ترجمة حضرة الأستاذ الأثري المصري الجليل محمد بك شعبان
مولده ونشأته
ولد حضرة صاحب الترجمة بالقاهرة في شهر يناير سنة ١٨٦٦م الموافقة لشهر شعبان سنة ١٢٨٢ﻫ من أبوين كريمين شريفين حسبًا ونسبًا، فهو ينتسب من جهة الأب بالشرفاء الحاج عبد الوهاب والحاج موسى خليفة من أقطاب ناحية دفرا غربية، ومن جهة الأم ينتسب مع أخوال جدته وهي والدة المرحوم كمال باشا وهم سليم بك وصبحي باشا وسامي باشا وخير الله باشا، وكان أولهم قد توجه إلى الأستانة في أوائل حكم محمد على باشا، وتعين كاتم أسرار الدولة العلية ثم توجه صبحي باشا إلى بيروت وعين واليًا عليها، وبعدها تعين وزيرًا للمعارف بالأستانة، ثم خير الله باشا تعين صدرًا أعظم بها، ومدة إقامتهم بمصر كانت بالسراي ملكهم الكائنة بدرب الجماميز، ثم بيعت إلى المرحوم مصطفي فاضل باشا، وهي الآن تابعة لوزارة المعارف، وكانت تقام فيها امتحانات المدارس الثانوية، فأدخله والده المدارس الابتدائية وتغذى بلبان علومها فكان المثل الأكمل لزملائه الطلبة في الجد والنشاط والذكاء، ثم التحق بمدرسة البعثة الإنجليزية، وفي عام ١٨٨٢م دخل مدرسة الآثار المصرية التابعة لوزارة الأشغال العمومية، ومكث مكبًّا على تلقي العلم حتى ٤ فبراير سنة ١٨٨٦م، فأتقن في هذه المدرسة اللغة الهيروغلوفية والديموتيكية والكرسيف، والتاريخ وسائر العلوم كالجغرافيا والرياضيات والهندسة واللغة العربية وغيرها من مختلف العلوم، وكان في كل سنة يعمل امتحان بمدرسة الآثار يحضره الوزراء مع وزير الأشغال، وأخيرًا نال صاحب الترجمة شهادة في علم الأيجتلوجية ممضاة من جانب المسيو مسبرو الذي كان وقتئذ مديرًا عامًّا للآثار المصرية.
الوظائف الحكومية التي شغلها
وفي عام ١٨٨٦ تعين حضرة صاحب الترجمة مفتشًا لآثار مديريتي المنيا وأسيوط، وأقام في مركزه بضع سنوات كان في خلالها مثال الإقدام والنزاهة والجد، حتى نقل مفتشًا لآثار مديريتي الفيوم وبني سويف ومنها نقل لمديرية قنا مع جعل مركز إقامته «القرنة» المجاورة لأبواب الملوك، ثم أعيد نقله إلى مديريتي المنيا وأسيوط، ومنها إلى مديرية بني سويف؛ ونظرًا لاستقامته وعلو كعبه في العلوم الأثرية تعين مفتشًا لآثار الوجه البحري، وجعل مركز إقامته الزقازيق ومكث بها حتى عام ١٩١٢م، ومن ثم نقل إلى مديرية الجيزة وقد تعين في وظيفته الحالية من عام ١٩١٦م، وذلك على أثر إحالة المرحوم أحمد باشا كمال الذي حل محله في هذه الوظيفة على المعاش.
الآثار التي اكتشفها صاحب الترجمة
وقد اكتشف صاحب الترجمة تمثال الملك «أمنمحتب» الثالث بمديرية الفيوم، وهو الذي أسس سراي «لبيرنته» المحتوية على ثلاثة آلاف غرفة، وعمل بحيرة مويسى لري الأرض لغاية البحري، ثم عثر على الكنز الثمين بمديرية الشرقية من عصر البطالسة، وهذا الكنز يحتوي على جملة أساوير وأوستيك وقلائد وعقود ثمينة وأطباق من الذهب وأدوات منزلية من الفضة، كما أنه عثر أيضًا على كنز آخر كائن بتل بسطة بمديرية الشرقية يحتوي على أشياء ثمينة جدًّا، منها قدر من الذهب وكوبات من الذهب أيضًا، وأواني فضية كثيرة وقلادات ذهبية، ثم عثر أيضًا على كثير من الآثار المختلفة بتلول كثيرة بمديريتي الشرقية والدقهلية، مثل تل تمي (منديس)، حيث وجد كثيرًا من النواويس وتماثيل من حجر وبرنز وأشياء صغيرة مختلفة، كما أنه عثر على تمثال هائل للملك منفتاح، أي «فرعون الخروج»، بتل الأشمونين بمديرية أسيوط، وكثيرًا من صور المعبودات المختلفة في المعدن، والأشكال، والتواريخ.
وتراه وقد بلغ الحلقة السادسة من عمره المبارك الحافل بجلائل الأعمال، يعمل في دار المتحف المصري بكل همة ونشاط وإقدام وإخلاص، ولا تفوته لحظة دون تنقيب أو مطالعة، وقدر أصدر نبذًا علمية خاصة بفن الآثار وبكثرة أبحاثه فيها قابلها الجمهور المصري بالشكر والثناء والإعجاب بمقدرته وعظيم كفاءته العلمية، ولا غرابة في ذلك؛ فهو ابن شقيقة فقيد هذا العلم نابغة زمانه المغفور له المرحوم أحمد باشا كمال الأمين المساعد الوطني للمتحف المصري سابقًا، والذي تغذى صاحب الترجمة بسمو مداركه، وواسع خبرته، وشب على منواله، ولحضرة المترجم له أبحاث كثيرة ومكتشفات جمة عدا ما أثبتناه هنا تدل على سعة إطلاع وذكاء مفرط، وهمة شماء لا يعتورها ملل، وعزيمة ماضية لا يصيبها كلل، فهو والحق يقال رجل عمل، وفضل، ونبل، جدير بكل شكر وثناء ومدح وإطراء لصدق خدماته وكبير مجهوداته وغزارة علمه.
الرتب التي حازها
ولقد أنعم على حضرته بالرتبة الخامسة عام ١٣١٩ﻫ وبالرتبة الرابعة عام ١٣٣٠ﻫ، كما أنعم عليه المغفور له السلطان حسين كامل بنيشان النيل، ونحن نرجو أن يصل للدرجة التي تتساوى مع عظيم كفاءته وغزير علمه، وليس هذا الرجاء على القائمين بالحكم بعزيز.
هذا وقد انتدب من وزارة الأشغال العمومية لملاحظة استخراج الآثار التي اكتشفت حديثًا بالأقصر، ألا وهي آثار الملك توت عنخ آمون والاعتناء بالمحافظة عليها، وفي هذا الانتداب دليل آخر على ما لحضرته من الكفاءة العلمية والخبرة التامة.
صفاته وأخلاقه
تراه رغم انهماكه في أبحاثه ومطالعته، وأشغاله الرسمية، ضاحك السن، بشوش الوجه، على جانب عظيم من اللطف يستميل نفوس مجالسيه، جاذبًا إليه قلوبهم بعذوبة لفظه، ورقة عباراته، وغزارة مادته، وفوق ذلك فهو على جانب عظيم، من التقوى والصلاح.
نسأل الله أن يطيل بقاءه ويكثر من أمثاله العاملين لخير البلاد، ولخدمة المصلحة العامة، إنه نعم المولى ونعم النصير.