ترجمة الشهم الأديب شفيق بك ميخائيل شاروبيم
كلمة للمؤرخ
مولده ونشأته
سطع نور محياه الوضاء بمصر القاهرة في نوفمبر سنة ١٨٩٥م، وتغذى بلبان الأدب والعلم من ذاك الوالد البار، الذي لم يدخر وسعًا في تعليمه وتثقيف مداركه، ولما أن شب عن الطوق أدخله مدرسة الفرير بمصر، فأقبل على ارتشاف علومها بصدر رحب ونفس تواقة لطلب العلم، وظل بها إلى أن حاز شهادة البكالوريا قسم العلوم سنة ١٩١٤م، ثم التحق بوزارة الأشغال العمومية، وعندما نشبت المنية أنيابها في والده الجليل اضطر لترك هذه الوظيفة، والتفرغ لأعمال عائلته الخاصة وللتصوير الذي كانت تتوق نفسه دائمًا إلى ممارسته، فأخذ في دراسة هذا الفن الجميل على الأستاذ نييتسون كول والأستاذ سير جوفس في مصر ثم سافر إلى إيطاليا سنة ١٩٢١، والتحق بمدرسة الفنون الجميلة، وأخذ يواصل ليله بنهاره مبديًا جدًّا ونشاطًا حتى أدهش أساتذته بتفوقه وفرط ذكائه، وقد نال من هذا المعهد العالي الذي يعد أكبر معهد في العالم للفنون الجميلة بلا جدال شهادة الليسانس، وهو أول مصري حائز هذه الشهادة العالية من ذاك المعهد، ثم عاد للوطن العزيز مكللًا بأكليل الظفر والفخر سنة ١٩٢٣ رافعًا رأس الشرق عامة، ومصر خاصة، بهذا النجاح العظيم.
ولقد تشرف بمقابلة حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الذي أمده بنصائحه الغالية، وحكمه العالية لما لجلالته من الميل لرقي هذا الفن الجميل وتشجيع أهله، وقد اعتاد شفيق بك أن يبعث كل سنة من وقت عودته من إيطاليا عدة صور إلى المعرض السنوي الذي يقام بالقاهرة، فكانت دائمًا موضع الإعجاب والاستحسان بدليل أن الحكومة المصرية ابتاعت بعض صوره، وكذا كل ذي ذوق سليم يدرك عظمة هذا الفن الجميل، وما لريشة مصورنا الكبير من البراعة والذوق والدقة، مما يبشرنا ببلوغه الغاية القصوى في وقت قريب.
زيارة جلالة الملك لمعرض التصوير: ولقد تنازل جلالة مولانا المليك المعظم بزيارة معرض التصوير في شهر نوفمبر سنة ١٩٢٣ تشجيعًا للقائمين به.
وفي الصورة الآتية يرى القارئ الأستاذ شفيق واقفًا على يمين جلالة الملك، وهو المرموز له بهذه العلامة × وقد ودع جلالته، كما استقبل بالحفاوة والإكرام.
أهمية فن التصوير ولزومه
إن المؤرخ يخط الحوادث على القرطاس فتأتي الأجيال تلو الأجيال، وتطالع تلك السطور وما حوت من أخبار أزمان سعيدة أو شقية، وملوك عادلين أو ظلمة وجيوش ظافرة أو مقهورة، أما المصور والحفار فينقشان الحوادث ويشخصانها، ويزيدان على ما يسطره المؤرخ صور وتماثيل عظام رجال كل عصر بعصره، فيجعلاننا نرى وجوههم وزينهم ويمكننا بالتفرس في محياهم الحكم على أخلاقهم وسيرهم.
وقد يمتاز الأستاذ شفيق بك شاروبيم على غيره من المشتغلين بالفنون الجميلة بمصر بعمل «البورتريا» أي: صور الأشخاص، فهو تلميذ للأستاذ «كورما لدي» الإيطالي الشهير والأخصائي في هذا النوع من التصوير، ولقد زرنا محل عمله وسررنا كثيرًا من رؤية صور بعض الأشخاص، الذين لنا بهم سبق معرفة والذي يسهل بمجرد النظر إليهم من رؤية محياهم بما فيه من خصائص طبيعية وأخلاقية، وهذه مقدرة لم يصل إليها إلا كبار المصورين الذين بلغوا شأوًا عظيمًا من الفن.
ولنا كبير أمل أن يقتدي به أبناء هذه الأمة فتنال مصر على أيديهم خطوة واسعة إلى رقي الفن.
أرجو يا شاروبيم أن تنتفع الأمة بتصويرك كما انتفعت بعلم والدك.
صفاته وأخلاقه
ذكي الفؤاد، بشوش الوجه، ضاحك السن، أديب بكل معنى الأدب، دمث الأخلاق، وبالإجمال فإن صفاته وأخلاقه صورة حقيقية من صفات وأخلاق المرحوم والده الجليل.
أدامه الله بالصحة والسعادة وأكثر من أمثاله بين شباب مصر الناهض.