المعرفة ونصف المعرفة
جلس أربع ضفادع على قُرْمَة حطب عائمة على حافَة نهر كبير، فجاءت موجة هوجاء واختطفت القرمة إلى وسط النهر؛ فحملتها المياه، وسارت بها ببطء مع مجرى النهر؛ فرقصت الضفادع فرحًا بهذه السياحةِ اللطيفة فوقَ المياه؛ لأنه لم يَسْبِقْ لهنَّ أن أبحرْنَ بعيدًا مِنْ ذي قَبْل.
وبعد هُنَيْهَة صرخت الضِّفْدَعة الأولى قائلةً: يا لها من قرمة عجيبة غريبة! تأمَّلن أيتها الرفيقات كيف تسير مثل سائر الأحياء، واللهِ إنني لم أسمعْ قَطُّ بمثلها.»
فأجابتها الضفدعة الثانية وقالت: «إن هذه القرمة لا تمشي ولا تتحرك أيتها الصديقة، وهي ليست عجيبة غريبة كما توهَّمْت، ولكن مياه النهر المنحدرة بطبيعتها إلى البحر تحمل هذه القرمة معها، وتحملنا نحن أيضًا بانحدارها.»
فقالت الضِّفْدَعة الثالثة: «لا لَعَمْرِي، فقد أخطأتما أيتها الرفيقتان في خيالكما الغريب؛ فإن القرمة لا تتحرك والنهر أيضًا لا يتحرك، وإنما الحقيقة أن فكرنا هو المتحرك فينا، وهو الذي يقودنا إلى الاعتقاد بحركة الأجسام الجامدة.»
وتناظرت الضفادع الثلاث في ما هو متحرك بالحقيقة، وحَمِيَ وَطِيسُ الجدال وعَلَا الصُّراخُ بينَهن ولم يَتَّفِقْنَ على رأي واحد.
ثمَّ التفتن إلى الضِّفْدَعة الرابعة التي كانت إلى تلك الساعة هادئة صامتة تُصْغِي إليهنَّ بانتباه واستيعاب، وسألْنَها رأيَها في الموضوع.
فقالت لهن: «كلكن مُحِقَّات أيتها الرفيقات، ولا واحدة منكن على ضلال؛ فإن الحركة كائنة في القرمة وفي النهر وفي فكرنا في وقت واحد.»
فلم يَرُقْهُنَّ ذلك الكلام؛ لأن كل واحدة منهن كانت تعتقد أنها وَحْدَها المُصيبة وأن رفيقاتها لَفِي ضلال مبين.
وما أغربَ ما حدث بعد ذلك! فإن الضفادعَ الثلاثَ تَسالَمْنَ بعد العداء، وتجمَّعْنَ فَرَمَيْنَ بالضِّفْدَعَة الرابعة من على القرمة إلى النهر.