الباب المفتوح …
لا شك أن الفكرة التي حدت بي إلى أن أتصل بمستر بيفن وزير الخارجية البريطانية عن طريق سعادة عمرو باشا سفيرنا بلندن، كانت فكرة موفقة، فإن الأحاديث التي جرت بينهما كانت لها نتائج طيبة، بل إنها أدخلت على الموقف تحسينات لا شك فيها.
فقد حدث أن المستر بيفن نزل على الرغبة البادية من الجانب المصري، في إبدال عبارة «البلاد المجاورة» في المادة الثانية من مشروع المعاهدة بعبارة «البلاد المتاخمة»، وبذلك يكون للمحالفة عمل إيجابي في حالة واحدة فقط هي الاعتداء المسلح على مصر مع خطر الحرب … وقد أخذ مستر بيفن على عاتقه أن يخفض مدة الجلاء إلى ثلاث سنوات، بعد أن كان الإنجليز يرون أن تكون خمس سنوات أو أربعًا على الأقل.
أما فيما يتعلق بالسودان فقد ظل الموقف كما كان، بمعنى أن لمصر أن تطلب ما تشاء، وأن تعلن ما تشاء دون أن تسلم إنجلترا مقدمًا، أو ترتبط بما تريده مصر أو تعلنه.
إذن أصبح الموقف بحيث يسمح بشيء من التفاؤل فيما عدا موضوع السودان … وإذ كان الجانب الإنجليزي يربط الصيغ بعضها ببعض، كان من الصعوبة بمكان أن ننتهي إلى حل يصل بالمفاوضات إلى بر السلامة.
•••
ويجدر بي قبل أن ننتقل إلى موضوع ما جرى بمصر بين الوفدين، أن أنوه مع كثير من الارتياح بما كان لجهود سفيرنا بلندن سعادة عمرو باشا من أثر طيب يرجع إلى لباقته، ومعرفته لدقائق العقلية الإنجليزية، وبالأخص ما له من نفوذ في الوسط البريطاني، وما كسبه من صداقة السياسي القدير مستر بيفن.
وإن ذكرت هنا آثار جهود عمرو باشا، فلي أن أستبق الحوادث، فأذكر أيضًا ما كان له من شأن وأثر كبير فيما أدت إليه مفاوضات «صدقي – بيفن» بعد ذلك بنحو شهرين.
•••
أما ما جرى في مصر حينذاك، فقد احتدمت المناقشات في الوفد المصري على الأوضاع الجديدة، وكان هذا الوفد قد مل طول الأخذ والرد، اللذين كانا المظهر البارز في هذه المفاوضات.
- المادة الأولى: ينتهي العمل بمعاهدة التحالف الموقع عليها في لندن في ٢٦ أغسطس سنة ١٩٣٦، وكذلك المحضر المتفق عليه والمذكرة والاتفاق الموقع عليه، والمذكرات والاتفاق الموقع عليه في ٢٦ أغسطس سنة ١٩٣٦ بشأن الإعفاء والميزات المرفقة بها، وذلك بمجرد سريان المعاهدة الحالية.
- المادة الثانية: في حالة ما إذا تعرضت مصر لاعتداء مسلح، أو في حالة وقوع اعتداء مسلح ضد بريطانيا العظمى في البلاد المتاخمة لمصر، يتشاور الطرفان الساميان المتعاقدان فورًا لأجل اتخاذ أي عمل مشترك يسلم بضرورته، وذلك حتى يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لإعادة السلم إلى نصابه.
- المادة الثالثة: رغبة في كفالة التعاون والمساعدة المتبادلين بين الطرفين الساميين
المتعاقدين؛ ولكي يتاح بصفة خاصة تنسيق التدابير الواجب اتخاذها للدفاع
المشترك عنهما، اتفق الطرفان الساميان المتعاقدان على إنشاء لجنة مشتركة
للدفاع مؤلفة من السلطات العسكرية المختصة في الحكومتين، يساعدها الممثلون
الآخرون الذين تعينهم الحكومتان.
ويكون اختصاص اللجنة أن تدرس — بقصد أن تقترح على الحكومتين التدابير الواجب اتخاذها — المسائل الخاصة بالدفاع المشترك للطرفين الساميين المتعاقدين في البر والبحر والجو، يتصل بذلك من مسائل العتاد والرجال، وبصفة خاصة الأوضاع الفنية لتعاونهما والتدابير الواجب اتخاذها؛ لكي يتاح للقوات المسلحة للطرفين الساميين المتعاقدين أن تكون قادرة بالفعل على مقاومة الاعتداء.
وتجتمع اللجنة كلما دعت الضرورة إلى قيامها بهذه المهام، وتجتمع أيضًا بناء على دعوة الحكومتين لتبحث — إذا اقتضى الحال — الآثار العسكرية للموقف الدولي، وخاصة كل الحوادث التي قد تهدد الأمن في الشرق الأوسط، وتقدم للحكومتين التوصيات المناسبة في هذا الشأن.
- المادة الرابعة: يتعهد الطرفان الساميان المتعاقدان بأن لا يبرما تحالفًا، أو يشتركا في أي حلف موجه ضد إحداهما.
- المادة الخامسة: ليس في أحكام هذه المعاهدة ما يمكن أن يمس بأية حال من الأحوال الحقوق والالتزامات المترتبة، أو التي قد تترتب لأحد الطرفين الساميين المتعاقدين، أو عليه بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة.
- المادة السادسة: اتفق الطرفان الساميان المتعاقدان على أن أي خلاف ينشأ بينهما بصدد تطبيق المعاهدة الحالية، أو تفسيرها، ولا يتسنى لهما حله بمفاوضات مباشرة يسوى طبقًا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
- المادة السابعة: يصدق على المعاهدة الحالية، ويتبادل التصديق عليها في القاهرة في أقرب وقت، ويبدأ بتنفيذها من تاريخ تبادل التصديق عليها، وتبقى المعاهدة الحالية سارية لمدة عشرين عامًا من تاريخ بدء سريانها، وتظل بعد ذلك سارية إلى أن ينقضي عام على إعلان أحد الطرفين الساميين المتعاقدين للآخر، بإنهائها بالطرق الدبلوماسية.
بروتوكول خاص بالسودان
يتعهد الطرفان الساميان المتعاقدان بالدخول فورًا في مفاوضات؛ بقصد تحديد نظام الحكم في السودان في نطاق مصالح الأهالي السودانيين على أساس وحدة وادي النيل تحت تاج مصر.
لا يسع الوفد المصري إلا أن يعبر عن أسفه؛ لأن المفاوضات التي بدأها آملًا في الوصول إلى حل يرضي البلدين، قد وصلت إلى نقطة لا يمكن معها إلا أن يستمسك بالمشروعات، التي تضمنتها النصوص الأخيرة في مشروعه المصري الذي سلم للوفد البريطاني.
حديث ٢١ أغسطس
يا صاحبي السعادة
أود أن أضيف بضع كلمات إلى المذكرة الشفهية التي قدمتها إليكما: «إن الحكومة التي أتشرف برياستها، وكذلك هيئة المفاوضات المصرية — وإني لواثق مما أقول — يتملكهما الشعور بمصلحة مصر في دعم علاقات الصداقة التي تربط بين بلدينا، إلى حد أنهما لا يعتبران القرار الخاص بالمرحلة الحالية للمفاوضات، والذي أبلغتكم إياه الآن، بمثابة قطع لها.
وإني لمقتنع كذلك بأن البلد العظيم، الذي تمثلونه يعلق على المحافظة على العلاقات الطيبة بيننا من الأهمية، ما يسوغ لي أن أنتظر منكم أن تقدروا على ضوء هذه الاعتبارات نفسها النقطة التي وصلنا إليها في المحادثات الحالية، كما قدرناها.
وإني لأرجوكم أن تقدروا في هذا الصدد أنه نظرًا للعبارات الحاسمة، التي استعملها الجانب البريطاني في بياناته الأخيرة؛ ونظرًا لأن نقطًا أساسية من مطالبنا قد قوبلت، خلافًا لما كنا ننتظر، مقابلة لم تقم وزنًا لما لها من صبغة شرعية، أقول: إنه نظرًا إلى كل ذلك أرجو أن تقدروا أنه لم يكن لنا بد من انتهاج المسلك الذي أوضحته لكما.
ولهذا فإني أنتظر من جانب حكومتكم أنها، بعد إعادة النظر في الموقف، سنجد وسيلة للاعتراف بالحقوق الشرعية لهذا الشعب الذي يحرص على صداقتكم، وستجدون دائمًا من الجانب المصري رغبة حارة في أن يبحث معكم الحلول، التي تؤدي إلى نتيجة تعاون على إنماء العلاقات بيننا نموًّا مطردًا.
عن مدة الجلاء
ووجه لي اللورد الحديث قائلًا: إنه استمع إلى عبارتي بكل عناية، ويود لو يستطيع أن يفهم مني — وقد تضمن قرار الهيئة المصرية التمسك بمذكرة أول أغسطس، وما صاحبها من صيغ للمواد — ما هو الحال بالنسبة لمسألة الجلاء التي لم يرد عنها نص من الجانب المصري … فقلت له: «نعم لم يتضمن ما أرسل لكم صيغة لمدة الجلاء، ولكننا قلنا في المذكرة: إننا نرى أن مدة الجلاء يجب ألا تزيد على سنة …» فقال: «إنكم قلتم لي أول أمس حيث قابلتكم: إن مشروع المستر بيفن في مادته الثانية يتضمن أخطاء، فهل لي أن أفهم أين هذه الأخطاء؟»
فقلت: «هذا واضح؛ لأن المادة الثانية التي صيغت أخيرًا لم يرد فيها ذكر إنجلترا، بينما كنا على اتفاق من قبل على أن الدفاع المصري عن البلاد المتاخمة يكون حيث تشتبك إنجلترا في حرب بها، وقد أهمل ذلك في الصيغة الجديدة، وأنتم تعرفون أن مصر لا علاقة لها من الوجهة السياسية في هذه المعاهدة إلا بإنجلترا، وهي لا تستطيع التدخل إلا حيث تهاجم حليفتها، فالتعبير الجديد يخالف القواعد المرعية، فأنا لا أدافع عن فلسطين مثلًا؛ إلا لأن حليفتي قد اشتبكت في حرب دفاعية، وقد سبق لكم أن أقررتم هذا المبدأ، بل هناك صيغ منكم تتضمنه.»
فلم يبدُ اعتراض من اللورد، ولا من السفير على هذه الملاحظة.
ثم انتقل اللورد إلى الفقرة الثانية من المادة الثانية، وقال: «ولكن أليس للفقرة الثانية من المادة الثانية محلها؟» فقلت: «إن الفقرة الثانية تتعلق بخطر الحرب على البلاد المجاورة، وخطر الحرب هذا ليس محله المادة الثانية التي تركز فيها الغرض الأساسي للمحالفة في حالة الحرب، والفقرة الجديدة أولى بها أن تكون في المادة الثالثة، التي تكلمت عن اللجنة المشتركة واختصاصاتها، وتكلمت أيضًا عن تتبع أحوال الشرق، ومراقبة هذه الأحوال عن كثب، ومن أخطار الحرب المحتملة وما يتخذ بشأنها من مشاورات قد يعقبها إجراءات … وإذا كان الأمر كذلك فلا معنى لأن يجيء ذكر خطر الحرب في مكانين من المعاهدة مختلفين، ويلاحظ أن المادة الثالثة المذكورة قد أعدت لأمر البحوث والاستعدادات، وليس لذكر أغراض المعاهدة، فالفقرة الثانية التي تقترحون إضافتها للمادة الثانية يغني عنها ما هو وارد فعلًا في المادة الثالثة.»
فسألني اللورد: «وماذا يضيركم من تكرار ذكر الخطر في مادتين مختلفتين كل منهما لها غرضها، وأنتم تعرفون شدة حرصنا على أن نكون محتاطين للطوارئ، ساهرين على القيام بالتزاماتنا؟ وإذا كانت المادة الثانية هي مركز المعاهدة، فإنه تبدو لكم أهمية النص على هذا الخطر في تلك المادة …» فقلت: «هو هذا التركيز الذي يخلق عندنا القلق والهواجس، التي لمستها في كل الدوائر، فإن اهتمامكم بخطر الحرب قد يؤدي إلى متاعب لمصر، نعم إن هناك مشاورة، ولكن المشاورة بين القوي والضعيف تثير عند المصري دائمًا فكرة استعمال الضغط من جانبكم، أضف إلى ذلك أن الالتزامات الناتجة من حرب فعلية من السهل الإشارة إليها؛ لأن الحرب عمل واقعي واضح الأثر، أما خطر الحرب فقد يكون وليد الوهم، وقد يستعمل للضغط، وقد يستعمل في كل وقت … إنك قد تقول مثلًا بناء على مقال متحمس في جريدة «برافدا»، وإذاعة متطرفة من راديو موسكو: إن الخطر قائم، فندخل في مناقشات لا نهاية لها، ويلتمس رجالكم كل الأسباب للتدليل على أن هناك ما يدعو لاتخاذ إجراءات، وهذا ما يخشاه جميع المصريين كل الخشية.»
فقال لورد ستانسجيت: «نعم إني أدرك هذا الوضع وأفهم أن الصياغة الحالية ربما تدعوكم إلى شيء من الحيطة، ولكني أود أن تفهموا موقف مستر بيفن، ومستر بيفن لا يقف من المسألة المصرية إلا موقف العطف وسلامة النية …» ثم انتقل إلى مسألة الجلاء قائلًا: «وهل تقفون أنتم مثل هذا الموقف في أمر مدة الجلاء، وظاهر من قرار الهيئة أنها تطالب بسنة فقط؟» فقلت: «أظنك تذكر أننا بعد معاودة البحث في أمر المدة اللازمة للجلاء كنت قد قلت لك، وقلت للسفير: إنني أعتقد أن الجانب المصري لا يعارض في أن تكون المدة سنتين.» وقال السفير: «بل إني أذكر أنك ذهبت إلى سنتين ونصف»، فقلت: «لا، لم أقل هذا، وربما اختلط عليك الأمر، على أني أظن أن طلب المستر بيفن بشأن مدة الجلاء، لا يثير مثل باقي مطالبه اعتراضًا في قوة اعتراضنا على المطلبين الآخرين.»
عن مسألة السودان
وهنا قال لورد ستانسجيت: «هل تسمح أن نتكلم عن السودان؟ وهل اطلعت هيئة المفاوضة على النص الذي قدمته إليكم؟» فقلت: «لقد اطلعت هيئة المفاوضة على النص، ووصفته بأنه كُتب بمهارة، على أننا لم نناقش المادة في مشتملاتها إذ اصطدمنا برفضها لمطلب السيادة، وهذا في نظرنا من أقدس المطالب.»
فقال اللورد وأيده السفير: «إن موقف إنجلترا موقف مبني على الحرص على مصالح السودانيين وحقوقهم، وليس من حقنا أن نقبل مقدمًا ما يمكن أن يصطدم بمطالبهم.» فقلت: «أشك أولًا في أن مسألة السيادة المصرية ستثير اعتراضًا جديًّا عند فريق ذي شأن من السودانيين، بل إني أعتقد بالعكس أن الفريق المثقف من السودانيين يرغب في أن يكون السودانيون من رعايا ملك مصر … وأريد أن تفهما أن هذا المطلب المصري هو تقريبًا جل ما نحرص عليه من حق في السودان، وهو حق معنوي قومي، وما عدا ذلك فليس لنا من المطالب في السودان إلا تلك الأغراض التي يتطلبها الجوار وجريان النيل وسط أراضي البلدين، وبعض الشئون الاقتصادية والثقافية والجنسية.
نحن لا نريد من السودانيين كسبًا ماديًّا، لا نطمع في أن يكون لنا موظفون مصريون بالسودان، بل نود أن نرى قريبًا اليوم الذي يتولى فيه السودانيون أمر أنفسهم … فإذا ما ناقشتم أمر هذه السيادة الممثلة في التاج، فماذا بقي لنا من هذا السودان؟ وإذا ما اعترضتم على السيادة، فكأنكم اعترضتم على كل شيء بما فيه هذا الوضع الذي يترجم عن وحدة وادي النيل … فإذا ما فكرتم مليًّا في هذا أنتظر أن تكون نتيجة التفكير التسليم بما نطلب، وهو أيضًا في مصلحة السودانيين الذين لا يمكن أن يتمنى لهم صديق أن يكونوا بلا وطن، وأنا أعرف أنهم يغتبطون بانتسابهم للوطن المصري مع الاحتفاظ بكيانهم الخاص، وبكامل حقوقهم في إدارة شئونهم.»
فقال لورد ستانسجيت: «إني قرأت الكثير عن السودان، وصحيح قد جاءت عبارة السيادة على لسان بعض ساستنا مثل لورد كرومر، ولكن هناك في هذا الموضوع أخذ ورد طويل، وهناك أيضًا أن العنوان الذي اتخذ لملك السودان، وهو الذي تسمى به الخديو إسماعيل لم يعد ينطبق على الواقع الآن، فهناك بلاد خرجت من السودان وبلاد أدخلت فيه، وهناك اعتداءات وقعت على السودان، وصدقني لو أننا لم نكن إلى جانبكم منذ سنة ١٨٩٨ لكان السودان طعمة سائغة للفرنسيين، الذين كم حاولوا مد إمبراطوريتهم إلى هذه النواحي ونحن لهم بالمرصاد …»
فقلت: «كل هذا كلام طيب، ولكن الأمر بالنسبة لنا أمر كرامة وأمر عاطفة، والمصريون في هذا الموضوع شديدو التمسك بما يعتبرونه وضعًا مقدسًا»، فقال: «كم أنا أخشى هذا التمسك! وكم أود أن تعالج هذه المسألة معالجة عملية، أساسها مصلحة السودانيين فقط، مع ابتعادنا نحن الاثنين عما يوجب التنازع، ونحن وأنتم مطالبون بأن نرعى مصلحة هذا الشعب السوداني الموكول أمره إلينا نحن الاثنين»، فقلت: «إني أخاطبك وقد فهمت أنك قرأت الكثير عن السودان، وتبينت حقيقة وضعه، وهذا الذي يطمعني أن أرى فيكم من يساعد على تحقيق غرض المصريين، وهو كما قلت لك غرض بعيد عن المادة، وعن الكسب وعن الأطماع الذاتية.»
الباب المفتوح
قال اللورد: «إني أول الراغبين في استمرار المفاوضة للوصول إلى تحقيق الغرض الذي قصدناه نحن الاثنين، ولكن كيف يكون الباب مفتوحًا، وقد أوصدتموه بعبارتكم القاطعة؟»
فقلت: «إنه ما دام لكلينا غرض أساسي واحد، فلا يمكن إلا أن يتضافر جهدنا مهما اعترض سبيلنا من العقبات لتحقيقه، وأنا من جهتي كرئيس للحكومة المصرية أصرح لكما أن مصر تتوق إلى معاهدة مع إنجلترا، وقد فهمت أنكم تهدفون مثلي إلى هذه الغاية، فلا أدرك كيف لا ننتهي إلى النتائج المرجوة ما دامت الرغبتان متقابلتين؟»
فقال اللورد والسفير: «لقد علمتم أن مستر بيفن فرض علينا أن نعرض عليكم مقترحاته باعتبار أنها الرأي النهائي للحكومة البريطانية، بل ذهبنا إلى أن نوضح لكم أن الاقتراحات المذكورة تمثل وحدة غير قابلة للتجزئة، ونحن نشعر بأننا لا نستطيع التكلم عن إمكان المضي في المفاوضات، بعد أن لم تقبلوا مقترحات مستر بيفن، وبهذا يصبح التسليم منا بأن الباب مفتوح مختلف مع حقيقة الحال.»
فقلت: «هذا صحيح ولكنه لم يمنع من أن استوضحتموني أشياء كثيرة أجبتكم عنها، وبما أن ردودي هذه قد تثير لدى مستر بيفن رغبة في المضي في المناقشة، فأظن أنه من غير المستساغ أن تعتبروا باب المفاوضات غير مفتوح، فتحرموا مستر بيفن وحكومتكم من تبادلنا الرأي في المسائل التي جرى عليها الخلاف.»
فقال اللورد: «ولكن ألا ترى أننا إذا نشرنا اليوم أن قراركم سيبلغ للمستر بيفن، وله أن يرد بالموافقة أو عدمها؛ ألا ترى أن في ذلك الكفاية؟»
فقلت: «إنكم تهتمون الآن بمسألة شكلية، بينما أنظر لمصلحة بلادي وأثر قطع المفاوضات مع إنجلترا في الطبقات الكثيرة من أهلها، وبينهم صاحب الغرض، وبينهم المشاغب، وبينهم طوائف كثيرة من الأشخاص يتمنون قطع المفاوضات، وما دمتما تتمنيان اطراد التفاهم بين بلدينا وجب أن تعملا معي على تسهيل هذا التفاهم، بعدم إعطاء حجة جديدة لمن يرمونكم بسوء النية نحو مصر.»
وهنا جرى حديث طويل ظهر لي من ثناياه حرص المفاوضين البريطانيين على انتظار تعليمات، وتخوفهما من خروجهما على ما قد يكون للندن من رأي مخالف فيما إذا قبلا ما جرى، كأنه لم يترتب عليه قطع المفاوضة.
إن مجلس الوزراء ورئيس الوفد المصري للمفاوضات قد سلم إلى لورد ستانسجيت وسير رونالد كامبل القرار، الذي اتخذه الوفد المذكور في العشرين من شهر أغسطس سنة ١٩٤٦، وهذا نصه:
«إن هيئة المفاوضات المصرية لا ترى في البيانات والصيغ، التي جاءتها من الجانب البريطاني ما يحملها على تعديل موقفها، وهي بناء على ذلك تتمسك بمذكرتها المقدمة في أول أغسطس، وما صاحبها من النصوص.
وقد دارت محادثة ذات طابع عام بين المفاوضين الثلاثة، انتهوا بها إلى اعتبار أن الباب ما يزال مفتوحًا لتبادل جديد في الآراء؛ بقصد الوصول إلى نتيجة ملائمة لمصالح البلدين.»
وقد انتهت المقابلة حيث كانت الساعة الواحدة والدقيقة الخامسة والأربعين بعد الظهر.