ترجمة حضرة صاحب السعادة المفضال صالح باشا عنان
كلمة للمؤرخ
تتباهى مصر ويحق لها أن تتباهى بصفوة شبانها الذين حصلوا على قسط وافر من العلوم والمعارف، ونزحوا إلى بلاد الغرب ابتغاء الاستزادة من مناهلها العذبة وتغذية مداركهم بما يعود على وطنهم وأنفسهم بالنفع الجزيل والخير العميم، ومن الذين نبغوا من شبابها وفازوا في مضمار العلوم والآداب، ونجحوا نجاحًا باهرًا حضرة صاحب هذه الترجمة صالح باشا عنان، الذي توصل بحسن جده وبفضل كفاءته ومعلوماته إلى وظيفة وكيل وزارة الأشغال العمومية، وهو الذي أدهش عموم أساتذته بتوقد قريحته، وذكائه المفرط وجده ونشاطه، فحق لمصر أن تغتبط جزلًا وسرورًا بأمثال هذا الشهم المفضال.
مولده ونشأته
فدخل صاحب الترجمة المدارس الابتدائية والثانوية، فأبدى الكثير من ضروب النشاط والذكاء والمواظبة حتى أتم علومها المقررة، وحصل على شهادتها عام ١٩٠٠م، ولما رأى نفسه تواقة إلى الاستزادة من بحر العلوم سافر إلى إنكلترا؛ لإتمام رغبته فالتحق بالجامعة الملكية في لندن وقد نال منها في شهر يوليو سنة ١٩٠٧ شهادة الشرف في فن الهندسة الميكانية والعمرانية بدرجة فائقة، وتفوق على أقرانه من الأجانب الإنكليز، حيث كان الوحيد الذي حاز هذه الدرجة مما دعا إلى إعجاب الممتحنين بفرط ذكاء المصري وسرعة خاطره، وبعد عودته إلى مصر دخل في خدمة وزارة الأشغال العمومية بوظيفة مهندس بتفتيش ري القسم الثاني، بماهية قدرها عشرون جنيهًا شهريًّا ابتدأ من أول نوفمبر عام ١٩٠٧م إلى وظيفة مساعد مدير أعمال، ومن ثم نقل إلى وزارة المالية في أول ديسمبر ١٩١٦م، وتدرج في وظائفها واضعًا نصب عينيه نفس المنهج الذي اتخذه لنفسه شعارًا، وهو الصدق والنزاهة والاستقامة إلى أن رقي إلى وظيفة مدير إدارة وذلك في أول شهر أبريل سنة ١٩٢٠.
ولما انتدب وكيل المراقب للمستخدمين والمعاشات دخل عضوًا في اللجنة المالية، وكان أول مصري دخل في اللجنة المذكورة، فدل على مقدرة نادرة وكفاءة عظيمة واستقلال في الرأي، ولما أنشئت وظائف السكرتاريين الماليين لوزارة الحكومة عين فيها كلها موظفون بريطانيون، ولم يبق منها إلا وظيفة سكرتير مالية لوزارة الزراعة، فبحثت وزارة المالية عن موظف مصري كفء لهذه الوظيفة، فوقع اختيارها على حضرته وعين فيها، ثم انتدب سكرتيرًا ماليًّا لوزارة الحقانية، وذلك في أكتوبر سنة ١٩٢٢.
ولما تبين لمعالي إسماعيل صدقي باشا وزير المالية وقتئذ ما عليه حضرة صاحب الترجمة من الكفاءة التامة في الأعمال المالية والإدارية أيضًا، وما أظهره من الحزم والنشاط والجد أمر بتعيينه سكرتيرًا ماليًّا لوزارة الحقانية، وذلك في أكتوبر سنة ١٩٢٢م وقد دعت حالة العمل في وزارة المالية إلى إعادة إنشاء منصب مساعد وكيل المالية، فأسند إليه في ١٨ سبتمبر سنة ١٩٢٣، ولما عين صاحب السعادة عبد الحميد مصطفى باشا وكيل المالية سابقًا، مستشارًا ملكيًّا في شهر نوفمبر سنة ١٩٢٣ قام سعادة صاحب الترجمة بأعماله، وكاد يصدر المرسوم الملكي بتعيينه وكيلًا لوزارة المالية.
وكانت خدمته مع سعادة وكيل المالية الحالي على أتم ولاء واتفاق، وحاز ثقته التامة ولم يترك الوزارة إلا وهما صديقان، ولما خلت وظيفة وكيل وزارة الأشغال عين حضرته فيها بتاريخ أول ديسمبر سنة ١٩٢٤.
أما معاملته للموظفين وغير الموظفين ومحبة الموظفين له وانتصاره للحق، وإنصاف المظلوم فحدث عنه ولا حرج وقد اشتهر بعدم تحيزه لأي حزب من الأحزاب، فأجمع الكل على حبه؛ لأن مبدأه نصرة الحق أينما وجده وله من الأفكار النيرة والمشروعات الجليلة ما عاد على وزارة المالية وغيرها من المصالح بفوائد عظيمة.
ومن مشروعاته الخصوصية التي قام بها لنفسه إنشاء فابريقة كبرى لطحن الجبس بكفر العلوة بحلوان، وهي من أحدث الفابريقات الأوربية وأفخمها.
وبالإجمال فإن حضرته أتى من ضروب الإصلاحات في كل وظيفة تولاها ما يخلد لسعادته بمداد الشكر والثناء والإعجاب.
وسعادته له ولع بالألعاب الرياضية وبالأخص الصيد، حيث يدير أكبر جمعيات الصيد في القطر حتى حاز قصب السبق فيه، وما كدنا نأتي على وضع ترجمته حتى تفضل جلالة مولانا المليك المعظم، فأنعم عليه برتبة الباشوية جراء حسن خدماته وكفاءته.
صفاته وأخلاقه
والمشهود لدى الخاص والعام عن أخلاق سعادة صاحب الترجمة دماثة الأخلاق وكرم الطباع، والنزاهة، والاستقامة، واللطف والدعة والصراحة الدالة على منتهى الشجاعة الأدبية مع الهمة والنشاط في الكفاءة العالية والاستقلال في الرأي، وعدم التردد فيما يراه عدلًا وصالحًا وعدم الميل إلى المظاهر الخادعة.
أدامه الله وأبقاه وأكثر من أمثاله الأذكياء.