تقديم
يقول المثل القديم العاقل: «خذ الرفيق قبل الطريق»، وحينما تقودك العناية الإلهية إلى طريق ممهد ورفيق وديع هادئ صادق مستقيم بعيد النظر، فتلك هي نهاية الرضاء وعظيم الرعاية.
هكذا أريد أن أبدأ مقدمتي لتلك المجموعة من قصص الكاتب الفذ الرصين القوي اللين، صديقي وأخي الصغير المرحوم صلاح ذهني …
فقد كان طريقي لمدة خمسة عشر عامًا هو دار الأوبرا، ورفيقي في هذه الرحلة كلها صلاح، كانت نعمةً من نعم الله على أن يرضى صلاح بالعمل معي ومعاونتي …
كنا متجاورين … مكتبه في غرفة خارج غرفتي التي لم أغلق بابها بيني وبينه يومًا من الأيام، وكنت أحادثه بصوت عالٍ، وحينما أريد أن أنزه عيني أناديه، لأتمم ما بدأته من قصة وحديث.
وحينما تُعاشِرُ صلاحًا — رحمه الله — تتذكر توًّا المثل العربي الدارج الصادق الذي يقول: «قال: ما لك مربي؟ قال: من عند ربي.»
إنك تحس بنبوغه، وسرعة إدراكه وبديهته، وبُعْد نظره ولباقته بعد دقائق معدودات من معاشرتك له.
وبمناسبة المثل الذي ذكرت، أؤكد لك أن «صلاح» لو عاش وطال عمره لشاهدنا نبوغه فذًّا في نوعه، فقد كان — ككاتب — يسير بسرعة إلى المرتبة العليا كما كان كروائي، سليم الحبكة سليم العبارة، قوي الحوار، متين الفكرة.
أما صلاح — كناقد — فقد كان نظيفًا من ألفه إلى يائه، دقيقًا في انتقاده، دقيقًا في تقديراته، ملهَمًا في عباراته.
عاشرته هذه السنين الطوال، فكانت تعليقاته كلها مما يذكرني بتعليقات صديقي المرحوم الشيخ عبد العزيز البشرى في متين بنائها نرويها ضاحكين مبتسمين.
ثم رأيته كأب مثالي يجود بنفسه وحياته ليتنعم بالعلم والتربية محمود وأمينة وفاطمة، فقد كان لهم أبًا مثاليًّا وصديقًا وفيًّا.
وكان موظفًا أمينًا لبقًا، أما ككاتب، فإنك بعد أن تطالع هذه الصفحات سنلتقي أنا وأنت على هذه الجملة «طيب الله ثراك يا صلاح.»