ترجمة حضرة العالم الأديب والأستاذ القدير الشيخ محمد إبراهيم الجزيري
كلمة المؤرخ
إذا حق لمصر أن تفاخر بأبنائها النجباء ذوي القرائح الوقادة والذكاء الغريزي، والأدب العالي، الذين تفوقوا بالنبوغ الفطري ونالوا بهذه المزايا السامية، والمواهب العالية، مكانة عالية، ومنزلة قصوى في عالم العلم والأدب فلها أن تفاخر بحق وجدارة بنبوغ هذا العالم الفاضل والأستاذ النابغ صاحب هذه الترجمة، الذي قد بلغ مع حداثة سنه منزلة يحسد عليها في الهيئة الاجتماعية، فأصبح يشار إليه بأطراف البنان لغزارة علمه ورجاحة عقله، وسمو آدابه، وعالي تربيته.
وإنا نسطر ترجمته الشريفة بقلم الفخر والإعجاب؛ لتكون خير مثال يحتذى لأبناء الأجيال المقبلة سائلين الحق تعالى أن يكثر من أمثاله النجباء بين شباب مصر الناهض لنفع البلاد والعباد.
مولده ونشأته
ولد هذا الفاضل بمدينة الإسكندرية في ٢٥ أبريل سنة ١٨٩٨ من أبوين شريفين، يرجع نسب الأب إلى الحسين ونسب الأم إلى الحسن، ووالده هو العلامة الجليل المرحوم الشيخ محمود الجزيري، الذي كان من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف وعضو بالمحكمة الشرعية العليا.
فرباه تربية صالحة تليق بأبناء العلماء الأعلام وأدخله مدرسة عثمان باشا ماهر الابتدائية فأتم علومها، ومن ثم دخل مدرسة القضاء الشرعي فأكب على اغتراف بحور علومها بهمة لا تعرف الملل حتى حصل على عالميتها سنة ١٩٢٢م المتداخلة في سنة ١٩٢٣م، وقد أدى امتحاناتها وهو معتقل في سجن الأجانب لتهمة سياسية نسبت إليه، ومع ذلك كان من أوائل الناجحين وهذا دليل كاف على قوة ذكائه ورجاحة عقله.
ولما كانت نفسه العالية تواقة إلى المزيد من اغتراف مناهل العلم الصحيح شأن كل نفس طموحة إلى المجد، فقد اندمج في سلك طلاب الجامعة المصرية، وأخذ يواصل ليله ونهاره في الجد والاجتهاد حتى حصل منها على شهادة الليسانس في الآداب في شهر فبراير سنة ١٩٢٠م، وقد تمكن في أثناء دراسته بمدرسة القضاء الشرعي والجامعة المصرية أن يدرس اللغة الفرنسية وآدابها درسًا وافيًا جعله ملمًّا بأصولها وفروعها.
وبعد أن تخرج من مدرسة القضاء الشرعي اختار أن يكون محاميًّا لدى المحاكم الشرعية، إلا أن الوفد المصري الذي يرأسه دولة الزعيم الجليل سعد باشا زغلول اختاره للقيام بأعمال السكرتارية في بيت الأمة، فقام بعمله هذا خير قيام وحاز ثقة الرئيس الجليل، فاختاره عقب استقالة الوزارة السعدية سكرتيرًا خاصًّا لدولته لعظيم إخلاصه.
وقد أنشأ حضرة صاحب الترجمة مجلة شهرية أسماها «مجلة القضاء الشرعي» يديرها ويرأس تحريرها بنفسه وهي مجلة شرعية، علمية، أدبية، تبحث في كافة الشؤون الشرعية والأحكام، وبها قسم علمي أدبي وهي المجلة الوحيدة التي اشتركت فيها وزارة الحقانية لجميع المحاكم الشرعية؛ لما وجدته في أبوابها الشرعية، والعلمية، والأدبية، من الفوائد الجمة.
صفاته وأخلاقه
أما عن جمال صفاته وأخلاقه وما أودعه الله تعالى في هذه الروح العالية، فحدث ولا حرج، فهو دمث الأخلاق، بشوش الطلعة، حاضر الذهن، طلق اللسان، وقور، محترم، محبوب من جميع عارفي فضله وأدبه وعلمه الزاخر.
أكثر الله من أمثاله بين شباب مصر لرفع لواء علمها وأدبها.