
(أبو ميسور يلتفت في ذعر.)
شهريار
(يهدئ ثورة قمر ويخاطب أبا
ميسور)
:
رفيقي ضاق صدره انتظارًا يا أبا ميسور.
أبو ميسور
:
أوَهذه طريقته في الاستعجال؟ كدت من الذعر أعود إلى
جلدي.
شهريار
:
إنا ذاهبان.
أبو ميسور
:
اصبرا هُنَيهةً حتى آتي لكما بأدوات أُخَر في سرعة
الجن.
شهريار
(لوزيره)
:
قمر! ما بك؟ ماذا دهاك؟
قمر
:
؟
شهريار
:
ما لوجهك قد تغيَّر؟
قمر
:
؟
شهريار
:
قمر! لمَ تنظر إليَّ هكذا؟
قمر
:
إنك لمسكين!
شهريار
:
هدِّئ نفسك يا قمر وحدِّثني بغير انفعال.
قمر
:
ما كنت أحسبك شقيًّا إلى هذا الحد!
شهريار
(يضحك)
:
أي حد؟
قمر
(ينظر إليه شزرًا)
:
أتضحك؟!
شهريار
:
ومع ذلك أحبك يا قمر.
قمر
:
أقسم بمن خلق الإنسان، إني ما أبغضتك وما أصغرتك بمثل ما
أبغضك وأصغرك الآن.
شهريار
:
لا بأس.
قمر
(ثائرًا)
:
إني أعلم. أنت تتصنع الجمود، وتتظاهر بالهدوء، وتحاول
التنصل من طبيعتك، والترفع عن آدميتك، وتزعم مَزاعم،
وتتصور أوهامًا؛ لكنك رجل، رجل، حقير … حقير!
شهريار
:
لا بأس.
قمر
(تسيل من عينيه عبرات بلا شهيق)
:
مولاي!
شهريار
:
قمر، أتبكي؟
قمر
:
؟
شهريار
:
يا صديقي قمر!
قمر
:
مولاي!
شهريار
:
لا تجزع!
قمر
:
أهي تستطيع هذا؟ أهي تُقدِم على مثل هذا؟ إن هذا افتراء،
إنه لافتراء!
شهريار
:
جفِّف دموعك أولًا. لا تكن أنت أيضًا رجلًا حقيرًا.
جفِّف عينيك.
قمر
:
أتسخر مني؟
شهريار
:
حاشا لله! أوَتراني خليقًا أن أسخر من قلب رجل؟
قمر
(فجأةً)
:
مولاي! وإذا كان ما سمعنا صحيحًا؟
شهريار
:
لا تقل هذا الكلام يا قمر. أيمكن لعقلك أن يتخيل شهرزاد
في أحضان عبد؟ لا عبد نار من المجوس بل عبد أسود
قذر!
قمر
:
هبْ أن الأمر صحيح، تفعل بلا ريبٍ واجبك يا
مولاي.
شهريار
:
أي واجب؟
قمر
(يشير إلى سيف الجلاد)
:
كما فعلتَ بزوجك الأولى.
شهريار
:
وقت أن كنت مثلك؟
قمر
:
ماذا تعني؟
شهريار
:
قمر! أحقيقة أنت تحبها؟ أنت واهم أيها المسكين! أنت لا
تحبها.
قمر
:
مولاي!
شهريار
(يشير إلى جسم قمر)
:
بل هذا الذي يحبها.
المنظر السابع
(خدر شهرزاد.)
شهرزاد
(للعبد الجالس إلى جوارها)
:
ما بالك واجمًا؟
العبد
:
لماذا دعوتِني الليلة؟
شهرزاد
(باسمةً)
:
كي يراك شهريار هنا عما قليل.
العبد
:
ويقتلني كما يُقتل ثعبان وُجد في حنايا جسد.
شهرزاد
:
كلَّا، لن يقتلك.
العبد
:
أيتها المرأة! لماذا تلعبين بي؟
شهرزاد
:
هدِّئ من روعك. إنك في أمان.
العبد
:
لقد صدق ظني، إنما أنت تهيئين العدة منذ زمان لإعادة
المأساة.
شهرزاد
:
أية مأساة؟
العبد
:
قتل العبد في خدر زوج شهريار … من أجل هذا دعوتني
واستدرجتني إلى هذا البلد.
شهرزاد
:
نعم، أريد أن أرى إلى أي حد تغيَّر شهريار.
العبد
:
ولا بأس عندك أن أذهب أنا ضحية هذه التجربة؟
شهرزاد
:
وأنا كذلك.
العبد
:
وأنت؟
شهرزاد
:
أيها الأبله! إذا قتل فإنه يقتلنا معًا.
العبد
:
وإذا عفا فإنه يعفو عنكِ وحدك.
شهرزاد
:
إنه لم يعفُ عن زوجه الأولى.
العبد
(بعد لحظة)
:
إذَن نحن من الأموات.
شهرزاد
:
إذا قتلَنا.
العبد
:
وهل تشكين في أنه يفعل؟
شهرزاد
:
إن لم يفعل فهو من الهالكين.
العبد
:
لست أفهم.
شهرزاد
(ترهف الأذن)
:
صه! هذا طرق باب.
العبد
(ينهض سريعًا)
:
هذا هو. حان الحين!
شهرزاد
:
لا تفزع! اختبئ خلف هذا الستار.
(تشير إلى ستار أسود بالمكان.)
العبد
(ينظر إلى الستار ويجفل)
:
إني أتشاءم من لونه! شيء يهتف بي أن الليلة يطاح
رأس!
شهرزاد
:
أسرع.
(يختبئ العبد خلف الستار، وتذهب شهرزاد
فتفتح الباب.)
من؟ هذا أنت يا شهريار؟
شهريار
(في صوت مرتجف)
:
نعم.
شهرزاد
:
ما بك؟ ما لك ترتجف؟
شهريار
:
هي … مشقة الطريق.
شهرزاد
(باسمةً)
:
بل هذا من فعل التلاقي، كما حدث ساعة الفراق. ألا
تذكر؟
شهريار
(في يأس)
:
أذكر يا شهرزاد.
شهرزاد
(تقوده إلى الوسائد)
:
تعالَ.
شهريار
:
هذا الهدوء العجيب منك، وهذا الصفاء. هيهات أن أصل إلى
بعض هذا!
شهرزاد
:
مهما سافرت وجُبْتَ الأقطار؟
شهريار
:
لم أسافر، ولم أتحرك.
شهرزاد
:
أرأيت؟
شهريار
(يجيل نظره في المكان)
:
ها أنا ذا في القصر من جديد! إلامَ انتهيت؟ إلى مكان
البداية، كثور الطاحون، على عينيه غطاء، يدور ثم يدور ثم
يدور، وهو يحسب أنه يقطع الأرض سيرًا إلى الأمام في طريق
مستقيم!
شهرزاد
(بعد لحظة)
:
وقمر؟
شهريار
(يلتفت إلى الباب)
:
كدت أنسى وجوده؛ اقترب يا قمر. ما بالك تُجيل النظر في
أرجاء الحجرة؟ أوَجدتَ أحدًا؟
قمر
:
مولاي!
شهريار
:
ها هي ذي الحجرة أمامك، وقد دهمناها سويًّا، أرأيت بها
عبدًا؟
قمر
:
مولاي أتوسَّل إليك.
شهريار
:
فلْيَطمئن قلبك يا قمر! جسد شهرزاد لا يمتلكه عبد. إن
شهرزاد هي أبدًا أشرف من معبود، وأطهر من نار. أليس الأمر
كذلك يا شهرزاد؟
شهرزاد
:
شهريار! نسيت أن أُقبِّلك عند دخولك.
شهريار
:
تمنحينني قُبلة؟
شهرزاد
:
نعم.
شهريار
:
وهبتُها قمرًا!
قمر
(مستنكِرًا)
:
مولاي … مولاي!
شهريار
:
خذها أيها الأبله! من ذا يرفض قُبلة من شهرزاد؟!
(قمر يخرج توًّا.)
شهريار
:
هرب الأحمق.
شهرزاد
(تنظر إلى زوجها مليًّا)
:
شهريار! إنك تكتمني أشياء في نفسك.
شهريار
:
لست أنا الذي يكتم أشياء.
شهرزاد
:
بلى، إنك الآن مخيف.
شهريار
:
أنا الآن أهدأ نفسًا من قبل. ألا ترين.
شهرزاد
(في ارتياب)
:
ربما.
شهريار
:
إنك تَرَينَ أني بعيد عن الهدوء.
شهرزاد
:
أمَا كنت تذكرني في أثناء السفر؟
شهريار
:
ما ذكرتك إلا ساعة الرحيل وساعة الوصول. أما فيما بينهما
فما كنت أعيش إلا في الزمان والمكان المحيطَين بي.
شهرزاد
:
نسيتني؟!
شهريار
:
نسيت كل ماضيَّ، وخِلته حلمًا ما صُب أبدًا في حقيقة.
وسرعان ما اتخذت حياتي شكلًا ما احتوى جسدي من زمان
ومكان.
شهرزاد
:
كالماء يتخذ شكل الإناء؟
شهريار
(في قنوط)
:
أوَلستُ كالماء يا شهرزاد؟ سجينًا دائمًا كالماء؟ نعم،
ما أنا إلا ماء. هل لي وجود حقيقي خارج ما يحتوي جسدي من
زمان ومكان! حتى السفر أو الانتقال إن هو إلا تغيير إناء
بعد إناء. ومتى كان في تغيير الإناء تحرير للماء؟!
شهرزاد
:
ليس السفر يا شهريار ما يُحرِّر جسدك.
شهريار
:
صدقت.
شهرزاد
(بعد لحظة)
:
إنك لم تسألني يا شهريار عما صنعت في غيبتك.
شهريار
:
وماذا يعنيني في هذا الأمر؟!
شهرزاد
:
ألم تعد بك رغبة أن تعرف من أنا؟
شهريار
:
أنتِ جسد جميل.
شهرزاد
:
كلا، أنتَ تُموِّه عليَّ.
شهريار
:
أنتِ قلب كبير.
شهرزاد
:
كلَّا.
شهريار
:
أنتِ عقل وتدبير.
شهرزاد
:
كلَّا.
شهريار
:
أنتِ أنا. أنتِ نحن. لا يوجد غيرنا نحن، أينما ذهبنا
فليس غيرنا وغير ظلنا وخيالنا. الوجود كله هو نحن. ما من
شيء خلا صورتنا في هذه المرآة العظيمة التي تحيط بنا من كل
جانب. لقد سئمت هذا السجن من البلور.
شهرزاد
:
ليس فيما تفعل سبيل الخلاص.
شهريار
:
ما السبيل؟
شهرزاد
:
لست أدري.
شهريار
:
آه … أنتِ دائمًا أنتِ، لا تتغيرين.
شهرزاد
:
وأنت دائمًا أنت، لا تتغير.
شهريار
(بعد صمت)
:
اعترفي يا شهرزاد، إنكِ أنتِ التي سارت بي إلى هذه
النهاية.
شهرزاد
:
بل هي طبيعة الأشياء.
(صمت)
شهريار
(يتنهد)
:
شهرزاد! أشعر ببرد يدبُّ في مفاصلي.
شهرزاد
:
اجلس يا شهريار!
شهريار
:
كلَّا، لست أريد الجلوس، لست أحب الجلوس إلى هذه الأرض …
دائمًا هذه الأرض! لا شيء غير الأرض! هذا السجن الذي يدور.
إننا لا نسير، لا نتقدم ولا نتأخر، لا نرتفع ولا ننخفض،
إنما نحن ندور، كل شيء يدور. تلك هي الأبدية. يا لها من
خدعة! نسأل الطبيعة عن سرها فتُجيبنا ﺑ «اللف»
والدوران.
شهرزاد
(باسمةً)
:
نعم، أنت تدور، وأنت الآن في نهاية دورة.
شهريار
:
النهاية تتلوها البداية في قانون الأبدية
والدوران.
شهرزاد
:
أما كنت تعرف هذا من قبل؟!
شهريار
:
كنت أحسب الطبيعة أحذق من هذا.
شهرزاد
(باسمةً)
:
إلى هذا الحد أنت ناقم على الطبيعة؟
شهريار
:
إنها تقارعني بسلاح العجز: السجن، داخل حلقة
تدور.
شهرزاد
(باسمةً)
:
لا أظن أنها تُقارعك أو تتكلف لك. ما أنت إلا شعرة في
رأس الطبيعة!
شهريار
:
كلما ابيضَّت نزعتها!
شهرزاد
:
إنها تكره الهرم.
شهريار
:
نعم.
شهرزاد
:
تنزعها كي لا تعود من جديد.
شهريار
:
فتية قوية.
شهرزاد
:
نعم.
شهريار
:
كل ما يكبر ترجعه إلى الصغر. كل غاية تتبعها بداية. إلى
متى هذه الدائرة التي لا مخرج منها؟
شهرزاد
(بعد لحظة)
:
ما أبعدك عن قمر الذي يرى الحياة رحبة والطبيعة
جميلة.
شهريار
(يلفظ آهة)
:
إني أضيق ذرعًا بهذا المكان.
شهرزاد
:
بي؟
شهريار
(يشير إلى الفضاء ثم إلى جسمه)
:
بهذا المكان، بهذا الجثمان، الجثمان خلق المكان، كما خلق
الماء الإناء.
شهرزاد
:
شهريار! ما أشق حياتك الآن. ألا تُهوِّن عليك
قليلًا؟
شهريار
:
فات الأوان.
شهرزاد
:
اترك ما وراء حياتك يا شهريار. تأمل وجه الرداء، ودعك من
البطانة فما فيها غير خيوط.
شهريار
:
كل الرداء في تلك الخيوط.
شهرزاد
:
لا شيء يعنيك وراء الرداء.
(صمت)
شهريار
(ينظر إلى الستار الأسود في غير
اكتراث)
:
ولا شيء يعنيني وراء الستار!
شهرزاد
:
هذا الستار؟ لماذا تنظر هكذا إلى هذا الستار؟
شهريار
:
الأسود؟!
شهرزاد
:
نعم الأسود!
شهريار
:
لون الظلام! شدَّ ما أبغض لونه!
شهرزاد
:
ما الذي يمنعك من قتله؟
العبد
(يبرز فجأةً من وراء الستار
صائحًا)
:
أيتها الخائنة! وقتلك معي.
شهريار
(في هدوء)
:
لا تمتهن شهرزاد! لست أحب من يمتهن شهرزاد.
العبد
(خائفًا)
:
مولاي!
شهريار
(للعبد)
:
اذهب.
شهرزاد
:
ألا تقتله وتقتلني؟
شهريار
:
كلَّا.
(العبد يخرج فرحًا بالنجاة.)
شهرزاد
:
شهريار!
شهريار
:
لمَ تنظرين إليَّ هكذا؟!
شهرزاد
:
أنت رجل هالك.
شهريار
:
أما كنتِ تعرفين ذلك من قبل؟
(فجأةً، صيحة ذعر ترتفع خارج المكان، ثم
صوت استغاثة، ويظهر العبد راجعًا أدراجه على نحو غريب وهو
منفزع.)
العبد
:
النجدة! النجدة! الوزير!
شهريار
:
الوزير؟ قمر؟ ماذا به؟
العبد
:
سيف الجلاد! أطاح رأسه عن جسده بسيف الجلاد إذ أبصرني
خارجًا من الحجرة.
شهريار
:
قمر مات؟!
شهرزاد
:
لا تجزع يا شهريار!
شهريار
:
انطفأت حياة قمر!
شهرزاد
:
وا أسفاه!
شهريار
(بعد لحظة)
:
لم يعد قمر يستمد الحياة من الشمس!
شهرزاد
:
لأنه لم يعد يؤمن بها.
شهريار
:
الإيمان؟!
شهرزاد
:
لقد كان رجلًا.
شهريار
:
نعم، قد كان رجلًا.
شهرزاد
:
أما أنت يا شهريار …
شهريار
:
أنا؟ من أنا؟
شهرزاد
:
أنت إنسان معلق بين الأرض والسماء ينخر فيك القلق، ولقد
حاولت أن أعيدك إلى الأرض فلم تفلح التجربة.
شهريار
:
لا أريد العودة إلى الأرض.
شهرزاد
:
لقد قلتها يا شهريار. لا شيء غير الأرض.
شهريار
(يتحرك)
:
وداعًا إذَن يا شهرزاد!
شهرزاد
:
أتذهب؟ دعني أحاول مرةً أخرى.
(شهريار ينصرف في صمت.)
العبد
(يتبعه بأنظاره حتى يختفي)
:
لقد ذهب.
شهرزاد
:
لا مفر له من هذا.
العبد
:
أقسم أنها دماء زوجاته! هي دماء زوجاته! مضى عهد الدماء،
لكن هذا ما صار إليه الرجل.
شهرزاد
(كالمخاطبة لنفسها)
:
دار وصار إلى نهاية دورة.
العبد
(يتحرك فجأةً)
:
أستطيع أنا أن أعيده إليك.
شهرزاد
:
خيال! شهريار آخر الذي يعود. يولد غضًّا نديًّا من جديد.
أما هذا فشعرةٌ بيضاء قد نُزعت!