ترجمة نيافة الحبر الجليل جزيل الطوبى والاحترام الأنبا متاؤس
ترجمته الشريفة
ولقد حظي بمقابلة جلالة الملك فؤاد الأول ملك مصر والسودان صباح يوم الاثنين الموافق ٢٩ يناير، سنة ١٩٢٣ مصحوبًا بحضرات الآباء المحترمين الأنبا يؤانس مطران كرسي الإسكندرية، والأنبا باخوميوس أسقف الدير المحرق، فأكرم وفادته إكرامًا دل على مكانته السامية في القلوب.
ولما كان مركز نيافته الحالي من أهم المراكز الدينية والسياسية؛ لتدخله في أكثر شؤون المملكة الحبشية وكثيرون يجهلون تاريخ حياة نيافته، فقد رأينا أن نأتي على لمحة من تاريخه الشريف، وسرد ملحوظاتنا عليها وهو كل ما وصلنا إليه فنقول:
ولد نيافته في بلدة بني خالد إحدى قرى مديرية أسيوط، وشب عاكفًا على الآداب والتقوى ثم دخل في دير المحرق في عهد المتنيح المثلث الرحمة الأنبا أبرام الذي كان اسمه وقتئذ القمص بولس، وهذا كان رئيسا للدير المذكور قبل أن يرسم أسقفًا على كرسي الفيوم، ولما كثرت إحسانات وعطايا هذا القديس المتنيح، عزل بمعرفة الأنبا مرقص مطران كرسي البحيرة في ذاك الوقت للسبب المذكور مدعيًا أن إيراد الدير لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكفي لسد حاجة هؤلاء المعوزين، وهكذا كان نصيبه وجزاؤه.
وبعد نهاية المدة التي مكثها نيافة المترجم في دير المحرق، انتقل راهبًا إلى دير العذراء بالبراموس بالبرية في عهد المتنيح الأنبا مرقص مطران كرسي البحيرة، ورسم نيافته أسقفًا للحبشة سنة ١٥٩٧ للشهداء/١٨٩١ ميلادية، وقد كان هناك الأنبا بطرس، فلما ذهب إلى بلاد الأحباش سار بحكمة لذكائه الطبيعي وبقي هناك في مدينة النجاشي منليك حتى إذا ارتقى عرش المملكة دبر سيادته بأحسن طريقة الملك، فكان جزاؤه أن حاز رضا النجاشي التام، وحصل على درجة لم ينلها مثله ممن تولوا الإمامة إلا نادرًا، فإنه فضلًا عن أنه صار كبير الأساقفة هناك، فإن النجاشي لا يعمل عملًا ولا يصدر حكمًا إلا بعد أن يستشيره فيه مكافأة له على حسن تدبيره وعنايته التامة، وسعيه المتواصل لإعلاء منار المملكة، وتقوية دعائم الدين المسيحي، وتثبيت أركانه في تلك البلاد الشاسعة الإرجاء، وقد ثبت في يوم الأحد ١٦ فبراير سنة ١٩٠٢ في درجة المطرانية عظيمة القدر باحتفال حافل جدًّا لم يسبق له مثيل من قبل، ولقد ذاع صيته في أقطار المسكونة، كما أن أحد كبار الإفرنج جاهر بما لنيافته من المقام الأسمى والاحترام الكلي، والكلمة المسموعة والباع الطويل في أمور المملكة، وأطنب في صفاته الشخصية إطنابًا عظيمًا، وذكر ما لمكانته بين ذاك الشعب من الإجلال حتى إنه وصفه ببابا رومية عند طائفة الكاثوليك.
ولا غرابة ولا عجب فإن اسم نيافة الأنبا متاؤس سيخلد بمداد الفخر والإعجاب في بطون التاريخ ضمن من جاهدوا، وسعوا في رفع شأن الديانة المسيحية، وتثبيتها في تلك البلاد وإعلاء كلمتها.
ولقد مكث نيافته مدة اثنين وأربعين عامًا حتى تاريخ زيارته هذه للأقطار المصرية وهو في تلك الأقطار النائية عن الوطن دائب على العبادة متمسك بأهداب التقوى والصلاح.
أما عن أخلاق نيافته الشخصية وأعماله الخيرية، فحدث ولا حرج فهو مثال اللطف والوداعة وكرم الأخلاق والطهارة، وحسناته العديدة التي يوزعها على البؤساء، ومن أخنى عليهم الدهر بكله وكانوا من العائلات الشريفة، فحدث عنها ولا حرج، وله اليد الطولى في كل عمل خيري مدفوعًا إلى ذلك بعامل الإيمان المسيحي الحقيقي المجرد من حب الفخر والفخفخة والتظاهر، اللهم إلا ابتغاء مرضاة رب المجد وضميره الطاهر.
أجزل الله عليه البركة وكافأه بعدد حسناته العديدة ومآثره الفريدة، وأدامه بالصحة والهناء نبراسًا وضاءً للكنيسة القبطية الأرثوذكسية آمين.