الباب الخامس
علينا أيضًا أن نتكلَّم على النمو، وأن نقول فيماذا يختلف النمو عن الكون وعن
الاستحالة، وكيف يمكن الأشياء التي تنمو أن تنمو والتي تنقص أن تنقص.
١
يلزم إذن أولًا أن نفحص ما إذا كان الفرق بين هذه الظواهر بعضها والبعض الآخر ينحصر
فقط في الموضوع الذي تتعلق به. إن تغيرًا يقع من موجود إلى موجود آخر، مثلًا من الجوهر
بمجرد القوة إلى الجوهر بالفعل وبالكمال هل هو كون وتولد؟ والتغير الذي يقع في العظم
هل
هو نمو ونقص؟ أو ذلك الذي يحصل في الكيف هل هو استحالة؟ ولكن الظاهرتين الأخيرتين
اللتين ذكرناهما أليستا دائمًا تغايير أشياء تمر من القوة إلى الفعل والكمال؟ أو أيضًا
أليست طريقة التغير هي التي تختلف؟ وحينئذ الشيء الذي يستحيل بمنزلة الشيء الذي يتولد
ويصير، لا يظهر أنه يجب لهما التغير بالمكان لزومًا. ولكن الذي ينمو والذي يذبل يجب أن
يتغير بالحيز تغيرًا مخالفًا لتغير الشيء الذي يتحرك في الأين.
٢
لأن الشيء المتحرك في الأين يغير مكانه بكليته في حين أن الذي ينمو لا يتغير إلا
كشيء
ينزلق ويمتد. والموضوع وهو باقٍ في مكانه أجزاؤه وحدها تغير مكانها، ولكن هذا ليس كحال
أجزاء الكرة الدائرة على نفسها؛ لأن هذه الأجزاء تغيِّر محل جسم الكرة كله مع بقائه في
الحيز بعينه. وعلى الضد من ذلك أجزاء الجسم النامي تشغل حيزًا أكثر فأكثر كما أن أجزاء
الجسم الذابل تشغل حيزًا أقل فأقل.
٣
يرى حينئذ أن التغير في شيء يتولد وفي الذي يستحيل وفي الذي ينمو هو يختلف لا بالشيء
الذي يقبل التغير فحسب، بل أيضًا بالطريقة التي يحصل بها التغير. ولكن أما من حيث الشيء
ذاته الذي يلحقه تغير النمو وتغير الذبول: من جهة أن النمو والذبول يظهر أنهما لا
ينطبقان إلا على عظم، كيف ينبغي إدراك أنه ينمو؟ هل يجب أن يفهم أنه يتكون في هذه
الحالة جسم وعظم فعلي مما ليس هو جسمًا ولا عظمًا إلا بمجرد القوة، والذي هو بالفعل
وبالكمال ليس له جسم ولا عظم حقيقي؟ غير أن هذا الإيضاح نفسه يمكن أن يُحْمَل على معنى
مزدوج، ويمكن أيضًا أن يتساءل على أي الوجهين يجب أن يحصل النمو، هل هو يأتي من المادة
التي تكون منعزلة ومنفصلة في ذاتها؟ أم هل يأتي من المادة التي تكون في جسم آخر؟ ولكن
هذين الوجهين لفهم النمو أليسا هما مستحيلين على السواء؟ فإنه إذا كانت في الواقع مادة
النمو منعزلة، فإما ألا تشغل أي جزء في الأين، وإما أن تكون كنقطة أو ألا تكون إلا من
الخلو، وتكون جسمًا لا تدركه حواسنا؛ ففي أحد هذين الفرضين لا يمكن أن تكون موجودة، وفي
الثاني يجب أن توجد ضرورة في أين؛ لأن ما ياتي منها يجب أن يكون في أين ما بحيث إن هذا
الجسم يكون فيه أيضًا إما بنفسه أو بالواسطة.
٤
ولكن إذا فرض أن المادة هي في جسم، وأنها انفصلت عنه بحيث إنها لا تؤلف ألبتة جزءًا
من هذا الجسم لا بذاتها ولا بالعرض فينتج من هذا الفرض طائفة من المستحيلات البينة.
وتوضيحه: مثلًا إذا تكون هواء آتٍ من الماء، فذلك ليس لأن الماء يتغير، بل لأن مادة
الهواء تكون محوية في الماء الذي يكونه كما لو كانت في آنية ما لأنه لا شيء يمنع من أن
تكون المواد غير متناهية في العدد بحيث يمكنها أيضًا أن تكون بالفعل وبالحقيقة يلزم أن
يضاف زيادة على هذا أنه ليس كذلك أن الهواء يظهر أنه يأتي من الماء كما لو أنه كان يخرج
من جسم يبقى دائمًا على ما كان عليه.
٥
يحسن حينئذ افتراض أن المادة هي غير قابلة للانفصال في جميع الأجسام، وهي واحدة
ومتماثلة عدديًّا، ولو أنها ليست واحدة ولا متماثلة في نظر العقل.
وبالأسباب عينها لا ينبغي افتراض أن مادة الجسم ليست إلا نقطًا أو خطوطًا؛ لأن المادة
هي بالضبط ما تكون النقط والخطوط نهايات لها، فهي لا يمكنها أبدًا أن تقوم بدون خاصية
ما ولا بدون صورة، وعلى ذلك حينئذ فإن شيئًا يأتي دائمًا من شيء آخر مطلقًا كما سبق
بيانه في غير هذا الموضع. وهو يأتي من شيء موجود بالفعل وبالكمال، إما من جنسه أو من
صورته، مثال ذلك النار هي تكون بالنار والرجل هو يكون بالرجل أعني بحقيقة، بكمال؛ لأن
الصلب لا يمكن أن يأتي من مجرد كيف الصلب، والمادة هي المادة لجوهر جسماني؛ أعني مادة
جسم خاص معين ما دام الجسم لا يمكن أبدًا أن يكون شيئًا مشتركًا. وهي هي ذاتها، سواء
في
العظم أو في كيف العظم قابلة للانفصال في نظر العقل، ولكن غير قابلة للانفصال في الأين
إلا أن يفترض أن الخواص يمكنها أن تنفصل عن الأجسام الحائزة لها.
٦
بين حينئذ على حسب هذه المناقشة أن النمو في الأشياء ليس تغيرًا يأتي من عظم بالقوة
المحضة دون أن يكون له امتداد ما بالفعل وبالكمال؛ لأن الكيف المشترك حينئذ يكون قابلًا
للانفصال، وقد سبق فيما تقدم في غير هذا الموضع أن هذا كان شيئًا محالًا، وفوق ذلك فإن
تغيرًا من هذا القبيل ينطبق على الخصوص لا على النمو بل على الكون؛ لأن النمو ليس إلا
ازديادًا في عظم موجود من قبل كما أن الذبول ليس إلا انتقاصًا له، فانظر لماذا يلزم أن
يكون أولًا للجسم الذي ينمو عظم ما. وبالنتيجة لا يمكن أن النمو الذي يمرُّ إلى واقعية
العظم يأتي من مادة مجردة من كل عظم؛ لأن هذا أولى به أن يكون كونًا لا أن يكون نموًّا
حقًّا.
٧
فالأفضل حينئذ أن نأخذ بهذا البحث من جديد كما لو كنا في البداية تمامًا، وأن نبحث
ثانيًّا عما يمكن أن تكون هي أسباب نمو الأشياء ونقصها بعد أن أثبتنا ماذا يعني بنما
أو
نقص. في شيء ينمو يظهر إذن أن جميع الأجزاء بلا استثناء تنمو، كما أنه في النقص جميع
أجزاء الشيء يظهر أنها تصير أكثر فأكثر صغيرة. وفوق ذلك فإن النمو يظهر أنه يحصل بأن
شيئًا ينضمُّ إلى الجسم والاضمحلال بأن شيئًا يخرج منه. ولكن النمو لا يمكن أن يحصل
بالضرورة إلا بشيء ما لا جسماني أو جسماني؛ فإذا كان باللاجسماني فالجزء المشترك يكون
قابلًا للانفصال، ومن المحال أن توجد مادة منفصلة عن كل عظم كما قيل آنفًا. وإذا كان
بشيء ما جسماني حصل النمو فينتج عنه أن هناك جسمين في حيز واحد بعينه؛ أي حيز الذي ينمو
وحيز الذي يفعل النمو، وهو أيضًا محال.
٨
بل لا يمكن أن يقال إن نمو الأشياء ونقصها يمكن حصولها بالطريقة عينها التي بها يأتي
الهواء من الماء مثلًا ما دامت حينئذ كتلة الهواء قد صارت أعضم مقدارًا. إذن ليس في هذا
مجرد نماء للماء، بل هذا هو كون لجسم جديد فيه تغير الجسم الأول، وهذا هو فساد لضده.
وليس ذلك نموًّا لا لأحدهما ولا للآخر، ولكن إما أن ليس هذا نموًّا لشيء وإما أنه نمو
لهذا الذي هو مشترك بين الشيئين الذي كان والذي فسد على السواء، وهذا الجزء المشترك هو
جسم أيضًا، فلا الماء ولا الهواء نما وفقط أحدهما باد وانعدم في حين أن الآخر كان،
ويلزم أن يكون هناك جسم ما دام أنه وجد نمو.
٩
ولكن هناك أيضًا محال جديد؛ لأنه يلزم عقلًا حفظ الشروط الضرورية التي بدونها لا
يمكن
إدراك الجسم الذي ينمو أو الذي ينقص، وهي ثلاثة؛ أحدها هو أن كل جزء ما يصير أكبر في
عظم ينمو، مثلًا إذا كان من اللحم فإن جزءًا ما من اللحم ينمو، والشرط الثاني هو أن
النمو يحصل بانضمام ما إلى الجسم، وثالثًا وأخيرًا يلزم أن الشيء ينمو وأن يبقى معًا،
وفي الواقع حينما شيء يكون أو يَبِيد مطلقًا فهو لا يبقى ألبتة، ولكن حين يعاني استحالة
أو نموًّا أو نقصًا فإن هذا الشيء مع أنه ينمو أو يستحيل يمكث ويبقى هو بعينه، فها هنا
إنما هو كيف الشيء وحده هو الذي لا يبقى بعد هو هو. وهناك إنما هو العظم نفسه الذي لا
يبقى هو بعينه، وحينئذ إذا كان النمو هو بحقٍّ ما قد زعم فإن الشيء النامي يمكن إذن أن
ينمو بدون أن شيئًا يأتي وينضم إليه، وبدون أن هذا الشيء يبقى، كما أنه قد يمكن أن يفنى
بدون أن شيئًا يخرج منه وبدون أن الشيء النامي يبقى، ولكن يلزم مطلقًا حفظ هذه الشروط
ما دام أنه افتراض أن النمو هو في الواقع كما قد ذكر.
١٠
وقد يمكن أيضًا أن يسأل ما هو بالضبط هذا الذي ينمو؟ هل هو الجسم الذي إليه يأتي
وينضم شيء؟ مثلًا متى فعل سبب بعينه نمو الفخذ في جسم إنسان فهل الفخذ نفسه هو الذي
يصير أسمن؟ ولماذا هذا الذي يسمن الفخذ أعني الغذاء لا ينمو هو أيضًا؟ وفي الواقع لماذا
أن الاثنين لا ينموان معًا؟ لأن هذا الذي ينمو وهذا الذي يُنْمِي يكونان أعظم كما هي
الحال عند مزج الماء والنبيذ؛ فإن كمية كليهما تصير أعظم على السواء. أليس يمكن أن يقال
إن هذا يرجع إلى أن الجوهر في حالة يمكث ويبقى في حين أنه في الحالة الأخرى الجوهر. وهو
ها هنا، جوهر الغذاء يبيد؟ وها هنا أيضًا إنما العنصر الغالب هو الذي يعطي اسمه للمزيج
كما هي الحال حين يقال عن المزيج إنه من النبيذ؛ لأن المزيج كله يفعل فعل النبيذ لا فعل
الماء.
١١
والأمر كذلك أيضًا بالنسبة للاستحالة؛ فإذا — مثلًا — بقي اللحم ومكث دائمًا ما هو،
وإذا طرأ على اللحم كَيفٌ أَصْليٌّ لم يكن من قبل، فاللحم حينئذ بالبساطة قد استحال،
ولكن أحيانًا هذا الذي يحيل الشيء إما أنه لا يعاني شيئًا هو نفسه في جوهره الخاص الذي
لم يستحل، وإما أحيانًا أنه يستحيل هو أيضًا، ولكن هذا الذي يحيل شأنه كشأن مبدأ الحركة
هو في الشيء النامي وفي الشيء المستحيل؛ لأنه فيهما يوجد المبدأ المحرك. وقد يمكن أيضًا
أن هذا الذي يدخل في الجسم يصير فيه أعظم كالجسم الذي يقبله ويستفيد منه سواءً بسواء،
مثلًا إذا كان العنصر الذي يدخل يصير فيه هواءً، ولكنه وهو يعاني هذا التغيير يفسد،
والمبدأ المحرك لا يكون فيه بعد.
١٢
بعد أن بلغنا الكفاية من بسط هذه الصعوبات يلزم محاولة استكشاف حل هذه النظرية مع
التسليم بالشروط الآتية دائمًا:
أن النمو ليس ممكنًا إلا بأن يمكث الجسم النامي ويبقى، وأنه لا شيء يمكنه أن ينمو
بدون أن شيئًا ينضم إليه، ولا أن ينقص بدون أن شيئًا يخرج منه، وأنه فوق ذلك كل نقطة
محسوسة حيثما اتفق من الجسم النامي أو الناقص تصير أكبر أو أصغر. وأن الجسم ليس خلوًا،
وأن جسمين لا يمكن ألبتة أن يشغلا حيزًا واحدًا بعينه، وأخيرًا أن الجسم الذي يحصل فيه
النمو لا يمكنه أن ينمو باللاجسماني.
١٣
وسنصل إلى الحل المطلوب بقبولنا بادئ بدء أن الأجسام ذوات الأجزاء غير المتشابهة يمكن
أن تنمو لأنه إنما هي الأجسام ذوات الأجزاء المتشابهة هي التي تنمو؛ لأن الأولى ليست
إلا مركبة من الثانية، ويلزم بعد هذا التنبيه إلى أنه متى ذكر اللحم والعظم وأي جزء آخر
مشابه لهما من الأجسام؛ فذلك يمكن أن يؤخذ بمعنى مزدوج كما هي الحال بالنسبة لجميع
الأشياء الأخرى التي لها نوعها ولها صورتها في المادة؛ لأن المادة والصورة هما مسميان
على السواء لحمًا وعظمًا.
فالقول بأن كل جزء كيفما اتفق من جسم ينمو وبأن عنصرًا جديدًا يأتي وينضم إليه فذلك
بيان ممكن باعتبار الصورة ولكنه ليس كذلك باعتبار المادة، ويجب أن يرى أن الحال ها هنا
كالحال حينما يقاس الماء بمقياس يبقى هو بعينه؛ فإن الماء الذي يجيء بعد هو آخر ودائمًا
آخر، كذلك بهذه المثابة تنمو مادة اللحم، ولا يوجد ضم إلى كل جزء كيفما اتفق، ولكن
الجزء الفلاني يسيل والجزء الفلاني ينضم، فليس يوجد ضم ولا يحصل الضم إلا إلى كل جزء
كيفما اتفق من الشكل ومن النوع.
١٤
ولكن بالنسبة للأجسام المركبة من أجزاء غير متشابهة مثلًا بالنسبة لليد فمن الأشد
وضوحًا أن كلها ينمو بحالة متناسبة؛ لأنه في هذه الحالة ما دامت مادة النوع مختلفة فهى
أسهل تميزًا عما يكون بالنسبة للحم وبالنسبة للأجسام ذوات الأجزاء المتشابهة. من أجل
ذلك حتى على ميت يظهر أنه لا يزال يعرف اللحم والعظم بأكثر سهولة من أن يميز فيه اليد
والذراع، وحينئذ فمن وجه يمكن أن يقال إن كل جزء كيفما اتفق من اللحم ينمو ومن وجه آخر
لا يمكن أن يقال إن كل جزء ينمو. فبحسب الصورة قد انضم شيء ما لكل جزء كيفما اتفق، ولكن
لا بحسب المادة، ومع ذلك فإن الكل صار أعظم؛ لأن شيئًا جاء وانضم إليه، وهذا الشيء يسمى
الغذاء، ويسمى أيضًا الضد. ولكن هذا الشيء لا يزيد على أن يتغير في النوع بعينه كمثل
ما
يأتي الرطب ينضم إلى اليابس، وبانضمامه إليه يتغير بأن يصير هو نفسه يابسًا. وفي الواقع
يمكن معًا أن الشبيه ينمو بالشبيه وبجهة أخرى أن يكون ذلك باللاشبيه.
١٥
وقد يمكن أيضًا أن يتساءل عما هو بالضبط ذلك الشيء الذي يحدث النمو. واضح أن هذا
العنصر الجديد يجب أن يكون الجسم بالقوة، مثلًا إذا كان اللحم هو الذي ينمي يجب أن يكون
لحمًا بالقوة مع أنه بالفعل وبالكمال شيء آخر، وهذا الشيء الآخر وجب أن يفسد ليصير
لحمًا. على ذلك حينئذ ليس هو في ذاته ما يصير إليه؛ لأنه إذن يحصل كون لا مجرد نمو،
ولكن الشيء الذي ينمو هو بالضبط في ذلك الشيء، فماذا لقي الجسم بهذا العنصر الجديد حتى
إنه نما هكذا؟ أَعَانَى اختلاطًا كما يصب الماء في النبيذ بحيث إن المزيج كله يمكن أن
يبقى نبيذًا؟ أم كما أن النار تحرق متى تلامس شيئًا قابلًا للاحتراق، كذلك الأمر في
الجسم الذي ينمو والذي هو لحم بالفعل وبالكمال، الجوهر الباطن الذي له قوة الإنماء هل
يفعل لحمًا حقيقيًّا بالفعل وبالكمال من اللحم بالقوة الذي اقترب منه؟ يلزم إذن أن يكون
هذا العنصر الجديد مع الآخر ومقترنًا به في الوجود؛ لأنه لو كان منعزلًا لحصل كون
حقيقي. وعلى هذا النحو يمكن إيجاد نار من النار الموجودة من قبل بإلقاء الخشب فوقها،
وهذا بهذه الطريقة ليس إلا نموًّا في حين أنه متى كان الخشب نفسه يحترق فها هنا كون
حقيقي.
١٦
لكن الكم مأخوذًا على معناه الكلي لا يكون ها هنا إلا كما قد يمكن أن يكون الحيوان
الذي لا هو إنسان ولا أي حيوان خاص. وبالفعل الحال ها هنا بالنسبة إلى الكم كالحال
هنالك بالنسبة إلى الكلي؛ فحينئذ اللحم والعظم أو اليد أو الأعصاب والأجزاء المتشابهة
من هذه الأعضاء تنمو؛ لأن كمية ما من مادة تأتي فتنضم إليها بلا شك، ولكن بدون أن تكون
هذه المادة كمية مقدرة من لحم، فمن جهة أن العنصر الجديد هو الواحد والآخر بالقوة،
ومثلا كمية معينة من لحم بهذا المعنى، فهذا العنصر على هذا الوجه ينمي الجسم لأنه يلزم
أن يصير من اللحم، ومن اللحم بكمية معينة. ولكن فقط من جهة أن العنصر المضاف هو من
اللحم أنه يمكنه تغذية الجسم. وبذلك كان الغذاء والنمو يختلفان أحدهما عن الآخر عقلًا،
من أجل ذلك أيضًا الجسم هو مغذي كل الزمن الذي يعيشه ويمكثه، بل الزمن الذي يفناه،
ولكنه لا ينمو بلا انقطاع. في الحق أن التغذية هي مماثلة للنمو وتشتبه به، ولكن كونهما
مختلف. على ذلك حينئذ بما أن العنصر الذي يأتي فينضم هو بالقوة، فكمية ما من اللحم
يمكنها أن تنمي اللحم. ولكن فقط من جهة أنه لحم بالقوة يمكنه أن يكون غذاءً.
١٧
وهذه الصورة أو هذا النوع بلا مادة هو في المادة كقوة لا مادية، ولكن إذن تجيء فتنضم
إلى الجسم مادة ما هي لامادية بالقوة مع أن لها أيضًا بالقوة الكم … فهذه الأجسام
اللامادية ستكون إذن أعظم، ولكن إذا كانت هذه المادة المضافة تصل إلى حد ألا تستطيع أن
تكون شيئًا، وإذا كان الماء كذلك بامتزاجه أكثر فأكثر بالنبيذ يصل إلى أن يصيره أكثر
فأكثر مائيًّا، وإلى أن يحيله أخيرًا تمامًا إلى ماء؛ فحينئذ يمكنه أن يجرَّ إلى فساد
الكمية، ولكن الصورة والنوع يبقيان كما كانا.
١٨
هوامش