حب الوطن من الإيمان
إن بشرى نبينا الجليل الشأن، القائلة بأن حب الوطن جزء من الإيمان لها وقع كبير في نفوس المؤمنين وأثر جليل عند الذين يعرفون معنى الإخلاص في الإيمان.
جعل النبي حب الوطن مقياسًا للإيمان الخالص، فما أعظم هذه الحكمة! وما أجلها سعادة لدى النفوس النقية أن تكون قلوبهم مفطورة بحب أوطانهم! طوبى لكم يا أصحاب القلوب الطاهرة فقد جبلتم على حب الوطن، فأصبحتم محبين له وأصبح محبوبًا لكم. صرتم من عشاقه وصار معشوقًا لكم. وإن الحكمة الرائعة التي تنطوي عليها هذه السنة النبوية الجليلة الشأن لفي غنى عن الشرح والبيان؛ لأن الوطن هو منبت فضائلنا، منه نقتطف ورود الحمية وأزهار الشجاعة.
وطننا مجموعة نفيسة تضم بين دفتيها ذكرى كياننا، ففيها تجد ذكرى أيام السلف وحوادثهم، وفي طيات صحائفها تدون أعمالنا الحاضرة يومًا فيومًا.
إن الأعمال التي سيقوم بها أولادنا وأحفادنا في الأيام المقبلة ستدون أيضًا في صفحات هذه المجموعة، فلنحتفظ بهذا الأثر النفيس ولنحرص عليه كل الحرص.
إن وطننا المحبوب، المحدد بدماء أسلافنا الأعزاء، ذلك الوطن المفدى الذي تركه لنا الأجداد وديعة بعد أن قاموا بتحصينه، لا بالحجارة والحصون، بل بعظامهم وجماجمهم يطلب منا التفاني في خدمته؛ لأن زماننا زمن عصيب يقتضي السعي والإقدام. فلنخدم وطننا ولنحرص عليه لأنه بالحرص عليه نحرص على حياتنا، وبالتفاني في خدمته نخدم أنفسنا.
إن المحب الحقيقي لا يحجم عن بذل النفس والنفيس وتضحية أعز ما لديه في سبيل الوصول إلى رضى المحبوب، فلتكن تضحيتنا إذن في سبيل الوطن بقدر محبتنا له.
لنبرهن على أننا نعز الوطن ونهيم بحبه بالفعل لا بالقول. لنضع نصب أعيننا الدماء الزكية التي أراقها أبطال الوطن في سبيل أوطانهم، ولنفكر على الدوام بأن الخلف سينظر يومًا ما إلى أعمالنا فينقدها كما ننقد نحن اليوم آثار السلف، وبمثل ذلك ليكن سعينا جليلًا في سبيل خدمته.
ننظر اليوم إلى آثار أسلافنا فتدهشنا أعمالهم، فلنحاول نحن أيضًا أن ندهش أبصار أحفادنا بجليل ما سنتركه من الآثار والمآثر. لنجتهد ولنبرهن للعالم من طريق حب الوطن بأن قلوبنا مملوءة بالإيمان الصادق، وبأننا نعلم تمامًا بأن حب الوطن من الإيمان.