الباب الخامس
التفاصيل السابقة لا تمنعنا تقدير هذه المسائل على ضوء آخر؛ فإذا كانت مادة الأجسام
الطبيعية هي — كما يرى بعض الفلاسفة — الماء والهواء أو عناصر من هذا القبيل، فيلزم أن
تكون واحدًا أو اثنين أو عدة من هذه العناصر. وفي الحق لا يمكن ألا تكون جميع الأشياء
إلا عنصرًا واحدًا أحدًا. مثلًا أن الكل لا يكون إلا هواءً أو ماءً أو نارًا أو أرضًا
ما دام التغير يحصل في الأضداد. وفي الواقع لنفرض أن الكل هو من الهواء، وأن الهواء
يبقى في جميع التغيرات، فسيحصل من ثم مجرد استحالة ولن يحصل بعد كون.١
ولكن في هذا الافتراض عينه ليس ممكنًا — فيما يظهر — أن يكون الماء في آن واحد هواءً
أو أي عنصر آخر مشابه، فسيوجد دائمًا بين الكيفيات تقابل وخلاف حيث لا يكون للنار إلا
واحدًا من الطرفين الحرارة مثلًا. ولكن النار لن يمكنها ألبتة أن تكون بالبساطة هواءً
حارًّا؛ لأن هذا إنما هو استحالة، ولا يظهر أن الأمور تقع على هذا النحو. ومن جهة أخرى
إذا فرض على العكس أن الهواء يأتي من النار فهذا التغير لا يمكن حصوله إلا بالتغير من
الحرارة إلى ضدها؛ فهذه الكيفية المضادة ستكون إذن في الهواء، وحينئذ سيكون الهواء
شيئًا باردًا، وبالنتيجة من المحال أن تكون النار هواءً حارًّا؛ لأنه قد ينتج منه أن
العنصر الواحد قد يكون حارًّا وباردًا في آن واحد. وسيوجد حينئذ خلاف هذين العنصرين شيء
ما آخر سيبقى مماثلًا، وهو أية مادة أخرى عامة للاثنين.٢
قد يكون التدليل عينه منطبقًا في حق كل عنصر آخر غير الهواء، ولا يمكن أن يوجد منها
واحد قد يكون المنبع الوحيد الذي منه تكون قد خرجت الأخرى كلها. وليس يوجد خلاف هذه
العناصر عنصر آخر وسيط، كأن يكون مثلًا عنصرًا وسطًا بين الهواء والماء أو بين الهواء
والنار، أثقل من الهواء والنار وأخف من كل الآخر؛ لأن هذا الوسيط حينئذ يكون بمقابلة
الأضداد هواءً ونارًا معًا. ولكن ثاني الضدين هو العدم، وبالتبع لا يمكن أن يثبت هذا
العنصر الوسيط وحده، كما يقوله بعض الفلاسفة، عن اللامتناهي وعن الحاوي، فيلزم إذن إما
أن كل واحد من العناصر المعروفة يمكن أن يكون على السواء هو ذلك الوسيط وإما ألا يمكن
أيَّ واحد منها أن يكونه.٣
ولكنه إذا لم يكن أجسام محسوسة سابقة على تلك، فالعناصر التي نعرفها هي كل هذه
الموجودة، فيلزم حينئذ إما أن تثبت العناصر إلى الأبد كما هي دون أن يتغير بعضها إلى
بعض، وإما أن تتغير على الدوام. يمكن أن يسلم أيضًا إمكان تغيرها جميعًا أو أن بعضها
يمكن أن يتغير وأن الأخرى لا يمكنها ذلك كما قال أفلاطون في طيماوس. ولقد وضح فيما سبق
أن العناصر تتغير بالضرورة بعضها إلى بعض، ولكنه قد بيَّن أنها لا تتغير بسرعة على
السواء تحت هذا التأثير المتبادل، وأن التغير يحصل أسرع بالنسبة للتي بينها نقطة صلة؛
أعني كيفًا مشتركًا وأبطأ بالنسبة لتلك التي ليس لها من ذلك. فإذا لم يكن إذن إلا
مقابلة واحدة بالأضداد على حسبها تتغير الأجسام، فيلزم بالضرورة حينئذ أن يوجد جسمان؛
لأن الهيولي إنما هي التي تصلح وسطًا للضدين غير مدرك وغير منفصل، ولكن لما أنه يوجد
بالمعاينة عناصر أكثر فإن أقل ما يمكن أن يوجد من المقابلات إنما هو اثنان، ومتى وجد
اثنان فلا يمكن أن يوجد ثلاثة حدود فقط، بل يلزم مطلقًا أربعة كما قد تدل عليه
المشاهدة. وهذا إنما هو عدد التراكيب اثنين اثنين؛ لأنه ولو أنها ستة في المجموع إلا
أن
منها اثنين لا يمكن ألبتة أن يكونا؛ لأنهما ضدان أحدهما للآخر. ومع ذلك فقد عولجت هذه
المسائل فيما سبق.٤
مع أن العناصر تتغير بعضها إلى بعض، فإن من المحال أن يوجد مبدأ التحول لا في أحد
الطرفين ولا في الوسط. وإليك ما يثبته، فأما الطرفان فإنه ليس ممكنًا أن تكون كل
الأشياء من النار كما أنها لا تكون كلها من الأرض؛ لأن هذا يرجع إلى القول بأن الكل
يتولَّد من النار أو أن الكل يتولد من الأرض. ولكن لا يمكن أن يقال أيضًا — كما يريد
بعض الفلاسفة — أن الوسط هو المبدأ، وأن الهواء ينقلب إلى نار وإلى ماء، ولا أن الماء
ينقلب إلى هواء وإلى أرض؛ لأني أكرر أن الأطراف لا يمكن ألبتة أن يتغير بعضها إلى
بعض.٥
على ذلك يلزم إيجاد نقطة وقوف، ولا يمكن من جهة ولا من أخرى السير إلى اللانهاية
على
خط مستقيم؛ لأنه يترتب عليه وجود مقابلات وأضداد غير متناهية العدد لعنصر واحد أحد.
فلنرمز للأرض بحرف أ، وللماء بحرف م، وللهواء بحرف ﻫ، وللنار بحرف ن؛ فإذا تغير ﻫ إلى
ن
وإلى م فالتقابل يكون بين ﻫ، ن. ولنفرض أن هذين الضدين هما البياض والسواد، ومن جهة
أخرى إذا تغير ﻫ إلى م فسيكون تقابل آخر؛ لأن م، ن ليسا متماثلين. ولتكن مقابلة السيولة
واليبوسة مرموزًا لليبوسة بحرف ي وللسيولة بحرف س؛ فإذا كان حينئذ الأبيض هو الذي يمكث
ويبقى، فيكون الماء سائلًا وأبيض، فإذا لم يكن أبيض فيكون أسود ما دام أن التغير لا
يحصل إلا إلى الأضداد، فيلزم حينئذ بالضرورة أن يكون الماء إما أبيض وإما أسود، ويمكن
افتراض أنه في الحالة الأولى، وبالطريقة عينها أيضًا ي اليبوسة يكون لحرف ن، وحينئذ ن
أعني النار تتغير كذلك إلى ماء؛ لأنهما الضدان، والنار كانت سوداء أولًا ثم يابسة بعد
ذلك كما كان الماء سائلًا أولًا ثم أبيض.٦
فبيَّن إذن أن كل العناصر يمكن أن يتغير بعضها إلى بعض، والكيوف الباقية ستوجد في
(أ). الأرض كما يوجد فيها نقطتا الاجتماع والارتباط الأسود والسائل ما دام أن هذين
الكيفين لم يتركبا معًا بعد بأية طريقة كانت.٧
وهاك البرهان على أنه لا يمكن ها هنا أن يتمشَّى إلى اللانهاية مبدأ اعتمدنا عليه من قبل أن نقرر الإيضاح الذي سبق، وذلك هو أنه إذا فرض أن النار المرموز لها بحرف ن تتغير إلى عنصر آخر ولا ترجع إلى الوراء، وأنها مثلًا تتغير إلى ر؛ فمن ثم يكون بين النار وبين مقابلة بالأضداد مختلفة عن المقابلات المذكورة آنفًا ما دام أن ر لا يمكن أن تكون مماثلة لأي واحد من العناصر المرموز لها بالحروف أ، م، ﻫ، ن.
ولنفرض أن الكيف ك هو كيف ن، وأن الكيف ي هو كيف ر؛ فتكون ك حينئذ لكل العناصر أ،
م،
ﻫ، ن؛ لأن كل هذه العناصر يتغير بعضها إلى بعض، ولكن مع التسليم بأن هذا لم يوضح بعد
فإن من البين على الأقل أنه إذا تغير ر من جديد إلى عنصر آخر؛ فمن ثم يكون تقابل آخر
بالأضداد، ويكون بين ر وبين النار ن. وتكون الحال كذلك دائمًا بالنسبة للحد المزيد،
وإنه يوقع دائمًا مقابلة مع الحدود السابقة بحيث إنه إذا كانت هذه الحدود غير متناهية
بالعدد لعنصر واحد أحد، وإذا كان هذا ممكنًا فمن ثم يكون من المحال أن يعطي أي قول
شارح، وأن يوضح كون أي عنصر ما، ما دام أنه يلزم — إذا كان واحد يأتي من الآخر — أن
يجتاز من المقابلات عددَ ما ذكرنا بل وأزيد منه، وينتج من ذلك أنه بالنسبة لبعض العناصر
لا يكون تغير ممكن ألبتة، مثال ذلك إذا كانت الأوساط غير متناهية بالعدد، وهذا لازم إذا
كانت العناصر غير متناهية بالعدد هي أنفسها، وعلى ذلك مثلًا لا يكون تغير من هواء إلى
نار إذا كانت المقابلات التي تجتاز هي غير متناهية بالعدد.٨
وأخيرًا كل العناصر أيضًا تنتهي إلى عنصر واحد؛ لأنه يلزم أن تكون كل هذه المقابلات
متعلقة إما بالمقابلات من أعلى بالعناصر التي هي أسفل من ن، وإما بالمقابلات من أسفل
بهذه العناصر نفسها بحيث إن الكل ينتهي إلى واحد.٩
هوامش
(١) التفاصيل السابقة: ليس النص على هذه الصراحة. على ضوء آخر: عبارة النص بالضبط
هي: «هكذا»؛ يعني «بالطريقة الآتية». فإذا كانت مادة الأجسام الطبيعية: يجب أن
يعنى ها هنا بالأجسام الطبيعية؛ أولًا بعض العناصر، ثم بعد ذلك جميع الأجسام
التي تؤلفها العناصر الأولية بتراكيبها. كما يرى بعض الفلاسفة، وعلى الأخص
فلاسفة مدرسة يونيا. عنصرًا واحدًا أحدًا: ليس في النص إلا كلمة واحدة. ما دام
التغير يحصل في الأضداد، وأن تقبل واقعية التغير المدرك بحواسنا: في جميع
التغيرات أضفت هذه الكلمات لبيان الفكرة.
(٢) أن يكون الماء: بعض الناشرين يثبت النار بدل الماء، وأظن أن هذه هي الرواية
الحقة؛ لأنها هي وحدها التي تتفق مع كل ما يلي. ويظهر أن فيلوبون أيضًا على
ذلك. ولكني لم أجسر على تغيير النص؛ لأن هذا التغيير لا يستند إلى أية نسخة
مخطوطة. بين الكيفيات: أضفت هاتين الكلمتين لتمام المعنى. واحد من الطرفين: هذه
هي كلمة النص بعينها أثبتها وربما قد لا تكون الكلمة المختارة. الحرارة:
بافتراض أن الهواء حار وسائل كما سبق في ف٢ و٣. الأمور تقع على هذا النحو: ليست
عبارة النص على هذه الصراحة. أن الهواء يأتي من النار: كما افترض آنفًا من أن
النار هي التي كانت تأتي من الهواء، فيلزم أن الهواء يمكن أن يأتي من النار
أيضًا ما دام أنه لم يفترض إلا عنصر واحد أحد. من الحرارة: التي هي في النار
بالبداهة. إلى ضدها: الذي هو البرودة. هذه الكيفية المضادة: ليس في النص إلا
اسم إشارة غير محدد، وسيوجد حينئذ: هذه هي النظرية التي سيقف عندها أرسطو فيما
يلي. أية مادة أخرى عامة للاثنين: هي المادة بالقوة المحضة لا بالفعل، والتي
يمكنها أن تقبل على التناوب صورة كل واحد من الأضداد ونوعه، ر. طيماوس أفلاطون،
ترجمة كوزان ص١٢٢.
(٣) في حق كل عنصر آخر غير الهواء: النص مبهم جدًّا. قد يكون المنبع الوحيد: النص
مبهم جدًّا أيضًا. عنصر آخر وسيط: كما كان يرى أنكسيمندروس على رواية فيلوبون.
هو العدم: ر. الطبيعة ك١ ب٨ ف١٠ ص٤٨٠ من ترجمتنا؛ فإن العدم هو ثاني الضدين،
بمعنى أن هذا الضد الثاني لا يوجد إلا متى انقطع وجود الآخر. وعن الحاوي: حفظت
لفظ النص على إبهامه، ر. على اللامتناهي الطبيعة ك٣ ب٦ ف٤ ص٩٧ من ترجمتنا.
الفلاسفة الذين يشير إليهم هنا أرسطو بلا شك هم أتباع فيثاغورث، ر. كذلك أيضًا
الطبيعة ف١٢ ص١٠٠. يمكن أن يكون على السواء هو ذلك الوسيط: ليس النص على هذا
القدر من البيان. ولكن المعنى الذي وفيناه ظاهر من شرح فيلوبون.
(٤) أجسام محسوسة: عبارة النص غير محددة. فالعناصر التي نعرفها: زدت «التي
نعرفها». كما هي: زدتها أيضًا، كما قال أفلاطون في طيماوس: ر. طيماوس ترجمة
كوزان ص١٦٦ وما بعدها. فيما سبق: ر. ما سبق ب٣ و٤. أعني كيفًا مشتركًا: زدت هذه
العبارة على جملة التذييل، مقابلة واحدة بالأضداد ليس في النص إلا كلمة واحدة.
للضدين: أضفت هذا الجار والمجرور لإتمام الفكرة، ر. الطبيعة ك١ ب٨ من ترجمتنا.
عناصر أكثر: ليس النص على هذه الصراحة. فيما سبق: ر. ما سبق ب٣ ف١.
(٥) مبدأ التحول: عبارة النص هي بالبساطة «مبدأ». من النار … من الأرض: بأن النار
والأرض هما هما العنصران الطرفان. الهواء ينقلب إلى نار: بما أن الهواء عنصر
وسيط، الماء ينقلب إلى هواء: الملاحظة عينها. أكرر: أضفت هذه الكلمة. أن يتغير
بعضها إلى بعض: لأن الأطراف هي أضداد تتفاسد ولكنها لا تتبدل على طريق
التكافؤ.
(٦) يلزم إيجاد نقطة وقوف: التي هي أحد الطرفين. إلى اللانهاية على خط مستقيم:
يعني من غير أن يرتد على عقبيه ليذهب من جديد من الطرف الثاني إلى الطرف الأول،
كما ذهب أولًا من الطرف الأول إلى الطرف الثاني، ومع ذلك فإن هذه الفكرة ليست
بينةً بيانًا كافيًّا. مقابلات وأضداد: ليس في النص إلا كلمة واحدة، فلنرمز
للأرض بحرف T (بالفرنساوية وقد وضع بدلها في
النص العربي حرف أ). في النص أخذت حروف الرمز من أوائل أسماء العناصر كما نبَّه
إليه فيلوبون كما فعلت في الترجمة. ومع ذلك فإن هذا المثل الحرفي لم يأتِ
بإيضاح كبير. البياض والسواد: نبَّه سان توماس بحق إلى أن هذه الأمثلة ليست
مختارة، وأن هذه ليست هي الكيفيات العادية للعناصر. م، ن ليسا متماثلين: بل هما
ضدان بالعرف العام ما دام أنهما الماء والنار. السيولة: يمكن أن تترجم أيضًا
«الرطوبة». أعني النار تتغير كذلك إلى ماء: كل هذه التغايير هي نظرية محضة ولا
تطابق حقيقة الواقع في شيء. والمؤلف ها هنا ليس متمسكًا بنهج المشاهدة الذي
طالما أوصى به.
(٧) أن كل العناصر: قد يكون من الممكن تخصيص هذه القضية التي هي أعم مما ينبغي
بعض الشيء وقصرها على عنصري الأرض والنار. الكيوف الباقية: يعني التي لم يتألف
أحدها مع الآخر بعد. نقطتا الاجتماع والارتباط: يعني الكيفيات المشتركة
للعنصرين، والتي بها يمكن أن يجتمعا ويتركبا بحيث إن أحدهما يتغير إلى
الآخر.
(٨) مبدأ اعتمدنا عليه: ر. ما سبق ف٦. الإيضاح الذي سبق: ليس النص على هذا القدر
من الصراحة. ولا ترجع إلى الوراء: يعني إذا توالى التغير على خط مستقيم، وإذا
لم تتغير النار على التعاقب إلى هواء وماء وأرض لتتغير الأرض بعد ذلك إلى ماء
وهواء ونار. المذكورة آنفًا: ر. ب٥ و٦. لا يمكن أن تكون مماثلة: يعني أن «ر»
تكون مفروضة عنصرًا خامسًا خارجًا عن النار والهواء والماء والأرض. الكيف «ك»:
عبارة النص هي فقط «ك». فتكون «ك» حينئذ لكل العناصر: ما دام أنه للعنصر «ن»
بواسطة «ر» ولسائر الأخرى بواسطة «ن». للحد المزيد: كما زيدت «ر» على أربعة
العناصر الأخرى. إذا كانت هذه الحدود غير متناهية بالعدد: يجب أن يعنى بالحدود
العناصر الجديدة التي قد تفترض تلو العنصر الخامس كما افترض الخامس تلوًا
للأربعة الأول. لعنصر واحد أحد: ما دام أن جميع العناصر يمكن أن يتغيَّر بعضها
إلى بعض على التعاقب. أي عنصر ما: عبارة النص غير محددة. ما ذكرنا: ليس النص
على هذا القدر من الصراحة. بل وأزيد منه: هذا غير مفهوم تمامًا ما دام قد افترض
أن عدد الأوساط غير متناهٍ. لبعض العناصر: عبارة النص غير محددة، ويظهر لي أن
هذا يرجع بالضرورة إلى العناصر. إذا كانت الأوساط غير متناهية بالعدد — كما
افترض سابقًا — فإن الهواء والنار هما مع ذلك عنصران متجاوران كلاهما، فإذا لم
يكن تغير أحدهما إلى الآخر على طريق التكافؤ فمن باب أولى العناصر المتباعدة
كالنار والأرض.
(٩) وأخيرًا: أضفت هذه الكلمة لبيان أن هذا هو تمام كل ما سبق، ومع ذلك فلا يرى
قوة هذا البرهان المبني على فرض عنصر خامس وسلسلة متناهية من العناصر حتى لو
فرض أنه لا يوجد إلا أربعة عناصر، فما دام أنها يمكن أن يتغير بعضها إلى بعض
كما يقرره أرسطو؛ فإنه يظهر أيضًا أنه يمكن أيضًا أن تنتهي إلى واحد. ومع ذلك
فإني لست واثقًا بأن يكون المراد هنا هو العناصر ما دام أن عبارة النص غير
معينة كما في بعض الفقرات الأخرى. ومن الممكن أن تكون جميع الأوساط هي التي
تنتهي إلى واحد. كل العناصر أيضًا تنتهي إلى عنصر واحد: حفظت عدم التعيين
الموجود في النص. وما زالت هذه الفقرة مغلقة على الرغم من توضيحات فيلوبون الذي
يستند مع ذلك إلى الإسكندر الأفروديزي. والظاهر أن هذا الأخير كان لديه نص
أرسطو كما وصل إلينا، ومن المحتمل أنه لا محل لافتراض أي تحريف ها هنا. وإن
الفكرة العامة لهذا التدليل هي مع ذلك جلية، وإن كانت التفاصيل ليست دائمًا
كذلك. فعلى رأي أرسطو إن أربعة العناصر يمكن أن يتغير بعضها إلى بعض، ولكن هذا
التغير لا يصح أن يكون غير متناهٍ، ويلزم الاستمساك بالأربعة العناصر التي
تدركها حواسنا، وبالأربع الكيفيات التي تشخصها وتميزها. وقد فسَّر سان توماس
هذه الفقرة بالاختصار الذي ليس من عادته. ولم يكن هذا الإيجاز ليساعد على جلاء
المعنى.