الشعراء
كان أربعة من الشعراء جالسين إلى خِوَان، وكان على الْخِوَان إناءٌ من الخمر.
فقال الشاعر الأول: «يُخيَّلُ إليَّ أني أرى عبير هذا الخمر مرفرفًا في الفضاء، كسحابة من الطيور في غاب مسحور.»
فرفع الشاعر الثاني رأسه وقال: «أما أنا فإني أسمع بأذني الباطنة هذه الطيور تغرِّد؛ فتأخذ ألحانها بمجامع قلبي؛ فتأسره كما تأسر الزَّنْبَقَةُ النحلةَ بين وريقاتها.»
فأغمض الشاعر الثالث عينيه ورفع ذراعَه وقال: «أما أنا فإني أكاد ألامسها بيدي، أشعر بحفيف أجنحتها يهبُّ في وجهي كأنه لهاثُ جنية نائمة.»
فنهض الشاعر الرابع إذ ذاك، ورفع الإناء بيديه وقال: «عفوَكم أيها الإخوان! فإني ضعيف البصر، ثقيل السمع، كَلِيل اللمس، فليس في طاقتي أن أرى عبير هذه الخمرة، ولا أن أسمع غناءها، ولا أن أشعر برفرفة أجنحتها. أوَّاه! إنني لا أشعر بغير الخمرة ذاتها؛ ولذلك يجب أن أشربَها لِتُوقِظَ حواسِّي الخاملة، وتُشعل روحي بنار بَرَكتكم العلوية ووحيكم الطَّهُور.»
ثمَّ وضع إناء الخمر على شفتيه وأتى على آخر نقطة فيه.
أما الشعراء الثلاثة رفقاؤه، فكانوا ينظرون إليه بدهشة، فاتحين أشداقهم، وفي عُيونهم غُلَّةٌ لا تُروى لهبتها وبِغْضَة لا تخمد حِدَّتُها.