السؤال: هل تغيَّر المقر؟
أسرع «قيس» وصوَّب مسدَّسه في اتجاه كشَّاف النور فوق الفيلَّا، وأصابه إصابةً مباشرة، فغرق المكان في الظلام، أسرعا يزحفان بعيدًا عن مكانهما، في نفس الوقت الذي سمعا فيه أصواتَ كلابٍ تقترب، وكلماتٍ متناثرة: إنهما اثنان.
– يُوجد كلبٌ ميت دون أي إصابة.
– ربما تكون أوهامًا.
– لا، لقد رأيتُهما بنفسي.
– لقد كسر أحدهما الكشَّاف.
أخذَت الأصوات تزداد والكلاب تقترب، أخرج «أحمد» زجاجةً صغيرة، فتحها فانسابت رائحتها بسرعة، همَس: لا بد أن نصعد فوق أي شجرة، حتى يهدأ الموقف.
كانت بالقرب منهما شجرةُ سنطٍ ضخمة، أسرعا يَصعدَانها في رشاقة، حتى اختفيا بين أغصانها، اقتربَت الأصوات أكثر، حتى أصبحَت تحت الشجرة مباشرة. فجأةً بدأَت الكلاب تَعطِس، ثم أخذ الرجال يَعطِسون، قال واحد: إنها رائحة عطورٍ شرقية.
ثم عطَس مرتَين، قال آخر بعد أن عطَس: إن الحديقة ليست فيها مثل هذه العطور.
بدأَت الأصوات تبتعد، فهمَس «قيس»: إنهم يعطوننا فرصةً ذهبية.
قال «أحمد»: إن الموقف لن يمر بهذه البساطة، ومع ذلك، دعنا نرى.
تحرَّكا ينزلان الشجرة، حتى إذا اقتربا من ساقها، تعالَت أصواتٌ تقترب بسرعة، كان أعلاها صوتٌ خشن يقول: هل قبضتم على أحد؟
وجاء الردُّ: لا يُوجد شيء، يبدو أن «كراج» قد تصوَّر شيئًا في الظلام، إنه مهتز الأعصاب هذه الأيام!
قال الصوت الخشن: ومن الذي كسر الكشَّاف؟
وجاء الردَّ: لعل اللمبة قد احترقَت مصادفة.
مرةَ أخرى قال صاحب الصوت الخشن: ومن الذي قتل الكلب؟
ردَّ عليه: لعله مُغمًى عليه، ما دامت لا تُوجد به إصابات.
صرخ: ينبغي البحث جيدًا، لقد كانت هناك طلقاتُ رصاص.
بدأَت الأصواتُ تعود، فصَعِدا مبتعدَين داخل أغصان الشجرة.
قال واحد: أضيئوا أنوار الفيلَّا الخارجية.
توالَتِ المصابيح، وخفَّ الظلام، نظر «أحمد» فرآهم كانوا خمسةً بينهم ذلك الرجل صاحب الصوت الخشن، والذي ينادونه باسم الزعيم. جاءت الكلاب، وهبَّت رياحٌ قوية قليلًا، جعلَت أغصان الشجرة تهتَزُّ. نبحَت الكلاب بشدة وهي تشبُّ عند ساق الشجرة، قال الزعيم: لا بد أنها تنبَح؛ لأنها شمَّت رائحة أحد.
أسرع «قيس» وأخرج مسدَّسه، وفي هدوءٍ أطلق إبرةً مخدِّرة على أحد الكلاب، فسقط على الأرض، كان «أحمد» يفعل نفس الشيء، فسقط كلبٌ آخر، صرخ الرجال: هناك شياطين، ماذا حدث للكلاب؟
ابتعدَت الأصوات، وهمس «قيس» مبتسمًا: نعم، نحن الشياطين!
شعَر «أحمد» بدفء جهاز الاستقبال في جيبه، أخرجه بسرعة، وبدأ يتلقى رسالةً من «خالد»، كانت الرسالة تقول: أعددنا كل شيء، اللقاء في الفندق.
عرف «أحمد» ماذا يعني «خالد»، نقل الرسالة إلى «قيس»، ثم قال: ينبغي أن ننسحب الآن، دون أن نلتقي بأحد!
نزلا عن الشجرة في هدوء، كانت الأضواء لا تزال قويةً، أسرعا بين النباتات إلى حيث سور الحديقة النباتي، ومن فتحةٍ صغيرة فيه نفذا إلى الخارج، ثم أسرعا بالابتعاد، ظلا في سيرهما حتى وصلا إلى السيارة، قفزا داخلها.
وانطلَق «قيس» في طريقه إلى فندق «الإيست» في شارع ١٦، كان الليل هادئًا في مدينة «رتشمند»، وكان الزحام خفيفًا؛ ولذلك فإن الطريق إلى الفندق لم يستغرق وقتًا.
عندما وصلا إلى هناك، كان «خالد» و«بو عمير» في انتظارهما، وقد عقدوا اجتماعًا سريعًا، قال «خالد»: إن الموقف كان في صالحنا من البداية؛ فهذه ليست أول مرة تتعرَّض فيها الشركة لمثل هذه السرقات، وهذه المرة كوَّنوا لجنة هي التي تتولى عمليات اختبار الآلة الحاسبة الجديدة، حتى لا يتسرب شيء. لقد قابلنا مدير الشركة، وأبدى الرجل تفهمًا ورغبةً قوية في التعاون معنا، إن التجربة سوف تكون غدًا في الثامنة مساء. وكان المفروض أن تكون نهارًا، لكن الليل يعطينا فرصة الحركة أكثر. لقد رسمنا خطَّتنا على أساس إعطاء الفرصة لأعضاء اللجنة الواحد بعد الآخر، ليكون بمفرده لدقائق، دون أن يلمس أحدٌ شيئًا، في نفس الوقت سوف نكون نحن في حالة رصد لموجات الإرسال بين الشركة ومقر العصابة، وسوف نُحدِّد ساعتها من هو عميل العصابة داخل الشركة.
سكت «خالد»، فقال «بو عمير»: نحتاج إلى خطةٍ مكملة للوصول إلى أفراد العصابة في نفس اللحظة.
سأل «أحمد»: وكم عدد أعضاء اللجنة؟
«خالد»: ثلاثة.
«أحمد»: هذا يُسهِّل المهمة.
صمت قليلًا، ثم بدأ يشرح لهم كل ما حدث منذ افترقا، وحتى هذه اللحظة، ثم قال في النهاية: إننا في الثامنة سوف نكون هناك، وسوف تكون أجهزتنا مستعدةً لرصد أي شيء.
طُرق الباب في هدوءٍ فالتفَتوا إليه، فُتح بعد لحظة وأطلَّ منه وجهٌ صغيرٌ مبتسمٌ، فقال «أحمد»: أهلًا «جاكو» الصغير، تعالَ.
دخل «جاكو» وهو يبتسم قائلًا: إنني أقوم بالعمل في الليل مكان أبي، وقد طلب مني أن آتي إليكم، فربما احتجتُم شيئًا.
ابتسم الشياطين لأسلوبه المهذَّب، وقال «بو عمير»: لقد جئتَ في موعدك تمامًا، نحتاج لأكواب من العصير، وبعض السندويتشات.
لمعَت عينا «جاكو» وهو يقول: سوف أفعل ذلك حالًا.
أسرع خارجًا في رشاقة، وعندما اختفى عاد الشياطين إلى أحاديثهم، قال «قيس»: «إننا الآن في منتصف الطريق، لقد حدَّدنا معركتَنا، فهل نرسل إلى رقم «صفر» نخبره بما حدث.
قال «أحمد» بسرعة: سوف ننتظر حتى الغد.
بعد قليل عاد «جاكو» الصغير يحمل صينيةً عليها مجموعة من السندويتشات وأكواب العصير، وضعها أمامهم وهو يقول: إنني أنام متأخرًا، ويمكن أن تجدوني في أي وقت.
شكره الشياطين، فانصرف … تناولوا عَشاءَهم، ثم التفُّوا حول جهاز التليفزيون الموجود في الحجرة، كان يذيع فيلمًا من الأفلام القديمة التي يُحبُّونها، كان اسم الفيلم «حديقة الشر»، قال «خالد»: لقد قرأت عن «جاري كوبر» بطل الفيلم، فهو واحد من أحسن الممثلين القدامى في أمريكا.
مرَّت السهرة هادئة، حتى أَوَوْا إلى فراشهم، وفي الصباح كان «قيس» أول الذين استيقظوا، فتح ستائر النوافذ، فانساب الضوء إلى الحجرة، أخذ يؤدِّي تمارين الصباح، فانضَم الباقون إليه. وعندما أخذوا حمَّام الصباح كان «بو عمير» قد طلَب الفطور، دخل «جاكو» الأب تملأ وجهه ابتسامةٌ طيبة، فألقى عليهم تحية الصباح، ووضع طعام الإفطار وانصرف. أخذوا يأكلون في هدوء، حتى إذا انتهَوْا، قال «أحمد»: ما رأيكم في جولة حرة، نرى فيها «رتشمند» جيدًا؟
في دقائق كانوا يغادرون الفندق إلى الشارع، وقفوا على الرصيف أمام الفندق، فقال «خالد»: سيرًا أم ركوبًا؟
ضحك «قيس» وقال: بل سيرًا.
انتهى النهار في جولتهم الحرة، ولم يعودوا إلى الفندق إلا آخر النهار، ارتاحوا قليلًا، وأبدلوا ثيابهم، ثم أخذوا طريقهم إلى الخارج، وكما حدث في الأمس، ركب «أحمد» و«قيس» الترانس آم البيضاء، وركب «خالد» و«بو عمير» الزرقاء، ثم انطلَقوا إلى حيث «شركة الحاسبات الإلكترونية». كانت الساعة تشير إلى السابعة والربع عندما اقتربت السيارتان من نقطة الافتراق، أخذ «أحمد» و«قيس» اتجاه مقر العصابة، وأخذ «خالد» و«بو عمير» اتجاه الشركة، في الطريق إلى المقر، قال «قيس»: هل تعتقد أننا سوف نُحقِّق شيئًا الليلة؟
شرد «أحمد» قليلًا قبل أن يُجيب: أرجو ذلك.
ثم أخرج جهاز الاستقبال الخاص بالشياطين، وضغط زر التشغيل، فعلَت الدهشة وجهه، لقد تحرك المؤشر … فقال: هناك رسالةٌ بين المقر والشركة.
أرسل رسالةً سريعة إلى «خالد» يُخبِره فيها بما رصده الجهاز، وبأنه يجب تسجيل الرسالة. بسرعة ردَّ «خالد» سجَّلتُ الرسالة، إنها شفرية وتحتاج إلى حلٍّ، فأرسلتُها إلى المقر.
ابتسم «أحمد» وهو يتلقى رسالة «خالد» حتى إن «قيس» سأله، فقال: لقد نفَّذ «خالد» ما فكَّرتُ فيه.
ثم نقل رسالة «خالد» إلى «قيس»، كانت السيارة تتقدم في بطء ناحية الفيلَّا، التي كانت لا تزال بعيدة، نظر «أحمد» في ساعته، ثم قال: ينبغي أن ننتظر قليلًا.
أوقَف «قيس» السيارة في جانب الطريق، بينما ظل جهاز الاستقبال يرصُد ما يدور بين نقطتَي الإرسال والاستقبال في الشركة ومقر العصابة، ثم فجأةً توقَّف المؤشِّر، فقال «قيس»: يبدو أن الرسالة قد انتهَت.
هزَّ «أحمد» رأسَه دون إجابة، مرت دقائق وهما صامتون، ثم جاءت رسالة من «خالد» يقول فيها إن رقم «صفر» قد أرسل حل الرسالة الشفرية، وإنهم غيَّروا الموجة التي يُرسِلون عليها، قال «أحمد» في هدوء: لقد كنتُ أنتظر ذلك؛ فمن الضروري أن يكونوا قد شكُّوا فيما حدث بالأمس.
فجأةً جاءت رسالةٌ من «خالد»: هل يُسجِّل جهاز الاستقبال عندك أيَّ حركةٍ؟
ضغط «أحمد» زرَّ جهاز الاستقبال، فلم يتحرك المؤشر، أرسل رسالةً سريعة إلى «خالد» يطلب نوع الموجة التي تُرسِل عليها العصابة، تبعًا للرسالة التي ردَّ بها رقم «صفر»، فأرسل «خالد» ردًّا: إنها الموجة القصيرة ٦٧ كيلوسيكل.
ضبط «أحمد» جهاز الاستقبال على نفس الموجة، لكن الجهاز لم يتحرك، جاءت رسالة من «خالد» تقول إن الموجة صحيحة، وإنه سجَّل إشارة بين الشركة والمقر، عَلَت الدهشة وجه «أحمد»، ونقل دهشته إلى «قيس»: هذا يعني أننا فقدنا مصدر الإرسال، يجب أن نقترب أكثر من الفيلَّا لنرى.
أدار «قيس» موتور السيارة، ثم انطلَق في الطريق إلى قصر العصابة، ورغم أن المقر أصبح أمامهم مباشرة، إلا أن مؤشِّر الجهاز لم يُسجِّل شيئًا، وتساءل «أحمد»: هل نقلوا المقر إلى مكانٍ آخر؟