الذات العظمَى
حدث بعد تتويج نُفسيبعل، ملك جبيل، أنه انصرف إلى مقصورته، وهي الغرفة التي بناها له عرَّافو الجبل النُّسَّاك؛ فنزع تاجه، وخلع «برفيره» ووقف في وسط المقصورة، مفكِّرًا في عظمته المتناهية، كملك جبيل الواسع السلطان في ذلك الزمان.
وكان في صدر تلك المقصورة مرآة مفضَّضة الإطار، أهدَتْها إليه أمُّه؛ فالتفت إليها بَغْتَةً، وإذا برجل عارٍ قد خرج منها وتقدَّم إليه.
فأخذ الرعب بمجامع قلبه، وصرخ بالرجل قائلًا: «ماذا تريد أيها الرجل؟»
فأجابه الرجل وقال: «أودُّ شيئًا واحدًا أيها الملك، وهو أن تخبرَني لماذا توَّجوك ملكًا على هذه البلاد؟»
فقال له الملك: «قد توِّجوني مليكًا عليهم لأنني أنبل رجل بينهم.»
فقال له الرجل: «واللهِ لو كنتَ أنبلَ مما أنت لَمَا قَبِلْتَ المُلك.»
فأجابه الملك: «بل إنما توَّجوني لأنني أشدهم بأسًا وقدرةً.»
فقال له الرجل: «لو كنتَ بالحقيقة أشدَّهم بأسًا لَمَا قَبِلْتَ أن تكون مليكًا عليهم.»
فقال له الملك: «ألا إنما توَّجني شعبي لأنني أوفرهم حكمة.»
فأجابه الرجل قائلًا: «واللهِ لو كنت أوفر حكمة مما أنت الآن لما اخترتَ أن تكون ملكًا.»
فسقط الملك حينئذٍ على الأرض وبكى بُكاءً مُرًّا، أما الرجل العاري فكان ينظر إليه بشفقة وحنان آسفًا على جهله وغروره. ثمَّ تناول تاجَ الملكِ المتدحرجَ على الأرض ووضعه بلطف على رأسه المنحني، وعاد فدخل في المرآة كما خرج وهو ينظر إلى الملك بِرِقَّة وحسرة.
أما الملك فنهض بَغْتَةً إلى المرآة، وتأمَّلَها جيِّدًا فلم يَرَ هنالك أحدًا إلَّاه وتاجه على رأسه.