ترجمة حضرة صاحب العزة العالم الجليل الدكتور عبد الحميد بك أبو هيف
كلمة وجيزة للمؤرخ
مولده ونشأته
ولد الأستاذ أبو هيف بك صاحب الترجمة بمدينة الإسكندرية في ٣ فبراير سنة ١٨٨٨م، وهو ابن المرحوم السيد إبراهيم بك أبو هيف بن السيد خليل أبو هيف وهو شريف من سلالة النبي ﷺ كذلك ينتمي نسبه من جهة والدته كريمة المرحوم السيد محمد عبد الحي البطاشي من أعيان إسكندرية بضعة الرسول ﷺ.
دخل الأستاذ في مبدأ نشأته التعليمية مدرسة الأقباط بالإسكندرية، ومنها إلى مدرسة جمعية العروة الوثقى التي نال منها الشهادة الابتدائية بتفوق عظيم بفضل غريزته في الجد والاجتهاد المصحوبين بالذكاء والنشاط، ومن ثم دخل مدرسة رأس التين الأميرية الثانوية متنقلًا من سنة إلى سنة إلى أن نال شهادتها الثانوية عام ١٩٠٥م، وتاقت نفسه الطماحة للمجد إلى دراسة القوانين، فدخل مدرسة الحقوق الخديوية وحصل على شهادة الليسانس عام ١٩٠٩، وعلى أن لشهادة الليسانس هذه قيمتها العلمية الممتازة، فإن مدى الأستاذ العلمي غير محدود بما فطرت عليه نفسه من الميل للاشتغال بالحقوق حتى لقد يعد من كبار رجال القانون في مصر؛ ولذلك فإنه ما كادت تظهر نتيجة الليسانس التي كان فيها ثاني الناجحين، حتى دعاه وزير المعارف في ذاك العهد «سعد زغلول باشا»، وطلب إليه أن يسافر إلى فرنسا ليعد نفسه لأن يكون مدرسًا في مدرسة الحقوق نفسها، فصادفت هذه الدعوى هوى في نفسه فسافر إلى تولوز، فدرس في جامعتها الكبرى القانون والعلوم الجنائية وعلم المعاقبات وتعلم اللغة اللاتينية، ثم ساح في أغلب ممالك أوربا، وبعد أن حاز على الدكتوراه رجع إلى مصر.
تعيينه مدرسًا بمدرسة الحقوق
عين الأستاذ عقب حضوره من فرنسا مدرسًا في مدرسة الحقوق، وعهد إليه بتدريس مادة المرافعات المدنية والتجارية فأخرج فيها باللغة العربية أول كتاب من عمله، فكان مرجع رجال القضاء والمحاكم في كشف ما استعصى من مسائل المرافعات، وقد حل في تدريسه هذا محل أكبر عالم أجنبي عرف في المرافعات وهو السنيور أوجد لوزينا بك المحامي الشهير، فما مضت بضعة أشهر على تدريسه إلا وقد ظهر أثر علمه فكان موضع الفخر بين الطلبة والزملاء.
وفي سنة ١٩١٧ افتقرت مدرسة الحقوق إلى من يدرس القانون الدولي بقسميه العام والخاص؛ نظرًا لتلبية الأساتذة الإنجليز والفرنسيين داعي الوطن أثناء الحرب العظمى، فطلب إليه تدريس هذا العلم فكان فيه أبرع من أهله وظهر له في عالم التأليف سفر نفيس في القانون الدولي الخاص باللغة الإنجليزية تفوق به على المؤلفين الأجانب، وشهد له بذلك كبار العارفين في مصر مثل الأستاذ أرمانجون، الذي كان مدرسًا لهذا العلم نفسه في المدرسة، والسير موريس إيموس المستشار القضائي السابق الذي كان ناظر المدرسة الحقوق، والمستر والتون الذي تولى نظارتها بعده.
تعيينه ناظرًا لمدرسة الحقوق
وفي شهر أكتوبر سنة ١٩٢٢ ألقيت إليه كأول وطني مقاليد إدارة مدرسة الحقوق الملكية على أثر استقالة ناظرها الأجنبي، فكان أول همه جعل التدريس فيها باللغة العربية، وقد نجح في ذلك وأصبح كل العلوم يدرس بها ما عدا القانون الروماني.
ولما رأى أن المدرسة لم تكن لتقبل غير عدد محدود من الحاصلين على شهادة الدراسة الثانوية، يؤخذ بالترتيب كما يقبل عدد آخر يؤخذ بالاستثناء بناءً على رغبة الوزير المختص عمل على إبداله، وفتح أبواب المدرسة على مصراعيها لطلاب الحقوق على السواء، ما دامت تتوافر فيهم الشروط القانونية، ثم أنشأ القسم الليلي فيها ليتلقى فيه الطلبة الخارجون دروسهم على نفس أساتذة المدرسة بعد العصر من كل يوم، وأغلب طلبة هذا القسم هم من الموظفين الناجحين في أعمالهم والطامحين إلى الرقي العلمي والمادي، فكانت التجربة ناجحة من أول يوم أنشئ فيه أي من يوم ١٨ نوفمبر سنة ١٩٢٢ إلى يومنا هذا، ويؤمه الآن نحو ثلاثمائة طالب وبمناسبة هذا النجاح الباهر أقام له طلبة القسم الليلي حفلة تكريم كبرى في شهر يناير سنة ١٩٢٣ في مدرسة المعلمين العليا برئاسة رئيس محكمة الاستئناف الأهلية معالي أحمد طلعت باشا، تبارى فيها الخطباء والشعراء منوهين ومهللين بفضل منشئ القسم الليلي المذكور، كما أقام له طلبة الحقوق جميعًا حفلة تكريم حارة في شهر فبراير سنة ١٩٢٥م على أثر نقله مديرًا لدار الكتب المصرية، ظهر فيها أعظم آيات الإخلاص والولاء من خيرة شباب مصر الناهض، وتنافس المتنافسون من أدباء وخطباء بما لم يسبق عمله من قبل لأي أستاذ آخر، وفي ذلك الدليل الواضح والبرهان الجلي على ما لحضرة الأستاذ الجليل من الفضل والمنزلة الأدبية في قلوب أبنائه والشهرة العلمية بين طبقات الأمة المصرية، حتى أصبح يشار إليه بأطراف البنان.
بعض أعماله الفرعية
ومن أعماله المجيدة التي تخلد له بمداد الشكر والثناء قبوله وظيفة سكرتير بلجنة التعويضات، التي أنشئت في سنة ١٩١٩م لتخفيف مصايب من حلت بهم الخسائر من جراء اضطرابات تلك السنة وما بعدها، فكان خير معين للعاجز والفقير، وكان عنوان العدل والقانون في اللجنة وسطر له الثناء العاطر في تقريرها النهائي.
ومنها أيضًا أنه في شهر سبتمبر سنة ١٩٢٠م عرض على الأمة المصرية مشروع الاتفاق بين بريطانيا العظمى ومصر، وهو المسمى بمشروع ملنر، فحارت فيه الأفهام وظنه العدد الأكبر من الناس استقلالًا، فأخرج المترجم له رسالة بعنوان:
«التكييف القانوني لمشروع قواعد الاتفاق بين بريطانيا العظمى ومصر»، فكانت نورًا اهتدت به الأمة في دياجير الظلمة السياسية، وأثبتت الأيام صحة رأي صاحب التكييف أنه حماية.
مؤلفاته
- (١)
حق اختصاص الدائن بعقارات مدينة في مصر وهو مكون من ٣٠٠ صفحة.
Le Droit d’affectation sur les immeubles en egypte. - (٢)
المرافعات المدنية والتجارية والنظام القضائي في مصر.
- (٣)
طرق التنفيذ والتحفظ في المواد المدنية والتجارية في مصر.
وهذان الكتابان في طبعتهما الثانية، ويقع كل منهما في ألف صفحة من القطع الكبير والحرف الصغير، وهما الحجة أمام المحاكم المصرية في مسائل المرافعات والتنفيذ.
- (٤) القانون الدولي الخاص باللغة الإنجليزية A Concise Treatise in Private International Law.
- (٥)
القانون الدولي الخاص في أوربا وفي مصر ويقع في نحو ألف صفحة، وهو خلاصة علم الغرب في القانون الدولي الخاص، والمحجة الكبرى في مادة تنازع القوانين والاختصاصات داخل القطر المصري.
- (٦)
التكييف القانوني لمشروع قواعد الاتفاق بين بريطانيا العظمى ومصر وهو مشروع «ملنر — زغلول».
هذا ملخص وجيز لتاريخ الأستاذ الحافل بجلائل الأعمال.
ولقد كان بودنا أن ندون تلك الخطب الرنانة والقصائد العامرة التي ألقيت لمدح هذا الأستاذ العظيم والأديب الكبير، لولا كثرتها وضيق المقام هنا، خصوصًا وأنها تحتاج إلى مجلد ضخم، فنكتفي منها بالمختارات الآتية من القصائد فقط ملتمسين من حضرات القراء المعذرة:
قال شاعر النيل حافظ بك إبراهيم قصيدة غراء، وقد ألقاها في حفلة التكريم التي أقامها طلبة الحقوق للأستاذ عند نقله مديرًا لدار الكتب، نقتطف منها الأبيات الآتية:
ثم أنشد في الحفلة أيضًا زكي أفندي عكاشة، الممثل المعروف الأبيات الآتية، وهي من نظم حضرة الشاعر البليغ الهراوي أفندي بدار الكتب المصرية:
وقال الشاب الأديب عثمان أفندي عبيد ضمن قصيدة:
وقال:
وقال أيضًا:
وقال الأديب المفضال محمود أفندي زهدي طالب ليسانس من قصيدة:
وقال:
إلى أن ختمها بهذا البيت:
صفاته وأخلاقه
وديع الأخلاق كريم النفس ذكي الفؤاد بشوش الطلعة طاهر القلب، لين العريكة أديب بكل معنى الكلمة، وعالم قانوني متضلع عادل الحكم محبوب عند عارفيه مهيب الجانب ذو أثر خالد في جميع أعماله.
أدامه المولى وأبقاه وأكثر من أمثاله بين رجال الأمة المصرية.