ترجمة الأستاذ البليغ والكاتب النحرير داود بركاته
كلمة المؤرخ
لا مغالاة إذا اعتبرنا هذا الأستاذ القدير والكاتب النحرير في طليعة كُتَّابِ هذا العصر بلا جدال، فهو إذا كتب أطرب النفوس بدرر المعاني وبديع المباني، وإذا تحدث سحر الألباب برقيق ألفاظه وجذب القلوب لجمال أسلوبه، وقد لا يمر يوم إلا ونرى له دررًا يحلى بها جيد الأدب يتصفحها القارئ بلذة وشغف عظيمين، وهو يردد بقلبه شكرًا لذلك الفكر الثاقب وثناء لتلك الذاكرة الوقَّادة، والأستاذ رجل عمل كبير، وسياسي خبير حكيم إذا أعطى رأيًا، ومفيد إذا عالج حديثًا، ولكتابته المقام بين كتاب هذا العصر يخوض بحور السياسة، فيظهر غامضها ولا يشغل قلمه السيال إلا في مهام الأمور يفصح عن مكنوناتها بحجة دامغة وعبارات بليغة، ولا يكتب كلمة أو يُبْدِي رأيًا إلا وتكون تلك الكلمة وذلك الرأي دواءً ناجعًا وحكمة صائبة.
مولده ونشأته
وقد طلب إليه بشارة باشا تقلا صاحب جريدة الأهرام أن يكون محررًا لجريدته، فأجاب الدعوة ولا يزال إلى يومنا هذا رئيس التحرير يزف كل يوم لكل ناطق بالضاد دررًا غوالي، ويضرب على نغمات تترنم لها الهيئة الاجتماعية، فاشتهر اسمه وذاع صيته بين رجال الأدب وأصبح محبوبًا ومحترمًا لدى العامة.
ولم يقتصر الأستاذ على ذلك بل رأى أن يكون له يد عن قرب لمساعدة الفقراء، وإعانة المعوزين فكانت له مآثر جمة إذ أنشأ جمعية خيرية للسيدات المارونيات بمصر، وسعى مع كبار الجالية السورية فأسسوا «الاتحاد السوري» لجمع شتات أبناء وطنهم والسعي إلى توحيد كلمتهم، فكان لعملهم هذا فائدة جزيلة وبالإجمال فإن للأستاذ يدًا محمودة في معظم الجمعيات وغيرة كبيرة يعرفها كل من خبره أو احتاج إليه، وقد ألف كتابًا نفيسًا في «الرد على مندوب التيمس في القضية المصرية»، وكتابًا قيما في «المسألة السودانية»، كما له رسائل أخرى عديدة في الأدب والاجتماع.
وفي سنة ١٩١٣م أرادت الحكومة المصرية أن تكافئ هذا الكاتب الذي خدم مصر والمصريين حقبة من الزمن بالإخلاص التام، والمقدرة الفائقة، فأنعمت عليه بالنيشان المجيدي الثالث، كما منحه باي تونس نيشان الافتخار.
صفاته وأخلاقه
ممتاز بفرط الذكاء، وسعة الإطلاع، ودماثة الأخلاق، وقوة الإرادة، ومساعدة الفقراء والكفاءة العالية والأدب الجم.
أكثر الله من أمثاله الأدباء وأدامه بالصحة والهناء.