ترجمة حضرة صاحب النيافة الحبر الجليل الورع الأنبا مرقس
هذا هو رجل الله البار الذي شب على الفضيلة منذ نعومة أظفاره، ونأى عن الدنيا وما فيها من لهو باطل، ومتاع زائل، بل هو الشخص الذي يصح أن يكون قدوة لفضائل الدين المسيحي، لما له من ماض حسن، وسمعة بيضاء، وأعمال غراء.
مولده ونشأته
نشأ حضرة صاحب الترجمة كما ينشأ رجال الدين الأتقياء، إذ رغب منذ نعومة أظفاره في الرهبنة ففارق مسقط رأسه ودار والديه، وعكف في دير الأنبا أنطونيوس تاركًا الدنيا وزخرفها.
وقد رسم راهبًا في ذلك الدير حتى إذا ما برز على أترابه، وظهرت عليه مخائل النجابة والذكاء والإيمان المسيحي الحقيقي، وخوف الله رسمه غبطة الأب الجليل البطريرك المعظم الأنبا المعظم كيرلس الخامس بابا الكرازة المرقسية أسقفًا على الدير المذكور في سنة ١٨٩٧م، فعمل على إصلاح الدير وإنماء ثروته وتوسيع دائرة أملاكه، كما تجلت الطهارة والورع بأجلى معانيها في حضرة صاحب الترجمة، ولما كان لكل إنسان قادح أو مادح مهما كان نزيها شريفًا مستقيمًا، فقد حدث أن فوجئ حضرة صاحب الترجمة بحساد وقفوا حجر عثرة في طريقه المؤدي إلى الإصلاح، مما أدى إلى إصدار أمر بطريركي بإيقافه عن أعمال الدير نحو عام.
ظهور نزاهته وإخلاصه
ولكن شاءت العناية الإلهية أن تنقذ هذا الحبر الورع من كيد الواشين النمامين كذبًا ونفاقًا، واتضحت لمقام السدة البطريركية الجليلة نزاهته وإخلاصه في كل أعماله، فأعاده غبطة البابا المعظم إلى أسقفية الدير، وقد أخذ منذ ذاك الحين في استئناف جهاده بكل نزاهة وأمانة، كما كان يفعل فيما مضى وباشر في إصلاح الأعمال الجليلة، حتى أخرس حساده وكم أفواههم بما فطر عليه من جدارة وكفاءة وطهارة ذمة وعلو نفس، وها نحن نراه الآن قائمًا بأعباء خدمة شعبه ماديًّا وأدبيًّا بما أوتيه من قوة وفضل وعلم وذكاء فطري، وفقه الله تعالى إلى إرضاء ربه وشعبه.
صفاته وأخلاقه
على جانب عظيم من الورع والتقوى والصلاح، فتراه رغم كثرة إصلاحاته وانهماكه في إدارة الوقف منكبًّا على ذكر الله أناء الليل وأطراف النهار، وتراه دائمًا طلق المحيا بشوش الوجه لطيف الحديث حلو المسامرة في الأمور الدينية والأدبية، يجود بسخاء على الفقراء والمعوزين الذين يلجأون إليه طارقين بابه، فكل هذه الأعمال المبرورة تخلد له الذكرى الحسنة عند الله والناس؛ لما هو عليه من الورع والتقوى وسلامة القلب كارهًا نعيم الدنيا راغبًا عنها أكثر الله من أمثاله بين رجال الكهنوت.