الخلافات
فلما سمع الملك وكبار رجال دولته هذه البشرى نهضوا منتصبين على أقدامهم، وهللوا فرِحين؛ لأنه لو طال أجَلُ محراب الجبار سنةً واحدة، لغزا أرض «عيشانا» وقاد سُكَّانها عبيدًا إلى بلاده.
وفي تلك اللحظة دخل طبيب البلاد إلى قاعة الثيران المجنحة، ودخلت وراءَه قابِلَةُ الملكة؛ فانحنى الطبيب احترامًا للملك وقال له: «ليعش سيِّدي الملك إلى الأبد، فها قد رزقك اللهُ طفلًا ذكرًا، سيخلفك على العرش، ويخلد حكمك على شعوب «عيشانا» عديد السنين!»
فتهلل الملك، وطارت روحه فرحًا؛ لأنه في اللحظة الواحدة هلك عدوُّه وتأصَّلت الخلافة في نسله.
وكان في مدينة «عيشانا» في ذلك العهد نبيٌّ حقٌّ، ولكنه كان فتًى جريئًا باسل الروح، فأمر الملك أن يُحْضَرَ النبي بين يديه في تلك الليلة، فأُحضرَ في الحال.
فقال له الملك: «تنبأ أيها النبي، وقل لنا كيف سيكون مستقبل ابني الذي وُلِدَ الآنَ للمملكة.»
فأجابه النبي على الفور قائلًا: «أَصْغِ أيها الملك فأنبئك الصدق عن مستقبل ابنك الذي وُلِدَ لك اليوم؛ فإن رُوح عدوك — عدوك اللدود الملك محراب — الذي مات في مساء أمس، لم تلبث على متن الأرياح سوى ليلةٍ واحدة، وقد هبطت إلى الأرض ثانيةً تطلب جسدًا تَأْوِي إليه، فلم ترَ أفضل مِنْ جَسَدِ ابنِك هذا الذي وُلِدَ لك اليوم فتقَمَّصَتْه.»
فاستشاط الملك غَيْظًا، واستلَّ سيفَه، وقطع رأسَ النبي بيده، والزَّبَدُ يخرج من فمه غضبًا.
وها قد مرَّت الأيَّام، وتصرَّمت حِبَالُ السنين على تلك الحادثة، وحكماء «عيشانا» يُسِرُّون واحدُهم للآخر قائلين: «أما قيل لنا في القِدم، وأثبتت الأيامُ ذلك القول، إن «عيشانا» يحكمها عَدُوُّها؟»