ترجمة حضرة صاحب العزة الشهم الإداري حسين بك وهبي
كلمة المؤرخ
مولده ونشأته
الدنيا جنة أغصانها النشء، وثمار تلك الأغصان أعمال رجالها المجدين، هذا الشهم أثيل المجد عريق المحتد حسين بك وهبي أينع غصن في شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فهو سليل عائلة عربية كريمة في مصر شب على الأدب والفضل والاستقامة، ودخل المدارس الابتدائية فالثانوية وتربى على الآداب الإسلامية العالية فتراه لا يفوته فرض من فروض الصلاة، وقد صبت نفسه العالية منذ الصغر إلى الجندية ومفاخرها، فدخل المدرسة العسكرية وخرج منها برتبة ملازم ثان عام ١٨٩٣م، وكان عمره في ذاك الحين ثمانية عشرة عامًا وانضم إلى فرقة السواري.
أعماله في السودان
وذهب إلى السودان بقيادة إرل كتشنر سردار الجيش المصري وقتئذ لمحاربة المهدويين، وتطهير السودان من الفوضى التي عمت ربوعه، وأبدى من البسالة والشجاعة والذكاء ما أعجب المرحوم إرل كتشنر به، وأثنى عليه غير مرة بنشرات رسمية، وعندما انتهت هذه الحرب الشعواء كان اسم الملازم الثاني حسين أفندي وهبي في مقدمة أسماء الضباط الشجعان في هاتيك الحرب، ونال وقتئذ مكافأة على بسالته وشجاعته حيث منح الوسام المجيدي العالي الشأن وكذا ميدالية الحرب السودانية.
ترقياته العسكرية
ثم رأت الحكومة المصرية أن تكافئه على حسن جهاده، وشريف خدماته في السودان حربيًّا وإداريًّا فرقي إلى رتبة يوزباشي، ونقلته من السودان إلى مصر وأناطت باقتداره العمل في سبيل الأمن العام بتنظيم نظام الخفر، فقام بهذه المهمة على أحسن ما يمكن، وأدخل على مصلحة الخفر من النظم ما استوجب ثناء سعادة مستشار الداخلية، ومن ثم رقي حكمدارًا لمديرية القليوبية على أثر تكاثر الجنايات فيها، فحقق نظر الوزارة وأعاد إلى البلاد الأمن والطمأنينة، ثم انتدبته وزارة الداخلية إلى مثل هذه المهمة بمديرية أسيوط، فترك بين أهلها الذكر العاطر والأثر المحمود، وكذا أوفدته وزارة الداخلية لهذه الغاية وعينته حكمدارًا لمديرية الغربية، وهي كما لا يخفى أكبر مديريات القطر المصري، فأبدى فيها من الهمة وحسن الإدارة ما أعجب وأطرب، ولما اتصلت هذه الأعمال الفائقة والكفاءة النادرة بمسامع جلالة المليك المعظم فؤاد الأول أنعم عليه برتبة ميرالاي الرفيعة، وأبلغه رضاءه العالي بصورة مخصوصة.
ثم أناطت به وزارة الداخلية وظيفة باشمفتش النظام، وهي الوظيفة التي كان يشغلها أخيرًا وقد تفضل جلالة مولانا المليك المعظم، فمنحه نشان النيل الرابع ثم الثالث، وأنعم عليه أيضًا بنشان الإمبراطورية البريطانية لسياسته الحكيمة التي استعملها أثناء وجوده بمديرية الغربية في اضطرابات عام ١٩١٩، حيث كانت هذه الأعمال موجبة لثناء الأمة والسلطة واستوجبت رضى الجميع.
إحالته على المعاش
ونظرًا للمنافسات التي كانت بين صاحب الترجمة ومدير مديرية الغربية عند وجوده بها، والذي كان وزيرًا في عهد الوزارة الزغلولية، فقد انتهز فرصة تأييد صاحب الترجمة لمبدأ الزعيم الجليل لا سيما من إرساله البرقية التي قال فيها لدولة الزعيم: اقبل الوزارة ولا تتردد وأدر دفة الحكومة بيدك اليمنى وباليسرى زمام قياد الأمة. فقد نكل به هذا الوزير أشر تنكيل، إذ ما انعقد مجلس الوزراء لأول مرة في ذاك العهد حتى قرر إحالة صاحب الترجمة على المعاش دون أن يصل للسن القانونية، وهكذا حرمت الأمة المصرية من خدماته الجليلة وكفاءته النادرة.
صفاته وأخلاقه
الدعة التي لا ينفك لسان الرائي يلهج بالثناء عليها، ولين الجانب وحسن المعاشرة ودماثة الأخلاق والميل الكلي لإيصال عيش أولي الفاقة والعاطلين، للفقراء والمحتاجين، وبالإجمال فهو على جانب عظيم من التقوى والصلاح والصفات العالية والمواهب السامية.