ترجمة حضرة صاحب العزة النزيه المفضال أتربي بك أبو العز
كلمة للمؤرخ
قد كان بودنا لو اتسع مجال الوصف في هذا السفر أن نوفي هذا النابغ الفذ ما يستحقه من الوصف مع جمال الصفات، التي امتاز بها في كل أدوار عمله، وإننا مع تقديرنا واحترامنا الكلي لشخصه الجليل، واعترافنا بمقدرته العلمية ومواهبه العالية نرى أنفسنا مقصرين في الإسهاب، فليعذرنا حضرات القراء إذا نحن اكتفينا بتدوين الأهم عن المهم من تاريخ حياته المجيد، سائلين الحق تعالى أن يكثر من أمثاله بين شباب مصر الناهض.
مولده ونشأته
ولد في ١٢ ربيع الأول سنة ١٣٠٩ﻫ، وأتم دراسته المنزلية بين أحضان والدين تقيين صالحين غذياه بلبان التقوى والفضيلة، وأدخله حضرة والده الجليل المدارس الابتدائية، فارتشف علومها بنفس تواقة للعلم متطلعة إلى حسن المستقبل ونال شهادتها، كما نال من المدارس الثانوية شهادة البكالوريا بنجاح عظيم، ولما كانت نفسه العالية طموحة إلى العلا فقد أرسله حضرة والده إلى فرنسا في يوليو سنة ١٩٠١، حيث التحق بكلية مونبليه فأقبل على تلقي مختلف علومها القانونية بتلك الهمة العالية التي شب عليها، ولم يمض طويل زمن في تلك الكلية حتى فاز منها بشهادة الليسانس في العلوم القانونية.
حياته العلمية
ولما عاد إلى مصر حاملًا لواء الظفر وشهادة الفخر اشتغل بالمحاماة أمام المحاكم المختلطة سنتين وبضعة أشهر بإسكندرية ومصر، فكان سَحبان زمانه في الفصاحة وزلاقة اللسان وقوة البرهان والحجة في الدفاع، إلا أنه رام العمل بالنيابة العمومية؛ ليؤدي بعض ما يجب عليه نحو حكومته بفضل ما اكتسبه من خبرة وذكاء ومجهود، فعين مساعدًا للنيابة بمحكمة الزقازيق الكلية الأهلية في ١٥ مارس سنة ١٩٠٤، ونقل منها إلى نيابة المنصورة الجزئية، ثم أعيد إلى نيابة الزقازيق الكلية في سنة ١٩٠٧ فكان مثال الجد والنزاهة لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا يدخر مجهودًا في أداء أعماله على الوجه الأكمل فترقى إلى درجة وكيل نيابة، وعين وكيلًا لنيابة الزقازيق الجزئية في ١٤ أكتوبر سنة ١٩٠٨، ثم نقل وكيلًا لنيابة السنبلاوين فتضاعفت جهوده وأظهر من الكفاءة والجدارة ما استحق تقدير المراجع العليا له، فصدر الأمر العالي بتعيينه قاضيًا من الدرجة الرابعة بمحكمة قنا الكلية، فكان مثال العدل والإنصاف حتى إن وزارة الحقانية اختارته قاضيًا للتحضير بالمحكمة المذكورة في مارس سنة ١٩١٠ لتطبيق قانون قاضي التحضير، الذي كان قد وضع حديثًا، ويحتاج لمجهود كبير وفي ٢٤ ديسمبر سنة ١٩١٠ صدر أمر عالٍ بنقله قاضيًا بمحكمة الإسكندرية، وندب قاضيًا لمحكمة دمنهور حيث مكث بها إلى يوم ٥ ديسمبر سنة ١٩١١، ومنها إلى محكمة إسكندرية ثم ندب سنة ١٩١٢ قاضيًا بمحكمة منيا البصل الجزئية «محكمة اللبان الآن»، وفي ١٥ فبراير سنة ١٩١٣ نقل إلى محكمة المنشية ومكث بها إلى ٢٩ مايو سنة ١٩١٤، وكان في كل منصب يتقلده من هذه المناصب مثال النزاهة والعدل، وقد صدر الأمر العالي بترقيته إلى الدرجة الثالثة ونقل إلى دائرة محكمة المنصورة، وندب قاضيًا لمحكمة ميت غمر الجزئية ومكث في هذه المحكمة إلى أن صدر مرسوم ملكي بنقله مرة ثانية إلى دائرة محكمة إسكندرية في ١٢ نوفمبر سنة ١٩١٧، وندب للقضاء بمحكمة دمنهور الأهلية للمرة الثانية فكان خير جزاء صادف أهله وحل محله.
وفي ٢٩ نوفمبر سنة ١٩١٩ ندب قاضيًا للإحالة بمحكمة إسكندرية، وفي ٢١ يوليو سنة ١٩٢٠ صدر مرسوم ملكي بتعيينه وكيلًا للنائب العمومي من الدرجة الأولى، وتعيينه نائبًا لنيابة دمنهور واختير في سبتمبر سنة ١٩٢١؛ ليكون وكيلًا لقسم قضايا وزارة الأوقاف فترك خدمة الحكومة في ٢٦ سبتمبر سنة ١٩٢١، وترك وراءه أحسن ذكرى في القضاء يخلدها له التاريخ بالفخر والإعجاب، كما قام بأعباء وظيفته الجديدة خير قيام إلى أن تعين في سبتمبر سنة ١٩٢١ مديرًا لقسم الإيرادات بوزارة الأوقاف، ثم طلب أن يعود إلى القضاء فصدر المرسوم الملكي في ٢٤ سبتمبر سنة ١٩٢٣ بتعيينه رئيسًا للنيابة العمومية لدى المحاكم الأهلية، ولقد وقع عليه اختيار صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول؛ ليكون في خدمته، وصدر الأمر الكريم بتعيينه أمينًا ثانيًا لجلالته، وهذا جزاء المخلصين من أبناء الأمة العاملين، غير أنه في ديسمبر سنة ١٩٢٤ صدر مرسوم ملكي بتعيينه وكيلًا لمحكمة الإسكندرية الأهلية لاقتداره وكفاءته في الشؤون القانونية وعدله ونزاهته، ونقل رئيسًا لمحكمة مصر في أبريل سنة ١٩٢٥، وفي أكتوبر سنة ١٩٢٥ رقي مستشارًا لمحكمة الاستئناف الأهلية جزاء كفاءته وغزارة علمه.
مؤلفاته
ولحضرته مؤلف في التاريخ يسمى «الدر المنتخب في تاريخ المصريين والعرب»، ونشر كتابًا عن الصين بمعاونة أصدقائه، بمناسبة ثورة البوكسر، وله مقالات قيمة طلية في السياحة والتاريخ في مجلة الموسوعات وجريدة المؤيد، ولما كان في القضاء أصدر أحكامًا ذات مبادئ قانونية هامة، نشر بعضها في المجموعة الرسمية للمحاكم وبعضها بمجلة الشرائع.
صفاته
تتقد عيناه ذكاء وهو ذو عزيمة ثابتة قوي الإرادة شديد في الحق سهل الطبع محب لعمل الخير، مفطور بطبيعته على حب مصر والاهتمام بالمحافظة على الواجب، دقيق في أداء كل عمل في وقته، مخلص في خدمة جلالة مليكه المعظم.
ففي مثل أعماله فليتنافس المتنافسون، ويقتفي أثره المقتفون في كل عمل جليل يعود على أنفسهم ومواطنيهم بالفخر والإعجاب.