منارة الإسكندرية
وقد سبق وصفها في أول هذا البحث، وقد تحدث عنها المسعودي في مروج الذهب (١: ٢٣٢)،
والسيوطي في حسن المحاضرة (١: ٤٣)، ويقول عنها ابن فضل الله العمري: وقد كانت المنارة
سرح
ناظر، ومطمح أمل حاضر، طالما جمعت أخدانًا، وكانت لجياد الخواطر ميدانًا، ولم يبقَ منها
إلا
ما هو في حكم الأطلال الدوارس، والرسوم الطوامس.
١
ومن هذه الخواطر التي حركتها خواطر شاعرين من أبناء القرن السادس الهجري؛ هما: ابن
قلاقس،
والوجيه ابن الذروي؛ فقد رُويَ أنهما طلعا المنارة، فاقترح ابن قلاقس على صاحبه أن يصف
المنارة، فقال الوجيه على البديهة:
وساميةِ الأرجاء تهدي أخا السُّرَى
ضياءً إذا ما حندس
٢ الليل أظلما
لبِستُ بها بُردًا من الأنس ضافيًا
فكان بتَذكارِ الأحبة مُعلَمَا
٣
وقد ظللتني من ذُراها بقُبة
أُلاحظُ فيها مِن صِحابي
أنجما
فخيل أن البحر تحتي غمامة
وأني قد خيَّمت في كبد السما
٤
فاشتد سرور ابن قلاقس وفرحه، وقال يصفها:
ومنزلٍ جاوز الجوزاء مرتقيًا
كأنما فيه للنسرين
٥ أوكار
٦
راسي القرارة، سامي الفرع في يده
للنون والنورِ أخيار
وأخبار
أطلقت فيه عِنانَ النَّظم فاطَّردت
خيل لها في بديع
الشعر مضمار
ولسنا الآن بسبيل نقد هذا الشعر، وتقدير قيمته الفنية، ولكننا بسبيل استنباط ما يدل
عليه
من الإعجاب بارتفاع المنارة في جو السماء، حتى خيِّل لابن قلاقس أنها بلغت عَنان السماء،
وتخيل الوجيه أنه خيَّم في كبدها، والإعجاب بهذا النُّور ينبعث منها فيهدي السارين إذا
اشتد
ظلام الليل، والإعجاب برسو أصلها في الأرض، واستقرارها في ثبات.