أساليب بديلة وتكميلية لرعاية مرضى السرطان
تشير الأبحاث إلى أن ما لا يقل عن نصف عدد مرضى السرطان يستعينون بعلاجات تكميلية أو بديلة إضافةً للعلاج التقليدي (وثمة شك في أن كثيرًا من النسبة المتبقية من المرضى يحذون حذوهم، لكنهم لا يصرحون بذلك)، وتتنوع هذه الأساليب، فتشمل العلاجات الشعبية التي يستخدمها المرضى الذين ينتمون إلى أقليات عرقية. ومع أن مصطلحي «تكميلي» و«بديل» يُستخدَمان أحيانًا للإشارة إلى المعنى ذاته، فمن المفيد أن نفرق بين الأنواع المختلفة لما قد يُوصَف بأنه خارج نطاق الممارسات الطبية السائدة. لهذا سوف أشير إلى العلاجات التكميلية باعتبارها الأساليب التي تهدف إلى العلاج جنبًا إلى جنب مع العلاجات التقليدية كنوع من الدعم لها؛ ومن أمثلة ذلك العلاج بالعطور الذي لا يتعارض جوهريًّا مع استمرار المريض في تلقي العلاج التقليدي. ربما يساعد — بالطبع — العلاج بالعطور في امتثال المريض للعلاج أو تقليص احتياجه لعقاقير إضافية، مثل الملينات أو المسكنات. وبالإضافة إلى العلاجات شبه الطبية مثل العلاج بالعطور، توجد علاجات مثل الوخز بالإبر والعلاج المثلي، التي قد توفرها الرعاية الصحية السائدة والمعالجون الآخرون. أما العلاجات البديلة، فتهدف إلى استخدام علاج آخر بدلًا من العلاج السائد. ويعتبر الطب التقليدي [الأكاديمي] هذا العلاج البديل أمرًا لم تثبت صحته على أفضل تقدير وضارًّا في أسوأ الأحوال. ومن الناحية العملية، من المستحيل أن نفرق على نحو حاسم بين الفئات المختلفة للعلاج. في حين يمكن لمريض ما أن يستخدم علاجًا ما بجانب العلاج التقليدي، يمكن لمريض آخر استخدام العلاج نفسه بديلًا للعلاج التقليدي، فالاختلاف يكمن في المقصد بقدر ما يكمن في المضمون.
يوجد عدد هائل ومتنوع من الأساليب العلاجية البديلة والتكميلية، من بينها العلاج المثلي، والوخز بالإبر، والعلاجات الغذائية، والعشبية، والعلاج بالعطور، علاوةً على تقنيات من قبيل العلاج بالكريستال، والتخيل، والعلاجات الشعبية القديمة التي تستخدمها أقليات عرقية. ولا يتسع المجال هنا لإجراء تحليل كامل لكل من هذه الأساليب، لهذا سأحاول انتقاء بضعة أمثلة من أجل إيضاح نقاط عامة حول الأسلوب الذي تتداخل به العلاجات التكميلية والبديلة مع علاج السرطان، وقبل الشروع في هذا، يجدر بنا إلقاء الضوء على النطاق الهائل لاستخدام هذه العلاجات. في حين أن الدول قد تتباين فيما بينها، نجد أن استخدام هذه العلاجات في الولايات المتحدة مطابقًا على الأرجح إلى حد بعيد لاستخدامها في دول العالم المتقدم. ولما كان من السهل أن نحدِّدَ كَمَّ الإنفاق في الولايات المتحدة، فسوف أقدم تقسيمًا للأرقام الحديثة التي أصدرتها المعاهد القومية الأمريكية للصحة. والرقم الرئيسي هنا هو أن ٨٨ مليون أمريكي أنفقوا ٣٣٫٩ مليارات دولار على العلاجات التكميلية والبديلة خلال عام ٢٠٠٧، ويزيد هذا المبلغ عن ١٠٪ من إجمالي النفقات «النثرية» على الصحة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ذلك أُنفِق ٢٣ مليار دولار أخرى على مكملات الفيتامينات والمعادن. ومع علمنا بالارتفاع الهائل في فواتير العلاج الطبي التي يواجهها المواطنون الأمريكيون، فمن المدهش حقًّا إنفاقهم مثل هذا المبلغ علاوة عليها. ووفقًا لسعر الصرف عام ٢٠٠٧، مبلغ كهذا كفيل بتوفير كل ما يحتاجه سكان المملكة المتحدة من رعاية صحية لمدة ٦ شهور تقريبًا. من الواضح أن هذه الأرقام ترتبط بالإنفاق الإجمالي، لا بالأموال التي ينفقها مرضى السرطان بالتحديد، ومع ذلك، فإنها تعطينا صورة جيدة عن المدى الذي ذهب إليه استخدام هذه العلاجات. وتُنفَق في جميع الدول الصناعية مبالغ مماثلة. فلماذا ينفق المواطنون في جميع المجتمعات الأكثر تحضرًا في العالم — الذين تُقدَّم لهم بوجه عام رعاية صحية، كما رأينا، تجعل أعمارهم تمتد حتى سن متأخرة — مثل هذه المبالغ الهائلة على علاجات إضافية، معظمها لم تثبت جدواه؟ من الواضح أنه في المجتمعات الأقل ثراءً، ربما تكون العلاجات الشعبية هي كل ما يمكن للمواطنين تحمل تكاليفه، ومن ثم ربما تكون هناك قوى أخرى تلعب دورًا في هذه المسألة.
قبل أن ننتقل لتناول هذه القضية، يجدر بنا إلقاء نظرة على تقسيم أوجه صرف هذه الأموال. ومرة أخرى، سأشير إلى أرقام الولايات المتحدة، ومن الواضح أن التقسيم قد يتباين، غير أني أؤمن بأن هذا سيعطينا فكرة عما يرغب الناس فيه. إذا تفهمنا هذا، فقد يفيدنا في تفسير التناقض الذي أشرنا إليه فيما سبق.
معظم ما يتبقى إما يندرج تحت تكاليف الممارسين (١١٫٩ مليار دولار) أو العلاج المثلي بقيمة ٢٫٩ مليار دولار (ليس من الواضح إن كانت هذه قيمة «الأدوية» نفسها أم إجمالي النفقات شاملة رسوم الممارسين). وأيًّا كان الأمر، فهذا مبلغ من المذهل أن ينفقه مجتمع مغرم باللجوء إلى القضاء كالمجتمع الأمريكي؛ فالطريق للحصول على ترخيص طويل وشاق لأي ممارس للطب التقليدي، وأي عقار حاصل على ترخيص يمر بإجراءات صارمة ليحصل على تصديق باستعماله، وعليه أن يبين خلالها مدى فعاليته وأمانه وصلاحيته لأداء الغرض منه. ومن ثم، فإن كلًّا من الممارس والمنتجات المستخدمة خاضعان لتنظيم صارم، والخروج على القواعد عقوبته جزاءات قاسية تُطبَّق على كل من الممارس وبائع الأدوية والأجهزة، وإخفاق أي منهم في الأداء وفقًا للمعيار المتوقع يؤدي إلى توقيع جزاءات قانونية وفي كثير من الأحيان مالية. في الطب التقليدي، لا تستطيع شركة أدوية قانونًا أن تبيع علاجًا للربو مثلًا دون أن تملك الدليل على أنه يؤدي وظيفته لفترة معقولة من الوقت.
أما فيما يتعلق بالطب البديل والتكميلي، فلا توجد في معظم الدول مثل هذه الاختبارات؛ فالتنظيم إما غائب أو داخلي على مستوى «التخصص». لا توجد اختبارات فعالية تُجرَى على أدوية الطب المثلي مثلًا. أما سبب عدم خضوع ممارسي هذه التخصصات لهذه القواعد الأساسية، فلا يزال سرًّا غامضًا. وحتى إذا طُبِّقت قواعد مختلفة، فإنك في مناحي الحياة الأخرى لكي تتقاضى ثمن سلعة أو خدمة ما على أساس أن لها خصائص معينة، ستخضع لعقوبة قانونية لو أن هذه السلعة أو الخدمة لم تحقق الغرض المُعلَن عنه.
الحقيقة أن ممارسي هذه الأساليب العلاجية يؤمنون فيما يبدو بأنها ناجحة، وكذلك مرضاهم؛ ومن ثم فإن العلاجات التكميلية والبديلة في الواقع أقرب إلى الدين منها إلى العلم، ولهذا يطول شرح أسباب حصانتها الواضحة من القانون، فالدين ذاته يتمتع بالدرجة نفسها من الامتياز القانوني في معظم البلدان. بالإضافة إلى ذلك، ثمة ظاهرة شهيرة تُلاحَظ في التجارب السريرية تسمى «أثر العلاج الوهمي». فالمرضى في التجارب المُعمَّاة، التي يحصل فيها بعضهم على حبوب وهمية، يشعرون غالبًا بالآثار المفيدة (والغريب أنهم في بعض الأحيان يشعرون بالآثار الجانبية الطفيفة) التي من المفترض أن يحققها العقار الفعال. ويكون هذا الأثر جوهريًّا في الغالب، وهو مُستحَب من عدة أوجه؛ فمن الواضح أنه لا يوجد خطر من حدوث آثار عكسية خطيرة مرتبطة بالعقار. والجسم يداوي نفسه بنفسه؛ إذًا من الواضح أنه إذا اجتمع «ممارس» الطب البديل مع المريض في الاعتقاد بأن علاجًا ما ناجع، فإنه في الغالب سوف ينجح. فهل معنى ذلك أنها ممارسة نزيهة للمهنة؟ في رأيي الشخصي أنها ليست كذلك؛ فأنا أؤمن بأن هذه العلاجات يجب أن تخضع لنفس اختبارات الفعالية التي يخضع لها أي منتج آخر، سواءٌ أكان دوائيًّا أو غير ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المسألة ليست أنه ما من ضرر من دواء غير فعال؛ فالأمر يتوقف على مدى تأثير ذلك على تغيير خطة علاج المريض. فمن الواضح أنه إذا اسْتُخْدِم الطب المثلي، فرضًا، في علاج حالة طفيفة تلتئم ذاتيًّا، مثل إصابة بالأنسجة الرخوة، فمن غير المحتمل في هذه الحالة وقوع ضرر بعيد المدى. أما إذا استُخدِم بديلًا لعلاج تقليدي في حالات كالسرطان أو الإيدز أو الدرن (مثلما ينادي بذلك بعض أنصاره)، فمن الواضح أنه يمكن أن يحدث تدهور لحالة المريض الذي يتخلى عندئذٍ عن علاج أكثر فعالية.
وكما ناقشنا من قبل، الطريقة القياسية المثلى لتقييم أي دواء، سواءٌ أكان تقليديًّا أم لا، تكمن في التجارب المُنضبطة الخاضعة للمراقبة. وتُستخدَم هذه التجارب على نطاق واسع لتقييم الأدوية التقليدية، لكنها استُخدِمت أيضًا في اختبار العلاجات التكميلية والبديلة، مثل العلاجات المثلية، وكذلك في اختبار تقنيات مثل الوخز بالإبر (حيث يكون الضابط وخزًا زائفًا بالإبر؛ أي وخز الإبرة في مكان خطأ).
إن الأساس الذي يقوم عليه العلاج المثلي هو «الدواء من جنس الداء»؛ فالممارسون لهذا العلاج يأخذون مركبات تحدث عارضًا ما — وليكن مثلًا الشعور بالغثيان — ثم يخففون المركبات الفعالة على نحو متتابع إلى أن تصبح خالية من أي جزيء من المادة الأصلية. ويزعم مؤيدو هذا العلاج أن عملية «إكساب القوة»، التي تدخل في صنع العلاج المثلي، تعمل بشكل أو بآخر على أن «تصطبغ» جزيئات الماء بخصائص لها تأثيرات دوائية. ومن المعتقد بوجه عام أن هذه التأثيرات تكون عكس الأعراض التي أحدثها المركب الذي بدأ به تركيب الدواء المثلي، ومن ثم فإن الدواء في المثال الذي بين أيدينا سيُستخدَم في علاج الغثيان. ولكي يكون علاج كهذا فعالًا، يتطلب الأمر إعادة صياغة للمادة العلمية الأساسية لعلوم الفيزياء والكيمياء وبيولوجيا الأنسجة، وهو أمر نفتقر إليه في الوقت الراهن. وحتى إذا سلمنا بأن معرفتنا بهذه الفروع المعرفية غير تامة، فمن المنطقي أن نتوقع وجود أدلة مستقاة من تجارب سريرية لاختبار الفعالية. وإذا كانت هناك براهين مقنعة على الفعالية من التجارب، فمن الواضح إذًا أن المعتقدات العلمية التقليدية ستكون بحاجة إلى إعادة نظر لتستوعب الأدلة الجديدة؛ إذًا نحن بحاجة إلى فحص أدلة التجارب السريرية للعلاج المثلي.
لقد أُجري عدد من التجارب المنضبطة الخاضعة للمراقبة بالفعل على العلاج المثلي؛ ففي عام ٢٠٠٥، نشرت الدورية الطبية المرموقة «ذي لانسيت» مقالًا حلل نتائج ١١٠ تجارب تضمنت علاجًا وهميًّا أجريت على العلاج المثلي، وقورنت هذه التجارب ﺑ ١١٠ تجارب مشابهة في مجال الطب التقليدي (يُطلَق عليها في مراجع الطب المثلي «العلاج الإخلافي»؛ أي العلاج بما هو مخالف للمرض)، واختُتِم مقال «ذي لانسيت» باستنتاجات مؤداها أنه لا يوجد دليل على وجود تأثير متسق للعلاج المثلي لا يمكن أن نعزوه لأثر العقار الوهمي. وفي المقابل، كانت التجارب التي أجريت في مجال الطب التقليدي قادرة على إيضاح تأثيرات الأدوية التقليدية إضافةً للعلاج الوهمي في ظروف مماثلة. إذًا يبدو أن العلاج المثلي يحتل مكانة راسخة في فئة العلاج «البديل» مثلما يروج له ممارسوه بالضبط باعتباره بديلًا للطب التقليدي، ومع عدم وجود دليل على منفعة مؤكدة، يبدو اعتناق هذا الرأي تصرفًا غير مسئول، لا سيما إذا كان العلاج المثلي يُروج له على أنه يُستخدَم في علاج جميع الأمراض بما فيها حالات من المحتمل أن تؤدي للوفاة كالربو والدرن والإيدز. ويؤيد هذا الرأي هيئات مثل منظمة الصحة العالمية التي أصدرت حديثًا تحذيرًا من أن استخدام العلاج المثلي في علاج حالات كالدرن والملاريا ينطوي على خطورة، وقالت بما لا يدع مجالًا للشك إنه قد أسفر عن حالات وفاة؛ لذا فإنه على جميع المستويات، عند دراسة «علم» العلاج المثلي، يتضح أنه يفرض مشكلات بمقاييس العلم التقليدي، فلا يوجد له أساس فيزيائي متماسك يشرح أسلوب عمله، ولا أدلة مقنعة بناءً على تجارب تثبت فعاليته، وبالرغم من غياب هذه الأدلة، فإن العلاج المثلي متوفر في جهات الخدمات الصحية الوطنية بالمملكة المتحدة، ويؤمن بفعاليته الملايين، من بينهم أمير ويلز نفسه.
لماذا إذًا يتجه هذا العدد الكبير من المرضى إلى هذه الأنواع من العلاج؟ يتسم فهم معظم الناس للعلم بالسطحية، ويميلون إلى اعتبار مزاعم العلماء وممارسي الطب البديل بدائل صحيحة متساوية، وهذا الرأي مقصور بوجه خاص على علم الأحياء، فلا أحد يرغب في استخدام أساليب بديلة في الهندسة أو قيادة الطائرات مثلًا؛ فهم يتمسكون في هذه الحالة بقوانين الديناميكا الهوائية والطيارين المُدرَّبين، وأنا أؤمن أنه في كثير من الحالات — إن لم يكن أغلبها — يشعر الناس بيأس ويرغبون في إمساك العصا من المنتصف؛ فالمرضى الذين يستنفدون خيارات المداواة التقليدية يسعون غالبًا لهذه العلاجات، ومن الواضح أنهم يقعون بسهولة فريسة للاستغلال، وكثيرًا ما تحتاج الأنواع المتطرفة من هذه العلاجات من المرضى السفر إلى دول تخضع فيها مثل هذه العلاجات لضوابط أقل صرامة من الدول التي يعيشون فيها، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
يتبع المرضى أيضًا في أحيان كثيرة أساليب غذائية غير معتادة. وغالبًا ما يكون المنطق وراء ذلك — إن كان هناك منطق — مزيجًا من المقدمات والنتائج؛ فالمنطق الذي يشكل الأساس وراء هذه النظم الغذائية يكون في الغالب شيئًا من قبيل: خطر الإصابة بعدد من أنواع السرطان قد يزيد نتيجة لغياب العنصر (س) من الغذاء (أمر ممكن)، ومن ثم فإن تناول (س) سيعيد التوازن ويعالج السرطان، وهذا يدفع المرضى إلى تناول مكملات المعادن أو الفيتامينات مثلًا. وكمقترح، هذا الأمر على أقل تقدير قابل للاختبار، فيمكننا أن نجري تجربة على المكمل المعني، ونرى إن كان يؤثر على النتائج التي تعود على المرضى أم لا. ثمة فكرة شائعة أخرى وراء النظم الغذائية المقاومة للسرطان، وهي استبعاد مكون معين من مكونات الغذاء، مثل الدهن الحيواني، والمنطق هنا هو أن عددًا من السرطانات الشائعة ارتبط بزيادة الدهون الحيوانية في الطعام، ومن ثم فإن الامتناع عن تناول الدهون الحيوانية سيعالج السرطان (احتمال مستبعد)، واستخدام كلمة «تدخين» بدلًا من الدهون الحيوانية في حالة سرطان الرئة يصور مدى عبث هذه المقولة؛ فلو كان كل ما عليك فعله لعلاج سرطان الرئة هو أن تمتنع عن التدخين، لكانت أعداد من يتوفون بسببه أقل كثيرًا، لكن للأسف الإقلاعُ عن التدخين ليس له سوى تأثير بسيط للغاية على النتيجة المحزنة المتوقعة لمعظم حالات سرطان الرئة. وبالمثل، فإن الدليل على أن هذه الأنواع من النظم الغذائية المُستبعَد بعض عناصرها تؤثر على النجاة من السرطان من الواضح أنه غائب. وثمة مثال أحدث لاحظته لدى المرضى الذين يزورونني في عيادتي، ألا وهو الادعاء بأن تناول السكر ضار، لأنه «وقود» يغذي السرطان. ولما كانت جميع الكربوهيدرات المعقدة تُهضَم وتتحول إلى سكريات داخل الأمعاء قبل امتصاصها، فمن غير المرجح على الإطلاق أن يكون هذا علاجًا جيدًا، لا سيما أن أعضاء مثل الكبد والبنكرياس تنظم بكل صرامة مستويات السكر في الدم.
بالرغم من المنطق المعيب وغياب الأدلة، فالمرضى يتبعون في كثير من الأحيان أنظمة غذائية جديدة كرد فعل لتشخيص حالاتهم بأنها سرطان، ويتخلون غالبًا عن تناول أطعمة طالما استمتعوا بها عشرات السنين ليتبعوا نظامًا غذائيًّا معينًا بزعم تحَلِّيه بخصائص مزيلة للسموم أو علاجية، أو يضيفون مكملات غذائية لتعزيز الآليات الدفاعية للجسم. وفي الحالات المتطرفة، نجد كلًّا من الممارسين والمؤيدين يروِّجون كثيرًا لهذه الأساليب بحماسة تقترب من حماسة المتدينين. والحقيقة أن التمسك بهذه المعتقدات يشبه في عدة أوجه التمسك بالعقيدة حيث تكون مكافأة الرفض والتضحية بالذات تحسنًا محتملًا في الصحة. ومثلما هو الحال في التمسك بالعقيدة، ليس من الضروري أن تظهر نتائج مباشرة؛ فالإيمان يكفي. هذا فضلًا عن أن عجز الأسلوب عن العمل بنجاح يمكن تفسيره بأنه إشارة إلى عدم الاجتهاد على نحو كافٍ في تطبيق النظام، وليس إشارة إلى افتقاره إلى الفعالية.
في عام ١٩٩٠، زرت مركز جيرسون في تيخوانا بالمكسيك ضمن فريق مكون من ثلاثة أفراد (اثنين من إخصائيي الأورام وطبيب نفسي). تقوم خطة جيرسون على خليط غريب من الغذاء المزيل للسموم (نظام نباتي، وعصائر فاكهة وخضر مهروسة، دون إضافة ملح) وشيء شديد الغرابة (حقن شرجية تُقدَّم بانتظام من القهوة الطازجة). لقد ابتكر دكتور ماكس جيرسون هذا النظام الغذائي لعلاج عِلل متنوعة من بينها داء السكري (وقد عالج ألبرت شوايتزر) والدرن، ومن المثير للسخرية أنه أُبعِد عن الولايات المتحدة؛ لأنه يناصر اتباع هذا النظام الغذائي لعلاج السكري، الذي كان يُعالَج آنذاك باتباع نظام غذائي عالي الدهون وقليل الكربوهيدرات، وتبين بعد ذلك أن نظام جيرسون الغذائي الغني بالألياف، ومنخفض الدهون، كان بالفعل علاجًا جيدًا للسكري، غير أن هذا الأمر لم يتضح إلا بعدها بسنوات عديدة، ويوضح لنا هذا بالفعل الحاجة إلى تقييم أساليب العلاج بأسلوب علمي؛ فعندما تم ذلك، برهن على قيمة الأنظمة الغذائية منخفضة الدهون والغنية بالكربوهيدرات في علاج السكري. لكن جيرسون بعد طرده من الولايات المتحدة، استمر في مناصرة العلاج في حالات أخرى متعددة، من بينها السرطان، والقلب، والتهاب المفاصل. وأجرى المعهد الأمريكي القومي للسرطان أبحاثه في عامي ١٩٤٧ و١٩٥٩ لتقييم نظام جيرسون الغذائي هل له أي تأثير على نتائج علاج السرطان، متوصلًا في المرتين إلى أنه لا يوجد دليل مقنع على تأثير العلاج، وتوصلنا في مراجعتنا للحالات التي انتقاها المركز عام ١٩٩٠ للاستنتاج نفسه، ونشرناه بدورية «ذي لانسيت» الطبية. ما من شك أن المرضى في المركز كانوا مؤمنين بأنهم يستفيدون، وإلى حد ما ولنفس الأسباب التي ذكرناها فيما سبق، كانوا يحصلون على فوائد نفسية جانبية بالفعل لشعورهم بأنهم أكثر سيطرة على مصيرهم، غير أن هذا الأمر له جانب سيئ، وهو أن المرضى الذين يستثمرون الكثير من جهدهم وإيمانهم في هذه العلاجات يشعرون بلا شك أنهم أخفقوا على نحو ما عندما تسوء حالاتهم. هذا أمر مؤلم عادةً في حد ذاته، لكنه أحيانًا قد يدفعهم نحو تمسك أكثر تشددًا بالنظام معتقدين خطأً أنهم لو فعلوا ذلك، فسوف تتحسن حالتهم.
ثمة مشكلة أخرى تتعلق بالأساليب الغذائية المشابهة لعلاج جيرسون، فمع أن النظام الغذائي بشكل أو بآخر (على الأقل دون حقن القهوة الشرجية) يمكن اعتباره صحيًّا، فهو قد لا يكون ملائمًا لمرضى بعض أنواع السرطان؛ على سبيل المثال: مرضى سرطان البنكرياس يفقدون الوزن سريعًا. من ثم، فاتباع نظام غذائي يجعل الأشخاص الأصحاء يفقدون أوزانهم يكون ضارًّا جدًّا إذا كان فقدان الوزن أصلًا جزءًا من المشكلة التي يواجهها المريض. كذلك فإن العديد من المرضى — كما أشرنا من قبل — يميلون إلى «المزج والتوفيق» بين العلاجات التقليدية والبديلة. فعلاجات مثل العلاج الكيماوي من الممكن أن تؤدي إلى مشاكل هضمية وتزيد من فقدان الوزن. من السهل إذًا أن نفهم أن النظام الغذائي الذي يحتوي على قدر كبير من الألياف، والمنخفض في السعرات الحرارية نسبيًّا، ربما لا يكون مثاليًّا في مثل هذه الظروف. وقد يزعم ممارس الطب البديل بالطبع أن المشكلة هنا تكمن في العلاج التقليدي، وليس البديل، وربما كان قوله هذا مقبولًا لو أن هذه العلاجات خضعت للتدقيق السليم مع إثبات فعاليتها. وفيما يتعلق بعلاج جيرسون، بالرغم من استخدامه لمدة ٩٠ عامًا، والعديد من تقارير الحالات المنشورة، والدراسات النقدية التي أجراها أكاديميون، لا توجد تجربة سريرية واحدة منشورة بشأنه، وأرى أنه — كما يحدث مع العقاقير — ينبغي على مؤيدي هذه العلاجات أن ينظموا تجارب، مثلما يلزم على شركات الأدوية إثبات الفعالية لتحصل على تراخيص لمنتجاتها. ربما يوجد مرضى يستفيدون بالفعل من النظم الغذائية البديلة، لكن في الوقت الراهن لا تزال الأدلة على ذلك غير كافية.
لقد تبين أيضًا أن إجراء التجارب على مركبات أبسط من ذلك — كالمعادن — أمر غاية في الصعوبة؛ على سبيل المثال: السيلينيوم موجود في الخضراوات، وهو مكون ضروري للأنسجة؛ إذ يلعب دورًا في الحفاظ على سلامة الأغشية الظِّهاريَّة، وهي الخلايا المبطنة لمختلف أنابيب الجسم وغدده. هذه الخلايا هي التي تنشأ فيها أنواع السرطان الشائعة، ومن ثم فإن نقص السيلينيوم — فيما يبدو — مرشح محتمل لأن يكون مكملًا غذائيًّا. وأشارت دراسات أخرى إلى أن الشعوب التي تعاني نقص مستويات السيلينيوم تتعرض لخطر أعلى من غيرها فيما يتعلق بالإصابة بالسرطان. وقد حفز هذا على إجراء تجارب على استخدام السيلينيوم كمكمل لدى مرضى السرطان، وثمة دراسة شهيرة على سرطان الجلد أظهرت أن المرضى الذين يحصلون على مقدار زائد من السيلينيوم انخفضت احتمالات إصابتهم بنوع آخر من السرطان، وهو سرطان البروستاتا، وكانت المشكلة أن هذا ليس ما كانت التجربة تعتزم دراسته، ولكنه مع ذلك كان كافيًا لتحفيز الرجال القلقين بشأن غدد البروستاتا لديهم للحصول على كميات ضخمة من السيلينيوم. وللتأكيد على هذا التأثير، أُجريت دراسة كبرى تحت اسم «سيليكت» في الولايات المتحدة لفحص مكملين غذائيين هما السيلينيوم وفيتامين ﻫ، وبعد تعيين ٣٠ ألف رجل لتلك الدراسة — حيث خُصِّص لكل منهم أحد هذين المكملين، أو كلاهما معًا، أو عدم الحصول على أي منهما، مع اتباع أسلوب التعمية — أوقفت لجنة مراقبة الأمان والبيانات الدراسة. وبالوصول لهذه المرحلة، كانت قد جرت متابعة الرجال لفترة بلغت في المتوسط خمس سنوات؛ فاكتشفت اللجنة أن الأمر لم يقتصر فحسب على عدم وجود أي فائدة من الحصول على أي من المكملين، بل ما كان أكثر إزعاجًا هو احتمال أن يكون هناك ارتفاع طفيف في احتمال الإصابة بسرطان البروستاتا بسبب السيلينيوم، بل احتمال ارتفاع خطر الإصابة بالسكري مع تناول فيتامين ﻫ، وهو الأمر الذي لم يكن متوقعًا.
لكن هذا ليس بالضرورة فصل الخطاب في المسألة؛ ففي أمريكا الشمالية تعد مستويات السيلينيوم في الطعام مرتفعة نسبيًّا، ومن ثم فإن الحصول على المزيد منه ربما لا يحقق فائدة مثلما هو الحال في أوروبا حيث مستويات السيلينيوم في الطعام أقل (يتعلق الفارق بمستويات السيلينيوم في التربة التي تُزرَع فيها الخضراوات). علاوة على ذلك، يمكن تزويد الناس بالسيلينيوم في صورته الكيميائية الخالصة أو ما يُعرَف بمركب متحد مع مواد عضوية أقرب إلى الشكل الذي يحصل عليه المرء من الطعام؛ إذًا، كل ما نعلمه حقًّا وعلى نحو مؤكد هو أن نوع الأقراص المحدد الذي استخدِم في تجربة «سيليكت» لم يقِ رجال أمريكا الشمالية من السرطان. ولا تزال التجارب الأخرى مستمرة على كلا المركبين؛ فعلى سبيل المثال: تدرس مجموعتنا كلًّا من السيلينيوم وفيتامين ﻫ لدى النساء والرجال المصابين بسرطان المثانة في مراحله المبكرة (وهو مرتبط أيضًا بنقص كليهما في الغذاء) لمعرفة إن كانت المكملات في استطاعتها الوقاية من تجدد الإصابة بالسرطان أم لا.
ورأيي الشخصي أنه في أغلب الأحوال في العالم المتقدم، ستصبح مستويات معظم الفيتامينات والمعادن متاحة بمقادير كافية في معظم الأغذية، وبخاصة مع علمنا بالميل المتزايد نحو الإفراط في استهلاك السعرات الحرارية، وأي تأثير للمكملات تحت هذه الظروف من المرجح أن يكون ضئيلًا؛ إذ إن معظم النظم الغذائية ستحتوي بالفعل على فائض يزيد أصلًا عما يحتاج إليه الإنسان. وهذا هو السبب وراء الصعوبة البالغة في الحصول على برهان مؤكد من التجارب. وكما هو الحال مع أمور أخرى كثيرة في الحياة، الشيء الذي يبدو في البداية شديد البساطة يتحول بعد ذلك إلى شيء أكثر تعقيدًا كلما نظرت إليه عن قرب. هذا الغموض يغذي بالطبع السوق بالمكملات الغذائية، فما الذي يمكن أن يكون أكثر أمانًا من الحصول على المزيد من الفيتامينات والمعادن «الطبيعية»؟ وإذا كان ذوو المعاطف البيضاء (مع أننا لم نعد في الغالب نرتديها) ليسوا على يقين، فلماذا لا نحصل عليها كإجراء وقائي؟
ماذا عن العلاجات العشبية؟ تتمتع هذه العلاجات بالطبع بالجاذبية من منطلق أنها إلى حد ما أكثر «طبيعية» من المنتجات الدوائية القاسية المُخلَّقة كيميائيًّا. لكن هذا المنطق معيب في جوهره؛ فلا يوجد شيء «لطيف» بالضرورة في عالم الطبيعة، وعليك بمشاهدة أي برنامج تليفزيوني عن الحياة البرية كي تتأكد من ذلك. فصفة «الطبيعية» ليس لها بالفعل أي معنى في هذا السياق؛ الظروف هي التي تحكم كل شيء؛ على سبيل المثال: التسمم الغذائي حالة عدوى ميكروبية تصيب الأمعاء وتسبب متاعب جمة، وقد تسفر عن الوفاة، غير أن سم «البوتولينيوم» يُستخدَم لمنح الناس مظهرًا أكثر جمالًا، وهو بالتأكيد أكثر أمنًا نسبيًّا كمنتج دوائي؛ إذًا، المنتج الدوائي أكثر أمانًا بكثير من مصدره «الطبيعي»، وإذا كان هناك علاج عشبي ناجح، فهذا بالطبع لأنه دواء (أو لنكن أكثر دقة، خليط من عدة عقاقير ذات أنشطة وآثار جانبية متنوعة).
أيضًا ما من حصانة خاصة لأي شيء لكونه قديمًا فحسب (كما لو كان طول فترة استخدامه قد أحاطته بهالة من نور)، ومن الأمثلة الجيدة على العلاجات الطبيعية قديمة العهد بندق الساحرة (الذي يحتوي على كمية وفيرة من حمض الساليسيليك، ويشتهر أكثر باسم الأسبرين)، وزهرة الخشخاش (وهي مصدر المورفين والديامورفين)، ونبات قفاز الثعلب، وقفاز الثعلب مثال جيد على المصادر القديمة للعقاقير؛ فثمة منقوع يُعرَف باسم «شاي شروبشير» يُصنَع من أوراق نبات قفاز الثعلب ويُستخدَم منذ قرون في علاج عِلة تُعرَف باسم «الاستسقاء»، وهي تجمع للسوائل في الطرفين السفليين بالجسم، مصحوبًا بضيق تنفس، وهي الحالة التي تُعرَف الآن بهبوط القلب، ثم جاء علم القرن العشرين ليعزل المكونات الفعالة لهذا النبات، وهي عائلة من الكيماويات التي تسمى شبه قلويات الديجيتال، وأكثرها استخدامًا هو الديجوكسين، ولا تزال هذه العقاقير تشكِّل المكون الرئيسي في علاج هبوط القلب، ومع ذلك — على حد علمي — لم يعد هناك من يستخدم شاي شروبشير بدلًا من الديجوكسين.
ماذا عن عقاقير السرطان العشبية إذًا؟ حسنًا؛ أولًا: الكثير من عقاقير السرطان الكيماوي هي في الحقيقة خلاصات عشبية؛ على سبيل المثال: الفينكريستين، الذي يُستخدَم لعلاج سرطانات الدم والجهاز اللمفاوي، يُستخلَص من نبات «العناقية»، والتاكسانات — التي تُستخدَم في العديد من السرطانات، من بينها سرطان الثدي والبروستاتا والرئة — تُستخلَص من لحاء شجرة الطقسوس وأوراقها، وهكذا. ومن ثم، كانت دراسة خواص الأعشاب مصدرًا مهمًّا ومثمرًا لبعضٍ من أقوى العقاقير. ومرة أخرى، فإن المصدر الطبيعي لهذه العقاقير لا يشكِّل دواءً عشبيًّا جيدًا؛ على سبيل المثال: أكل أوراق الطقسوس يجمع بين كونه صعبًا (فهي شديدة الصلابة) وسببًا محتملًا للوفاة، فثمة خيط رفيع بين التأثير المُعالِج المفيد والتأثير المهلك.
هذا وتوجد أمثلة على أدوية عشبية خضعت للاختبار في الدراسات يشغل أحدها اهتمامي بوجه خاص، وهو خليط أُطلِق عليه في البداية اسم «بي سي-إس بي إي إس» (وهي حروف لاتينية يشير الجزء الأول منها إلى الحروف الأولى من عبارة «سرطان البروستاتا» بالإنجليزية، والجزء الثاني لكلمة لاتينية تعني «أمل»). وزعم البعض أنه منتج من علاج عشبي صيني «قديم»، ويُسوَّق له على أنه يحافظ على «صحة البروستاتا». منذ حوالي ٢٠ عامًا، كان من الواضح أن المرضى — الذين شملتهم تجارب سرطان البروستاتا الرئيسية وكانوا يحصلون أيضًا على عقار «بي سي-إس بي إي إس» — كانوا يحققون فائدة من العلاج العشبي. وبالرغم من اسمه الذي يشمل كلمة سرطان، فصانعوه لم يختبروه مطلقًا كعلاج للسرطان، وإنما حصل على ترخيص كمكمل غذائي. وأكدت الأبحاث المعملية التي أُجريت بعد ذلك على أن هذا العقار سلك سلوكًا أشبه بسلوك الإستروجين، أو من الناحية الفنية، الإستروجين النباتي. ولعلنا نتذكر أن الإستروجينات تُستخدَم على نطاق واسع في علاج سرطانات البروستاتا، ومن ثم فإنه من المفهوم تمامًا أن يكون لعقار «بي سي-إس بي إي إس» آثار مضادة لسرطان البروستاتا. وأوضحت دراسة تفصيلية أُجريت على مرضى تناولوا الخليط آثاره على مستويات هرمون الذكورة، ومؤشر سرطان البروستاتا المتمثل في المستضد البروستاتي النوعي الذي يتفق مع الأساس الهرموني لعمله. ونُشِرت التحليلات السريرية والكيميائية في دورية «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن»، ولعلها أهم دورية طبية في العالم.
شجع هذا النشر على إجراء تجربة تقارن بين «بي سي-إس بي إي إس» ونوع حقيقي من الإستروجين يُسمَّى «ستيلبوستيرول» لدى مرضى سرطان البروستاتا المتقدم، وبدأت التجربة، غير أنها أُوقفت مبكرًا نتيجة لوجود مستويات بالغة الضآلة من تلوث «بي سي-إس بي إي إس» بالستيلبوستيرول؛ فأغلقت السلطات التنظيمية في الولايات المتحدة شركة «بوتانيكال لابوراتوريز»، وهي الجهة المُصنِّعة، منهيةً بذلك أي احتمال لاستكمال الدراسة. وثمة جوانب محيرة في هذه القصة؛ فعقار «بي سي-إس بي إي إس» ظل يُصنَّع سنوات دون الكشف عن أي آثار عكسية له، والتحليل الذي ورد في مقال دورية «نيو إنجلاند جورنال» لم يصل إلى أي تلوث بالستيلبوستيرول، هذا فضلًا عن أن التجربة حتى النقطة التي توقفت عندها أشارت إلى تفوق «بي سي-إس بي إي إس» على الستيلبوستيرول، وهي نتيجة لا تتفق مع كون التأثيرات السريرية جاءت نتيجة تلوث بالستيلبوستيرول، حسبما ذكر بعض المعلقين.
إن المشكلة التي تواجهنا مع مركبات مثل «بي سي-إس بي إي إس» هي أنها لا تحصل على ترخيص باستخدامها إلا كمواد غذائية؛ ومن ثم فإنها لا تخضع لصور التقييم التي يلزم على أي عقار أن يخضع لها، كذلك فإن المستحضر يكون خليطًا من الخلاصات العشبية؛ الأمر الذي يطرح التساؤل عن عدد المكونات في الخليط المطلوب وجودها فعلًا حتى نشاهد الآثار السريرية التي لا يرقى إليها شك (والتي شملت بعض الآثار العكسية المعروفة لمركبات الإستروجين، مثل تكون جلطات في الأوردة العميقة). إن مثال شاي شروبشير والديجوكسين يصور لنا المسار المحتمل للتطوير، بالطبع ربما يستغرق الكشف عن هذا سنوات عديدة، ويتطلب إنفاق مبالغ طائلة من أموال الرعاية الصحية، وربما يكون هذا دون حماية لبراءات الاختراع للسماح للشركات بتمويل تكلفتها؛ لذا فمن المحتمل ألا نعلم مطلقًا المكونات الحقيقية الفعالة الموجودة في «بي سي-إس بي إي إس». علاوة على ذلك، مع أن المركب بدت له قيمة سريرية، فهو لم يعد متوافرًا، وإن كان عدد من المركبات المشابهة (التي تحمل أسماءً متنوعة، من بينها «بي سي-هوب»، والجزء الثاني من الاسم كلمة إنجليزية تعني «أمل» في إشارة للاسم الأصلي للمركب) قد ظهر في السوق، ويستخدمها المرضى على نطاق واسع. أما مسألة إن كانت هذه العقاقير المستنسخة مطابقة فعلًا للمنتج الأصلي أم لا، فهذا أمر لا سبيل لنا إلى معرفته مطلقًا، فمع تناول المرضى لهذه العقاقير في الغالب دون إشراف طبي، لا توجد لدينا مجموعة متسقة من المراجع عن الجرعات، والآثار العكسية، وما إلى ذلك. وعلاوة على ذلك، لما كانت هذه المركبات أخلاطًا من الأعشاب، فإنه حتى إذا كانت المكونات متطابقة في الوزن، فلا يوجد ما يضمن أن تكون المكونات النشطة فعليًّا هي ذاتها في كل تشغيلة تالية؛ فأي شخص يملك حديقة يعلم أن تفاوتًا يظهر من عام لآخر في النباتات التي يزرعها في نفس قطعة الأرض. ومن الصعب أن نرى أي سبيل متسق للتقدم مع علمنا بطبيعة العلاجات العشبية وبيئة منح التراخيص الحالية، وليس من المرجح أن تصطف الشركات في طابور كي تجري التجارب على علاجاتها العشبية مستقبلًا بعد علمها بما جرى لشركة «بوتانيكال لابوراتوريز» بخصوص عقار «بي سي-إس بي إي إس». وبالمثل، فإن تكاليف تحويل خليط عشبي إلى عقار دوائي عادي لا يتمتع بأي حماية لبراءة اختراع تحول دون إقبال أحد عليه، وسيواصل قطاع الأدوية — بالطبع — فحص الأعشاب بحثًا عن خواص دوائية نافعة، لكن التطوير اللاحق سيكون الهدف منه التوصل لمركب كيميائي واحد وليس منقوعًا عشبيًّا، وأظن أن هذه المركبات ستظل إلى الأبد قابعة في خلفية المشهد بين الطب التقليدي وممارسي الطب البديل. وهذا أمر مؤسف؛ لأنه في ظل الأعداد الكبيرة من العلاجات عديمة الفعالية، مثل خلاصات نبات الدِبق، ما من شك أنه سيكون من بينها مركبات يمكن أن يكون لها نشاط ذو قيمة، مثل عقار «بي سي-إس بي إي إس».
في الختام، يمكن القول إن أساليب العلاج التكميلية والبديلة تشكِّل نشاطًا كبيرًا وذا أهمية اقتصادية في اقتصاديات الصحة، ومع ذلك من الصعب التوصل إلى أدلة صريحة على وجود فائدة لأغلب العلاجات من هذا النوع، هذا فضلًا عن أنه في بعض الحالات، ثمة أدلة قوية على «غياب» الفائدة تمامًا، ومع ذلك فإن قطاعًا كبيرًا من مرضى السرطان يستخدمون هذه العلاجات أدوية مساعدة للعقاقير التقليدية (وأحيانًا بديلًا لها)، وبجانب هذه التدخلات شبه الطبية، يوجد مجال آخر من النظم الغذائية المُعدَّلة، والمكملات الغذائية، والعلاجات العشبية، وهي تفتقر في الغالب أيضًا إلى أساس من البراهين. ومن المهم فهم استخدام هذه العلاجات لأنها قد تسبب اللبس في نتائج التجارب التي تُجرَى على علاج السرطان، وقد تتدخل في النتائج التي يحققها العلاج التقليدي، سواءٌ بتحسينها (وهذا نادر) أو بجعلها أسوأ.