الشياطين في كل مكان!
نقل «أحمد» رسالة «خالد» إلى «قيس» الذي ابتسم وهو يقول: نعم، لقد اقتربَت.
كان صوتُ أفراد العصابة لا يزال يتردَّد، قال واحدٌ منهم: لقد أرسلنا الرسالة.
همس «أحمد»: إنهم في انتظار حراسةٍ جديدة، ينبغي أن نتحرَّك قبل أن يزداد العدد.
صمت «قيس» قليلًا قبل أن يقول: هل نشتبك؟
قال «أحمد»: ليس الآن، إننا في انتظار «خالد» و«بو عمير».
تراجعت أصوات الرجال، حتى اختفت، رفع «أحمد» رأسَه، فلم يَرَ أحدًا، همَس: فلنَتقدَّم قليلًا.
زحفا في طريقهما إلى الخيمة، جاء صوت: انتشروا في دائرة حول المكان.
همس «أحمد»: ينبغي أن نقترب أكثر، حتى نكون في أمان.
فهم «قيس» وجهة نظر «أحمد» فابتسم، اقتربا أكثر حتى أصبحَت الخيمة على بُعد أمتارٍ قليلة، في نفس الوقت ابتعدَت أصوات الحُرَّاس، همَس «أحمد»: إنهم الآن خلفنا، وهذا يعطينا فرصةً طيبة للمناورة؛ فنحن بين الاثنَين.
أرسل رسالةً سريعة إلى «خالد» يُحدِّد فيها مكانهما، لكن فجأةً جاءهم صوت الزعيم الخَشِن: هناك شيءٌ قد حدث، لقد انقطع الإرسال.
ثم شمل المكان صمتٌ لبضع دقائق، واقتَربَ الصوت أكثر، رفع «أحمد» رأسه في حذرٍ يرقب الخيمة، فرأى صاحب الصوت الخَشِن، عملاق ضخم، وبجواره وقف اثنان، يبدو عليهما الفزع، قال أحدهما: هل نُرسِل إلى القيادة أيها الزعيم؟
لم يرُدَّ مباشرة، لكنه قال بعد قليل: ننتظر قليلًا؛ فربما عاد الإرسال.
كان يروح ويجيء في حيرة، وهو يضرب يدَيه في بعضهما، ثم توقف، وسأل: ما هذه الطلقاتُ التي دوَّت منذ وقت؟
أجاب أحدهما: لا أظن أن شيئًا هامًّا قد حدث، وإلا استمر، أو قامت معركة.
ظل الزعيم يروح ويجيء، بينما ضوءٌ خافت يتسلَّل من فتحةٍ في الخيمة، فيجعلهم كالظلال، مرَّ بعض الوقت، كان «أحمد» قد حدَّد بينه وبين نفسه ثلث ساعة، ليصل «خالد» و«بو عمير» إلى مشارف المكان، ثم ربع ساعة حتى يدخلا منطقة الصراع، فجأة شعر بدفء جهاز الاستقبال، فعرف أن هناك رسالةً ما، أخذ يتلقى الرسالة التي جاءت من «خالد»، وكانت تقول: نحن عند النقطة «س» على خط «٤». نقل الرسالة إلى «قيس» الذي قال: إنهما إذن في الجانب الآخر، كان ينبغي أن ينضَمَّا إلينا.
فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم أرسل إلى «خالد» يطلُب انضمامهما إليهما، وفي دقيقة كان «خالد» يُردِّد قائلًا: نحن في الطريق إليكما.
لم تَمضِ لحظات، حتى دوَّت في الجانب الآخر فرقعةٌ عالية، أضاءتِ المكان، وتعالت الصيحات، رفع «أحمد» و«قيس» رأسَيْهما، كان أفراد العصابة جميعًا يَجْرون في اتجاه الفرقعة، كان عددهم كبيرًا كما قدَّر «أحمد» بعد أن وضَحوا في ضوء الفرقعة، تساءل «قيس»: فرقعةٌ غريبة، هل تظن أن الشياطين سبَبُها؟
ردَّ «أحمد» بعد قليل: ربما.
مرَّت دقائق، سمعا بعدها صوتًا هامسًا: كل شيءٍ مُهيَّأ الآن.
نظرا خلفهما، كان «خالد» و«بو عمير» يزحفان مُقتربَين.
سأل «قيس»: هل سمعتما الفرقعة؟
ابتسم «بو عمير» وهو يقول: بالتأكيد لأننا سبَبُها.
قال «خالد» بسرعة: يجب أن ننتهز الفرصة، إن الخيمة تكاد تكون خالية، ونحن نستطيع أن نتَصيَّد من يعود.
زحف الأربعة في خطٍّ مستقيم في اتجاه الخيمة، لم يكن أحدٌ هناك، فقد فعلَت الفرقعة فِعلَها، اقترب «أحمد» أولًا في حذَر، ثم انسلَّ داخلًا من باب الخيمة، نظر في الجانب الآخر، كان أحد الحراس يقف، همَس له: أنت، تعالَ.
التفَت الحارس ينظر حوالَيه، ثم اقترب من الخيمة في تردُّد، وعندما أصبح عند الباب تمامًا، امتدَّت يد في سرعة فجذَبتْه بقوة، فدخل مندفعًا لينال لكمةً قوية جعلَته يترنَّح، ثم يسقط على الأرض. كان الشياطين الأربعة داخل الخيمة، يلتفُّون حول جهاز استقبالٍ في وسطها، قال «أحمد»: فلنترك كل شيء، ونتفرَّغ لمن يعود، على كلٍّ منا أن يكون مسئولًا عن أحد جوانب الخيمة.
توزَّعوا بسرعة، وأصبح كلٌّ منهم يراقب أحد الاتجاهات الأربعة. لم تمرَّ دقائق، حتى بدأَت الأصوات تظهر، كان أوضحها صوت الزعيم الذي قال: هذه مسألةٌ غريبة، ما معنى حدوث هذه الفرقعة؟
لم يرُدَّ أحد، فقال: لا بد أن أحدًا هنا.
كان الشياطين يُراقبون جيدًا، وكان الزعيم يأتي من الاتجاه الذي يُراقبه «أحمد»، اقترب الزعيم أكثر، كان معه أربعة، لكنه كان يتقدَّمهم خطوة، نظر «أحمد» إلى الشياطين، وأشار إشاراتٍ فهموها جميعًا، فأسرعوا في اتجاهه، وتوزَّعوا بجوار باب الخيمة، لحظة ثم ظهَرتْ قدَم الزعيم وهو يخطو إلى الداخل، ثم يده وهي تُزيح باب الخيمة، ليظهر بقامته الطويلة، لكنه لم يكَد يظهر حتى كانت قبضتا «بو عمير» تندفعان في اتجاهه، حتى إنه انحنى دون كلمة، ليجُرَّه «خالد» بسرعة، فيندفع إلى الجانب الآخر، إلا أن «أحمد» كان يضع قدَمه أمامه، فسقَط على الأرض، في نفس الوقت كان يدخل أول الأربعة، فجذَبه «بو عمير» إلى الداخل بقوة، وهو يُكمِّم فمه، دخل الثاني فتلقَّاه «خالد»، ثم الثالث فتلقَّاه «قيس»، ثم الرابع وتلقَّاه «أحمد»، وفي دقائقَ كانوا جميعًا ممدَّدين على أرض الخيمة. نظر الشياطين إلى بعضهم، وتكلَّموا بلغتهم، أسرع «بو عمير» إلى أحد جوانب الخيمة، ورصد المكان، لم يكن أحد هناك، أشار إلى الشياطين الذين بدءوا يَجرُّونهم إلى خارج الخيمة، كان الظلام في الخارج يُغطِّي كل شيء، وفي هدوء كان الخمسة مُقيَّدين بين النباتات، وكان على الشياطين أن يفكِّروا بسرعة، حتى ينتهوا من الحراسة حول الخيمة، قال «خالد»: إما أن نُحطِّم الجهاز، أو نحمله معنا.
ردَّ «بو عمير»: لا أظن أننا في حاجةٍ إليه، يمكن تعطيله ببساطة.
مرَّت دقائقُ سريعة، قال «أحمد» في نهايتها: علينا أن نُنهي الموقف بسرعة.
لم يكَد ينتهي من جملته حتى علَت الدهشة وجوههم، لقد كانت هناك أصواتٌ تقترب، أخذوا يستمعون إليها، وهمَس «أحمد»: إنهم صيدٌ هام، وطيب!
توقَّفتِ الأصوات خارج الخيمة، وصاح واحد: «هال» أين أنت؟
نظر الشياطين إلى بعضهم، لم يكن أحد منهم يعرف من هو «هال»، تكرَّر النداء مرةً أخرى: «هال»، ماذا هناك؟
لم ينطق أحد من الشياطين، فجاء الصوت: استَدعِه أيها الحارس.
دخل أحد الحراس، لكنه وقع في قبضة الشياطين دون صوت. بعد قليلٍ جاء نفس الصوت: ماذا حدث للحارس؟ هل هناك أحد؟ «هال» هل تسمعني؟
صمت كل شيء لحظة، ثم قال الصوت: لا بد أن أحدًا بداخل الخيمة، حاصروا المكان.
ما إن سمع الشياطين هذه الجملة، حتى كانوا أسرع من البرق، فمن نفس المكان الذي أخرجوا منه الخمسة خرجوا زحفًا، واختفَوا بين النباتات، لكنهم لم يبتعدوا، فقد كانوا يسمعون النداءات، سمعوا الصوت يقول: تقدَّم يا «جرين» … وانظر ماذا هناك.
صمت كل شيء لحظةً، ثم فجأة، قال «جرين» من داخل الخيمة: لا أحد سوى الحارس مُغمًى عليه!
رصَد الشياطين عددًا من الحراس يَجْرون في اتجاهاتٍ مختلفة، فلم يتحرَّك أحدهم، بعد لحظة ظهر رجلٌ أنيق المظهر، ناعم الصوت، عرفوا أنه الذي كان ينادي قال: «جرين»، أين «هال» ومن معه؟
انضم إليهما ثلاثةٌ آخرون، كانوا يتحدَّثون جميعًا في وقتٍ واحد، وبطريقةٍ عصبية، همس «أحمد»: يجب أن نشتبك معهم، قبل أن يُحاصِرونا.
ثم نظر إلى «خالد»، وقال: الخطة البديلة.
بسرعة أخرج «خالد» جهاز الإرسال الخاص به، ثم بدأ يرسل رسالةً إلى رقم «صفر»، كان «أحمد» يرقُب ما يدور حول الخيمة في انتظار أن ينتهي «خالد» من الرسالة، عندما انتهى همس «أحمد»: الإشارة ليل.
أخذوا يزحفون حتى أصبحوا قريبين تمامًا من الآخرين، همس «أحمد»: ليل!
في قفزةٍ واحدة كان الشياطين يطيرون في الهواء وهم يضربون الخمسة في وقتٍ واحد، لم يتحرك الرجال الخمسة، لقد أصابهم الذهول، وهم يَرونَ هؤلاء الشياطين طائرين في الهواء، وفي لمح البصر كانت المعركة قد بدأَت، ضرب «أحمد» الرجل الأنيق ضربةً مزدوجة جعلَته يطير في الهواء، حتى إن أحد الحراس صرخ: رجلٌ طائر في الهواء.
بسرعةٍ كان الحراس يحاصرون المكان ويقتربون، لكن ذلك لم يوقف الشياطين، لقد كان كلٌّ منهم قد انتهى ممن وقَع في يده، وعندها صرخ قائد الحرس: أطلقوا النيران.
كانت أصوات طائرات الهليكوبتر … تملأ المكان، بينما أضواؤها القوية تجعل الليل قطعةً من النهار، ارتفعَت أعين الحراس في اتجاه الطائرات التي نزلَت بجوارهم تمامًا، وحاول بعضهم الهرب لكن بلا جدوى، في نفس الوقت كان الشياطين يرقُبون ذلك في ابتسامةٍ هادئة، وعندما تقدَّم منهم قائد القوة المسلَّحة، أشاروا إلى أفراد العصابة الممدَّدين على الأرض، والموجودين بين النباتات، حيَّاهم القائد تحيةً عسكرية، وفرغ إلى مهمته. وفي هدوءٍ انصرف الشياطين إلى حيث كانت السيارتان «الترانس آم» البيضاء والزرقاء، وقبل أن يختفوا داخلهما، سأل «أحمد»: هل انتهى الموقف في الشركة؟
ابتسم «خالد» وهو يقول: إن الشياطين في كل مكان، حتى في شركة الحاسبات الإلكترونية.
انطلَقتِ السيارتان في قلب الليل عائدتَين إلى مدينة «رتشمند» بعد أن انتهى كل شيء.