توت عنخ آمون
ومن تلك المقابر التي ظفرت بعناية شوقي وإبداعه مقبرة توت عنخ آمون، وما وجد فيها من آثار ظفرت بإعجاب العالم أجمع عندما كشف عنها.
وقد نظم شوقي فيها عدة قصائد: منها تلك القصيدة التي بدأها بمناجاة الشمس وسؤالها عما حدث في القرون الماضية لأنها رأت مصارع الأمم وسقوطها، فجدير بها أن تروي الأخبار وتعرف أنساب الناس وهي التي تلد ثم تأكل ما ولدت، وفي ذلك يقول شوقي:
وهذه المناجاة مناسبة كل المناسبة لحديثه عن هذا الملك المصري القديم، فهو — كما زعموا — ينحدر من الشمس من ناحية، وقد شاهدت الشمس ملكه وملك آبائه ومن جاء بعده من ناحية ثانية.
وينتقل شوقي من مناجاته للشمس واهبة الحياة والموت إلى حديثه إليها أُمًّا لملوك مصر القديمة، مباهيًا بهؤلاء الملوك، ممتلئ القلب إعجابًا بأمجادهم؛ فقد رآهم ملوكًا جديرين بالملك، أناروا الأرض بحضارتهم، حينما كانت الدنيا في ظلام دامس، وكان الناس يعيشون في ضلال مبين، أخذت روما من حضارتهم، واقتبست أثينا من نور علمهم؛ إذ يقول:
ويمضي شوقي مليئًا بالفخر يتحدث عن هؤلاء الملوك الذين اتخذوا قبورهم في وادي الملوك، محجبين كما كانوا في حياتهم محجبين بالجلال. إنهم اليوم مقيدون في حياتهم تُساق لهم الملوك أسرى في القيود والأغلال. وتنطلق صيحة إعجاب من شوقي بهم، فيرى أن أعمالهم المجيدة خارقة للسعادة كأنها السحر، ويرى من مظاهر هذا السحر أنهم ينطقون الحجر الأصم بما يقومون به من إتقان تنطق بما يراد منها. لقد أغرموا بالخلود، فعمدوا إلى بناء الآثار الخالدة التي تقوم على دعائم من الخلق المتين، وإتقان ما يصنعون، وأن الخلد لا ينال في سهولة ويسر؛ لأنه يحتاج إلى الهمم الكبيرة، والعبقرية الخارقة التي يمجدها التاريخ، وتدع الدنيا لسان ثناء، وأذنًا تصغي إلى مجد الخالدين:
ويعقد شوقي موازنة بين شباب اليوم وشباب الأمس فيرى شباب اليوم قانعين بالكلام دون العمل، ويغالون في تقدير ما يفعلون وإن كان ضئيلًا فيسخط شوقي ويقول:
ويعود إلى الفخر بعرش مصر القديم الذي كان أخًا لعرش الشمس، وكان يتحلى بالعزة والجلال، ويقوم على دعائم من القوة في البر والبحر ويكلأ أمجاد ملوكه من أمثال رمسيس وخوفو ومينا الذين ارتفعت رءوسهم عزة وكبرياء وأبوا أن يخضعوا وأن يذلوا:
ويتعرض شوقي للدفاع عن هؤلاء الملوك، ويرد على من زعم أنهم ظلموا الرعية، وعسفوا بالعمال وجلدوا الخدم في سبيل إقامة هذه الآثار؛ وذلك أننا في أيامنا التي نعيش فيها ناقصون فلا يليق بنا أن نطالب الأولين بالكمال، وليس أدل على هذا النقص من سجن الباستيل بفرنسا؛ فقد كان يخفي وراء جدرانه سجناء أكل الحديد أجسامهم، ومن هذه البِيَع التي ارتفعت على أكتاف الظلم والسخرة، وكم ارتُكبَ في بنائها من ألوان القسوة، برغم أنها شيدت لرسول الحب والحنان:
وبعد حديثه إلى اللورد كارنارفون الذي كشف عن قبر توت عنخ آمون، وتسجيله ما ذاع من أخذ بعض كنوز هذا القبر، يأتي الحديث عن قبر الملك الدفين فيخصه بالتحية، ويرى القبر لحسنه وطيبه تكاد حجارته تضيء، ويكاد طيبه تنتشر له رائحة زكية، ويخيل لرائيه أن حجارته لقداستها قد اقتُطعت من جبل طور سيناء، الذي تجلى الرب عنده لموسى.
لقد كان نزيله يدعى ملكًا، فصار اليوم يسمى كنزًا ثمينًا، لكن ذلك لا يحول دون الهتاف له كما كان بنو شعبه يهتفون، إذ لم ينقص له مقدار، فلا تزال له مهابته وجلاله الذي استمر برغم مرور القرون الأربعين التي مرت منذ عهده، بل إن جلال الملك أيام تنقضي، ولا ينقضي جلال الخالدين.
ويرحب شوقي بالملك القادم، ويُحيِّي مقدمه المبارك، ويهدي إليه السلام يوم مات، ويوم كشف قبره. لقد ظهر إلى الوجود كما ظهر عيسى، عليه جلالة ووقار، وأخذ اسمه يجوب أرجاء العالم سهوله وجباله:
ويسأل شوقي توت عنخ آمون عن فراقه لهذه الحياة الدنيا: أكان قصيرًا كأنه سنة نوم، أم طال فاستغرق السنين الطوال؟ وكيف قطع في ظلام القبر ليلًا طويل الأمد، لا يصل المرء إلى صبحه إلا بعد عناء وضنى؟ ويسأله عن سر الاحتفاظ بالجسد بعد موته، وهل ذلك لأن النفوس تبقى ما دامت أجسامها باقية، وتفنى إذا فنيت هذه الأجسام.
ويسأله عن قباب هذا القبر، وكيف ظلت مجهولة طول هذه القرون. إنها قباب ملساء يظنها الرائي برجًا مدفونًا في باطن الأرض، امتلأ بالأثاث فصار كأنه القصر، وتغطى بالصور فبدا كأنه المعبد.
ويعجب شوقي من حرص الملك على أن يدفن العرش معه، فهل ذلك لأنه يؤمل عودة إلى الحياة، ويكون له حينئذٍ مُلك ودَولة، أو لأنه سيبقى لكن وهو جالس على عرشه في حين يلقاه الناس مترجلين؟
ويعجب من الطعام وقد ظل ذا رائحة طيبة ومذاق طيب كما تركته أيدي صانعيه، لقد كان الملك لا يصبر عن الطعام يومًا، فكيف صبر هذه المئين من الأحقاب؟
ثم يقول للملك: لقد حدث ما كان قومك يخافون؛ لأن الإنسان يحب أن ينبش أخاه حيًّا وهالكًا، وها أنت ذا قد أُخرجت من القبر يوم البعث، وسوف يأتي اليوم الذي تُبعث فيه حقًّا إذا كان بعثك ليس بهذا البعث الموعود.
وما قيمة صيانة جسمك بعد الموت؟ إنك لا تحس بأذًى بعد أن تفارق الحياة، ولا تشعر بألم، وإنما يشعر بذلك الأحياء. ولننصت إلى هذه المفاجأة الرائعة إذ يقول شوقي:
ثم يحدث الملك بأن الحكم المطلق قد انقضى، وحل مكانه حكم الشعب لنفسه، وأصبح الملوك ينزلون على حكم رعاياهم، وهكذا لم ينسَ شوقي وهو في غمرة الفخر تلك اللمحة إلى ما حدث في الحكم من تطور وتجديد؛ وذلك إذ يقول:
أما القصيدة الثانية فقد تحدث فيها عن توت عنخ آمون، وهو في مجال ذكرى مكتشف قبره: «كارنارفون»، وهو في هذه القصيدة يتحدث عن أوبة الملك المصري القديم، وأنها ليست أوبة البعث، ويرجو أن يُترك حيث هو في قبره بعيدًا عن مظاهر الحكم والسلطان، لا أن يُحمل، كما كان يُحمل في حياته، فوق الرقاب؛ لأن الحاكم المستبد يطاق في قبره لا فوق عرشه:
ويستبعد الشاعر في هذه القصيدة أن يكون توت عنخ آمون قد تقمصت روحه بعوضة حقيرة لدغت كارنارفون وقتلته؛ لأن الملك المصري وفيٌّ لصحبه، ولا يمكن أن يكون ذلك جزاء من كشف عن قبره، وعرف الناس به:
ويصف الشاعر ما قام به اللورد الراحل من جهود، فقد فض الختم فأرانا أزمانًا متطاولة، ونقلنا إلى فجر التاريخ، وكرَّ راجعًا إلى العصور القديمة حتى انتقل إلى فرعون في حياته العادية بين الطعام والشراب، متخذًا عرشه من عود المندل الطيب الرائحة، ومحليًا ثيابه باللؤلؤ الباهر الضياء، وكأنما الفاكهة قد جناها الجاني صباح اليوم لم يصبها تغير. لقد حوى القبر ما لم يستطع قصر غمدان أن يحويه، يقول شوقي:
والشاعر هنا معجب بما في القبر من آثار، ويراها مظاهر عمران وحضارة باذخة لا تقل عن هذه الحضارة التي نعيش اليوم فيها، وتريك هذه الآثار أنها ثمرة علم ناضج متبحر، وفن تجاوز غاية الإعجاب.
ويؤكد هذا المعنى في القصيدة نفسها فيقول:
وخص شوقي توت عنخ آمون وحضارة عصره بقصيدة مطولة أخرى، بدأها بالحديث عن هذا الكنز الذي مضت عليه القرون، فازداد بمضيها قدرًا وقيمة. إنه كالسيف قد مضى الزمان عليه في غمده؛ حيث يقيم في مكان كأنه الغيب المكنون لا تصل إليه الظنون، حتى جاء العلم فكشف سره المصون، وأهل العلم كأهل بدر حلال لهم كل ما يصنعون.
لقد كشف العلم عن حضارة رائعة، وفن رفيع، واندس العلم يزيح الظلام عن أسرار هذه المخبآت وتلك الحفر المظلمة، وهذه الحُجر التي تشبه المعاقل المرتفعة، والحصون العالية التي لا تهتدي إليها الريح العاصفة، ولا الغيث المدرار، وقد لجأ إليها الملك يستأمنها على نفسه وثروته، فخانت هذه الأمانة يوم باحت بسرها الدفين.
وينتقل شوقي إلى مناجاة للملك المصري، ويبدو في هذه المناجاة الحب والإعجاب؛ إذ يرى المصريين القدماء قد انفردوا بين العالم كله بحب الخلود، فربَّى ذلك في نفوسهم خلقًا يتميزون به من بين الناس جميعًا هو إتقانهم لكل ما يصنعون، ورغبتهم في إحسان ما يعملون.
وإذا كان الهدف الذي يسعون إليه هو الخلود، فإنهم ليسوا كالناس يبعثون بعد موت. ويسألهم شوقي أيسبقون العالم يوم القيامة كما كانوا السابقين في هذه الحياة الدنيا؟
ويبدو إعجاب شوقي بالغًا عندما يجعل المصريين القدماء أصل الحضارة، والمحسنين في إشادة أركانها، والمتقنين الذين نالوا الخلود بسبب هذا الإتقان.
وتلمسُ الحبَّ العميق والإعجاب البالغ عندما يقول شوقي مناجيًا توت عنخ آمون:
وبعد هذا الحب والإعجاب بالحضارة المصرية القديمة، يتحدث عن قبر توت عنخ آمون، فيتساءل أهو قبر أم هو حجرة عرش الملك؟ إنه يبدو من قبور الموتى ومن قصور الأثرياء المتوفَّين، فليس هناك مظهر من مظاهر الحضارة إلا قد حواه ذلك المكان؛ فالملك الدفين تحيط به مظاهر الحياة، وكل آيات المدنية في عصره دينية ودنيوية، حتى انبهر أمام روعتها الزمن وأهله المعجبون بحضارتهم الراهنة، وظنَّت «باريس» أن ذلك المجد من صنع أبنائها، يقول شوقي:
ويفصل شوقي بعدئذٍ ما عثر عليه في ذلك القبر من ذهبٍ لم تذهب السنون ببريقه الوهاج، وقد صنعت أيدي القيون من هذا الذهب صفائح وسبائك وتوابيت متوهجة لا يتخذها الموتى. ولو أنهم فطنوا لهذه النواويس لمضوا ينبشون عنها، وحاول كل واحد أن تكون له. وقد فصل الكفن برقائق من الذهب، وقد لفَّه في رفق مُحنِّط رزين رفيق، كما يلف الطبيب الضماد في حنان، كما تحنو الكمائم على أوراق الورد.
وبدا القبر مزخرفًا بالصور والصحف والتماثيل الرائعة، فيخيل إليك أنك في معبد للأصنام، وترى الصور تمثل لك الحركة، وتعبر لك في وضوح عما تريد، وقد مرت عليها عصور تلو عصور، ودهانها غض برغم الزمن المتطاول، حي لم تُمِتْه القرون. لقد خدع العيون فظنته حديث العهد، ومضت الأيدي تتلمسه لتتأكد من حياته وغضارته.
إن مظاهر الحياة تحيط بالملك في قبره، فصُوَر غلمان القصر تجسِّمهم أمام أعيننا كأنهم لا يزالون يزاولون الصيد ويناولونك السهام، وكأن البوق يدوي صوته في الفضاء، والسهام والأقواس ترنُّ، وكلاب الصيد تلهث لطول جريها، والخيل تجري في جنون، والوحش ينفر بين يديك يجري في السهول، وحينًا يثب الجبال، والطير يئِنُّ من جراحه.
وكأن الناس قد اجتمعوا إليك من كل فج، وكأننا لا نزال نعيش في عهد الفراعنة. ولنُنصتْ إلى هذا الشعر الذي يصور في قوة وروعة تلك الآثار الدفينة في هذا القبر، فيقول:
ويناجي شوقي الملك ويسميه ملك الملوك، ويحييه تحية ولاء وحب، ويسجِّل في شعره أنه مغرم بالوقوف عند آثار المجد، والاستغراق فيما توحي به من عظمة وجلال، ويرى أن هؤلاء الفراعنة مثلٌ عليا تُرفع أمام الشباب ليقتدوا بهم، ويعملوا على أن يكونوا مثلهم في حب الخلود، والغرام بالإتقان، ويؤمن بأن تاج مصر إنما استقر على جبين ملوكها معتمدًا على ما كان لمصر من قوة حربية مستعدة، فتسمعه يقول:
وهنا تثور في نفس شوقي آلام مُمضَّة عندما يوازن بين القوة الحربية القديمة لمصر، وبين ما كانت عليه مصر من الضعف عندما كُشف قبر توت عنخ آمون. ويبدو الألم البالغ في قول شوقي:
وتبدو لوعة شوقي بالغة في هذا الجزء من القصيدة على ما وصلت إليه مصر من الضعف في ذلك الحين، فقد أحس بالملك المصري القديم حزينًا أشد الحزن عندما فتح عينيه على وطن ألفه قويًّا بالغ القوة، عزيزًا راسخ العزة، فوجده على غير ما اعتاد أن يراه، رآه بلدًا أعزل، لا سلاح يحمي برَّه، ولا أسطول يدافع عن بحْرِه؛ فلا غرابة إن أعرض عن الديار بقلب متألم حزين.
ولِمَ لا يحزن وهو لم يرَ حوله أبناءه المصريين هم الذين اهتدوا إلى قبره، بل وجد وجهًا غريبًا، وسحنة لا تمت بصلة إليه؟!
ولِمَ لا يحزن وهو يرى قومه لا يسهمون في بناء الحضارة وإشادة المجد، كما كان هو يساهم في ذلك بحظ وفير؟!
ولكن الشاعر برغم تمجيده للملك المصري وحضارة عصره لا يقبل حكم الفرد، ولا يرضى عن حكم الجمهور نفسه بديلًا، ويرى أولئك الذين يقبلون حكم الفرد متخلفين في التفكير، متأخرين لا يعيشون في عصرهم. واستمع إلى شوقي إذ يقول:
وتبدو نظرة شوقي الحزينة أيضًا في أرجوزة أخرى ناجى بها توت عنخ آمون؛ حيث ثار على الضعف الذي كان عليه الوطن، فتخيل الملك المصري كما كان، قائدًا مغوارًا يقود جيشًا يملأ السهل والجبل، يمضي به فاتحًا منابع النيل.
ويحدثه عما اكتسبه وادي الملوك من الشهرة والازدهار يوم كُشف عن قبر هذا الملك، الذي أعاد إلى الأذهان ذكرى دولة الفراعنة، الذين أبلت آثارهم قوى الدهر وفلَّت سطوته.
وظلت آثار الملك الراحل تسافر عبر القرون، حتى انقضى أربعون قرنًا، حتى إذا عاد إلى وطنه وجد به إنجلترا وجيشها ومندوبها مقيمين فيه مسلولي السيوف؛ لتُحمَى الهند، وتُفصل السودان، وتقتطع قناة السويس. يقول الشاعر للملك المصري القديم:
وكانت هذه المفاجأة التي فوجئ بها الملك المصري مذهلة محزنة، فقال في حسرة: ليتني ظللت في القبر مختفيًا وراء جدرانه، ولم أنتبه من رقدتي. حدثني أيها الشاعر المصري القديم عما حدث بعدي من لَعِب مصر واستهتارها، ونسيت جلال الآباء والأجداد، ولم يَصدَّها عن هذا الاستهتار جلال الموت، ولا هيبة من ماتوا، يقول شوقي على لسان ملك مصر:
وهنا يمجد شوقي الملك المصري القديم، ويمجد ملوك مصر القديمة بعامة إذ يقول:
ولم يكن الشاعر هنا برغم احتلال الإنجليز للوطن المفدَّى متشائمًا، بل كان يرى مصر قد بلغت حدًّا من الرشد يبشر بمستقبل سعيد، وكانت ثورتها المباركة سنة ١٩١٩ دليل يقظة ورشد، فأرسلت وفدها إلى أوروبا، وأقامت البرلمان تستقبل فيه نواب البلاد، ولعل ذلك كان نقطةً لبدء العمل الجليل لبناء مستقبل رشيد:
ويختم هذه الأرجوزة بالدعاء لمصر أن يقوي الله يدها، ويشد أزرها، وأن يفتح أمامها السبل ولا يسدها، وأن يجعلها تقدِّر لكل خطوة ما بعدها، وأن يبعدها عن صغار الأمور، ويوجهها إلى العظائم، حتى لا تذهب دماء الضحايا هدرًا، وأن يكبح هوى النفوس ويكسر أحقادها، ويجمع القلوب على حب مصر الأم الرءوم، وأن يجعل النبوغ من حظ أبنائها، وألا تخلق بيديها من يستبد بأمورها.
ولعل الكشف عن آثار توت عنخ آمون، وقيام الثورة المصرية المباركة، وفتح البرلمان أبوابه لاستقبال نواب البلاد هو الذي أثار هذه الأماني الطيبة في صدر شوقي عندما قال:
وهو هنا، كما سبق في شعره، يكره حكم الفرد ويمجِّد الشورى، وهكذا كان الكشف عن آثار توت عنخ آمون مثيرًا لخواطر متنوعة في شعر شوقي، فحينًا هو فخور بالمجد المصري القديم، تيَّاهٌ بهذه الحضارة الرفيعة التي دل عليها كشف ذلك القبر، وحينًا يصف هذا الكنز الثمين، وحينًا يوازن بين الماضي والحاضر، وحينًا يتفاءل بمستقبل مزدهر لهذا الوطن العزيز، ولكنه في جميع الحالات لا يطمئن إلى حكم الفرد، ولا يرتاح إلى استبداده.
ومن كل ما عرضناه يبدو تبريز شوقي في وصف الآثار المصرية؛ مما يجعلنا نشعر بصدقه يوم افتخر بسيفه في ميدان الوقوف عند آثار مصر والإشادة ببُناتها فقال: