ترجمة حضرة صاحب العزة الوجيه الأمثل والنائب المحترم عمر بك مراد
كلمة للمؤرخ
مولده ونشأته
ولد حضرة صاحب الترجمة نائبنا المحترم ببلبيس سنة ١٢٨٦ من أبوين كريمين شريفين، فوالده هو المغفور له الطيب الذكر خالد الأثر المرحوم قاسم باشا مراد، عين أعيان بلبيس بمديرية الشرقية، الذي اشتهر بمكارم الأخلاق وحسن الصفات مع الصلاح والتقوى، فأخذ يعلمه مبادئ العلوم بسراياه الخصوصية الكائنة بأبعاديته الواسعة ببلبيس، حيث استحضر له أساتذة أكفاء فأرضعوه لبان الأدب والفضيلة والصلاح، وبثوا في نفسه العالية حب الجد في العمل والعلم، فوجدوا منه ذكاءً فطريًّا خارقًا وقلبًا واعيًا، ثم أدخله المرحوم والده المدارس الابتدائية والثانوية، فنال قسطًا وافرًا من علمها وآدابها، فكملت محاسنه وتجلت جميل صفاته.
ولما آنس الحاكم والمحكوم فيه هذه الصفات السامية، وبرزت لهم هممه العالية اختير لأن يكون عضوًا بلجنة الري بمديرية الشرقية، فأخذ يعمل بجد ونشاط مستعملًا في ذلك كل ما أوتي من ذكاء وهمة، مما استحق كل شكر وثناء ثم عين عضوًا بالمجلس الحسبي بمديرية الشرقية، فكان مثالًا للإقدام والنشاط وصواب الرأي كما كان كذلك في عضويته بلجنة الشياخات بتلك المديرية، فازداد احترام الجميع له وأعلوا مكانته حتى إذا ما جاء دور انتخاب أعضاء الجمعية التشريعية، أجمع الكل على انتخابه؛ ذلك لأنهم لم يجدوا من هو أكفأ منه علمًا وذكاءً ونشاطًا وهمة، فكان يعمل في مركزه هذا عمل الأبطال في ميدان القتال: آراء صائبة، واقتراحات ملئوها الفائدة، وخدمات صادقة، مع وطنية عالية، وقد استمر عاملًا مجدًّا بها حتى ألغيت، وقد نال من ثمار جهاده أن أنعم عليه سمو عباس حلمي باشا الثاني خديوي مصر الأسبق رتبة البكوية من الدرجة الثانية جزاء إخلاصه في العمل، وسداد الرأي، وطالما طلب أن تمنحه المعية رتبة المتمايز الرفيعة مكافأة له على جليل أعماله، فكانت المعية تستعمل التسويف من وقت لآخر، وذلك نتيجة مسائل شخصية لا محل لذكرها هنا.
وما كادت مصر تنال استقلالها وتعمد حكومتها إلى انتخاب الأعضاء الأكفاء بواسطة الانتخابات؛ لتعين نوابها في برلمانها؛ حتى فاز حضرة صاحب الترجمة الجليل في الانتخابات، فعين نائبًا من دائرة بلبيس بمديرية الشرقية، ولقد أجاد الناخبون صنعًا بانتخاب هذا الشهم الكفؤ والمتعلم الراقي، وسوف تتجلى مواهبه السامية وعبقريته الفائقة، ومواقفه الشريفة بالدفاع عن مصالح منطقته، ولا شك أيضًا أن هذه الدائرة قد ساعدها الحظ في تمثيل هذا النائب الجريء عنها، وستنال قسطًا وافرًا من الإصلاحات الهامة بفضل حسن جهاده، وبراعة دفاعه عن مصالحها، وليس تحقيق هذه المطالب والإصلاحات على همة حضرته بعزيز، هذا إذا ظل مجلس النواب منعقدًا حتى الآن دون أن تفاجئه الظروف المعلومة للجميع والتي استوجبت تعطيله.
صفاته وأخلاقه
ومن الناس من إذا أعطى وظيفة سامية تكبر وشمخ، فيصغر في نظر مواطنيه ومنهم من يزداد رقة ولطفًا وكمالًا وشعورًا بالواجب المفروض عليه مثل حضرة صاحب الترجمة الذي جّملته وظيفته النيابية بجمال الخلق، فكان مثال الدعة ومكارم الأخلاق.
أدامه المولى وأبقاه وألهمه سداد الرأي للدفاع عن مصالح البلاد، وأكثر من أمثاله الأكفاء.