شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
«لولا الأدب ما كانت الفلسفة. ويخطئ مَن يظن أن لا صِلةَ بين صوت القلب الدافئ الحنون وبين صوت العقل البارد المتعالي. فالأدب — والشعر بوجهٍ خاص — هو مبدأ الفلسفة وغايتها. إنها تخرج منه كما خرجت منيرفا (أو أثينا) الحكيمة من رأس سيد الأدباء جوبيتر (أو زيوس). الأدب في صميمه ارتفاعٌ بالإنسان إلى وجودٍ أسمى، والفلسفة تهتمُّ في صميمها بالمبدأ الأول والغاية الأخيرة، ولا بد أن يصبَّ نهرُها البطيء المتعرِّج في نبع الأدب الحافل بالأسرار.»
على الرغم من التباعد بين لغة العقل ولغة الوجدان ظاهريًّا، فإنهما منسجِمان ومتناغِمان في جوهرَيهما؛ فالفيلسوف يكون في صميمه فنَّانًا وأديبًا انتزع الفكرةَ المجردة من إطارها المحسوس وقَنِع بالنواة دونَ الثمرة الحية، وكلٌّ من الفنَّان والأديب في حقيقته فيلسوفٌ كسا الفكرةَ صورةً حسية، وأحياها بالعاطفة الجيَّاشة؛ وهو ما أدركه «عبد الغفار مكاوي»، وأكَّده في كتابه هذا الذي يضم مجموعة من الدراسات، تتمحور جميعها حول هذه الفكرة؛ فراح يبحث في فلسفة الشعر وأدب الفلسفة، وكيف يُمكِن أن تكون القصيدة فلسفية، فقدَّم الكثيرَ من النماذج لشعراءَ كانت قصائدهم نظريةً فلسفية في قالب شعري، ولعل أشهرهم الألمانيان «جوته» و«هولدرلين»، وغيرهما من شعراء الغرب والعرب؛ مثل «دانتي» صاحب الكوميديا الإلهية، و«أبي العلاء المعري» صاحب فلسفة الشك، كما قدَّم نماذجَ لفلاسفةٍ جمعوا بين الفلسفة والتأريخ والأدب.