ترجمة حضرة صاحب الفضيلة العالم الكبير والوطني الصميم «الأستاذ الشيخ مصطفى القاياتي»
مولده ونشأته
هو الحسيب النسيب السيد مصطفى القاياتي ابن العالم الكبير المرحوم الشيخ أحمد ابن العالم الورع الشيخ عبد الجواد ابن الصالح الشيخ عبد اللطيف من ذرية الشيخ أبي البقاء المدفون بقلعة الكبش، ويتصل نسبه براوي الحديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه.
ولد بالقايات مركز مغاغة من أعمال مديرية المنيا في آخر شهر الحجة عام ١٢٩٧، وكان والده من أكابر علماء الأزهر الشريف، وشيخ رواق السادة الفشنية ولقد ذكر صاحب الخطط التوفيقية في ترجمة القايات فضائل ومحامد لآباء صاحب الترجمة وأجداده، تثبت ما لهذه العائلة من مجد تليد وحديث «فليرجع إليها من يريد».
دور العلوم التي تعلم فيها
نوع الشهادات
نال شهادة العالمية في سنة ١٣٢٦ﻫ، وهي أكبر شهادة أزهرية، وعين للتدريس في الجامع الأزهر سنة ١٣٢٦ﻫ، وانتدب لتدريس آداب اللغة العربية وتاريخها بالجامعة المصرية إلى أن قدم الأستاذ أحمد ضيف من أوربا، ولقد برهن على كفاءة نادرة أعجب بها أساتذة الجامعة وطلابها، وشكرته الجامعة بكتاب رقيق على ما قام به واعترافًا بفضله، وحبذا لو وفق الله لخدمة الأدب من يقوم بطبع محاضراته، فهي مرجع تاريخي أدبي لا يستغني عنه معلم ولا متعلم.
والمترجم خطيب كبير، وكاتب قدير، شريف النفس، شديد التمسك بما يراه حقًّا، لا يحيد عنه ولو لاقى في سبيله أشد الآلام؛ لذلك قام بنصيب كبير في الحركة الوطنية منذ نشأتها إلى الآن لم يثنه عن القيام بواجبه في هذه الحركة الشريفة تهديد ولا وعيد ولا نفي ولا اعتقال ولا سجن ولا تعذيب.
ولا غرو في ذلك فقد لاقى عمه ووالده في سبيل الوطن ما لاقيا أيام الثورة العرابية، التي نفيا بسببها إلى الأقطار الشامية أربع سنوات.
وقد اعتقل صاحب الترجمة بقصر النيل في أول مايو سنة ١٩١٩، ومكث به شهرًا ثم نقل إلى رفح ومكث به شهرًا ونصف، ثم أفرج عنه ثم اعتقل بقصر النيل يوم ٢٥ نوفمبر سنة ١٩١٩، ومكث به أربعة أيام ثم نقل إلى رفح ومكث به ثلاثة شهور ونصف، وعاد إلى قصر النيل ومكث به ليلة واحدة ثم نقل إلى معسكر سيدي بشر، ومكث به عشرين يومًا ثم أفرج عنه على أن يقيم ببلدته ولا يبرحها، فسافر من سيدي بشر إلى محافظة مصر، ثم نقل إلى البلد برفقة أحد الضباط، ومكث بها إلى أول أبريل سنة ١٩٢١ ثم أفرج عنه.
وفي يناير سنة ١٩٢٢ تقدم لعضوية الوفد المصري عقب القبض على هيئة الوفد الثانية، وفي ٤ أغسطس سنة ١٩٢٢ قبل إعلان الحكم على أعضاء الوفد اعتقل بقصر النيل ومكث به مع إخوانه ثلاثة أشهر ونصف، ثم خرج منه في نوفمبر وبعد يومين من خروجه اعتقل في سجن مصر العمومي، ثم أطلق سراحه بعد أن مكث عشرين يومًا في زنزانة، ثم اعتقل في يناير سنة ١٩٢٣ بسجن الاستثناء ومكث في زنزانة نحو الستة شهور ثم أطلق سراحه.
ولقد كان في هذه الأوقات العصيبة على ما به من ضعف في الصحة كبير الإيمان لا يأسف لما يقع عليه من ظلم وعدوان في سبيل خدمة بلاده، ولقد قرر مجلس الأزهر الأعلى إيقافه عن التدريس، ومنع مرتبة في ديسمبر سنة ١٩٢٠، ثم في فبراير سنة ١٩٢٢ حول على مجلس التأديب فقرر نقله إلى معهد دمياط، ثم تنزيله درجة فاستقال مؤثرًا خدمة وطنه على أن يتقيد بوظيفة، وليس العهد بجهاده في زمن الانتخابات وقيامه بتأييد مرشحي الوفد، وما تحمله في ذلك ببعيد فنذكره.
ولقد انتخب نائبًا لدائرة أبا الوقف وقد قرر مجلس الأزهر الأعلى عودة فضيلته إلى الأزهر في ٢٩ مايو سنة ١٩٢٤.
ولم يقتصر فخر الأستاذ ولا فخر بيته على تلك الحركات الوطنية في أوقاتها، بل في كل آونة يشهد الزمان والمكان للفرع وأصله بمكرمات يضيق عنها الحصر، ولا يسعها العد إرشادًا إلى الدين القويم ونشرًا للعلم الشريف، وإغاثة الملهوف وتفريج كرب المكروبين، والأخذ بيد المظلومين، ورد جراح الظالمين.
صفاته
صلب في الحق، قوي في مبدئه، إذا خطب جذب القلوب بشهي ألفاظه، ودرر معانيه، وهو مثال الدعة، وكرم الأخلاق، وعلو النفس والشهامة.
أسبل الله عليه ثوب العافية ولا أحرم الكنانة من كبير وطنيته، وسامي عواطفه، وجليل خدماته.