كلمة المعرب
يهمني أن أقدم هذه السوانح المكتوبة بقلم حضرة صاحبة السمو أميرتنا المصرية الجليلة القدر كذكرى لنهضة مصر النسائية التي ظهرت بوادر خيراتها إبان نهضتنا السياسية.
أقول هذه الكلمة ولا مناص لي من إظهار الأسف لقلة الآثار الأدبية المصورة لحالتنا الروحية ونحن في هذا الدور الجديد، دور الانتقال من حالة لأخرى. ففي الوقت الذي يتصفح فيه أحفادنا الآثار الأدبية التي ظهرت في عالم المطبوعات في هذه الفترة، فترة التجدد والانتباه، سيجدون أكثرها مقفرة خالية من الصور الحقيقية التي تنم عن الروح العالية التي ظهرت بها أمتنا المصرية.
عندما يأخذ المؤرخون يومًا ما في تحليل حالتنا الروحية والفكرية في فترتنا الاجتماعية هذه فسوف لا يجدون في آثارنا ومؤلفاتنا الوثائق اللازمة لتصوير الحالة تصويرًا تامًّا.
كل أمة من الأمم غنية بآدابها وأشعارها المكتوبة في أوقات تجددها وانتباهها لأن هذه الأوقات هي موسم القول والكتابة والتفكير للكاتب والشاعر والفيلسوف، وحرام على حملة الأقلام والمفكرين أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام عواصف السياسة والاجتماع التي تهب على أمتهم في مثل هذه الظروف.
أنا لا أنكر أن فريقًا من كتابنا وشعرائنا قاموا بما يجب عليهم، سواءً بالكتابة في الصحف اليومية أو بنشر الرسائل والمؤلفات التي تنم عن روح مصر في هذه الأيام، غير أن ما كتب في ذلك قليل لا يشفي الغليل، لا سيما المؤلفات الدالة على نهضتنا النسائية فإنها نادرة جدًّا لا تتجاوز الاثنين أو الثلاثة.
لا يمكن إنكار ما للنساء في عصرنا الحاضر من الأثر البين في رقي الأمم، إذ إن أثرهن في رقي العصر الحاضر لا يقل عن أثر الرجال فيه.
وكل إنسان ينظر إلى هذه النظرية بعين «الازدراء» ولا يضع نصب عينه الوصول بأمته إلى مستوى الرقي من هذا السبيل — بقدر ما تسمح حالتنا الاجتماعية — خليق بأن يوضع اسمه في قائمة المحافظين، الذين لا يودون لأمتهم الرقي والفلاح.
يؤلمني بأن أقول: إن طراز معيشتنا الحالية لا تتفق مع روح العدل والإنصاف؛ فإننا معشر الرجال أنانيون نحو نسائنا إلى حد غير محمود. فالنساء عندنا محرومات من لذة الاشتراك معنا في المساعي الحيوية، بعيدات كل البعد عن الوقوف على مدهشات المدنية ورقي عصرنا الحاضر، واجبهن في الحياة الاجتماعية أن يكنَّ لعبًا في أيدي الرجال، لعبًا يحتفظ بها في أوقات جدتها ثم تحطم أو تلقى في زوايا الإهمال والنسيان فيما بعد.
وقد اعتدنا على هذا النوع من العيش وأنسنا به كل الأنس، حتى أصبح الرجل منا إذا رأى أن امرأته جميلة وولودة اكتفى بهاتين المزيتين ولم يطلب المزيد.
إذا أنا اليوم رفعت صوتي الضعيف منددًا بهذه الحالة فليس ذلك معناه أنني أريد لنسائنا أن يطفرن طفرة يصلن بها إلى مثل الحالة النسائية التي عليها نساء الغرب في يومنا هذا، لأن مثل هذه الأمنية ضرب من المحال لما بيننا وبين الوصول إلى تلك الغاية من الحوائل والموانع. وكل ما أطلبه اليوم هو انتشال المرأة من حالة الجمود الغارقة فيه بقدر الإمكان. والوصول إلى هذه الغاية لا يأتي إلا من طريق تعويد الناشئات من بناتنا على التفكير وتربية ملكات الفهم والذوق فيهن بالوسائل العلمية. لا يكفي أن نرى بين ظهرانينا فاضلة أو فاضلتين يشتهرن في عالم الأدب، بل يجب أن نعمل على توسيع دائرتي العلم والعرفان بين بناتنا حتى نطمئن ونعلم بأننا واقفون على الدهليز المؤدي إلى الرقي حقيقة.
علينا أن نعمل على إكثار مدارس البنات وتهذيب أصول التربية والتعليم التي تطبق في تلك المدارس، إذ لا جدال في أن الأصول المتبعة الآن هي من بقايا الأصول البالية التي كانت تطبق في القرون الوسطى. وإلا فمن منا ينكر بأن البنات في مصر لا يستفدن من المدارس سوى قشور من العلم لا تجدي ولا تنفع. هذه حقيقة يقرني عليها الواقفون على الحقائق، الناظرون في أحوال التعليم نظرة إنصاف وعدل.
إلا أن الأمر لا يوجب القنوط واليأس إلى حد أن نتقاعد عن سبيل الإصلاح، فإننا ولله الحمد في إبان نهضة نسائية تبشرنا بحسن المستقبل وإقبال شباننا على تعضيد هذه النهضة يبعث فينا قوى الآمال، فإنني ما كدت أتقدم إلى إخواني المصريين بكتابي «الخواطر» و«السراب» حتى تهافتوا عليهما أيما تهافت فطبع كل منهما طبعتين في بحر سنة واحدة.
إزاء هذا التشجيع رأيت اليوم أن أتحفهم بسوانح سموها، وهي مقالات مختارة من كتاب «تموجات أفكار» المطبوع باللغة التركية. والطريقة التي سرت عليها في جمع هذه السوانح هي ترجمة المقالات المكتوبة عن مصر ولمصر.
بقي لي أن أشكر سيدي وولي نعمتي حضرة صاحب السعادة الأستاذ أحمد زكي باشا الذي تفضل علي بإعارة النسخة التركية من خزانته الزكية أدامها الله عامرة بوجوده لينفع مصر بعلمه وعمله، والله أسأل أن يعيننا جميعًا على ما فيه إنهاض مصر، إنه عليم بالنيات.