المحتضر والشوحة
إنني أضِنُّ بجوعك أن يترقَّب تصرم هذه الْهُنَيْهات؛ لأن هذه القيود وإن كانت من اللهاث، فإن كسرها لعسير. إن رغبتي في الموت، وهي أبعد رغائبي، مقيَّدة بسلاسل رغبتي في الحياة، وهي أدنى رغائبي.
عفوَك أيتها الرفيقة، فإنني متماهلٌ بطيء.
هي الذكرى تُمْسِك بِرُوحي فتعيد إليها تذكارات مضت فتريها مواكب الأيام الذاهبة.
ومرأى شباب غابر قضيته في حلم.
وتشخص أمامي وجهًا يأمر أجفاني بألا تغمض.
وتعيد إلى مسمعي صوتًا لا يزال صداه متردِّدًا في أُذُني.
ويدًا تلامس يدي ولا أراها.
عفوكِ أيتها الرفيقة، فقد طال انتظارك.
ولكن ها قد دنت الساعة، وكل شيء عابر زائل: الوجه والعينان واليدان، والضباب الذي جاء بها.
ها قد حُلَّت العقدة.
قد تقطَّع الحبل.
وذلك الذي ليس بالطعام ولا بالشراب قد تنحَّى وراح.
تقدَّمي يا رفيقتي الجائعة، تقدَّمي فقد أُعِدَّت المائدة، والطعام حقير يسير، ولكنه يُقدَّم بمحبة.
هلمِّي واغرزي مِنْقارك في جنبي الأيسر،
وأخرجي من بين قضبان قفصه هذا الطائر الأصغر،
الذي لن يُرَفْرِف جِناحاه فيما بعد.
بربِّك خُذيه وحلِّقي به في رحاب الفضاء.
هلمَّي، هلمَّي إليَّ يا صديقتي؛
فأنا مُضيفكِ الليلة، وأنتِ ضيفي العزيز، فأهلًا ومرحبًا!