العملاق … يطير في الهواء!
قال «قيس»: هل ندور حول المقر؟
أجاب «أحمد» بعد قليل: لا بأس.
دارا دورةً كاملة، دون أن يُسجِّل الجهاز شيئًا، قال «أحمد»: ينبغي أن نسرع إلى الداخل قبل الساعة الثامنة.
أسرع «قيس» حتى وقف بالسيارة في نفس مكان الأمس، وفي دقائق كانا يدخلان من سور الحديقة، توقفا قليلًا، لم يكن هناك ما يدل على شيء، كانت الفيلَّا هادئة وإن كانت أضواؤها منيرة، تقدَّم «أحمد» من جدار الفيلَّا، ثم لصق سمَّاعة، وبدأ يستمع، لم يكن هناك أي صوت في الداخل، عاد بسرعة إلى حيث يقف «قيس» مراقبًا للمكان، ونقل إليه ما حدث، أسرعا بالعودة إلى السيارة، أرسل «أحمد» رسالةً سريعة إلى «خالد» الذي ردَّ يقول أنه يُسجِّل ما يدور، وإن كان الإرسال قد توقَّف الآن، فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال: ينبغي أن نذهب إلى الشركة، ثم نرصد من هناك، ونتَتبَّع الإرسال، وسوف نصل بالتأكيد إلى المقر الجديد، فلا بد أنهم غيروا المقر منذ أمس.
… أدار «قيس» محرك السيارة، ثم انطلق في اتجاه الشركة، نظر «أحمد» في ساعته، وكانت تشير إلى الثامنة إلا عشر دقائق، فقال: لقد اقترب موعد التجارب!
ردَّ «قيس»: إننا نقترب بسرعة، وأظنُّ أن العصابة ليست بعيدة، إنها سوف تكون في المنطقة، في مسافة مثل مسافة الفيلَّا!
ظهر مبنى «شركة الحاسبات الإلكترونية»، أرسل «أحمد» رسالة إلى «خالد» يطلب منه موقف حجرة الاختبارات، جاءه الردَّ بسرعة: النقطة ج درجة، ١٧ شمالًا.
حدد «أحمد» موقع الحجرة، ثم قال «لقيس»: يجب أن نكون في نفس الاتجاه، حتى ندخُل في دائرة الإرسال.
اتجه «قيس» إلى الاتجاه الذي حدَّده «أحمد»، كانت الساعة تقترب من الثامنة، ضغط «أحمد» زر الجهاز، فلم يتحرك المؤشر، توقَّفتِ السيارة، فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال: لو أننا سمعنا ما يدور في حجرة الاختبارات، فإننا سوف نتصرف بطريقةٍ أسرع.
وأرسل رسالةً تحمل نفس المعنى إلى «خالد»، ثم انتظر. مرت دقائق، حتى جاءه الرد، ففتح جهاز الاستقبال، كما طلب منه «خالد» لحظة، ثم بدأ يسمع حوارًا، كان الحوار يدور حول جهاز الحاسب الإلكتروني الجديد، وكان «قيس» يستمع هو الآخر، فقال: واضح أنهم أكثر من ثلاثة.
لم يمر وقتٌ طويل، حتى انسحب اثنان، علَّق «قيس»: واضح أن هذه هي اللجنة.
فجأةً تحرك المؤشِّر في جهاز الاستقبال، قال «أحمد»: لقد بدأ الإرسال.
عَلَت الدهشة وجهه، وهو يقول: إن أحد الثلاثة يتحدث بطريقةٍ لافتةٍ للنظر.
قال «قيس»: إذن نبدأ عملية التتبُّع.
أدار محرِّك السيارة، وانطلَق، كانت عينا «قيس» على مؤشِّر الجهاز، ليتأكد أنه داخل دائرة الإرسال … ابتعدَت السيارة، حتى خرجَت إلى منطقة الحقول، قال «أحمد»: إننا في اتجاهٍ آخر، غير اتجاه الفيلَّا.
ظلَّت السيارة في تقدُّمها، كان الطريق الأسفلتي ينحرف في اتجاه الغرب، فانحرفَت السيارة معه، لكن فجأةً صاح «أحمد»: انتظر، لقد خرجنا من الدائرة.
نظر «قيس» إلى المؤشر بسرعة، كان قد توقَّف في نفس الوقت، اختفت أصوات المتحدثين في الحجرة، عاد «قيس» بالسيارة إلى نفس الطريق بعد عدة أمتار، فعاد المؤشر يتحرك، قال «أحمد»: ينبغي أن نغادر السيارة الآن، ما دام الطريق الأسفلتي بعيدًا عن دائرة الإرسال.
نزلا بسرعة، كان «أحمد» يمسك في يده جهاز الاستقبال الصغير الخاص بالشياطين، ظلا يتراجعان، حتى بدأ المؤشر يتحرك، وبدأ أصوات المتحدثين تظهر، نظرا حولهما، كانت النباتات ترتفع، قال «قيس»: ربما كانوا وسط النباتات.
بدآ يبحثان عن طريقٍ يسيران عليه، كان هناك طريقٌ ضيق يخترق المزروعات، سارا فيه، وظل المؤشر يتحرَّك، ثم أخذَت تتلاشى الأصوات حتى اختفت، قال «أحمد»: لا بأس، إننا أصبحنا بعيدَين أكثر، ولا يستطيع الجهاز إلا أن يرصُد الإشارات المرسلة.
ظلا يتقدمان، كان الليل حولهما صامتًا موحشًا، وفجأة وكأن ثقلًا عظيمًا قد وقع فوق كتفَي «قيس» حتى إنه تهاوى على الأرض، إلا أن «أحمد» كان أكثر سرعة، فقفز مبتعدًا، كان هناك عملاق يقف بجوار «قيس»، وقد أمسك خنجرًا في يده، بدأ «أحمد» يتحفَّز، والعملاق يتحفَّز، كان يبدو في الليل وكأنه كتلةٌ سوداء كبيرة، فجأة، طار العملاق في الهواء، ثم سقط وسط الزرع، في نفس اللحظة وقف «قيس»، وفي قفزةٍ واحدة ضرب العملاق ضربةً مزدوجة جعلَته يطير، ثم يسقط بعيدًا، فهمس «أحمد»: لقد بدأ الصدام.
ظلا يرقبان المكان في هدوء، إلا أن أحدًا لم يظهر، فأخذا يتقدَّمان، تبعًا لحركة المؤشر، غير أن «قيس» أمسك بيد «أحمد» وجذَبه ناحيته، فتوقَّف «أحمد»، وبدأ يُنصِت، كانت هناك أصواتٌ خافتة، وتُوشِك أن تقترب، رقد الاثنان في الأرض، كانت النباتات كافية لأن تُغطِّيهما تمامًا، ظلا يتسمَّعان للأصوات التي تقترب، سمع «قيس» صوتًا يقول: إن «بلاك» قد أُصيب في كتفه إصابةً بالغة.
فهما أن «بلاك» هو العملاق الذي ضربه «قيس»، قال آخر: لا بد أنهما مختبئان في مكانٍ قريب.
ثم أصبحَت الأصوات واضحة تمامًا، وأصبحَت بجوارهما، فتحدَّث «أحمد» و«قيس» بلغة الأيدي، قال «أحمد»: إنهم مجموعة.
رد «قيس»: المهمُّ أن ننتهي منهم.
اتفق الاثنان، ينبغي أن يبدآ في قفزةٍ واحدة، وفي لحظةٍ كان الاثنان يطيران في الهواء، وبحركةٍ واحدة، ضرب كلٌّ منهما رجلَين، فتهاوَيا على الأرض، وبقي الخامس ينظر في ذهول، أسرع إليه «أحمد»، وضربه ضربةً جعلَته يسقط على الأرض، في نفس الوقت، كان الرجال الأربعة قد استعادوا قواهم، وتحفَّزوا للاشتباك، أخرج أحدهم سكينًا طويلة، ثم قفز في اتجاه «أحمد» وهو يُصوِّبها إليه، فطار «أحمد» في الهواء ولم يَضرِبه، بل ضَربَ الآخر الذي كان يتحفَّز، في ذات الوقت وهو يراقب فيه حامل السكين، فكَّر «قيس» بسرعة، فأخرج مسدسه، وأطلق إبرةً مخدِّرة على حامل السكين، ثم الآخر، فتهاوى الاثنان، وأصبحَتِ المعركة رجلَين لرجلَين. كانت أسرع معركة؛ فقد انتهت بعد دقيقتَين، وبسرعة كان «أحمد» و«قيس» يأخذان طريقهما إلى حيث يقودُهما المؤشر، ظلا يتقدَّمان بسرعة، نظر «أحمد» في ساعة يده، كانت تقترب من التاسعة، قال هامسًا: إن الوقت أصبح حرجًا جدًّا.
أرسل رسالةً إلى «خالد»، الذي ردَّ بسرعة يقول: كل شيءٍ يسير حسب الخطَّة، استمر.
تقدَّما، ثم فجأةً توقَّفا، أشار «قيس» إلى بصيص ضوء يبدو خافتًا من بعيد، ثم أسرعا في اتجاهه، كانا يُحاولان ألا يظهَر صوتُ أقدامهما فوق النباتات، لكن فجأةً لمع ضوء، ودوَّت أصوات طلقاتٍ في اتجاههما، رقدا على الأرض بلا حراك، ظلا في رقادهما دقائق دون أن يتوقف الضرب، همس «أحمد»: ينبغي أن نزحف بعيدًا عن المكان، واضحٌ أن الحراسة مشدَّدة هذه الليلة.
زحفا في هدوء، كانا يبتعدان عن الطلقات التي تنزل كالمطر، شيئًا فشيئًا أخذَت الطلقات تخف، حتى توقفت، رفع «أحمد» رأسه في حذر حتى يُحدِّد مصدر الضوء، كان بعيدًا عنهما، لكنهما في اتجاهه تمامًا، أشار «أحمد» إلى «قيس»، ثم أخذا يزحفان في اتجاه الضوء، كان الصمت ثقيلًا؛ فلم يكن هناك أي صوت، ظلا يتقدَّمان، ثم رفع «أحمد» رأسه في حذر، ورصد المكان، عَلَت الدهشة وجهه وهمس: إنها مجرد خيمة.
رفع «قيس» رأسه هو الآخر، كانت هناك خيمةٌ زرقاء متوسطة الحجم، فجأةً جذب «أحمد» يد «قيس»، ثم أنزل رأسه بسرعة، جاء صوتٌ يقول: أين الرجال؟
وكان الردُّ: لا بد أنهم يقومون بالحراسة حولنا.
قال آخر: يبدو أن هناك شيئًا يُعطِّل البروفيسور «كاتل» عن إكمال مهمته.
صوت: هل تظن؟
صوت: بالتأكيد، وإلا فلماذا لم تُرسَل إلينا تفاصيل الشفرة الخاصة بالآلة الجديدة؟
استَمر الصمت دقائق، كان «أحمد» و«قيس» يستمعان لحديث أفراد العصابة، الذي كان يكشف كل شيء، عاد الحديث مرةً أخرى: هل نُغيِّر الخطة؟
صوت: لا نملك ذلك، لا بد أن تتغير من القيادة، وعلينا أن ننتظر قليلًا، قبل أن نرسل لهم.
اقترب صوتٌ يقول: إن الحراسة غير موجودة، لقد دُرتُ في أماكنَ كثيرة، وتحدَّثتُ باللاسلكي، فلم يرُدَّ أحد.
أجاب صوتٌ يبدو فيه الفزع: ماذا تعني؟
قال آخر: هل تكرَّر ما حدث بالأمس، وكيف؟
قال ثالث: لا بد أن نطلب حراسةً سريعة قبل أن يضيع الوقت، ومن يدري؟ قد يكونون بيننا الآن!
نظر «أحمد» إلى «قيس»، ثم تحدَّث إليه بلغة الأيدي: علينا أن ننسحب مؤقتًا، ثم نرسل ﻟ «خالد».
أخذا يبتعدان عن المكان زحفًا، حتى توقفا وسط مجموعة نباتاتٍ مرتفعة بما يكفي، أرسل «أحمد» رسالةً إلى «خالد» الذي ردَّ بسرعة، عَلَت الدهشة وجه «أحمد» وهو يقول ﻟ «قيس»: لقد اقتربنا من النهاية!