ترجمة حضرة الأستاذ الوطني الغيور عبد القادر حمزة
كلمة للمؤرخ
من نوابغ كتاب هذا العصر وأدبائه الأفذاذ الذين امتازوا بثبات المبدأ، وحرية الفكر، والوطنية الصادقة وبراعة الأسلوب، وحضرة صاحب الترجمة الأستاذ عبد القادر حمزة، صاحب ومدير جريدة البلاغ الغراء لسان حال الأمة بوجه عام، والوفد المصري بوجه خاص، الذي نال من جراء صراحته ونزاهته وإخلاصه وتفانيه في حب مصر ما نال زعماء وأقطاب السياسة من تنكيل واضطهاد واعتقال ومصادرة، قابلها بصدر رحب ورباطة جأش، ولم تكن لتزحزحه قيد أنملة عن خطته التي ارتسمها لنفسه تلك الخطة التي زادته صراحة، وثباتًا، وجهادًا، وإخلاصًا ومجاهرة بالحق الذي لا يخشى فيه لومة لائم، فأصبح موضع إجلال واحترام أمته التي خدمها بقلمه، ووافر علمه، وضحى في حبها بكل غال ونفيس، وإننا نسطر تاريخه الناصع البياض بقلم الفخر والإعجاب، سائلين الحق القدير أن يكثر من أمثاله للدفاع والزود عن مصالح البلاد بإخلاص لا يشوبه أقل شائبة.
مولده ونشأته
حياته العملية
ولما كان الأستاذ عبد القادر ممن رغبوا الاشتغال بالأعمال الحرة البعيدة من كل قيد وشروط، ورأى من نفسه ميلًا للاشتغال بمهنة المحاماة الشريفة للدفاع عن المظلوم، والأخذ بيد مهضومي الحقوق فتح له مكتبًا للمحاماة سنة ١٩٠١م، وظل ممارسًا عمله هذا حتى سنة ١٩٠٧م بكل أمانة وطهارة ذمة حتى اكتسب بهما ثقة عملائه، ووثق القضاء منه، إلا أن الوطنية المشتعلة بين جنبيه أبت عليه الاستمرار في عمله هذا، فبرز إلى ميدان الجهاد الحقيقي، وولج بنفسه إلى الدخول في ميدان الصحافة؛ ليمتع بني جلدته بنفثات قلمه الفياض، وعلمه الغزير، وإخلاصه المتناهي نحو بلاده، فاشتغل في مبدأ الأمر في جريدة الجريدة لمديرها الأستاذ القدير أحمد بك لطفي السيد.
ثم تولى رئاسة تحرير جريدة الأهالي في سنة ١٩١٠ بالإسكندرية، ثم نقل إدارتها إلى القاهرة ١٩٢١ فعطلت بعد نقلها بشهر ونصف شهر لمدة ستة أشهر، فأصدر جريدة المحروسة بعد ذلك فاستمرت شهرًا واحدًا ثم عطت أيضًا، وكان ميعاد عودة الأهالي إلى الصدور قد جاء فأصدرها فاستمرت ثلاثة أيام فقط ثم صدر أمر مجلس الوزراء بإقفالها نهائيًّا، فأراد أن يصدر جريدة غير دورية باسم «نداء الحرية»، وأعد فعلًا العدد الأول منها فصادرته الحكومة وهو في المطبعة، وبعد ذلك بقليل أصدر جريدة الأفكار مدة ستة أشهر ثم تركها وأصدر جريدة البلاغ في ٢٨ يناير سنة ١٩٢٣، فاستمرت إلى ٥ مارس من السنة المذكورة، ثم عطلت واعتقل الأستاذ في ثكنة قصر النيل مع أعضاء الوفد الذي كان موجودًا هناك إذ ذاك، ثم أفرج عنه في ١٥ مايو سنة ١٩٢٣، وسمح له بعد ذلك بشهرين بإعادة جريدة البلاغ إلى يومنا هذا، وجريدة البلاغ تعد من أمهات الجرائد اليومية السياسية الكبرى بين ظهرانينا بلا جدال، فلها مبدأها الثابت وخطتها الوطنية التي أعجبت الشعب على بكرة أبيه وثباتها للدفاع عن حقوق البلاد، وجرأة محرريها، وقد نالت حظًّا وافرًا ورواجًا عظيمًا في عموم بلاد القطر، كل ذلك بفضل حكمة ووطنية أستاذنا القدير وحسن جهاده وتقديرًا من الشعب لخدماته الصادقة ومجهوده الكبير لخدمة البلاد.
صفاته وأخلاقه
اشتهر الأستاذ عبد القادر باللطف ودماثة الأخلاق والذكاء المتوقد، وأصالة الرأي، وكفاءة نادرة في مهنته الصحافية وهو سعدي صميم، قلبًا وقالبًا.
حفظه الله ولا أحرم الكنانة من إخلاصه ووافر علمه.