ترجمة حضرة صاحب العزة شاعر مصر الكبير حافظ بك إبراهيم
كلمة للمؤرخ
يعد صاحب الترجمة بلا مراء من شعراء الطبقة الأولى في هذا العصر، وقد وصفه كثيرون من الأدباء فقال فيه أحدهم: إنه شاعر النيل، وفخر الجليل، وسيد الأدباء، وشاعر مصر، وقال آخر: إنه لظريف الوزن، لطيف القافية، خاطره طوع لسانه، وبيانه أسير بنانه.
وإن كان هذا الوصف، وتلك النعوت تنطبق حقًّا وصدقًا في شاعرنا الكبير، فقد تكون في نظرنا أقل مما يستحق شاعرنا المجيد من ضروب النعوت ومختلف الوصف.
ولسنا هنا في مقام وصف أو مدح إنما واجبنا يحوم حول إثبات تراجم أفذاذ مصر من شعراء، وأدباء، وما لهم من آثار محمودة، وأعمال مشكورة؛ ليكون في إثباتها عظة لأبناء الأجيال القادمة، وخير مثال يحتذى، لبلوغهم درجة الكمال والمستوى اللائق بهم.
ولا يلومنا القارئ الكريم في هذا الاجتزاء والاختصار في الوصف والتطويل الممل في الشرح، ولنطرق بيت القصيد من غرضنا.
مولده ونشأته
هو محمد حافظ بك بن إبراهيم أفندي فهمي، ولد في القاهرة سنة ١٨٧١م وتعلم فيها ثم دخل المدرسة الحربية سنة ١٨٩٠م، وترقى إلى رتبة ضابط في الجيش المصري، وأرسل إلى السودان فصحبه فيها الدكتور إبراهيم الشدودي الرمدي الشهير، فكان بينهما مداعبات شعرية لطيفة.
وفي سنة ١٩٠١ استقال من خدمة الجيش وعكف على المطالعة، والكتابة، والنظم، واتصل بالأستاذ الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية وانتفع بصحبته.
وفي سنة ١٩١١م عين رئيسًا للقسم الأدبي في دار الكتب المصرية وهو الآن وكيلها، وفي سنة ١٩١٢ أنعم عليه الخديوي السابق عباس باشا الثاني بالرتبة الثانية، فاحتفل به إخوانه الشعراء والأدباء وهنأوه بها.
وللمترجم ثلاثة أجزاء من ديوانه المرسوم بديوان حافظ كما ترجم هو وصديقه شاعر القطرين خليل بك مطران كتاب «الموجز في الاقتصاد» بإيعاز من صاحب المعالي أحمد حشمت باشا ناظر المعارف الأسبق، وقد طبع في خمسة أجزاء وهو يدرس في بعض المدارس، وله من الكتب المدرسية أيضًا كتاب في الاقتصاد، وجزآن من كتاب في التربية والأخلاق، واشتهرت ترجمته لكتاب البؤساء للكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو.
نموذج من شعره: قال يصف جيش الأتراك:
مثل البائس الذي سجلته يد المقادير في سجل العناء، وطوحت به في ظلمات هذا الوجود، فمضى يتخبط في ديجور الحياة، يؤمه النحس، ويمشى على أثره الشقاء، تلعب به الأيام لعب النكباء بالعود، ويدب في نفسه اليأس دبيب الآجال في الأعمار، كمثل الغريق ظفر به البحر الهائج في يوم ريح صرصر عاتية، فلبث معلقًا في خيط من الأجل تحت شقي مقص الغناء، يفتح له الوهم بين كل موجتين قبرًا، ويمد له الخوف بين كل قطرتين بحرًا، يطفو به القدر ويرسب به القضاء، فتلتقفه الموجة بعد الموجة، وتلتقمه اللجة بعد اللجة.
وهكذا تجد البلاغة، والفصاحة، بين ثنايا شعره، وطيات نثره، مما يشهد بطول باعه، وبلاغة يراعه، في فن الأدب.
وصاحب الترجمة ليس بحاجة إلى المزيد من وصف فضله، وغزارة علمه، ووافر أدبه، وتشخيص نفسيته فهو كعلم على نار في الشهرة، بين طبقات الشعب المصري.
ونراه الآن وهو معتكف في دار الكتب المصرية مكب على المطالعة، واستخراج نفائس الأدب من خزائن معلوماته الواسعة وزاخر علمه؛ لينشرها على تلك النفوس المتعطشة إلى درر معانيه، وجواهر مبانيه، وقد أنعم عليه جلالة المليك المعظم بنيشان المجيدي الرابع في شهر نوفمبر سنة ١٩٢٥م جزاء إخلاصه للسدة الملكية.
صفاته وأخلاقه
غاية في الوداعة، وكريم الأخلاق، وعلو النفس، مع التواضع والأدب، الجم، محبوب لدى جميع عارفي فضله، محترم الجانب كثيرًا، كريم اليد، مواسيًا للفقراء، عطوفًا على البؤساء.
أطال الله في حياة شاعرنا الكبير وأكثر من أمثاله من النبغاء والكتاب من أبناء الكنانة.