ترجمة حضرة صاحب السعادة السري الجليل أمين باشا غالي
كلمة للمؤرخ
مولده ونشأته
ولد سعادته في عاصمة الديار المصرية سنة ١٨٦٥ ميلادية من أبوين كريمين تقيين عريقين في الفضل والاستقامة، ولما بلغ أشده أدخله والده المدرسة البطريركية، التي كانت وقتئذ أفضل المدارس وأدقها نظامًا، فتلقى فيها اللغة الفرنساوية والعربية فتضلع فيها ونبغ في آدابها.
وبعد أن أتم دروسه فيها انتقل إلى مدارس أخرى وتمم علومه بها، وفي خلال ذلك كان يدرس علم الحقوق شأن كل نفس طموحة لاعتلاء قمة المجد، فسافر إلى مدينة أكس من أعمال فرنسا، ودخل بإحدى مدارسها الحقوقية ولبث منكبًّا على ارتشاف كئوس علومها بنفس تواقة وجد ونشاط وإقدام، مدة ثلاث سنوات حتى أحرز قصب السبق في مضمار النجاح، وعاد إلى الوطن العزيز حاملا شهاداتها العالية، يجر أثواب الفخر ويمثل أفضل قدوة لشباب أمته في الجد وطلب المجد؛ ليقتدوا به فيكونوا خير معوان لسعادتهم وفلاحهم.
خدماته في النيابة والقضاء
ولم يمكث طويل زمن بعد أوبته من الأقطار الأوربية حتى عين في ٢ مايو سنة ١٨٨٣ مترجمًا بنظارة الحقانية، فأخذ يزاول عمله بنشاطه المعهود، وذكائه الموصوف، حتى رقي إلى وظيفة مساعد نيابة، ونال الرتبة الرابعة في أول فبراير سنة ١٨٨٤، واستمر قائمًا بها إلى شهر يوليو سنة ١٨٨٥، وفي تلك السنة رقي إلى وكيل نيابة بمحكمة مصر، وكان يقوم وقتئذ بمهام أعمال الرئاسة فيها، وهي الوظيفة التي تجلت فيها كفاءته ودلت على عظيم مقدرته حتى علم الكل أن في السويداء رجالًا، وللشهامة والجد والعدل أنصارًا وأبطالًا، وأنعم عليه بالرتبة الثالثة ورقي إلى رئاسة نيابة تلك المحكمة، وفي شهر أكتوبر سنة ١٨٨٧ عين رئيسًا لنيابة محكمة الاستئناف الأهلية، ولما آنس رجال المحاكم المختلطة فيه النباهة وسعة الاطلاع استصوبوا نقله إليها، فعين أولًا وكيلًا لنيابة محكمة الاستئناف المختلطة، وأنعم عليه بالرتبة الثانية وفي أبريل سنة ١٨٩٣ انتقل إلى رئاسة نيابة محكمة مصر المختلطة، وهي الوظيفة الثانية لدرجة النائب العمومي، وفي سنة ١٨٩٦ ميلادية نال رتبة المتمايز الرفيعة كما نال عدا عن الرتب العالية والوظائف السامية كثيرًا من الأوسمة والنياشين، اعترافًا بفضله وإجلالًا لقدره فمنها النشان العثماني الرابع، والمجيدي الثالث، ونشان شير خورشيد من دولة إيران الفخيمة، وفي عام ١٩٠٨م أنعم عليه سمو الخديوي عباس حلمي باشا السابق بالنيشان العثماني الثالث، وأخيرًا رتبة الباشوية، وقد استعفى من خدمة الحكومة لاشتغاله بإصلاح مزارعه الخصوصية وتعهدها بنفسه.
اشتغاله بالشؤون الزراعية
ويعد حضرة صاحب الترجمة من كبار الأخصائيين في الشؤون الزراعية بدليل ما قام به من ضروب الإصلاح في مزارعه الواسعة بجهة أكياد شرقية وغيرها، وله فيها آراء صائبة واكتشافات مستحدثة دلت على نبوغه وحنكته في هذه الشؤون، ولسعادته في بلدة أكياد المذكورة سراي قل وجود نظيرها في أعظم وأكبر عواصم المديريات، من حيث فخامة البناء وجمال التنظيم وثمين الأثاثات وهي مقصد العظماء والوجوه والأعيان، وطالما دعى إليها لورد اللنبي المندوب السامي البريطاني السابق وعقيلته والدوق أوف كنوت والبرنسيس بيسكو الرومانية، وجناب اللورد جورج لويد المندوب السامي البريطاني الحالي وعقيلته، بناء على دعوة حضرة صاحب الترجمة، فكان يقابل ضيوفه الكرام بكل حفاوة وإكرام، وقد تردد فخامة لورد اللنبي على البلدة ابتغاء الصيد والقنص حيث وجد فيها مناخًا طيبًا ونزهة محمودة، وصديقًا وفيًّا ألا وهو سعادة صاحب الترجمة لما آنس فيه من لطف، ودعة وكرم أخلاق، مع علم وأدب، وكرم حاتمي، وقد قصدها أيضًا كثيرون من الأجانب فكانوا يقابلون بصدر رحب وحسن استقبال، مما كان له أثر خالد في قلوبهم عند عودتهم لبلادهم.
صفاته وأخلاقه
ومع ما هو فيه من الوجاهة، والجاه العريض، تراه على جانب عظيم من اللطف، وكرم الأخلاق، وحسن المعاشرة، بعيد عن العظمة والخيلاء غاية في التواضع، حفظه الله وأبقاه ومتعه بطيب الحياة.