وتحركت السفينة في هدوء
كان زواجي بك سيكون مغامرةً … أدمر فيها بيتًا، ولا أربح شيئًا.
***
الفصول تمر بسرعة … فيها كل أحداث القصة الغرامية … من النظرة الأولى إلى اللقاء الأخير … كل ما ينقص القصة أن يقف البطل مادًّا يديه إلى الهواء في حرارة ليقول: الوداع يا حبيبتي … الوداع إلى الأبد …
ثم ينزل الستار ويصفق الجمهور … أو تشير البطلة إلى الباب، وتصيح بالبطل الغادر في صوت تشوبه غضبة العفاف الجريح قائلةً: أخرج عليك اللعنة، فيخرج البطل مطأطئًا رأسه مُشَيَّعًا من النظارة بلعنات تفوق لعنات البطلة … ولا يكاد ينفلت من الباب حتى تدوي القاعة بالتصفيق، وصيحات الاعجاب.
ولكن هنا لا البطل يتحرك للوداع … ولا البطلة تتأهب لتشيعه باللعنة نحو الباب، إن ما يحدث في قصتنا هذه كذلك الذي يحدث في السينما حين تتوقف آلة العرض فجأةً فتسكن حركة الكائنات على الشاشة، وكأنها صعقت … صعقت قبل الختام مباشرةً، واتخذ كل منها وضعًا ثابتًا لا معنى فيه ولا روح … أجل لقد توقفت آلة العرض فجأةً قبل ختام القصة … توقفت خمس سنوات كاملة، وفي خمس سنوات كان يستعيد بين الحين والحين القصة من فصلها الأول إلى ما قبيل الختام، فإذا ما انتهى إلى المنظر الأخير حار عقله، وحاول أن يرسم في خياله صورة للختام كما يجب أن يكون …
هل يودع البطل البطلة إلى الأبد؛ لأنها خانت عهد هواه؟ أو تشيع البطلة حبيبها الغادر باللعنة بعد أن نكث العهد؟ لا هذا ولا ذاك، إن القصة لم تصل إلى الختام …
كان المنظر الأخير كما لا يزال يُذكَر، في حجرة الطعام … وكانوا خمسةً يتناولون العشاء هو أحدهم، وخرج وخرجوا بعد العشاء على أن تحادثه في الغد بالتليفون، فلم تتحدث في الغد، ولا بعد الغد … بل لم تكن في القاهرة كلها طوال الشهر … وحينما عادت لم يعلم بعودتها إلا حين لَقِيَها في الطريق مصادفةً، ومع أنها كانت وحيدةً، وكان الطريق خاليًا فلم تحاول أن تهدئ من سرعة سيارتها، بل أومأت إليه إيماءةً خفيفةً، وسارت وكأنه مجرد وجه تعرفه، وفي ذلك المساء حدثها بالتليفون، بدأ حديثه بالعتاب … عتاب الحبيب الذي يكون آخر من يعلم بسفر الحبيبة وعودتها من السفر … وجرى حديثها سؤالًا عن الصحة ووصفًا لجمال الإسكندرية في الشتاء، وسردًا لمشروعاتها المقبلة، ومشروعاتها المقبلة كانت ترك السفر إلى أوروبا، وإنشاء شركة تجارية، و… و… مشروعات لم يكن فيها له أي دور … حتى ولا دور المتفرج، كانت مشروعاتها إلى قبيل المنظر الأخير تقوم عليه وحده … هو مدارها وهو لبها وهو هدفها.
وأغلق التليفون، وعرف أن شيئًا قد حدث …
وظل ينتظر أيامًا، ينتظر المنظر الأخير حيث يفترق العاشقان إلى غير لقاء … وطالت الأيام شهورًا … ورآها خلال هذه الشهور أكثر من مرة … لقيها مرةً وجهًا لوجه، وكانت تسير على قدميها فوقف أمامها، ووقفت … وقفت وقد أحس أنها كانت سوف تسير في طريقها دون أن تحييه … وبادلها السلام، وتحامل على كرامته وضغط على يدها بحرارة، وقالت وهي تسحب يدها في ابتسامة لا روح فيها: كيف أحوالك؟ صحتك زي البمب كما أرى.
ونظرت في ساعتها وقالت — وهي تنقلب وكأنها تهرب: أنا مسرورة لرؤيتك.
وابتلع إجابته؛ لأنها كانت قد مضت مسرعةً … لقيها بعد ذلك عشرات المرات … في المرات الأولى حيته بإيماءة … وفي المرات التالية اكتفت بأن لمعت في عينيها ابتسامة، وتكاسلت عن الإيماء … وبعد ذلك عرف كيف يجنب نفسه ويجنبها عناء الابتسام المتكلف … كان يشيح برأسه كأن لم يرَ شيئًا، وعلى ذلك مرت الأعوام، وألِفَ كلاهما أن يرى صاحبه، وكأنه لا يعرفه … أما هو فكان يحسها، وكأنها عطر قوي كلما مرت به أو عبر بها … كان يحسها أحيانًا قبل أن يراها …
دخل مرةً إحدى دور السينما … كان أمامه رهط من الناس قد تجمع عند سلم السينما يوشك أن يصعد، وفي وسط هذا الجمع أحسها تسير … لم يرَ وجهها، ولا حتى خصلات شعرها … ومع ذلك فقد أحس وهو يخترق الجمع أنها فيه … وكانت فعلًا توشك أن تصعد درج السلم، وكانت بينه وبينها مسافة، سرعان ما قصرت حتى وجد نفسه يسير حذاءها جنبًا إلى جنب تمامًا كإحدى الصور التي يذكرها من قصتهما التي لم تتم … لقد دخل معها ذات يوم إحدى دور السينما في حفلة العرض الأولى … دخل معها جنبًا إلى جنب … وجلس معها جنبًا إلى جنب … وكانت مغامرةً لا يقدم عليها زوج لم يمضِ على زواجه عامان … كانت مغامرة بالنسبة لأي رجل يظهر معها في مكان عام … هي بعينها، وما يعرفه عنها المجتمع … رآها في تلك الليلة شقيقه الأصغر وشقيقته.
وضحك شقيقه بعد ذلك بيومين حينما احتدت شقيقته في عتابه قائلةً: مالك ومال هذه المرأة، أتريد أن تلوث اسمك؟ ما الذي يحدث حينما يراك الناس معها؟
ضحك شقيقه، وقال ساخرًا: وما أمر سخريته — أمَّا أنك مسرفة في التشاؤم فذلك حق … لقد دعاها للسينما، وقضى سهرةً حمراء … ثم انتهى كل شيء … هل تظنينه سيصاحبها إلى الأبد؟ أي إنسان يطيق «…» أكثر من ليلة؟ هوني عليك يا أخت، فالزوج ما زال بخير، وإن شطح أحيانًا …
لو عرف أخوه إلى أي مدًى كانت قصته معها قد وصلت … لو عرف أن السهرة الحمراء لم تكن في قصته … ترى كيف كان يضحك … وبمن كان يسخر؟
وانتهت درجات السلم، ومرت بخاطره شتى الصور … أما هي فاتجهت يمينًا إلى مكانها دون أن تراه، وأما هو فقد رأى الرواية تلك الليلة، وقد اختلطت مناظرها بمناظر قصته معها … طالما رفع نظارته ومسح زجاجها ليرى ما على الشاشة في وضوح ناسيًا أن الضباب كان على عينيه، وليس على زجاج منظاره … في تلك الليلة بالذات عادت إليه حيرته، فلم يأوِ إلى فراشه، وإنما لجأ إلى حجرة مكتبه، وجلس يستعيد القصة إلى ما قبيل الختام، يستعيدها منذ رفع الستار …
المنظر: مكتب الأستاذ وصفي عبد الحميد حيث كان يتمرن منذ أتم دراسة الحقوق … يدخل الخادم معلنًا قدوم سيدة تطلب لقاء الأستاذ وصفي في إلحاح …
وتصرف الخادم … ووجد نفسه وجهًا لوجه أمامها، أمام ماجدة عبد الرءوف، ماجدة التي رأى صورتها اليوم فقط في حفلة جمعية رعاية اليتامى تتوسط رهطًا من العظماء، وهي تبيعهم الزهور بالجنيهات لصالح اليتامى … ماجدة التي ارتبط اسمها بعشرات القصص خلال الأعوام القليلة الماضية … قصص المغامرات المثيرة مع كبراء ونجوم المجتمع … آخر هذه القصص كان حديث الناس منذ أسابيع، قصة هيام عبد اللطيف باشا سعد بها، وكيف استعانت زوجته بالبوليس لتستخلصه من أنياب ماجدة، وتخرجه من شقتها الأنيقة بعد منتصف الليل … فضيحة لم تنشرها الصحف لمركز عبد اللطيف باشا الخطير، ونشرتها ألسنة الناس لنفس السبب … وجهًا لوجه أمام فتاة الغلاف لصفحة الإشاعات في كتاب المجتمع.
وغلبه الارتباك، وتمتم بألفاظ التحية المعتادة في اضطراب، وتحركت يداه تشيران إلى المقعد، ولكنها سألته في عجلة: الأستاذ وصفي ليس موجودًا الآن، قال لي ذلك الخادم، وإن كانت سيارته تقف أمام باب العمارة، لا يهمني ذلك، وإنما أريد أن أكلفه بعمل، أنت تعرف أنه محامٍ.
ولم يكن يعلم، ولكنه أجاب: أعرف ذلك …
قالت: أريد أن يبعث إنذارًا لصاحب العمارة التي أقطن بها … هل من الضروري أن أقابل الأستاذ لذلك؟ … أظنك تستطيع أن تقوم لي بهذا العمل …
ولم تنتظر إجابته، وإنما أخذت تشرح له ما تريد … وكتب لها صورة الإنذار الذي تطلبه، وأمر الخادم فحمله إلى الكاتب ليكتبه على الآلة الكاتبة …
حدث كل ذلك في أقل من نصف ساعة … ونهضت ماجدة وحيته شاكرةً وانصرفت، وبقي هو وحيدًا … وحيدًا مع بقايا عطرها القوي يملأ رئتيه، وصوتها العذب يملأ أذنيه … أما عقله فقد كان غارقًا في عشرات الأفكار الغامضة، كان هذا أول منظر … نستطيع أن نسميه النظرة الأولى … النظرة الشاردة لا تحمل معنًى من معاني الحب كما يفهمه الشعراء أو الكتاب … هو نفسه لم يكن يجرؤ أن يقول إنه أحبها … بل لعله ضحك لفكرة من أفكاره الغامضة … فكرة قضاء ساعة مرحة مع ماجدة في نزهة بالسيارة، إن المنظر الثاني يحدث بعد ذلك بأيام … من المدهش أن يكون هذا المنظر هو فكرته الغامضة نفسها التي ضحك منها.
أبواق السيارات ترسل أصواتها القوية من شارع قصر النيل، وكأنها في مباراة للإزعاج … وهو يسير وحده يتأمل واجهات المتاجر … وقف عند إحداها يطيل النظر، راقه رباط رقبة بديع فوقف يفكر في المغامرة؛ مغامرة شرائه وحمله إلى المنزل، وصوت زوجته وهي تقول في عتاب: «كرافتات ثاني … ألا تشبع كرافتات؟» ويهم بالدخول.
ويرتفع صوت بوق سيارة يعلو على بقية الأصوات ويدوي بلا انقطاع، وكأنه ينادي أحدًا … يدير رأسه فيراها هي … ماجدة تضحك، وقد وضعت يدها على عجلة القيادة، وكفَّت عن إطلاق البوق، وتصيح به وهي تضحك: ماذا؟ أذنك ثقيلة إلى هذا الحد؟
ويقترب منها محييًا، ولعله اضطرب للمفاجأة، فهي التي تكلمت ثانيًا: ماذا تفعل في هذا الشارع؟
– لا شيء … أقطع الوقت …
وأنا أيضًا … أقطع الوقت … تعالَ …
وتردد قائلًا: قد تكونين …
– أكون ماذا؟ ليس لدي عمل، بل لعلي لا أعرف ماذا أفعل بليلتي كلها … تفضل يا أستاذ … ربما وصلنا معًا إلى فكرة …
فكرة … ماذا لو جرؤ فعرض فكرته التي ضحك منها منذ أيام؟ … نزهة في طريق الصحراء.
– فكرة رائعة … وستقص عليَّ في الطريق تاريخ حياتك … لا أدري لم أحب أن أعرف شيئًا عنك … إن هدوءك يثيرني …
هدوء؟ وفي رأسه عشرات الأفكار تصطرع وتتسابق، كلٌّ منها تحاول أن تصل إلى نطاق التنفيذ … هدوءُه؟ وقلبه يكاد يخر تحت ضربات الفرح والانفعال الثائرة … حمدًا لله الذي لم يجعل العقل والقلب من أطراف الجسم الظاهرة كاليد والعينين … وإلا لرأت في عقله عشرات الأفكار البيضاء والسوداء على حد سواء … بعضها يزين له أن يحيط خصرها بذراعيه إذا ما أوغلت السيارة في طريق الأهرام، ثم يلثم خدها في رفق وأدب وحنان، وبعضها يهمس له ساخرًا بقبلة الخد قائلًا إنها أبعد طريق إلى قلب المرأة، ماذا لو لثم شفتيها … لو بدا طفلًا وتجاهل النار؟ وأفكار أخرى سوداء … تلك الفكرة التي طردها في عنف والسيارة قد شارفت نهاية شارع الهرم، وأوشكت أن تنحرف إلى الصحراء … هل يفعل ذلك؟ ينظر إليها في خبث، ويقول وقد أومأ برأسه: «ما لنا وللصحراء! … دوري بالسيارة إلى المدينة، إلى شقتك الأنيقة نحتسي كأسًا أولًا.»
هو لا يشرب الخمر، وثانيًا هي سوف لا تقبل … سوف تنظر إليه في احتقار … وسوف تدور بسيارتها فعلًا، وتنهب الطريق إلى المدينة، وستقف حيث لقيته، وستقذف به في نظرة ازدراء قاسية دون أن تتكلم، هذا الاعتراض الثاني لو أنه تهدم لجرف في سبيله الاعتراض الأول … لشرب حتى ثمل … يا لها من فكرة … فكرة سوداء … تهوم فوق صورتها في خياله … ثم تستقر على عقله لحظةً … فيطردها في عنف فتهوم من جديد، ثم تعود ليطردها من جديد، وتضنيه مطاردتها فيستقر لحظةً … يخيل له فيها أنها دارت بسيارتها، ووقفت السيارة أمام دارها … وهبطت وهي تدعوه في دلال، ويدخلان سويًّا … وتقدم له كأسًا … ويشرب الكأس، ويلثم الشفاه القانية، و… الثمن … ثمن ساعة مرحة مع ماجدة … وتفزع أفكاره جميعًا، وكأنها طيور صغيرة هبطت فوقها كف طير جارح، ويطرق أذنية صوتها وهي تسأله: تعرف تسوق السيارة؟
ويجيب، وقد استراح من أفكاره، وهو يضحك: لا أبدًا … أعرف ركوبها فقط …
– مع أنها سهلة جدًّا …
– سهلة صحيح … لكن لا بد من سيارة ليقودها الإنسان، هذا هو الصعب في الموضوع.
تقف السيارة … ويقف المحرك، وتمد يدها بعلبة السجائر، وتقول وهي تشعل له: حدثني عن نفسك.
وتنطفئ الولاعة مرتين قبل أن تشعل سيجارته … كانت يده تضطرب، وأنفاسه تلهث … وكأنها كانت تطارد أفكاره، ويقول لها وقد ملك عنان نفسه: أنا … محامٍ تحت التمرين … أعمل بمكتب الأستاذ وصفي منذ عامين، وأنال منه مكافأةً شهريةً قدرها عشرون جنيهًا … عمري …
وتقاطعه قائلةً في تهكم: محضر تحقيق! عمرك ومرتبك، هذه معلومات تقدمها للخاطبة، أنا أسألك عن حياتك … تفكيرك … ماذا تقرأ، وماذا تحب؟
جالت بخاطره إذ ذاك مغامراته الصغيرة من قبل … كان يكفي أن تأتي كلمة الحب على لسان فتاة لكي يهمس في أذنها باعتراف صغير، ويتلقى الجواب من شفتيها، هل يقول لماجدة أحبك أنت، ثم … ثم ماذا؟ هل هي إحدى فتيات صباه اللائي تستهويهن قبلةً، فتضرم نار الهوى وتحرق الحياء … كم من القُبَل تذوقت شفتا ماجدة؟
وأنقذه من ذلك التيه الذي شردت فيه خواطره مرةً أخرى صوتها الناعم. هل قرأت ديوان «م» الأخير؟
وأجاب دون تردد: لقد قرأت بعض قصائده … لقد خرج في هذا الديوان عن بعض تزمته، وبدا إنسانًا رقيق الإحساس … قصيدته «الموعد» مثلًا ذكرتني بشعر شللي … هل قرأت هذه القصيدة؟
قالت: وأعرف متى كتبها …
قصة حبه المعروفة، إني أشك كثيرًا فيما يشاع عنها، لا شك في أنه أحب … ولكنني أشك في أنه أحب «س» بالذات إنها لا توحي بشيء … وأسرعت قائلةً: لك أنت ربما … لكن له، لقد كانت في وقت ما كل وحيه، غريبة أليس كذلك؟ أنت وأمثالك من السذج لا يصدقون أن تكون مثل هذه المخلوقة التافهة مصدر وحي لشاعر ممتاز، لكن من قال إن ملهمات العباقرة كنَّ دائمًا ذوات خطر … إننا لم نرَ إحداهن إلا في الثوب الذي خلعه عليها صاحبها.
ووجد نفسه يقول: لو كنت ملهمته أنت مثلًا، ترى ماذا كان يضع في الشعر؟
– ربما كان لا يكتب قصيدةً واحدةً …
– أنت لا تلهمين … أي مجنون قال هذا …
وكان متحمسًا إلى حدٍّ أضحكها … أضحكها فترةً عادت بعدها تقول: هل تنظم الشعر أنت؟ … وتنقصك الملهمة؟
ومن هنا يدخل هو وماجدة إلى أحداث القصة، كان كل ما مضى مقدمات لكي تبدأ … ما أكثر ما ضحك تلك الليلة من نفسه! وما أشد ما خجل من خواطره وأفكاره البيضاء والسوداء على حد سواء! عادا من طريق الصحراء عند منتصف الليل … لم يطوق خصرها بذراعيه، ولم يحتَسِ معها كأسًا في شقتها الأنيقة، كل حصاده من متاع الأجساد قبلةً حارةً طبعها على يدها … ومع ذلك فما أحس بأنه يقبل يدًا، وإنما يلثم أطراف محراب، وتتوالى مناظر القصة كلها على نمط واحد.
يلقى ماجدة في المساء، ويحدثها في الصباح بالتليفون، يلقاها في شقتها، فيقضيان الساعات يقرأان الكتب، ويسمعان الموسيقى … كانت تجلس إلى أريكة وثيرة، وقد استرخت كأنها تحلم، في حين جلس هو إلى مقعد بجوارها يقرأ لها شعر الحب لعشرات الشعراء، كانت تقول له: إلقاؤك يكسبه روحًا ومعنًى… من المؤكد أنك ستنظم شعرًا عذبًا يومًا ما.
وكان يضحك قائلًا: ربما … هذا يتوقف عليك … أنت إلهامي ذات يوم إن كتبت شيئًا …
وكان يحس، وهو يقرأ لها شعر النجوى والضراعة أنه لا يلقي نظم غيره … كان يخيل له أنه يتحدث عن نفسه … يتكلم بألفاظه هو، وكان ينتبه إلى نفسه كلما انتهى من تلاوة الشعر فيجدها تحملق فيه، أو تحدق في الفضاء … حتى هي كان يخيل لها أنه يخاطبها … وأنه يبث نجواه هو إليها، لا نجوى الشاعر لحبيبته، وكانا يخرجان أحيانًا إلى الصحراء فتقف السيارة، وينطلقان في الخلاء، تخب أقدامهما في كثبان الرمال، وتخوض أفكارهما في خِضَمِّ العواطف، وتلوك ألسنتهما شتى الأحاديث، يتحدثان عن القدر، وعن الناس، وعن الحب … تقص عليه طرفًا من حياتها، وما لقيت فيها من هناء وشقاء، كل يوم كان يمزق قناعًا من نفسها الغارقة في عشرات الأقنعة … بدت له نفسها آخر الأمر نفس فتاة تنطوي على إحساس بالخير والشر، والهناء والشقاء، والحب والكراهية، وخُيِّلَ له ذات يوم أنها … ماجدة … فتاة، وليست كائنًا من جنس غير البشر … لها شفاه تلثم فتحس حرارة الحب … وعينان تدمعان للأسى، وتلمعان للفرح … وعندئذ فقط، وجد نفسه يتخلى عن دواوين الشعر … ليناجيها بلغته وكلماته، وقد صب عليها قلبه من حرارته ما كساها روعة الشعر.
وقالت له يومًا، وهي تحدق في الفضاء كأنها تسمع شعرًا: هل تحبني حقًّا إلى هذا الحد؟
وأجابها في صدق: أجل يا ماجدة، أحبك من لقائنا الأول، كل ما في الأمر أنني كنت أحسبك تمثالًا جميلًا من المعدن فلم أُبِحْ لك بالحب، حتى تبينْتِ لي إنسانًا يسعد ويشقى وله قلب … أنا أعرف أن حبي لك عبء يجب أن أحتمله وحدي … أعرف أنه ليس في حياتك فراغ أملؤه … لكنني مع ذلك أحبك.
وأطرقت ماجدة لحظةً، وقالت بعدها، وفي صوتها إحساس وعاطفة: أنت تعلم أني أرتاح إليك، وأحب أن أكون معك، ليس حبك لي عبئًا … إنه على العكس يبعث فيَّ الأمل.
وتصل القصة إلى قمتها، ذات يوم كانا يستمعان إلى أغنية في الراديو … لحن جميل نظمه شاعر يصف حبه، ويشكو فيه، لا هجر المحبوب ولا وصاله، وإنما خلو هذا الحب من الهجر والوصل معًا.
حتى ليتمنى على المحبوبة أن تقسو عليه، ومدت ماجدة يدها وخفضت من صوت الراديو، وقالت في امتعاض: لا أحب هذا اللون من العلاقة … إنه كالماء الراكد، أوثر عذاب الهجر على صقيع الركود … أفضل ألف مرة أن أحب إنسانًا فلا يحبني ويهجرني، على أن أظل معلقةً بخيط الشك أو الغموض … أنت ما رأيك؟
وابتسم ابتسامةً فهمتها، وهو يقول: أنا مِنْ رأيك … لكن أنت، ألا تحسين أنك تتركين إنسانًا معلقًا بهذا الخيط … لو أن هذا الإنسان أدرك مصيره؟
وأمسكت بيده، وأخذت تُرَبِّت عليها في رقة، ورفع يدها إلى فمه ولثمها، ثم سار بها حثيثًا حتى استلقت على كتفه، وأحسها تلمس عنقه، وأحس بأنفاسها تتردد دافئةً فتحسس طريقه إلى فمها، وغاب في قبلة طويلة، قبلة رسم خلالها خطوط مستقبل جديد، كانت قد استرخت على المقعد، وكأنما شربت في القبلة نفس الخمر فثملت … أما هو فقد بعثت فيه مع النشوة نشاطًا دب إلى خياله … وقال وفي صوته عزم: هل تتزوجينني يا ماجدة؟ أو؟ …
وأجابت وما زالت سكرى: أو ماذا؟ … أترى نفسك ما زلت معلقًا بخيط الغموض؟
وشربا كأسًا أخرى من الرحيق نفسه، وامتلأت رئتاه بعطرها العميق، وتدفق الهوى في شرايينه حارًّا كالدم، وأخذ يصب في أذنيها الأماني …
– لن أظل في مكاني يا ماجدة في مكتب الأستاذ وصفي … لقد بدأت أُكَوِّن لي عملًا، وسأفتح مكتبًا خاصًّا بعد عام … سنبدأ معًا حياةً جديدةً مشرقةً، أنت وأنا متفقان في مشاربنا، كلانا يقرأ كثيرًا، كلانا يحب الأدب … إننا على الأقل لن نجوع يا ماجدة، فلدي ما ييسر لنا حياةً طيبةً.
إن هذا المنظر هو أقوى مناظر القصة …
ظل يتكلم طويلًا، وألقى دوره بمهارة فائقة، وكأنما كان يستظهره منذ شهور، وظلت ماجدة تستمع … ترى هل نجح في دور العاشق أمام عاشقة محترفة؟ وهل سمعت أذناها قبلًا مثل هذا الأداء؟ … إن ما حدث بعد ذلك كشف عن مدى نجاحه؛ إذ قبلت ماجدة الزواج منه، لقد نجح في أن يجعلها تنسى نفسها، وتتكلم كفتاة يُفتَح قلبها لنداء الحب، قالت له: وزوجَتُك؟
أجابها على الفور: إنها شابة وما زال أمامها المستقبل، وحين يحب الرجل المتزوج، فمعنى ذلك أن زوجته لم تملأ فراغ حياته … أتظنين أنه في استطاعة الرجل أن يحب اثنتين؟
وأخذت تسوق الاعتراضات، وأخذ هو يحطمها واحدًا واحدًا، وراحت بعد ذلك تتخيل بيت الزوجية، وما سوف يكون بيت الزوجية الذي ما عرفته قط، هي التي ذاقت كل بيت عداه … واتفقا على موعد للزواج بعد ثلاثة شهور، ولعله اطمأن منذ ذلك اليوم إلى أنها لم تَعُدِ الغانيةَ ماجدة، بل أضحت خطيبته، وإن لم يُعْنَيَا بإعلان الخطبة … لقد أعلن علاقتهما بعد ذلك سير هذه العلاقة … بدأا يظهران سويًّا، ويغشيان المطاعم ودُور السينما، وكثيرًا ما كانا يقابلان أصدقاء ماجدة … كانت تومئ لبعضهم من بعيد، وكانت تقدمه للبعض الآخر … وكان هذا البعض الآخر شعراء وفنانين من الشبان … وكان هو يعرف بعضهم من قبل، كانت تقدمه كصديق، وكان كلما سألها لماذا لا تنبئهم بالخبر تقول له ضاحكةً: ولمَ التسرع؟ سيعرفون النبأ في حينه …
وفي شقتها الأنيقة كانت تجمعه وإياها وأصدقاءها من الأدباء والشعراء سهرات رائعة يتحدثون فيها، ويستمعون للموسيقى، ولا ينسى ذلك اليوم حين جاء صديقها الموسيقار «م»، وقد تأبط نوتة لحن من وضعه، وجلس يسمعهم اللحن بصوته الحنون، وعيناه مسمرتان على وجه ماجدة حتى انتهى اللحن، وصفق الجميع، وصفق هو معهم، وإن كان قد أحس شيئًا من الضيق … ضيق لم يخالجه شك حينذاك، ضيق ضعيف انفرج مع صيحات الإعجاب والتصفيق باللحن والأغنية، وقال «س» وهو ممثل يستنفد قدرته الفنية في التظاهر والتمثيل في الحياة، قال وقد خفت موجة الإعجاب: عرفنا أن اللحن من تأليفك، ولكن من الذي وضع هذه الأغنية الجميلة … ويجيب الموسيقار ببساطة: الأغنية من تأليف صديقنا الشاعر «ع» لقد وضع الأغنية لماجدة، وأنا لحنتها لها … إنها من وحيها لحنًا، وغنائها لها … ويصفق الجميع من جديد، وقد توجهت أنظاره إلى الشاعر «ع» الذي جلس في حياء، وقد اصطبغ وجهه بحمرة قانية … وكأنه عذراء تسمع حديث الحب لأول مرة … وصفق هو مع الجميع، وأحس بضيق أشد قسوةً وظِلًّا من ضيقه الأول … وكان مطلع الأغنية:
ماذا بعد أن عرفها؟ لطالما سأل نفسه تلك الليلة وهو يتقلب على فراشه ذلك السؤال، وكان يجيئه الجواب يومًا بعد يوم حتى تجمعت سطوره في عبارة واحدة: إن ماجدة كانت وحيًا لأكثر من قصيدة، وأكثر من شاعر، وكانت إلهامًا لأكثر من رسام ومثَّال، وكانت نغمًا لأكثر من لحن وموسيقار … وهو؟ … هو الذي سوف يحظى يوما بهذا النبع لينهل منه إلى الأبد … وكان هذا يعزيه ويبعث إلى نفسه الراحة … فلم يشكَّ يومًا، ولم يسِئِ الظن … حتى في قرار نفسه.
وكان يقول لنفسه كلما خطر له خاطر سوء: «ولِمَ تخدعني، ولا مأرب لها ولا هدف؟ كل ذلك ضرائب الشهرة واللمعان … قصة الفراش وهالة النور في كل زمان ومكان.»
حتى كان ذلك المنظر من القصة حين توقفت آلة العرض، فوقف كل شيء، وسكتت كل حركة، كانوا خمسةً يسهرون عند ماجدة هو أحدهم، وكان ذلك قبل موعد الزواج الذي حدداه بثلاثة أسابيع، بدت ماجدة تلك الليلة في ثوبها الأزرق رائعة … وكلمة رائعة لا تكفي، بدت شيئًا أخطر من أن يمتلكه إنسان، أو يستأثر به حب واحد، كانت أكثر من امرأة واحدة، حتى لقد سأل نفسه سؤالًا لم يستطع الجواب عليه، هل يقوى حبه وزواجه بها مهما يكن قويًّا وسعيدًا أن يضفي عليها ثوب امرأة الرجل الواحد، فلا تشع روحها إلا على حياته وحده؟
وأدار بصره حواليه أكثر من مرة، فأحس بعجزه عن الجواب … أو على الأصح بشكه في أن يكون جوابه بالإيجاب … ها هم أولاء خمسة، ومع ذلك فإن ماجدة تسبغ عليهم جميعًا ثوبًا من البهجة، وتشع بروحها عليهم، وكأن كلًّا منهم يحظى من السعادة أكثر مما يطيق … وينتصف الليل، وتمضي ساعاته الأولى، وينصرف الجميع، ويكون هو آخرهم … يلثم يدها في عمق، ولا يكاد يفتح فمه حتى تقول له، وهي تُرَبِّت على يده: غدًا، غدًا سأحادثك بالتليفون …
غدًا؟ غدًا، ولا بعد غد … وتسافر إلى الإسكندرية وتعود، ويتبين أن قصة هواه قد وقفت عند ذلك المنظر دون أن تصل إلى ختام.
قصص الهوى كما ألفتها الحياة … أو ألفها الكتاب … لم يلتقِ البطل والبطلة في قبلة لا فراق بعدها … ولم يفترقا في دمعة كبيرة يذوب في حرارتها الحب؟!
•••
بعد خمس سنوات تتحرك آلة العرض فجأةً أيضًا، فيتحرك كل شيء ويمر على شاشة الحياة آخر موقف من مواقف القصة … موقف الوداع … يودع البطل البطلة إلى الأبد …
المنظر، ميناء فينسيا والباخرة قد رست لتلتقط بعض الركاب العائدين إلى مصر بعد رحلة الصيف في أوروبا.
كان هو أحد هؤلاء العائدين، وضع أمتعته في مقصورته بالباخرة، وخرج إلى إحدى الصالونات، وجلس وحيدًا يقلب في نهم صحيفة مصرية أعطاه إياها أحد الركاب من المصريين، وأعلن أحد ضباط السفينة أنها ستغادر الميناء في الساعة العاشرة مساءً … وكانت هناك ساعتان باقيتان، وكان الكثيرون من الركاب قد تفرقوا بين قاعة الطعام، وصالونات الباخرة … وقريبًا من البار جلست جماعة من المصريين تقطع الوقت في الحديث على رنين الكئوس، ورفع رأسه على ضحكة عالية … ضحكة لم ينسَها ولن ينساها … ووجد ماجدة تتوسط تلك الجماعة، وإلى جانبها صديقها المليونير الكهل آخر من ربطتها به الشائعات منذ عام، ورأته ماجدة، وهزت رأسها تلك المرة في تحية باسمة … رد عليها سريعًا، وعاد ببصره إلى صفحات الجريدة، ومر نصف ساعة بذل خلاله كل جهده لكيلا يرفع بصره عن الصحيفة … كان كل ما يشغل فكره ليست أنباء الصحيفة، وإنما قصة ماجدة معه، وكل ما سمعه عنها منذ افترقا إلى الآن.
وأرغمته حركة المقاعد أن ينظر من جديد إلى مائدة ماجدة، فوجد الجمع قد نهض ليحيي صديقها المليونير الذي سمع صوته يقول ماجدة: «إنني متعب، وسأذهب إلى مقصورتي، قومي حتى تسأمين حديث هؤلاء السادة.» وتلتقي عيناه مرةً ثانيةً بعينَيْ ماجدة، ويلمح في عينيها ظل ابتسامة … وتمر بضع دقائق فيهب من مكانه ويتجه إلى سطح السفينة، ويقف مطلًّا على الميناء، وقد انعكست عليه الأنوار، وتمر بضع دقائق أخرى، فيحس إلى جانبه شيئًا يتحرك، فيلتفت فيرى ماجدة وحدها، وقد وقفت إلى جانبه تتأمل الميناء، ويشق سكوتهما صوت ماجدة: أما زلت حاقدًا عليَّ؟
ويصدمه السؤال فيرتبك … يرتبك حتى يتعثر الاضطراب على شفتيه: أنا … أنا أحقد عليك!
وتسارع قائلةً: لا … لا … أعرف أنك غاضب مني، ولك العذر، لكن كان لا بد أن أتركك هكذا معلقًا … ماذا كنت تنتظر أن أفعل؟
وكان على وشك أن يجيبها: أن تلقي السطر الأخير في القصة.
لكنها لم تُتِحْ له الفرصة إذ استطردت: كان زواجنا أمرًا مضحكًا، كانت فترة ركود في حياتي حين عرفتك، ثم إني كنت أُعجَب بك.
وقال: كما كنت تعجبين بالشاعر «ع» والموسيقار «م»؟
– تمامًا، حتى حين حدثتني عن الزواج … فقبلْتُ …
وكنت جادةً حين قبلت، كنت أظن أنها فكرة رائعة، أن تتزوج مثلي وتستقر، حتى تبينت خطئي، تبينت أن المغامرة سوف تكون فاشلةً بالنسبة لي على الأقل …
وأجاب ساخرًا: مؤكد … الزواج من شاب ليس مليونيرًا … وليس كهلًا …
وقاطعته منفعلةً: أنت لا تفهمني … كنت تحبني، أليس كذلك؟
وسكت …
– كنت تحبني … وكنت ستتزوجني، وتطلق زوجتك … ثم تدخل حياتي، حياتي كما هي، أو أدخل حياتك … كما هي … الذي حدث أنك أنت دخلت حياتي وعشتَ فيها واحتملتها أيامًا، و… واعذرني إن قلت لك … لم أحسَّ لحظةً واحدةً أن عاطفتي نحوك من القوة بحيث تخرجني من هذه الحياة … إلى آخر يوم كنا فيه سألت نفسي … هل أنا على استعداد لأن أتخلى عن كل شيء في حياتي لأدخل في حياتك زوجةً تُغلَق عليها جدران أربعةٌ؟ وكان الجواب دائمًا «لا» … معنى ذلك أن زواجي بك لا يكون إلا مغامرةً …
– مغامرة … وهل تخشين المغامرات؟
– مغامرة ستدمر بيتك أنت، وحياتك أنت.
ومضى في سخريته …
– تدمر حياتي وبيتي … وهل يزعجك تدمير بيت؟ أنتِ؟
وتملَّكها الغضب، وقالت ثائرةً: طبعًا لا يزعجني … لكن أي بيت … حين أدمر بيتًا، فإني أختار البيت الذي أدمره … وأختاره بنفسي … تكون أنقاضه تساوي شيئًا … لكن بيتك أنت … ماذا كانت تساوي أنقاضه؟ … مغامرة إن خسر فيها غيري فلن أربح فيها أنا شيئًا ذا قيمة.
وكأنما أحست بقسوتها فعادت تقول في رقة: اعْذرْ صراحتي … لم أكن أحب أن أواجهك بهذا، لكن أنت لا تريد أن تفهم.
– بل فهمت يا ماجدة … عز عليك أن تغامري مغامرةً صغيرةً … وعز عليك أيضًا أن تكلفي خاطرك مشقة الرفض … الرفض الصريح … ولم يكن يكلفك شيئًا أن تقولي لن أتزوجك؛ لأنني لا أحبك إلى الحد الذي أُضَحِّي فيه بحياتي اللاهية.
– أو أضحي فيه ببيتك أنت على الأصح.
ومرت فترة سادها الصمت، قطعها بعد ذلك صوت ماجدة، وكأنما كانت تبكي، لو أني قلت لك إذ ذاك إني لن أتزوجك لأنني لا أصلح لك … ولأن حياتي لو دخلت فيها فلن تجني خيرًا … لأنني أحرص على بيتك الصغير … فربما جعلك ذلك تبدو … وأنا أعرفك طيب القلب … كمن يأسره النبل، فتتمسك بي … كنت أستطيع أن أبدو لك بمظهر الفتاة النبيلة فتزيد تمسكًا بي، وكنت أيضًا أستطيع أن أكذب عليك فأزعم لك أني أحب غيرك … فأجرحك جرحًا … جرح الرجل يهزم في قلبه وكرامته … لكنني آثرت أن أنسحب من حياتك دون ضجة … آثرت أن أترك حبل هواك يرخيه الزمان … لقد أخطأت مرةً واحدةً … أتعرف متى؟
كان غارقًا في الصمت، فأجابت هي: حين دعوتك أول مرة لنزهة في الصحراء … كان أبعد ما أتخيله أن تحبني، وأن ترى فيَّ شيئًا غير ما يراه الناس …
وتحركت ماجدة إلى مقصورتها … وتحركت السفينة في هدوء … بعيدًا عن الشاطئ …