أنت سابق نفسك
أنت سابق نفسك يا صاح، وما الأبراج التي أقمتها في حياتك سوى أساس لذاتك الجبارة، وهذه الذات في حينها ستكون أساسًا لغيرها.
وأنا مثلك سابقُ نفسي؛ لأن الظل المنبسط أمامي عند شروق الشمس سيتقلص تحت قدمي عند الظهيرة، وسيعقب هذا الشروقَ شروقٌ آخر؛ فيُحدث ظلًّا ثانيًا أمامي، ولكن هذا الظل عينه سيتقلص تحتَ قدمي أيضًا في ظهيرة أخرى.
منذ البدء ونحن سابقو نفوسِنا، وسنبقى سابقي نفوسنا إلى الأبد، وليس ما حشدنا ونحشدُ في حياتنا سوى بذور نُعدُّها لحقول لم تُفلَح بعد. نحن الحقول ونحن الزارعون، نحن الأثمار ونحن المستثمرون.
عندما كنتَ يا صاح فكرةً هائمةً في الضباب كنتُ هنالك فكرة هائمة مثلك؛ فنشدتك ونشدتني؛ فكانت من تشوُّقاتنا الأحلام، والأحلام كانت زمانًا بلا قيود، والأحلام كانت فضاء بلا حدود.
وعندما كنتَ كلمة صامتة بين شفتي الحياة المرتعشتين، كنتُ أنا مثلك هنالك كلمة صامتة، وما تلفَّظت الحياة بنا حتى برزنا إلى الوجود وقلبانا يخفقان بتذكارات الأمس والحنين إلى الغد. وما الأمس سوى الموت مطرودًا ولا الغد سوى الميلاد مقصودًا.
وها نحن الآن في يَدَيِ الله، فأنت شمسٌ منيرةٌ في يُمناه، وأنا أرض مستنيرة في يُسراه، ولكن قوتك إلى الإنارة ليست بأفضل من قوتي على الاستنارة.
وما نحن — الشمس والأرض — إلا بداءة لشمس أعظم وأرض أعظم، وسنبقى بداءة إلى الأبد.
أنت سابق نفسك أيها الغريب العابر بباب حديقتي، وأنا مثلك سابق نفسي، ولو كنت أجلس في ظلال أشجاري وأبدو ساكنًا هادئًا.