مقدمة
كانت الآثار المصرية مصدرَ إعجاب الناس في القديم والحديث، حتى قال الجاحظ وغيره:
عجائب
الدنيا ثلاثون أعجوبة، عشرة منها بسائر البلاد والعشرون الباقية بمصر؛ وهي: الهرمان،
وهما
أطول بناءٍ وأعجَبُه، ليس على الأرض بناءٌ أطول منهما، وإذا رأيتهما ظننتَ أنهما جبلان
موضوعان؛
ولذا قال بعض مَن رآهما: ليس شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمان، فأنا أرحم الدهر
منهما، وصنم الهرمين … وتُسمِّيه العامة: أبو الهول، ويقال إنه طلِّسم الرمل، لئلا يغلب
على
الجيزة، وبربى سمهود … وبربى إخميم، كان فيه صور الملوك الذين ملكوا مصر … وهي مبنية
بحجر
المرمر، طول كل حجر خمسة أذرع في سمك ذراعين، وهي سبعة دهاليز، ويقال: إن كل دهليز على
اسم
كوكب من الكواكب السبعة، وجدرانها منقوشة بعلوم الكيمياء، والسيمياء، والطلسمات،
والطب.
ويقال: إنه كان بها جميع ما يحدث في الزمان حتى ظهور رسول الله
ﷺ، وأنه كان مصورًا
فيها راكبًا على ناقة، وبربى داندار كان فيها مائة وثمانون كوة تدخل الشمس كل يوم من
كوة
منها، ثم الثانية ثم الثالثة حتى تنتهي إلى آخرها، ثم تكرُّ راجعة إلى موضع بدأت، وحائط
العجوز من العريش إلى أسوان محيط بأرض مصر شرقًا وغربًا، قال المسعودي: … وأثر هذا الحائط
باقٍ إلى وقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
١ والفيوم … وكانت ثلاثمائة وستين قرية … تميز كل قرية منها مصر يومًا … ومنف وما
فيها من الأبنية والدفائن والكنوز، وآثار الملوك والأنبياء والحكماء، وكان فيها البربى
الذي
لا نظير له …
وعين شمس وهي هيكل الشمس، وقد خرِّبت وبقي منها عمودان من حجر صلد، فكان طول كل عمود
منها
أربعًا وثمانين ذراعًا على رأس كل عمود منها صورة إنسان على دابة، وعلى رأسهما شبه الصومعة
من نحاس … وصنم من نحاس كان على باب القصر الكبير عند الكنيسة المعلقة على خلقة الجمل،
وعليه رجل راكب عليه عمامة متنكِّب
٢ قوسًا، وفي رجليه نعلان …
والإسكندرية والمنارة التي بها، وكان طولها سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة؛ مائتين وثلاثين
ذراعًا، وكان طولها قديمًا نحو أربعمائة ذراع، وكان بناؤها على ثلاثة أشكال، فقريب من
الثلث
مربع مبني بالحجارة، ثم بعد ذلك بناء مثمن الشكل انبنى بالآجُرِّ والجصِّ نحو ستين ذراعًا،
وأعلاها مدور الشكل. وبرغم أن بعض الملوك في الإسلام قد عُني بأمرها، فكان يرمُّ ما وهى
من
بنائها، قد تخربت مع الزمن في أيام قلاوون أو ولده
٣ في أواخر القرن السابع الهجري، ولم يبقَ منها في أيام ابن فضل الله العمري،
المتوفى سنة ٧٤٩ﻫ، إلا ما في حكم الأطلال الدوارس، والرسوم الطوامس
٤ وهو عمود مرتفع في الهواء تحته قاعدة وفوقه قاعدة، ويقال: إنه لا نظير له في
علوه ولا في استدارته.
ويمضي السيوطي في كتابه حسن المحاضرة مُعدِّدًا عجائب الآثار في مصر القديمة،
٥ وقد شاركه كثير من المؤرخين في وصفها كابن فضل الله العمري في كتابه المسالك
والممالك، والمسعودي في كتابه مروج الذهب. وقد بدا في تاريخهم لهذه الآثار نظرة الناس
إليها
في عصورهم وما ورثوه عن أسلافهم من آراء حول إنشاء هذه الآثار، وبعضها خرافيٌّ أثاره
الإعجاب
بها، والجهل باللغة التي كُتبت فوقها.
وقد كشف العصر الحديث عن كثير من آثار لم تكن معروفة من قبل، وكان للمعروف منها في
القديم
والحديث صدًى في الشعر العربي منذ زمن بعيد. ونحن الآن بسبيل نظرة شاملة ندرس فيها كثيرًا
مما أنشأه الشعراء في هذه الآثار.