ترجمة حضرة الأستاذ القدير والكاتب النحرير عباس أفندي محمود العقاد
كلمة للمؤرخ
لمعرفة نفسية هذا الأستاذ القدير، وقوة اقتداره في عالم الصحافة والأدب، وما لقلمه السيال من البراعة والإجادة وحسن الأسلوب، واختيار المفيد من الموضوعات عليك بتصفح مقالاته الرئيسية الطلية التي يصدرها عادة في افتتاحية جريدة البلاغ الغراء، وما تحويها من عبر وحكم سواء أكانت هذه المقالات سياسية وطنية أم أدبية أم اجتماعية، فإنك تجد برهانًا قويًّا على كبير علمه، وغزارة مادته، وسمو مبدئه، وعالى نفسيته، ولولا ضيق المقام هنا لآتينا بالكثير من مآثره الغراء وأياديه البيضاء على العلم والأدب بوجه عام والصحافة بوجه خاص.
مولده ونشأته
ولد الأستاذ العقاد ببندر أسوان سنة ١٨٨٩م من والد قوي الإيمان والإرادة، أورث ولده استبداد الطبع وقوة اليقين والتعصب للمبدأ، ووالدة يشوب دمها عنصر كردي، أخذ عنها امتداد القامة والصبر على الوحدة والصمت الطويل، ولأسرته وأهله تجارة كبيرة في مديرية أسوان.
ومن ثم اشتغل بعدة وظائف حكومية استقال منها الواحدة بعد الأخرى نفورًا من قيودها الثقيلة، وتكاليفها ورغبة في الدعة والعلاج لما كان ينتابه أحيانًا من الضعف والسقم.
اشتغاله بالصحافة
وكان أول عمل صحفي له في جريدة الدستور التي أنشأها الأستاذ وجدي، ثم كتب في صحف أخرى هي المؤيد، والأهالي، والأهرام، وفي خلال ذلك كان يزاول التدريس تارة بالقاهرة وتارة بأسوان، وقد مكث شتاءين متواليين للاستشفاء من مرضه الذي أقعده عن العمل عامًا ونصف عام.
غير أن الله تعالى أمده بنعمة الشفاء وعاد إلى العمل في الصحافة بجريدة البلاغ الغراء، وللأستاذ العقاد حملات شديدة الوقع على كل حائد عن جادة الصواب والحق، وللجمهور شغف عظيم بمطالعة مقالاته الشيقة لما تتضمنه من حجج الإقناع، ومتانة التعبير والجرأة والحماس ونقد كل ما يراه ماسًّا بمصلحة الوطن وقضيته الكبرى.
صفاته وأخلاقه
والأستاذ العقاد رقيق الشعور عصبي المزاج يتأثر من أقل مؤثر، وله أزمات نفسية يكون فيها على تماسكه وتلطفه مهتاج الأعصاب سريع الامتعاض، وله في هذه المؤثرات وقائع تاريخية وقعية مع بعض إخوانه آثرنا عدم ذكرها، وجميعها ترمي إلى رقيق إحساسه، ونفسه العالية.
ألبسه الله تعالى ثوب العافية ومتعه بطيب الحياة.